الفرنسيون يدمرون حي سيدي عامود

شمس الدين العجلاني


لنرفع صوتنا عاليا نريد حقنا من الاستعمار الغاشم عما اقترفه بحق أجدادنا وآبائنا

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

لم ترحم نيران مدفعيتهم و طائراتهم الحجر أو البشر ، الأخضر أو اليابس ، بوحشيه لا توصف قصفت قوات الانتداب الفرنسي دمشق لأول مره في عام 1925 م ، ودمرت المنازل و المتاجر و الشوارع ، وقتلت الأطفال و النساء و الشيوخ . ثلاثة أيام و حمم النيران الغادرة تتساقط على مدينة الياسمين ، و المدينة تأن من عمق الجراح و لكنها لم تنحن بل وقفت شامخة كقاسيون تقاوم العين المخرز ، و سجل أهل سورية أروع البطولات و التضحيات في عشق مدينتهم دمشق .
هذه الوحشية للمستعمر الفرنسي أدت إلى تدمير حي دمشقي من أغنى أحياء دمشق و أروعها ضربته نيران وحشيه و أبادته عن بكره أبيه فلم يبق فيه حجر على حجر ، كان هذا الحي يدعى في أيام زمان حي سيدي عامود و بعد تدميره و إحراقه دعي حي الحريقه و هو نموذج عما اقترفته فرنسا من وحشيه و تدمير بحق مدن و قرى سوريه ، لنرفع صوتنا عاليا نريد حقنا من الاستعمار الغاشم عما اقترفه بحق أجدادنا و آبائنا ، بحق أشجار غوطتنا و نهر بردى ، بحق بيوت كانت قائمة و اندثرت ، بحق أشجار الياسمين التي أحرقتها نيران غاشمة لم تفرق بين الحجر و البشر ، بين الأبيض و الأسود نريد اعتذاراً فرنسياً عن تسعه آلاف و أربعمائة و سبع و ثمانين يوما جثم المستعمر الفرنسي خلالها على صدورنا و تمتع بجمال بلادنا ، و نهب و سرق خيرات سورية ، نريد اعتذاراً فرنسياً عن فتره استعماره لبلادنا من الساعة الرابعة بعد ظهر يوم الأحد الواقع في 25 تموز 1920 م حين دخلت قوات الانتداب الفرنسي دمشق بقياده المدعو غوابية إلى الساعة التاسعة من صباح 15 حزيران 1946 م حين رحل أخر جندي فرنسي مستعمر ارض الوطن ، فخلال تلك الفترة دفعت سوريه ثمنا غاليا و غاليا جدا لنيل حريتها ، نريد اعتذاراً فرنسياً عما اقترفته فرنسا من مجازر وحشيه في سورية خلال تسعه آلاف و أربعمائة و سبع و ثمانين يوما ، و حي سيدي عامود نموذجا عن وحشية الانتداب الفرنسي :

التدمير الوحشي :
ثلاثة أيام من عصر يوم الأحد 18 تشرين الأول عام 1925 إلى مساء الثلاثاء 20 تشرين الأول و دمشق عرضه لوحشيه المستعمر الفرنسي و نيران مدفعيته و حمم طائراته التي لم تفرق بين الحجر و البشر و أصبحت دمشق على حد قول اليس بوللو ( تظهر دمشق من قمم هذه الجبال و كأنها كومة حطب مشتعلة .. الخراب يعم كل أرجاء المدينة ) .
لقد دمر و نهب الجنود الفرنسيون و أعوانهم من المرتزقة بيوتات و أسواق دمشق ومتاجرها كسوق الطويل الذي دمرت مدافع المصفحات متاجره بالكامل ( لم يبق به أي شيء أبدا فكل مخزن قد خلع " غلقه " و نهب ما فيه تماما ) ، و قصر العظم ، وحي المسكية والدرويشية ( أصيبت مآذن و قباب جامع الدرويشية بصدوع من جراء القصف ) ، وقصفوا بشدة الشاغور والميدان ( هنا منظرا جديدا يدمي القلب : فقبة جامع السنانية الرائع ثقبت بفعل قذيفة ، ثقبا ضخما شوها ) و حي العمارة، واحترقت البزورية ( عم الخراب بشكل يحير ) ، والسنانية، وجزء من باب سريجة وجزء من القنوات، و سوق مدحت باشا ( آثار رصاص المصفحات تظهر على الجدران و الأبواب و واجهات المخازن ) و منطقة السنجقدار ( كل حمامات و مخازن الجانب اليميني من الشارع الواصل إلى جامع الدرويشية قد دمرت أما مخازن الجانب الأيسر فقد تهدمت بكاملها و أصبحت رمادا .. و مازال دخان الحرائق ينبعث من هنا و هناك ) لقد استباحت قوات الانتداب الفرنسي دمشق : ( الجنود كانوا ينهبون كل شيء دون رحمة في ذلك ). القذائف كانت تنهال على دمشق و الناس في هرج و مرج فالنسوة يتصايحن و يخرجن إلى الحارات و الأزقة حاسرات الرؤوس و حافيات الأقدام ، و الرجال خرجوا هربا من الحمامات التي قصفت نصف عراة ، هرج و مرج فظيع عاشته دمشق قتل من جراء نيران المستعمر من قتل و قتل الباقي محترقا بالنار او داسته الاقدام ، أو اختنق محاصرا تحت الأنقاض .!؟

حي سيدي عامود :
حي دمشقي قديم عريق كان من أغنى أحيائها يقطنه أعيان و رجالات دمشق و سورية ، يقع في المنطقة الواقعة جانب سوق الحميدية من جهة الجنوب في دمشق، وسوق مدحت باشا من جهة الشمال؛ بين جادة الدرويشية غرباً وسوق الخياطين شرقاً. كانت أجمل البيوت و القصور الدمشقية المبنية على الطراز العربي و السلجوقي والمملوكي و العثماني تقع ضمن هذا الحي ، إضافة إلى العديد من المنشآت التراثية والتاريخية ،اختلف في سبب تسميته فقيل نسبة لضريح أحد الأولياء الذي يعتقد بدفنه في هذا المكان واسمه ( أحمد عامود ) و قيل أطلق علية هذا الاسم لوجود ضريح أحد الأولياء إلى جانب أحد الأعمدة الأثرية أختصره العامة من الناس إلى سيدي عمود و سمي الحي بهذا الاسم لجهلهم بصاحبه .
هذا الحي الدمشقي العريق تعرض لوحشيه المستعمر الفرنسي حين قصف دمشق بنيران مدفعيته و وطائراته فدمر هذا الحي بالكامل و لم يبق منه سوى البيمارستان النوري (بيمارستان نور الدين الشهيد) الذي يعد من أهم البيمارستانات الباقية في العالم الإسلامي، و يقع إلى الجنوب الغربي من الجامع الأموي، ويضم اليوم متحف تاريخ الطب عند العرب .
لم يكد الليل يسدل ستاره على مدينة دمشق يوم الأحد الواقع في 18 تشرين الثاني من عام 1925 م حتى بدأت قوات الانتداب الفرنسي بقصف دمشق بنيران مدفعيتها التي نصبتها في العديد من الأماكن المرتفعة و الحساسة بدمشسق مثل قلعه دمشق و قلعه المزه و قبة السيار على جبل قاسيون ، و في منطقة البرامكة و شارع النصر ، و جابت طائرات الغدر الغاشم سماء دمشق لتلقي على أحيائها و أزقتها حمم النار الحاقد ، و كان حي سيدي عامود العريق من أولى أهداف الحقد الأعمى على دمشق فتعرض إلى قصف و تدمير وحشيين و أبيد هذا الحي بالكامل ، و اندثرت القصور الدمشقية الرائعة التي كان يزخر بها كبيت عبد الغني القوتلي جد الرئيس شكري القوتلي و هو البيت الذي ولد وترعرع فيه الرئيس القوتلي و بيت مراد القوتلي شقيق عبد الغني ، و بيت البكري و هو من أهم قصور دمشق في تلك الأيام خرج العديد من المجاهدين و الزعماء الوطنيين ومن أهم مجاهدي آل البكري الأشقاء الأربعة فوزي و نسيب و مظهر و بشير ، و كان نسيب البكري من كبار المجاهدين والساسة السوريين في القرن العشرين وعميد آل البكري الدماشقة وعين وجهاء دمشق، ووزير ونائب, كان من أقطاب الثورة العربية إذ كان من المخططين لها مع الشريف حسين والأمير فيصل، وكان من المقربين لديهما، وشارك في إقامة الحكومة العربية، وعينه الملك فيصل مستشاراً خاصاً به حتى خروجه من البلاد في تموز عام 1920م. ولما رأى أهالي بلاد الشام أن الملك فيصل رضي بعرش العراق رشحوا نسيب البكري لعرش الشام لكونه من سلالة أعرق أسرها العربية ولأنه كان من كبار الوجهاء العرب ومن أعظم مناضليهم، فكتبوا العرائض في ذلك وكاد أن يتم الأمر لولا أن الفرنسيين وقفوا في هذا الطريق ، وقد شارك بالثورة السورية بنفسه وماله وعقله وتدبيره وحارب الفرنسيين أعتى حرب، فانتقموا منه بهدم قصر آل البكري في منطقة سيدي عمود بل أكثر من ذلك فقد انتقم الفرنسيون منه بهدم الحي بكامله حسب قول الكاتبة الفرنسية ( أليس بوللو ) في كتابها دمشق تحت القنابل الذي ترجمة إحسان الهندي إن حي سيدي عامود دمر : ( إكراماً لعائلة البكري ) بسبب مواقفهم الوطنية الصلبة و دعمهم لثوار سوريه ضد الانتداب الفرنسي ، إن مأساة حي سيدي عامود يجب أن لا تغيب عن أذهان أهل سورية فقد ارتكب في هذا الحي أفظع أنواع الجرائم ضد البشرية و هذه شهادة الفرنسية أليس بوللو التي عاشت بدمشق عامي 1925 و 1926 و كانت شاهدا على جرائم أبناء جلدتها فتقول : ( في المنطقة الواقعة بين سوق الحميدية و سوق الطويلة ، و قرب مصرف سوريا. كان هناك حي آخر تعرض لتدمير رهيب، إذ لم يعد فيه شيء قائم على الإطلاق، و قد انتشرت فيه رائحة الموت بسبب الجثث. و قد دمر هذا الحي إكراماً لعائلة البكري، ها قد أعيدت فاجعة "بومبي" و لكن بمفعول القنابل هذه المرة ) و بومبي هي مدينه ايطاليه أصابها بركان ضخم أخذ سكان هذه المدينة بحممه ورماده منذ أكثر من ألفي سنة . و بقي ان نقول ان حي سيدي عامود بعد تدميره بالكامل أعيد اعمارة و أطلق عليه اسم الحريقه و هو لم يزل ماثلا أمامنا بدمشق .
و أخيرا نتساءل أليس من حقنا نحن أبناء وعشاق دمشق أن نطالب فرنسا التي تدّعي الحرية وحماية حقوق الإنسان بالاعتذار عن جرائم وحشية ارتكبت بحق آبائنا وأجدادنا، بحق بيوتنا وآثارنا، ألا يحق لدمشق أن تطالب باعتذار رسمي من دولة تعتبر نفسها أنها دولة الحق والقانون، وتدافع عن حقوق الإنسان والحيوان.؟! لنرفع صوتنا عاليا نريد حقنا من الاستعمار الغاشم عما اقترفه بحق أجدادنا و آبائنا ، بحق أشجار غوطتنا و نهر بردى ، بحق بيوت كانت قائمة و اندثرت ، بحق أشجار الياسمين التي أحرقتها نيران غاشمة لم تفرق بين الحجر و البشر ، بين الأبيض و الأسود نريد اعتذاراً فرنسياً عن تسعه آلاف و أربعمائة و سبع و ثمانين يوما جثم المستعمر الفرنسي خلالها على صدورنا و تمتع بجمال بلادنا ، و نهب و سرق خيرات سورية .

ملاحظة كل ما وضع ضمن قوسين نقلا عن كتاب الفرنسية ( أليس بولو ) في كتابها دمشق تحت القنابل و أليس بولو هذه صحفية فرنسية شاهدت أحداث الثورة يوما بيوم ، ترجم الكتاب د. احسان الهندي

عن موقع رابطة أدباء الشام