معركة جبل الكاشف

حسن أحمد

المقاومة هزمت القوات الصهيونية الخاصة على تلة استراتيجية :
معركة جبل الكاشف خاضتها أذرع المقاومة العسكرية وعلى رأسها كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس مع القوات الإسرائيلية، فكان الإبداع في التصدي من قبل الكتائب التي كادت أن تختطف جنودًا إسرائيليين من (اللواء الفاخر) في دولة الاحتلال، وذلك لولا كثافة نيران الطيران الحربي الذي يستقوون به.
محللون وسياسيون فلسطينيون وعرب وإسرائيليون أيضًا، أكدوا أن هذه المعركة كانت شرسة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث استطاعت المقاومة من خلالها أن تقلب نظرية الجيش الذي لا يقهر، وكسر أنف ما تعرف بالألوية على اختلاف أسمائها في الدولة العبرية، حيث إنها لم تحقق أهدافها المرجوة منها بل زادت الطين بلة، وأصبحت صواريخ المقاومة التي كانت تصل لبلدة سديروت المحتلة تصل إلى عسقلان والمجدل.

منطقة جبل الكاشف :
لماذا اختارت قوات الاحتلال الإسرائيلية هذه المنطقة لتنفيذ مخططاتها ضد قطاع غزة والنيل من المقاومة الفلسطينية؟! هذا السؤال وغيره الكثير دار بخلد كل من سمع بتلك المعركة الساخنة.
منطقة جبل الكاشف تقع شرق بلدة جباليا الواقعة شمال قطاع غزة، وتعتبر أعلى تلة في القطاع حيث من خلالها يمكن كشف جميع مدن القطاع، كما أن الكثافة السكانية فيها قليلة وأغلب الأراضي مكشوفة.
بالإضافة إلى العنصر الأهم هو أنها منطقة ضعف عسكري للمقاومة بحكم أنها مفتوحة ومحاذية للحدود مع دولة الاحتلال، وأن إمكانيات المناورة فيها ضعيفة الأمر الذي دفع عددًا كبيرًا من مجاهدي المقاومة من كافة أنحاء القطاع للنزول إليها للتصدي للقوات الإسرائيلية الغازية.
كما أنه يسهل من خلال هذه المنطقة الدخول إلى عمق القطاع والوقوف على أبواب أكبر تجمع سكاني فيه وهو معسكر جباليا.

التخطيط للمعركة :
كان واضحًا مع بداية دخول القوات الإسرائيلية الخاصة إلى جبل الكاشف بأنها ستكون خطة متدحرجة، تتطور يومًا بعد يوم وصولاً إلى إنهاك المقاومة واحتلال القطاع مؤقتًا لإنهاء حكم حركة حماس فيه، ويبدو أن كل عناصر الخطة تم اختيارها بعناية وعن دراسة مسبقة.
دخلت القوات الإسرائيلية الخاصة بكثافة في منطقة عزبة عبد ربه قبل أن تصل جبل الكاشف للسيطرة على المنطقة وصولاً إلى شارع صلاح الدين غربًا، ومنها ستتجه شمالاً نحو بيت حانون وجنوبًا نحو مدينة غزة وحي الشجاعية بالتحديد، ووصولاً لمفترق الشهداء (نتساريم) والاتجاه غربًا حتى شاطئ البحر.
ليتم بذلك محاصرة مدينة غزة والشمال التي تشكل مركز الثقل السياسي والعسكري الأكبر لحركة حماس، وليتم إنهاكها جويًّا وإشاعة الفوضى الداخلية من خلال العناصر العميلة للاحتلال التي تم ضبط بعض مجموعاتها التي كانت تعمل لتنفيذ هذا السيناريو، أما وسط وجنوب القطاع فسيكون التعامل معه أسهل إذا ما تم انهيار حكم حماس في غزة والشمال.

بداية المعركة :
في الساعة الثانية عشر من فجر يوم الأربعاء السابع والعشرين من شباط/فبراير ، بدأت العملية العسكرية الإسرائيلية ضد منطقة شمال قطاع غزة وبالتحديد في منطقة جبل الكاشف عندما اندفع المئات من الجنود الإسرائيليين من الوحدات الخاصة نحو المنطقة المذكورة.
ويبدو أن عملية الرصد التي تقوم بها كتائب القسام كانت ناجحة إلى حدٍ بعيد، حيث تم تسهيل مهمة دخول القوات الخاصة في بعض المحاور لإيقاعها في شرك تم نصبه في المنطقة، وبالفعل حدث ما تم التخطيط له من قبل المقاومة ووقعت القوات الإسرائيلية الخاصة في الشرك حيث تم إطلاق النار على القوات الإسرائيلية من مسافات قريبة جدًّا أدت إلى قتل وجرح الكثيرين منهم بخلاف ما اعترفت به قوات الاحتلال.

محاولة ولكن!
وفي خضم المعركة الحامية الوطيس التي خاضتها المقاومة العنيدة، أوشك عدد من مجاهدي كتائب القسام على أسر جنود إسرائيليين لولا كثافة النيران التي تعرض لها المقاومون من قبل طائرات الأباتشي التي تدخلت لإنقاذ الموقف، لكنها لم تستطع الهبوط لإنقاذ الجرحى، وأُجبرت على التقهقر، ومن ثم تم استدعاء الآليات العسكرية من دبابات وناقلات جند، وقد استطاعت المقاومة أيضًا أن تتعامل معها من خلال تدمير بعض هذه الآليات.

وجهًا لوجه!
غرفة العمليات المركزية التابعة لكتائب القسام، كانت تعمل على قدم وساق منذ اللحظات الأولى لبدء المعركة، حيث أكدت في حينه أن مجاهدي كتائب القسام تمكنوا من الجنود الإسرائيليين الذين وقعوا في الكمين المحكم الذي أعدته الكتائب، مشيرة إلى أن أحد المجاهدين القساميين تمكن من تفريغ مخزن ذخيرة كامل (30 رصاصة) من سلاحه الخاص في جسد جندي صهيوني لم يبعد عنه سوى متر واحد.
وأوضحت غرفة العمليات المركزية أن مجاهدي كتائب القسام تمكّنوا من تفجير عدة عبوات ناسفة في الجنود الصهاينة بشكل مباشر، وأنهم سمعوا لمدة طويلة أصوات استغاثة الجنود الصهاينة المصابين جراء الاشتباكات العنيفة في معركة جبل الكاشف.

معلّقون صهاينة: كتائب القسام قاتلت ببسالة وأولمرت تراجع عن إسقاط حكومة حماس :
تنافس كبار معلقي قنوات التلفزة الإسرائيلية في تبرير تراجعهم عن المواقف التي كانوا يرددونها قبل شن عملية الشتاء الساخن، وما تبعها من عمليات للمقاومة الفلسطينية، وتحديدًا عملية القدس الاستشهادية، فمعظم المعلقين الصهاينة كانوا يعتبرون أن الحل الوحيد لمواجهة عمليات المقاومة في قطاع غزة هو استخدام مزيد من القوة.
عاموس هارئيل المعلق العسكري في صحيفة هآرتس ينقل عن جنود وحدات النخبة العسكرية التي نفذت الشتاء الساخن قولهم: إن أعضاء كتائب عز الدين القسام قاتلوا ببسالة وتصميم كبيرين، معتبرين أنهم واجهوا جنودًا أشداء ومدربين.
وفي مقابلة مع القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، قال ضابط لواء الصفوة جفعاتي، الذي كان له دور في عملية الشتاء الساخن: إن ما واجهه في شمال قطاع غزة يدلل على مدى التطور الذي بات يميز فنون القتال الميدانية لدى نشطاء الجهاز العسكري في حركة حماس، وأضاف لقد واجهنا جيشًا مدربًا تتطلب مواجهته استعدادًا خاصًا.
وفي المقابل، أجمعت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه على الرغم من اللهجة المتشددة التي يتحدث بها رئيس الوزراء الصهيوني إيهود اولمرت ووزير حربه إيهود باراك، فإن أغلبية صناع القرار في المؤسستين السياسية والعسكرية باتت تعتبر أنه يتوجب بحث إمكانية التوصل لتهدئة مع حركة حماس في قطاع غزة، سواء عبر اتصالات مباشرة أم غير مباشرة، اللافت للنظر أن العمليات الأخيرة أقنعت الحكومة الإسرائيلية بالتخلي عن العمل على إسقاط حكومة حماس، رغم أنها أعلنت أن هذا كان هدفًا رئيسيًّا لعملياتها العسكرية في القطاع.
تشيكو منشيه، المعلق السياسي المعروف، قال: إن أحدًا من وزراء الحكومة الإسرائيلية لم يعد يرى أن إسقاط حكومة حركة حماس بات هدفًا واقعيًّا، مؤكدًا أن الحكومة الإسرائيلية تخلت عن العمل لتحقيق هذا الهدف، وأضاف منشيه أن تراجع الحكومة الإسرائيلية عن التشبث بهذا الهدف يرجع إلى حقيقة أن إسقاط حكومة حماس يتطلب شن حملة عسكرية يتم خلالها احتلال جميع مناطق قطاع غزة، مشيرًا إلى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة وما نجم عنها من ردود أفعال فلسطينية أقنعت المستوى السياسي والعسكري بأن إعادة احتلال قطاع غزة سيكون مقترنًا بسقوط عدد كبير من الجنود الإسرائيليين.
وكان ثمة إجماع بين كبار المعلقين الإسرائيليين على أن إسرائيل يمكنها فقط انتظار الأسوأ في حال تواصل سقوط الضحايا الفلسطينيين بنيران الاحتلال الإسرائيلي، رفيف دروكير، المعلق السياسي لقناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة، يعتبر أن ما يحدث حاليًا في أرجاء الضفة الغربية والقدس وغزة يمثل مقدمات أولية لانتفاضة ثالثة، أضاف ليس من الحكمة أن تساهم العمليات العسكرية في قطاع غزة في اندلاع انتفاضة ثالثة، يتوجب على الحكومة أن تبحث عن كل وسيلة لإطفاء النيران المشتعلة في غزة، وإلا فإنه ليس فقط مدن الضفة الغربية ستشتعل، بل إن هناك أساسًا للاعتقاد أن مدننا ستتحول إلى ساحة للعمليات الانتحارية من جديد.
من ناحيته حذّر عوفر شيلح، مقدم البرامج الحوارية في القناة نفسها، من أن إسرائيل من خلال تصعيدها غير المحسوب في غزة تخاطر بالقضاء على كل الإنجازات التي حققتها في العامين الماضيين، لا سيما على صعيد عزل حركة حماس وتشريع الحصار عليها.
وأضاف أن إسرائيل حققت إنجازًا كبيرًا عندما نجحت في تكريس الانقسام بين حركتي فتح وحماس، وتحديدًا عندما اقتنع أبو مازن بتوجيه قواته في الضفة الغربية لضرب حركة حماس. لكن في حال نشبت انتفاضة جديدة، فإن حماس وفتح ستتوحدان في مواجهتنا، وسنخسر أبو مازن وكل التيار المعتدل في منظمة التحرير، وتبقى الساحة الفلسطينية تحت سيطرة حماس المطلقة.
من ناحيته، قال يوسي بيلين، زعيم حركة ميريتس اليسارية ووزير القضاء الصهيوني الأسبق: إن المشاهد التي عرضتها شاشات التلفزة لمسرح العملية التي نفذها علاء أبو دهيم في مدرسة مركاز هراب الدينية، جاءت في الوقت الذي ظن فيه المجتمع الإسرائيلي أن هذه الفترة هي الفترة الأكثر هدوءًا. وأضاف بالأمس فقط أعربنا عن ارتياحنا بسبب الهدوء النسبي الذي شهده عام 2007م، لكنا مرة أخرى تصدمنا مشاهد سيارات الإسعاف وهي تنقل القتلى والجرحى. ومع ذلك، علينا ألا نعود للخطأ الكبير الذي وقعنا فيه في خريف عام 2000م، عندما اندلعت أحداث انتفاضة الأقصى، حيث اعتقدنا حينها أنه بإمكان قبضتنا الحديدية أن تقطع اليد الفلسطينية التي استهدفتنا. فلم تجرّ سياسة القبضة الحديدية علينا إلا المزيد من الكراهية وروح الانتقام التي أصبحت متجذرة في نفوس الفلسطينيين، على حد تعبيره.
وأعاد بيلين للأذهان أنه لم يسبق في تاريخ إسرائيل أن يقتل هذا العدد من الإسرائيليين كما حدث في انتفاضة الأقصى. وحذر قائلاً: كلما يقتل ويجرح الفلسطينيون كلما عربد الغضب، وسرعان ما تتعاظم الدعوات في الساحة الفلسطينية للمسّ بإسرائيل والانتقام من جيشها وجباية ثمن كبير من مواطنيها، ولسع وعينا الجمعي.

المصدر: موقع فلسطين المسلمة.
عن موقع قصة الإسلام