مصر: أزمة هوية وأزمة نظام لا أزمة انتخابات
وصفت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، المشهد السياسي في مصر ما بعد الثورة بأنه مرتبك، مؤكدة أن البلاد تعاني من «أزمة هوية»، ووصفت المشهد في ميدان التحرير بأنه «قاتم». وأضافت المجلة، في تقرير لها أعده ستيفن كوك، كبير باحثي مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، أن «جميع القوى السياسية في مصر الآن تتصارع، حيث يخشى الليبراليون الهزيمة على يد الإخوان المسلمين في انتخابات نوفمبر المقبل، كما أن الثوار يواجهون مشكلة في الحصول على الزخم من جديد»، وأشارت المجلة إلى أنه «على الرغم من ثقة الإسلاميين بثقلهم في الشارع فإنهم فشلوا تكتيكياً في ظل البيئة السياسية الجديدة».
ولفت التقرير إلى أن حكومة شرف «عامل غير مؤثر» في الأحداث، كما قالت إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة «مذهول» من حجم الضغوط بسبب الدور السياسي «الذي لم يتعود عليه، وهذه الأجواء القاتمة نقطة تحول كبيرة في مسار الثورة المصرية». وتساءلت المجلة عما «إذا كانت الثورة المصرية انتهت أم لا؟»، مشيرة إلى أن هناك مشاكل تواجه ثورة يناير أبرزها «استمرار الثورة المضادة، والحقائق الاقتصادية، والنرجسية الثورية، وعدم الكفاءة التي أحبطت الفرصة لبناء مصر الجديدة».
واعتبرت المجلة أن شكل المسار السياسي في مصر الجديدة، والسؤال عن هويتها في المستقبل «أكثر أهمية من تنفيذ ونتائج الانتخابات المقبلة في البلاد»، مضيفة أن «الخطر ليس في كتابة الدستور في وقت طويل، أو من هيمنة جماعة الإخوان المسلمين على العملية، بل الخطر الحقيقي هو من التسرع في صياغة دستور جديد ليس قادراً على صياغة دور مصر وموقعها في العالم، بشكلٍ كافٍ».
نعم، إن التحديات الحقيقية التي تواجه مصر بعد مبارك، هي أزمة هوية الدولة، تلك التي تم العبث بها تارة تحت ستار القومية العربية وتارة أخرى من خلال استدعاء الإرث الفرعوني بشكل مغلوط وإلباسه لحاضر مصر، مع تغييب للهوية الإسلامية وللنظام الإسلامي بكل أبعاده إلا من رتوش تستهلك عواطف الجماهير.
كما أن المشكلة في مصر ليست بمن سيحقق الأكثرية في انتخابات مجلسي الشعب والشورى، أو فيمن سيسكن قصر عابدين ليحكم مصر بإطار العملية «الديمقراطية» باسم الدولة المدنية. إنما المسألة تتعلق بالنظام السياسي الذي سيحكم مصر، وفي تداعيات ذلك النظام على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، وفي نمط العلاقات التي سيختطها النظام الجديد مع شعوب المنطقة ودول العالم.
فتحديد هوية مصر ونظام حكمها هو الذي سيرسم حاضر ومستقبل مصر الجديدة، مصر التابعة للغرب والمرتبطة بـ(إسرائيل)، أو مصر رائدة النهضة الإسلامية والموحدة لبلاد المسلمين، تلك التي ترعى أهلها بأحكام الإسلام وتبني علاقاتها مع شعوب المنطقة ودول العالم على أساس الشرع لا على أساس مواثيق ومقررات الدول الاستعمارية.
فهل يعي التيار الإسلامي حقيقة هذه التحديات وبالتالي يعمل على استعادة مصر ودورها وهويتها لتقود الأمة من جديد وتعيد سيرة قطز وصلاح الدين، أم أنهم يبقون غارقين في وهم الانتخابات والدوران في حلقة مفرغة في فلك النظام السياسي القائم على النقيض من النظام الإسلامي!