الأديب و الكاتب محمد ذيب كان من بين المشاركين فيها

"الإنـْسَانـِيـَّةُ " الـْعِيــدُ الـْمَنـْسِيُّ فــِي الْجـَزَائـِرِ.. !؟
(تغيير الحياة لا يعني تعدد الأعياد..)


ليس من الصعب بمكان أن نجمع كل الأعياد الشعبية التي تحتفل بها الجزائر في شكل "كرنفالات" و نلخصها في عيد واحد ، نسميه عيد " الإنسانية" ، هذا العيد المنسي في الجزائر، و تحقيق هذا الهدف النبيل مرهون بتصفية القلوب و تطهيرها، و نبذ الخلافات و ترك العداوة والكراهية، و الأمر يتعلق بأن نمد يدنا لـ: "الآخر" و باليد الأخرى نضيء له دربه بشمعة أو مصباح، حتى يكتمل النصف مع النصف ألآخر للمجتمع في صنع المستقبل، حينئذ نلعن الظلام و الظلاميين، و لكن هذا العيد هو من السهل الممتنع كما يقول البلاغيون

اعتادت الجزائر الاحتفال بأعياد دينية و أخرى وطنية، و تشترك الجزائر على غرار الدول العربية و الإسلامية بأعيادها الدينية ( عيد الفطر و عيد الأضحى المبارك و المولد النبوي الشريف..) كما لها أعياد وطنية مثل باقي الدول الأخرى ر حسب خصوصيات و تاريخ كل بلد ( أول نوفمبر، 11 ديسمبر 61، يوم الشهيد المصادف للثامن من شهر فيفري، عيد النصر والمجاهد المصادف للتاسع من مارس، 19 جوان الذي ألغي بقرار رئاسي، عيد الاستقلال و الشباب ، و لكل شهيد أو رئيس ذكراه الخاصة ) و هذا طبعا أقل واجب تقوم به الجزائر وفاءً لأرواحهم الطاهرة و حفاظا على الذاكرة الجماعية، و لا يمكن أن يتجاهل هذه المناسبات الوطنية إلا جاحد يفتقر إلى الروح الوطنية.
الحديث عن هذه ألأعياد ( الوطنية ) حديث ذو شجون من حيث أنه يختلف بين الأمس و اليوم لاسيما و الجزائر احتفلت قبيل أيام فقط بالذكرى السابعة و الخمسون لاندلاع الثورة التحريرية الكبرى المصادفة للفاتح من شهر نوفمبر 54 ، اعترافا بجميل من صنعوا التاريخ، و ربما هذا الاحتفال يعتبر ردٌّ على من طالبوا بإحالة رجال الثورة على التقاعد السياسي و مطالبة البعض برحيلهم.
و دون أن ننسى ألأعياد العالمية التي تشارك بها الجزائر باقي الدول( عيد المرأة، عيد العمال، اليوم العالمي لصحافة و حرية التعبير، و عيد الطفولة و غير ذلك، فإن الجزائر عرفت أعيادا خاصة بها وحدها، يمكن تسميتها بالأعياد "الشعبية" ، و هي تظاهرات عامة للإحتفال بمناسبة معينة تشبه" الكرنفالات" يجتمع فيها المواطنين في الساحات العمومية أو الطرق الرئيسية ، و تقام فيها الأفراح على وقع الطبل و الزرنة، يرقصون و يشربون الأنخاب و يتبادلون الهدايا عن طريق التكريمات.

ملايير من خزينة الدولة تنفق في "الكماليات"

لقد تحولت حياة المواطن الجزائري كلها إلى أعياد في أعياد ، و هو ما يجعلنا نتساءل لماذا الإضرابات و الحركات الاحتجاجية، و لو أحصينا هذه الأعياد التي تنظم في الجزائر و نقف على طرق الاستعداد لها و تحضيرها و المغزى من تنظيمها فلا يمكن الكتابة عنها في صفحة من جريدة، لتنوعها حسب خصائص كل منطقة و عادات أهلها و تقاليدهم، بحيث تسمع أسماءً عديدة لهذه الأعياد ( عيد تقطير الزهور، عيد النحاس، عيد الزربية، عيد الفراولة، عيد التمور، عيد الطماطم، عيد الشجرة، عيد القراءة، و حتى الحيوان أصبح يُحْتَفَلُ به في الجزائر، فنسمع عن عيد الكبش و عيد المهري و غيرها من الأعياد..) ، و ربما يأتي يوم نحتفل فيه بعيد القطة و الكلب ( أكرمكم الله) لأنها أليفان و أكثر وفاءً من البشر، دون الحديث عن مظاهر التبذير التي يقف عندها المواطن الجزائر النزيه و الغيور على اقتصاد بلده و هو يتابع عن بعد أمام شاشة التلفزيون و في نشرة الأخبار و يعطى لهذه التظاهرات الشعبية الحيز الكبير من الوقت للتأكيد على أن الجزائر بألف خير و أنها تشهد تقدما و نموا اقتصاديا، لا مثيل له ، بحيث أن هذه التظاهرات أصبحت تخصص لها الأموال الطائلة من الخزينة العمومية، من قبل المسؤولين الذين اقتدوا بالآية الكريمة : "و أمَّا بـِنِعْمَةِ رَبـِّكَ فحَدّثْ" صدق الله العظيم ( سورة الضحى ) .
و انتقلت العدوى إلى الأحزاب السياسية و وسائل الإعلام بكل أنواعها في إطار الاحتفالات بذكرى التأسيس، و تختار لها أرقى الأمكنة في الصالونات و الفنادق الفخمة ، و توجه لحضورها دعوات على المقاس ،كون هذه الأماكن لا يدخلها إلا من يضع ربطة عنق و يحمل حقيبة دبلوماسية، أو التي تحمل أوصافا معينة مطلوبة عند الرجال من الجنس اللطيف التي تكون ( بريزونطابل présentable ) ، تقدم فيها أشهى الأطعمة و الأشربة كذلك و الاستعراضات الفنية و الثقافية.
و لو جمعنا كل الأموال التي تنفق في هذه التظاهرات "الكرنفالية" لأمكن أن ننجز بها مشروع تنموي أو اثنين على الأقل يعود بالفائدة على المواطن الجزائري ، و بخاصة الشباب البطال، أو إعادة فتح مصانعنا المغلقة، لإخراجه من حياة الغبن و الاتكاء طيلة النهار على حيطان المدينة، أو ذلك الذي يتزاحم في الحافلات و يركض وراء "الفرود" أو يقتات من القمامات ، أو طلك الذي يلقي بنفسه من أعلى الجسور و يقف أمام مؤسسات الدولة ليحرق نفسه ، أو إنقاذ الذي يتعاطى الكحول و المخدرات ولو من باب "الإنسانية" ، و لو أن ذلك واجبنا جميعا.

الأديب محمد ذيب كان من المشاركين فيها

هذه "الإنسانية " التي تستحق أن يكون لها عيد و تكاد هذه العبارة أن تتكلم و تقول: "زُورُونـِي كـُلِّ سَنـَة مَرَّه حـَرَامْ.. تـِنـْسُونـِي بـِالمَرَّة حـَرَامْ " ، و ليس صعب أن نجمع الأعياد السالفة الذكر و نلخصها في عيد واحد، نسميه : " عيد الإنسانية" ، و ليس المقصود بـ: "الإنسانية" الصحيفة الناطقة باسم الحزب الشيوعي الفرنسي التي أسسها الكاتب و السياسي الاشتراكي جان جوريس عام 1904 ( توجد مؤسسة تربوية بقسنطينة ما تزال تعرف باسمه إلى اليوم ) كلسان حال للحزب الذي تكون في أعقاب الرحب العالمية الأولى و قيام ثورة أكتوبر في روسيا، و الانشقاق الذي حصل في الحزب الاشتراكي الفرنسي بعد مؤتمر" تور" عام 1920، و لكن لمصاعب مالية كادت أن تغلق هذه الصحيفة بعدما تعرضت للإفلاس، لولا تحرك نائب فرنسي وهو مرسيل كاشان الذي توفي عام 1958 لإنقاذها بجمع التبرعات عن طريق تشكيل لجان، و جعلها تستمر دون توقف، و أصبح يحتفل بعيدها السنوي كل يومي 09 و 10 سبتمبر كل سنة، لاسيما و هذا الشهر عند الكثير من الدول و بخاصة فرنسا هو بداية الحياة السياسية التي تطبع الحياة العامة خلال السنة القادمة.
كان الأديب و الكاتب الجزائري محمد ذيب حسب ما أوردته جريدة " البعث" في إحدى أعدادها قد شارك في إحدى تظاهراتها الاحتفالية عام 1971 التي اشترك فيها ما يزيد عن 111 كاتبا و ذلك بتوقيع مؤلفاتهم، كما حضر الاحتفال فنانون و صحافيين و أقامت الجريدة معرضا حول الكتابة تاريخها و وظائفها في الحياة القومية و تطورها، لاسيما و الشعار الذي رفعته هذه الصحيفة كان كالتالي: " الدفاع ضد الفاشية و من أجل نصرة الجبهة الشعبية".
"عيد الإنسانية" قد يكون فعلا مشروعا تجسده أحزابنا السياسية و جمعياتنا و وسائلنا الإعلامية على ارض الواقع، و تجعله حقيقة ملموسة إذا تضافرت الجهود من أجل نصرة الجبهة الشعبية ، يقف فيه الجميع في وجه بارونات الفساد الذين يبذرون المال العام و يضعونه في الجيوب، و في ومجه محتكري السلع و المضاربين في ألأسواق، و مهجري العقول المفكرة و المبدعة، وربما يكون عيد للمراجعة، يراجع فيه كل مسؤول نفسه أمام ضميره و أمام الله و هو يقف على تأخر مشاريع قطاعه ، أو تأخير مستوى التلاميذ في المدارس و انحراف الشباب، ويقف على أسباب الإضرابات و الحركات الإجتجاجية، و تحقيق هذا الهدف النبيل مرهون بتصفية القلوب و تطهيرها، و نبذ الخلافات و ترك العداوة والكراهية، و الأمر يتعلق بأن نمد يدنا لـ: "الآخر" و باليد الأخرى نضيء له دربه بشمعة أو مصباح، حتى يكتمل النصف مع النصف ألآخر للمجتمع في صنع المستقبل، حينئذ نلعن الظلام و الظلاميين، ونقول عاشت الجزائر حرة ديمقراطية.

علجية عيش