أما بعد،
فقد حلَّ الربيع العربي، وانتصرت إرادة الشعوب، وتساقط الطغاة كتساقط أوراق الخريف الذابلة. فكأنهم لم يعتلوا عروشا ولم يُتوجُّوا، وانكسر الصولجان وانتثر الهيلمان، وتلك الأيام نداولها بين الناس. ولو دام العرش لمن قبلك لما وصل إليك. أم تراك نسيت أن المُلك لله الواحد القهار؟ ولقد كان المؤمل أن يكون فيما قدَّر الله لسلاطين البغي عبرة لك ولأمثالك، غير أن شهوة الحكم أخلدتك إلى الأرض، وأخذتك العزة بالإثم. ولولا أن الملأ يُزينون لك فِعالك لهويت إلى الأرض رعبا، فإنك تفتأ تذكر إخوانك المدحورين، وكذلك يَفرق النخب المجوف، ورُبَّ فَروقة يُدعى لَيثا.
نعم، كان المؤمل أن تتعظ، والعاقل من اتعظ بغيره، لكن هيهات، هيهات! أما إني قد استيقنتُ أنك ما خُلقت ونفرك من الشبيحة إلا للفتنة. فلا غرو ألا يكون قومك آنسوا منك رشدا. عجبي من جاهليتك كيف طمست بصرك وأعمت بصيرتك. وإنها لتعمى القلوب التي في الصدور. والله لا أجد ما أخاطبك به فيشفي الغليل خيرا مما خاطب به عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والي حمص التي تدُكُّها متوعدا دعاة الفتنة، فأنا أقول لك ما قاله لهم: "يا آلة الشيطان، لا مرحبا بكم ولا أهلا، يا معشر من لا أدري أعرب هم أم عجم".
إي والله! لقد استفحل شرُّكم وعظم خطبكم، ما بالكم لا تتعظون؟ أما يكربكم سفك الدماء؟ أما يقلق نومكم غاشيةٌ تَفاقمَ خطبها وعظم شرها؟ ويل للعرب ويا لخستهم إذ يمهلون السفاح ليقتل ويقتل، قد احترفوا الخطابة ولوكَ الألسن، ويا لها من بضاعة مزجاة! ولو أنكم لقيتم الرجال لطاروا بكم طيرة بعيدة المهوى، يا رهط الفتنة! من تكونون برب السماء؟ أكانت الأرض أرضكم؟ أكان الناس عبيدكم؟ تُجوِّعون، وتقتلون، وترهبون، وتعتقلون، وتشردون، فما لكم لا ترقبون في حَيٍّ إلاًّ ولا ذمة؟ ألا سوَّد الله وجوهكم، وسامك الله الخسف أيها الأسد كما سُمتنا السوء. ويلك! ما لك إذا وعدت أخلفت، وإذا حدثت كذبت؟ قد ابتلانا الله بك فلا أذاقك الله راحة ولا أمنا.
لست أشك أنك معدن خسيس، وأنك لا تستحق سوريا، يا من هبطت على حين غرة على ذي الأرض المباركة. لم يجل في خاطري أن تكون رئيسا يستحق الاحترام مذ استلمتَ عُهدة البغي من أبيك السفاح، وتولَّيت بلا مشورة، بَله أن تراودني نفسي أن أبايعك أو أتولاك أو أقدم فروض الطاعة. لكنك لست بدعا فيما تفعل بشعبٍ أبى الضيم، وتاقت نفسه لنسائم الحرية يتشمَّمها. فقد كان الحُكم أول عروة من عرى الإسلام تُنقض، ولقد سِرت على الدرب دون أن تحيد عنه قيد أنملة.
هذا وأتقرب إلى الله بكرهك، فإن مَن أحبَّ العدلَ مقتك، ألا إنه لا يجتمع حب سوريا وحب الأسد في قلبِ نبيهٍ، صادقٍ أبِيٍّ.
والسلام على من اتبع الهدى.
الجمعة، 22 ذو الحجة 1432ه
18 نوفمبر 2011م