قراءة.. في ملف اللجنة الرباعية
د. لطفي زغلول
www.lutfi-zaghlul.com

الإجتماع الذي دعت إليه اللجنة الرباعية كلا من الفلسطينيين والإسرائيليين يوم الإثنين الماضي في مدينة القدس بغية استئناف مفاوضات السلام، وقد سبق لها أن أصدرت بيانا في ذات الشأن، إعتبره الفلسطينيون منقوصا، الأمر الذي يدفعنا إلى إعادة قراءة ملف هذه الرباعية، كونها لها أهداف يشتم منها رائحة الإنحياز إلى الطرف الإسرائيلي، والإذعان إلى سياسات الولايات المتحدة المنحازة قلبا وقالبا إلى إسرائيل.
لقد ساوت هذه الرباعية عامدة متعمدة بين الفلسطينيين الواقعين تحت نير الإحتلال الإسرائيلي، وبين الإسرائيليين المحتلين، ليس أدل على ذلك من دعوتها الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي: " تدعو اللجنة الرباعية الطرفين إلى الامتناع عن القيام بأعمال استفزازية لتكون المفاوضات مجدية. وتذكر اللجنة الرباعية الجانبين بالتزاماتهما الواردة في خارطة الطريق". وذلك منتهى التجني، والإنحياز المكشوف إلى الطرف الإسرائيلي الذي يفترض به أنه هو المسؤول عن إفرازات القضية الفلسطينية، وما آلت إليه أوضاعها.
إن أقل ما يقال في هذه الرباعية إنها مثالا لا حصرا لا تعترف بأن هناك احتلالا إسرائيليا للأراضي الفلسطينية، ولا تطالب إسرائيل بالإنسحاب إلى حدود العام 1967 كأساس لاستئناف هذه المفاوضات، ولا تطالب إسرائيل بوقف البناء الإستيطاني.
حينما نتحدث عن اللجنة الرباعية المنوط بها الإشراف على إيجاد حل ما للقضية الفلسطينية، فنحن نتحدث عن الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي وروسيا الإتحادية. لكن الأهم من ذلك كله هو الضلع الرابع المتمثل بالولايات المتحدة الأميركية التي أولت نفسها منصب الحكم في ملعب هذه اللجنة الغائبة فعلا، والحاضرة إسما، وهذا الحكم هو الذي وحده في يده البطاقات الصفراء والحمراء، وبخاصة في وجه الفلسطينيين.
إن الولايات المتحدة تصول وتجول في ملعب اللجنة الرباعية ومعها إسرائيل بحرية شبه تامة، وتفرض رؤاها وآراءها ومفاهيمها وإرادتها. ولا تختلف الحال عنها في أروقة الأمم المتحدة وتحديدا مجلس الأمن حيث الفيتو الأميركي بالمرصاد. بمعنى آخر فإن ظلال السياسات والتوجهات الإسرائيلية تخيم على هذه اللجنة، وهذا واضح وجلي في بيانها الأخير المنحاز قلبا وقالبا لإسرائيل، والمتجني على الشعب الفلسطيني، مما يؤكد أنها تدور في المدار الأميركي.
لقد تأسست هذه اللجنة الرباعية كمساعد إلى ما يفترض أنه إيجاد حل للقضية الفلسطينية. إلا أنها في حقيقة الأمر كانت "هروبا مؤسسيا" لا طائل من وجودها. إن الفلسطينيين لا يذكرون أنه كان لها أي دور فعال في تخفيف آلامهم الناجمة عن الإحتلال الإسرائيلي لوطنهم. على العكس لقد كالت لهم تهما هم بريئون منها، وكان الأجدر بها أن تكيلها للإحتلال الإسرائيلي.
للمرة الألف إن الإحتلال الإسرائيلي الذي يطالب الفلسطينيون إنهاءه، وتتجاهله الرباعية، يعني بالتفصيل الممل الممارسات القمعية المتمثلة بالإجتياحات/ الإقتحامات/ التوغلات/ المداهمات/ أعمال الهدم والتدمير/ الإغتيالات/ أعمال القتل/ الإعتقالات/ مصادرة الأراضي الفلسطينية/ الإستيطان/ الجدار الفاصل/ الحصارات/ الإغلاقات/ الحواجز/ الأطواق/ حالات منع التجول، وهناك الكثير الكثير من هذه الفعاليات والآليات الإحتلالية المصحوبة بالغطرسة والتعالي والتحكم والقمع والقهر والإذلال والتشريد وسلب أبسط الإعتبارات الإنسانية.
تكتمل هذه الممارسات القمعية، إذا ما أضفنا إليها ما يقترفه المستوطنون الإسرائيليون من أفعال. إنهم لا يكتفون بتشييد المستوطنات المبنية أصلا على أراضي الفلسطينيين المغتصبة. إن هؤلاء المستوطنين وتحت ظلال حماية الجيش الإسرائيلي، يقومون بالإعتداء على المواطنين بشتى الطرق، والسطو على منازلهم وإخراجهم منها، وبحرق المساجد، واقتلاع الأشجار، وحرق المزروعات، وآخر ما في جعبتهم تسريح قطعان الخنازير البرية في أراضي الفلسطينيين بغية تدمير مزروعاتها.
إذا ما أضفنا إلى هذه القائمة ما يخص أساسيات القضية الفلسطينية من استحقاقات ممثلة بكل القرارات الدولية المجمدة بدءا بحق العودة، وعدم إعتراف الشرعية الدولية باحتلال الأرض الفلسطينية، وعدم اعترافها بضم القدس، مضافا إليها الحق في أن تكون فلسطين عضوا كامل العضوية في المنظمة الدولية، فإن المأساة الفلسطينية تصبح كارثة تتفاقم مع الأيام، ولا تترك لهم إلا النذر اليسير من الخيارات، تحت ظلال هذا البحر المتلاطم من الخداع والإحباط وخيبات الأمل الذي غرقوا في لجته.
إن الفلسطينيين على يقين أن الحلول المطروحة عليهم ما زالت نظرية عالقة في مهب الأهواء والأطماع والمزايدات والمناقصات، وأنها بمجموعها لا تصل إلى ما دون سقف أمانيهم وأحلامهم، وإنما هي تستهدف فرض حل يشتم منه كسر شوكتهم، ولي ذراعهم، وتخفيض هامتهم.
إلا أنهم في كل مرة يزدادون صلابة وعنادا لاسترجاع حقهم السليب. إنهم ما عادوا يأبهون بهذه التهم الظالمة الجائرة التي تكال لهم من قبل دول وجهات ولجان وآخرها هذه الرباعية، التي تكتال بأكثر من مكيال، وتفتقر إلى الإنصاف والعدل والموضوعية والمنطق.
إن الفلسطينيين يتوقون كغيرهم من الشعوب، بل ربما أكثر من غيرهم إلى إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بطرق سلمية عادلة ومشرفة. لكنهم يشعرون يقينا أن الإسرائيليين غير ناضجين لأي سلام، وأن رياح أطماعهم هي التي تسير سفنهم. إنهم يشعرون أيضا أنه لا الدول الكبرى، ولا المنظمات الدولية، ولا هذه اللجنة الرباعية قد أنصفتهم. وحقيقة الأمر إنها عادت بهم إلى المربع الأول الذي لم يبرحوه طوال تاريخ نكبتهم الطويل.
كلمة أخيرة لا بد منها. لقد قال الفلسطينيون كلمتهم الأخيرة. إنهم لن يدخلوا أية مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، تفتقر إلى مرجعية حدودها الإنسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية التي احتلت في العام 1967، وما لم يتم إنهاء الإحتلال الإسرائيلي، وما لم يتم تحرير الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية، وما لم يتوقف الإستيطان نهائيا، وما لم يتم تفكيك القائم من هذه المستوطنات التي شيدت على أراض فلسطينية مغتصبة، وما لم يتم الإعتراف بدولة فلسطينية كاملة العضوية في الأمم المتحدة وعاصمتها القدس الشريف. وأخيرا وليس آخرا ما لم يعترف الأميركيون ومعهم الرباعية والإسرائيليون بحق العودة المشروع.