أخواتي و إخواني الإفاضل :
أدعوكم للمشاركة ِفي إثراء هذا الموضوع ِبمُساهماتِكم ،
وهذه محاولة ٌلإنصاف ِالمرأة ِالمسلمة ِ، عبرَهذا التاريخ
الطويل ِ، والذي دوَّنَ لها بطريقة ٍلم تُنصفها ، مع أن القرآنَ
الكريمَ والحديثَ النبويَّ الشَّريفَ لم يغفلا عن إعطاءِ المرأة ِ
كُلَّ حقوقها .
شاكراً لكم ، وأستأذنكم أن أبدأ بأم المؤمنين .

خَديجة ُ بنتُ خُوَيْلِد



هي أولى زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأمّ أولاده ، وخيرة نسائه ، وأول من آمن به وصدقه ، أم هند ، خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية ، وأمها فاطمة بنت زائدة ، قرشية من بني عامر بن لؤي .



ولدت خديجة رضي الله عنها بمكة ، ونشأت في بيت شرف ووجاهة ، وقد مات والدها يوم حرب الفجَار .



تزوجت مرتين قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – باثنين من سادات العرب ، هما : أبو هالة بن زرارة بن النباش التميمي ، وجاءت منه بهند وهالة ، وأما الثاني فهو عتيق بن عائذ بن عمر بن مخزوم ، وجاءت منه بهند بنت عتيق .



وكان لخديجة رضي الله عنها حظٌ وافرٌ من التجارة ، فكانت قوافلُها لا تنقطعُ بين مكّة والمدينة ، لتضيفَ إلى شرفِ مكانتها وعلوّ منزلتها الثروة َوالجاهَ ، حتى غدتْ من تجّار مكّة المعدودين .



وخلال ذلك كانت تستأجرُ الرجال وتدفعُ إليهم أموالَها ليتاجروا بها ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحداً من الذين تعاملوا معها ، حيث أرسلته إلى الشام بصحبة غلامها ميسرة , ولما عاد أخبرها الغلام بما رآه من أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم – وما لمسه من أمانته وطهره ، وما أجراه الله على يديه من البركة ، حتى تضاعف ربحُ تجارتها ، فرغبت به زوجاً ، وسرعان ما خطبها حمزة بن عبدالمطلب لابن أخيه من عمها عمرو بن أسد بن عبدالعزى ، وتمّ الزواج قبل البعثة بخمس عشرة سنة وللنبي - صلى الله عليه وسلم - 25 سنة ، بينما كان عمرها 40سنة ، وعاش الزوجان حياة ًكريمة ًهانئة ، وقد رزقهما الله بستة من الأولاد : القاسم و عبد الله و زينب و رقية و أم كلثوم و فاطمة .



وكانت خديجة رضي الله عنها تحب النبي - صلى الله عليه وسلم – حبّاً شديداً ، وتعمل على نيل رضاه والتقرّب منه ، حتى إنها أهدته غلامها زيد بن حارثة لما رأت من ميلهِ إليه.



وعند البعثة كان لها دورٌ مهم في تثبيت النبي – صلى الله عليه وسلم – والوقوف معه ، بما آتاها الله من رجاحة ِ العقل وقوّة الشخصيّة ، فقد أُصيب عليه الصلاة والسلام بالرعب حين رأى جبريل أوّل مرّة ، فلما دخل على خديجة قال : ( زمّلوني زمّلوني ) ، ولمّا ذهب عنه الفزع قال : ( لقد خشيت على نفسي ) ، فطمأنته قائلةً : " كلا والله لا يخزيك الله أبداً ، فوالله إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكلّ ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق " رواه البخاري ، ثم انطلقت به إلى ورقة بن نوفل ليبشّره باصطفاء الله له خاتماً للأنبياء عليهم السلام .



ولما علمت – رضي الله عنها – بذلك لم تتردّد لحظةً في قبول دعوته ، لتكون أول من آمن برسول الله وصدّقه ، ثم قامت معه تسانده في دعوته ، وتؤانسه في وحشته ، وتذلّل له المصاعب ، فكان الجزاء من جنس العمل ، بشارة الله لها ببيتٍ في الجنة من قصب ٍ، لا صخبٌ فيه ولا نصبْ، رواه البخاري و مسلم .



وقد حفظ النبي – صلى الله عليه وسلم – لها ذلك الفضل ، فلم يتزوج عليها في حياتها إلى أن قضت نحبها ، فحزن لفقدها حزناً شديداً ، ولم يزل يذكرها ويُبالغ في تعظيمها والثناء عليها ، ويعترف بحبّها وفضلها على سائر أمهات المؤمنين فيقول : ( إني قد رزقت حبّها ) رواه مسلم ، ويقول : ( آمنت بي إذ كفرَ بيَ الناسُ ، وصدّقتني إذ كذبني الناسُ ، وواستني بمالها إذ حرمني الناسُ ، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولادَ النساء ) رواه أحمد ، حتى غارت منها عائشة رضي الله عنها غيرة شديدةً .



ومن وفائه – صلى الله عليه وسلم – لها أّنه كان يصُ صديقاتِها بعد وفاتها ويحسنُ إليهنّ ، وعندما جاءت جثامة المزنية لتزورَ النبي – صلى الله عليه وسلم أحسن استقبالها ، وبالغ في الترحيب بها ، حتى قالت عائشة رضي الله عنها : " يا رسول الله ، تقبلُ على هذه العجوزِ هذا الإقبالَ ؟ " ، فقال : ( إنها كانت تأتينا زمن خديجة ؛ وإن حسن العهد من الإيمان ) رواه الحاكم ، وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا ذبح الشاة يقول : ( أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة ) رواه مسلم .



وكان النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – إذا سمعَ صوتَ هالة أخت خديجة تذكّر صوتَ زوجته فيرتاح لذلك ،كما ثبت في الصحيحين .



وقد بيَّن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فضلها حين قال: ( أفضلُ نساءِ أهل الجنة خديجةُ بنت خويلد ، وفاطمةُ بنت محمد، وآسية بنتُ مزاحم امرأةُ فرعون ، ومريمُ ابنة ُعمران رضي الله عنهن أجمعين ) رواه أحمد ، وبيّن أنها خيرُ نساءِ الأرض ِفي عصرها في قوله : ( خيرُ نسائها مريمُ بنتُ عمران وخيرُ نسائها خديجة ُبنتُ خويلد ) متفق عليه .



وقد توفيت رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين ، وقبل معراج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولها من العمر خمس وستون سنة ، ودفنت بالحجُون ، لترحلَ من الدنيا بعدما تركت سيرةً عطرة ، وحياةً حافلةً ، لا يُنسيها مرورُ الأيام والشهور ، والأعوام والدهور ، فرضي الله عنها وأرضاها .


* كتاب " تراجم سيدات بيت النبوة " للدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)
ومصادر أخرى ، وبتصرف .