تقرير لـ«بروكينغز» حول الحرب المقبلة: الميدان من «الهرمل» إلى «ديمونا»...
والتوغل في المستوطنات محتمل*

قوة الردع تحفظ الهدوء «الأطول» منذ عقود، على الحدود بين لبنان وإسرائيل. ذلك
لا يعني ان الحرب غير واردة، لا بل إنها قد تندلع «عرضيا» على المديين المتوسط
او البعيد. فكلاهما، «حزب الله» وإسرائيل، يستعد للجولة الثانية من القتال على
قدم وساق، كأن النزاع واقع اليوم أو غداً.
في تقرير نشرته مؤسسة «بروكينغز» الأميركية للدراسات، يوم الاثنين الماضي، في
35 صفحة، درس الباحث في «مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار» بلال صعب
ومراسل صحيفتي «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية و«التايمز» البريطانية
نيكولاس بلانفورد «كيف سيكون شكل النزاع المقبل بين «حزب الله» وإسرائيل، وكيف
يستعد كلا الطرفين لهذه الحرب المقبلة».
خلص صعب وبلانفورد إلى ان كلا الجانبين، «حزب الله» وإسرائيل، استخلص العِبر من
حرب تموز 2006. فبرغم «صموده أمام الجيش الاسرائيلي»، فقد الحزب «سيادته في
جنوب لبنان، وكُشفت تكتيكاته العسكرية مبكرا، فضلا عن انه أرغم على إخلاء بناه
التحتية العسكرية التي كان قد انفق سنوات على إعدادها».
إسرائيل أيضا «عانت من الذل لسوء تقديرها عدوها. كما لم تحقق ايا من الأهداف
التي أعلنتها لحرب تموز 2006». فـ«سوء أداء الجيش الاسرائيلي على مستويات
متعددة، القيادة، التنسيق، الامور اللوجيستية والقدرات القتالية، قوّض قوة
الردع الإسرائيلية».
في الآتي قراءة مفصلة في تقرير بلال صعب ونيكولاس بلانفورد في «بروكينغز»:
*وضع «حزب الله»
*
منذ انتهاء حرب تموز، أجرى «حزب الله» اوسع حملة لاستقطاب الكوادر وللتدريبات
خلال 30 عاما من تاريخه، وضم إلى صفوفه كوادر متفانية وأعاد إحياء وحدات
الاحتياط المسماة «سرايا المقاومة اللبنانية».
اما في ما يتعلق بترسانته العسكرية، فقد ركّز الحزب على الحصول على صواريخ
بعيدة المدى مزودة بأنظمة توجيه لاستهداف لائحة من مواقع البنى التحتية
والعسكرية المحددة في اسرائيل. وتشمل هذه الترسانة، التي يعتقد أنها مخبأة في
حصون تابعة للحزب في لبنان وربما في سوريا، صواريخ باليستية قصيرة المدى من
طراز «ام 600»، (مداها 150 ميلا) وهي مزودة بنظام توجيه يمكّنها من الإصابة في
اطار 500 يارد حول الهدف.
في نيسان 2010، تحدثت التقارير عن ان سوريا سلمت الحزب 10 صواريخ «سكود»
باليستية، التي تستخدم سائلا ذاتي الدفع يتطلب تخزينها وإعدادها خبراء مختصين
ومدرّبين. هي صواريخ تتطلب وقتا أطول لإطلاقها، لكن مداها يبلغ ثلاث مرات أكبر
من مدى صواريخ «ام 600»، ما يسمح باستهداف المنطقة الجنوبية لإسرائيل، انطلاقا
من مناطق نائية في البقاع مثلا او حتى الهرمل.
كما يعتقد ان «حزب الله» تلقى تدريبا على انظمة دفاعية جوية متطورة قد تشكل
تهديدا للاصول الاسرائيلية التي تحلّق على علو منخفض كالمروحيات والطائرات بلا
طيار. ليس واضحا كيف طوّر الحزب انظمته الدفاعية الجوية، لكن المسؤول العسكري
الإسرائيلي يوسي بايداتز قال في آذار 2010، ان سوريا زوّدت الحزب مؤخرا بنظام
صواريخ مضادة للطائرات من طراز «اس أيه-24 غرينش» بالإمكان حملها على الكتف.
وهو نظام متطور لنظام «اس آيه 18 غروس».
في حزيران 2009، تحدثت مجلة «جاينز» الأميركية المتخصصة في الشؤون العسكرية عن
ان كوادر «حزب الله» تلقوا في سوريا تدريبات على نظام «اس آيه 8 جيكو» النقال
المضاد للطائرات والمزود بنظام رادار.
قد يكون هذا النظام قديماً ولا يطال سوى المروحيات والطائرات بلا طيار، لكن بما
ان مسرح الحرب المقبلة سيكون اشمل، قد تعتمد اسرائيل أكثر على المروحيات لنقل
جنودها، ما يعرض عددا اكبر من هؤلاء للخطر.
الأهم هو التطوير الذي أدخله «حزب الله» في أنظمة الاشارات الاستخباراتية
«سيغينت»، وتعزيزه قدراته في مجال الاتصالات.
في العام 2009، سئل القيادي العسكري في «حزب الله» أحمد الحاج علي عن استعداد
الحزب لحرب مقبلة. أجاب «لقد استعدنا القدرة على الحديث والسماع والرؤية». إذ
«لا يمكننا ان نكون مكفوفي البصر في الحرب. نحن اليوم في حال افضل مما كنا عليه
في 2006».
في ما يتعلق بالتطويرات التي ادخلت على مجال الاتصالات، فقد وسع الحزب شبكة
الألياف البصرية (منظومة الاتصالات) التي باتت تغطي كل المناطق حيث تنتشر قوات
الحزب، في ضاحية بيروت الجنوبية والمنطقة الساحلية بين بيروت والجنوب وكامل
النصف الجنوبي من لبنان ووادي البقاع بما في ذلك منطقة الهرمل. ويقال ان خطوط
الألياف البصرية مربوطة بشبكات اتصال في سوريا. ولعل انظمة «سيغينت» هي العنصر
الأكثر سرية لدى الحزب. والكوادر التقنية الخاصة بهذه الأنظمة هم الأكثر عراقة
وتدريبا من بين كل كوادر الحزب.
ومن المتوقع أن يستخدم الحزب هذه الأسلحة المتطورة وقدراته في مجال «سيغينت»
للهجوم في أي نزاع مقبل مع اسرائيل، في محاولة للامساك بزمام المبادرة بدلا من
تبني موقع الدفاع كما حدث في 2006. من بين الخطط الجديدة التي يعدّها «حزب
الله» هناك التوغل البري والبحري داخل اسرائيل لشن هجمات كوماندوس، هدفها إحداث
أثر نفسي أكثر من كونه عسكريا.
على الصعيد الاستخباراتي، كدّس «حزب الله» قائمة معلومات شاملة عن البنى
التحتية المدنية والعسكرية لدى اسرائيل. في تموز 2009، أطلع قائد وحدة قتالية
في الحزب يدعى «ابو اياد» كاتبي تقرير «بروكينغز» على «خريطة للجبهة المدنية
للعدو»، تضم «غوش دان»، التي تغطي تل ابيب، وحيفا، التي تضم منشأة
بتروكيميائية، واشدود التي تضم اكبر مرفأ اسرائيلي. على الخريطة، هناك ايضا
المنطقة الجنوبية التي تضم مفاعل «ديمونا».
ونظرا إلى المدى الذي تغطيه الصواريخ التي يمتلكها «حزب الله»، فإن ميدان
المعارك في الحرب المقبلة سيكون، على الأرجح، اوسع من نطاق جنوب لبنان وشمال
إسرائيل.
في الحرب المقبلة، «ما سيجري على جبهة العدو المدنية سيكون له تأثير أكبر مما
يجري على الجبهة العسكرية، على نتيجة الحرب»، كما قال القيادي العسكري في «حزب
الله» حسين صالح. في هذه الحرب، سيكون ضروريا لـ«حزب الله» ان يحافظ على وتيرة
مستقرة من اطلاق الصواريخ على اسرائيل، في حين ستشمل الخطوط الدفاعية للحزب
المنطقة الممتدة من الخط الأزرق الى الهرمل شمالا.
كما من المتوقع ان يستخدم الحزب التكتيكات ذاتها التي استخدمها ضد المدرعات في
2006، كما سيطلق قذائف مضادة للمدرعات تماما كما فعل في الحرب السابقة، لكن
بأعداد أكبر بكثير مستخدما الصواريخ الرخيصة، في مسعاه للتغلب على نظام
«تروفي».
ثمة أمران «يردعان» «حزب الله» من الدخول في نزاع مع إسرائيل. الأول، يتعلق
بدور الردع الذي يلعبه «حزب الله» لصالح إيران، التي انفقت ملايين الدولارات
منذ العام 2000 في بناء قدرات الرد العسكري لدى الحزب، في حال وقع هجوم على
المنشآت النووية الإيرانية. اما الثاني، فيتعلق باعتماد الحزب على دعم المجتمع
الشيعي، فكل الاموال التي قد تنفقها إيران على الحزب لن تنقذه في حال خسر دعم
الشيعة في لبنان، ولهذا يسير الحزب على خط رفيع بين تعليمات إيران واحترام
مصالح المجتمع الشيعي اللبناني الذي لا نهم لديه للحرب مع اسرائيل.
*وضع إسرائيل
*
بدورها، استخلصت اسرائيل العبر من حرب تموز 2006. في الحرب المقبلة، ستضع
اهدافا واضحة وواقعية، كما ستحشد وحدات الاحتياط وستقوم بعمليات التنسيق مع
القيادة العامة بطريقة أكثر فاعلية، كما ستضع خططا فاعلة للخروج، وستشن حملات
إعلامية افضل مما فعلت في تموز 2006.
منذ 2006، اعادت إسرائيل ترسيخ استقلالية الوحدات القتالية وقوتها، كما عززت
قدرات قواتها البرية والبحرية والجوية، وقدرات هذه القوات لشن عمليات مشتركة.
كما أجرت تدريبات واسعة النطاق استخدمت فيها تقنيات المناورة السريعة ناهيك عن
استخدام معدات أكثر صلابة ومرونة في آن لتقليص هامش العيوب التكتيكية. كما انشأ
الجيش الإسرائيلي مراكز مدنية قتالية تحاكي ميادين الحرب التقليدية والمتوقعة،
تضم نماذج عن قرى وبلدات لبنانية ومخيمات للاجئين.
لعل اكبر تحد امام أي توغل بري تقوم به اسرائيل في الحرب المقبلة سيكون في
مدينة بنت جبيل الحدودية. ولهذا ركّزت التدريبات التي اجراها الجيش الاسرائيلي،
وخاصة لواء «غولاني»، على شن هجمات برية في مراكز تحاكي «ستالينغراد لبنان» أي
بنت جبيل.
كما أدخلت إسرائيل عددا من التقنيات الحديثة، تشمل درعا متعدد الطبقات مضادا
للصواريخ، لاعتراض وتدمير صواريخ «حزب الله» القصيرة والبعيدة المدى وكذلك
الصواريخ الباليستية الإيرانية. كما زوّدت مدرعاتها بنظام «تروفي» الدفاعي
لحمايتها من القذائف المضادة للمدرعات.
ويطلق نظام «تروفي» قذيفة انطلاقا من مدرعة باتجاه الصاروخ المعادي ليدمّره في
الجو. كما ان الدولة العبرية زادت استثماراتها في تطوير الانظمة الدفاعية، مثل
«آرو 2» و«آرو 3» و«القبة الحديدية» و«العصا السحرية».
هذه الانظمة مكلفة، فسعر النظام الواحد من «القبة الحديدية» يبلغ 21 مليون
دولار، ولن تكون هذه الأنظمة مكرسة لحماية المدنيين الاسرائيليين وإنما لحماية
المواقع الاستراتيجية المهمة مثل مراكز البنى التحتية والصناعية والقواعد
العسكرية.
على المستوى الاستخباراتي، تزعم إسرائيل انها تملك معلومات حول المنشآت
العسكرية التابعة لـ«حزب الله»، افضل من المعلومات التي كانت تمتلكها في 2006.
ونقلت «جيروزاليم بوست» عن مسؤول عسكري اسرائيلي قوله «في 2006، كان لدينا
قائمة بـ200 هدف.. اليوم لدينا آلاف الأهداف».
وكانت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية نشرت في ايار الماضي خريطة تظهر نحو 1000
حصن تحت الأرض ومنشآت لتخزين الأسلحة ومواقع مراقبة بناها «حزب الله». وجاء نشر
هذه الخريطة في سياق محاولة شن حرب نفسية ضد «حزب الله» وايران.
وبرغم استعداداتها المكثفة، لا تزال إسرائيل تواجه تحديات هائلة، وفرصها في أي
مواجهة مقبلة مع «حزب الله» لا تزال «أقل من الكاملة»، فأي محاولة منسّقة لسحق
قدرات «حزب الله» العسكرية مرة إلى الأبد سينجم عنها عدد كبير من الضحايا
المدنيين وأضرار هائلة في البنية التحتية اللبنانية والإسرائيلية على السواء،
ما قد يثير انتقادات دولية فضلا على ان هذه المحاولة لا تنطوي على ضمانات
بالنجاح.
وبالنظر الى توسع ترسانة «حزب الله»، فإن مثل هذه المحاولة لسحق الحزب ستتطلب
من اسرائيل التوغل عميقا في لبنان، أي الى الهرمل والمناطق المحاذية لسوريا، ما
قد يجر الى مواجهة مع الجيش السوري.
كما ان سحق الحزب سيتطلب القيام بهجوم واسع النطاق، تستخدم فيه الألوية
المختلفة: المشاة والمدرعات والسلاح الجوي والقوات الخاصة، كما يتطلب من
إسرائيل فرض حصار بحري على لبنان، وهو ما ينطوي على مخاطر كبيرة نظرا الى
امتلاك «حزب الله» صواريخ ارض بحر متطورة مخبأة بشكل محصن على الساحل وخاصة في
منطقة الأوزاعي.
ولعل اهم وظيفة لما تسمى «عقيدة الضاحية»، التي تبنتها اسرائيل في حربها على
غزة في 2008 هي «معاقبة» المدنيين لينقلبوا على المقاومة، كما تكمن في قوتها
الرادعة.
المصدر: وكالة أخبار اليوم التاريخ: 8/20/2011