آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هو مدى اشتباك نصوص باولو كويلهو مع الفضاء الغيبي ؟

المصوتون
1. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع
  • عرضي

    0 0%
  • ضروري

    0 0%
  • استلهامي

    1 100.00%
  • إبداعي

    0 0%
+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: تجليات المعرفة الباطنية في سيميائي باولو كويلهو

  1. #1
    فنان تشكيلي
    أديب
    الصورة الرمزية الدكتور ياسر منجي
    تاريخ التسجيل
    29/09/2006
    المشاركات
    216
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي تجليات المعرفة الباطنية في سيميائي باولو كويلهو

    تجليات المعرفة الباطنية في [ سيميائي ] " باولو كويللو "
    الأداة السحرية كمحرك لفعل الإشراق

    ______________________________________
    (أ‌) – مفتتح الدائرة : من الحلم إلى الحجرين عبر الساحرة و الملك .
    الراصد لسيرة الأديب اللاتيني " باولو كويللو " و تقلباته الحياتية خلال مشواره السابق على تفرغه التام للإبداع الروائي لابد و أن تستوقفه ملاحظة انخراط الأديب المذكور في نشاطات تتعلق بممارسة السحر و محاولة استرفاد القوى الغيبية ، عن طريق انضمامه لإحدى الجماعات المشتغلة بهذا المجال في إنجلترا .
    و الحقيقة أن هذا التوجه له ما يبرره على مستويين :
    الأول : تلك الصبغة النفسية التي تسود كنمط عام يميز سلوك المبدعين بصفة عامة في انكبابهم الزائد على سبر أغوار الخفي و اقتفائه و امتياح رموزه و مجاليه في نواتج إبداعاتهم الخاصة .
    الثاني : هذه التركيبة شديدة الخصوصية التي تطبع بميسمها نفسية " باولو كويللو " و التي أفرزت تناقضا على المستوى الظاهري لسلوكه الخاص و الذي يصفه بنفسه على أنه : ( ربما حار أهله بسلوكه غير المعتاد ، نصف خجول ، نصف استعراضي ، و رغبته في أن يكون " فنانا " ، شئ اعتبره كل فرد في عائلته وصفة تامة للانتهاء إلى منبوذ اجتماعي أو الموت بؤسا ) (1) .
    و برغم وقوعه فريسة للأزمات النفسية ، مما استدعى علاجه في " مستشفى الدكتور إيراس في ريو دي جانيرو " لثلاث مرات متعاقبة خلال الأعوام 1965 ، 1966 ، 1967 على التوالي ، فإن أديبنا فيما يبدو كان أصلب عودا من المعتاد ، بل و مقاتلا من الدرجة الأولى ، حيث لم تكل يداه – برغم ما هو متوقع – من توالي الطرق على أبواب المجهول الكوني ، علها تجود بما يبل صدى نفسه الحائرة ، فكان أن انضم كما سبق إلى إحدى الجمعيات الإنجليزية المشتغلة بفنون السحر و منتميا إلى جماعات " الهيبيز " ، ثم منتهيا إلى مؤمن كاثوليكي متفرغ لإبداعاته الأدبية .
    هذا الزخم من الخبرة الحياتية مضافا إليه عقلية طلعة منفتحة على ثقافات العالم جعلت من مفردات العالم الغيبي في بعده السحري أدوات مطواعة في متناول قلم " باولو كويللو " ، مفجرة سياقات جمالية و معرفية تحيل إلى فضاء الأسطورة و الخرافة و الحكمة القديمة ، مما يثير عبقا دسما لا يخطئه المتذوق لفن " كويللو " .
    إلا أنني في طرحي هذا أسمح لنفسي بالذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك ، فأنا أزعم أن هذه المفردات الغيبية – خاصة ما كان منها منتميا إلى فضاء السحر بمعناه الطقسي – تلعب دورا أساسيا بوصفها دوافع أولية محركة لفعل السرد في أعمال " كويللو " ، بل و مطورة لذات الفعل ، مما يسمح بإمكانية استخلاص نسق بنائي كامل يتحكم في تطور السرد و تتابع الحدث و نمو الشخصيات .
    و كنموذج تطبيقي فقد آثرت أن أنطلق من النص الشهير [ السيميائي ] The Alchemist و ذلك لعدة أسباب : أولها و أظهرها ، ارتباط النص في نسقه الحكائي بشخصية الخيميائي / السيميائي . ثانيها إسهاب " كويللو " في استرفاد الممارسات السحرية و السيميائية بمحمولاتها المادية و المعرفية مستعينا بمحورية المعرفة السيميائية و صياغتها لعوالم أبطال النص .
    و ربما يكون من المنطق أن نبدأ بمدخل ذي صلة بمفهوم السيمياء كما يفهمها المعنيون بالغيبيات و كما صاغ " كويللو " نصه على هدي هذا المفهوم :
    ( تعني كلمة " شم " أو " كم " اللون الأسود في الهيروغليفية ، و لأن مصر أرضها سوداء فقد جرت العادة على استعمال الكلمة حين وصف مصر . و يذهب كثير من العلماء إلى أن مصر مهد الكيمياء ، و لهذا أطلقت الكلمة اشتقاقا من كلمة " كم " أو نسبة إليها . و يتبع رأي آخر ما كتبه " تزوسيموس " Zosimus ، و هو كاتب من " بانوبوليس " عاش في القرن الرابع الميلادي ، و يقول الكاتب المذكور أن مخترع الكيمياء كان رجلا يدعى " شيمس " Chemes و أنه ألف كتابا أسماه " شما " أو " كما " منذ عهد سحيق ، ساعدته فيه بنات الناس اللائى تزاوجن من الملائكة الذين هووا ) (2) .
    ( و كانت صناعة الكيمياء قديما تقوم على أساسين ، البحث عن شجرة الحياة أو شجرة المعرفة ، و قد مزجوهما في شجرة واحدة ، ثم حجر الفلاسفة ) (3) .
    تلك الإحالة إلى المنشأ المصري للكيمياء القديمة " السيمياء " ، و هذا الحصر في سعي علم قديم إلى حيازة منبعي الخلود و الثروة – شجرة الحياة و حجر الفلاسفة – يجدان صداهما في دوافع الرحلة التي خاضها الراعي الشاب " سانتياجو " بطل [ السيميائي ] ، و التي بشروعه فيها فإن فعل السرد يبدأ في الانفجار مفتتحا دائرة عودها على بدئها في ذات نقطة الانطلاق – مدينته الوطن – و لكن شتان ما بين البدء و العودة ، فبدء الرحلة يتم و البطل لما يتفتح وعيه بعد ، فهو ما زال في طوره الغفل ، فما أشبهه بالمادة الغفل لمعدن اعتيادي يوشك أن ينصهر في بوتقة سيميائي محنك يروضه عبر سلسلة من الأحوال و الأفعال حتى تتوهج طينته و تتخلص من خبثها و تصل إلى فورانها الأقصى ، فما يعتم أن يلقي إليها بنفحة محسوبة من سر حجر الفلاسفة ، فتشهق الروح في غمرة المشاهدة و يتسلخ الفؤاد عن طوره الغشيم إلى كينونته العارفة بالفعل بعد أن كانت قيد المعرفة بالإمكان .
    إلا أن " كويللو " لا يقنع فقط بالإطار المعرفي الدال و الموحي لنسق الرحلة / الطواف في الحج / المعرفة الباطنية الذوقية / التحول السيميائي من الخبيث إلى النفيس ، لكنه و بقوة يشرع في اتخاذ تدابير إجرائية تضمن دوام و استمرار فعلي التدفق / التطور لكل من الشخوص و الأحداث على حد سواء ، و هو ما يمكن تتبعه فيما يلي :
    1- إدراك الراعي الشاب – على المستوى الحدسي – أن وعيه ما زال مدرجا في أكفان الغفلة ، هذا الإدراك يأتي مشفوعا بنزوع لاستكناه الدلالة السحرية للأحلام كعامل للتفسير و الإيعاز بالفعل معا ، و هو ما تسوقه الجمل الدالة : ( كانت العتمة لا تزال سائدة عندما استيقظ ، تطلع إلى أعلى ورأى من خلال السقف نصف المحطم نجوما تتلألأ . و فكر لنفسه : " كنت أود أن أنام فترة أطول " كان قد عاوده نفس الحلم الذي رآه في الأسبوع السابق ، و مرة أخرى استيقظ قبل نهاية الحلم ) (4) .
    (و بدأ الشاب يدهش للأفكار التي تنتابه ، و اكتشف أنها غريبة . ربما كانت الكنيسة التي تنمو في داخلها شجرة الجميز مسكونة بالأشباح . أيكون هذا هو السبب في أنه قد رأى ذلك الحلم نفسه مرة أخرى ) (5) .
    و أتوقف هنا للحظة عند دلالة رمز الشجرة النابتة فوق هيكل الكنيسة ، و ما يتضمنه من مزاوجة بين شجرة الخطيئة المسيحية و هي ذات الشجرة التي تتخذ مظهرا معرفيا و سرمديا في المفهوم السيميائي ، و التي بعد أن يتم تفتح الوعي في ختام رحلة " سانتياجو " تكون هي ذاتها مناط الرحلة و مخبأ الكنز .
    ذات الكنز الذي اختتم فعل القص – و المكون من عملات ذهبية أسبانية قديم و أقنعة ذهبية توحي بغزوة أسبانية لإحدى حضارات أمريكا الوسطى – يحيل إلى بداية القصة حين يحكي الفتى كيف بدأ كراع : ( لم يضف الأب شيئا إلى ما قاله ، و في اليوم التالي أعطى ابنه صندوقا يضم ثلاث عملات ذهبية أسبانية قديمة . قال لولده : هي عملات وجدتها ذات يوم في أحد الحقول ) (6) . ها نحن أولاء أما دائرة أخرى تبتدئ بذهب من نفس نوعية الذهب الذي تختتم به ، الذهب الذي صاغ " سانتياجو " راعيا ، هو ذاته الذي توج نجاحاته طوافا في الآفاق و مطمئنا بالمعرفة ، و هو ذاته المعدن الذي ينتظم جهود السيميائيين في سعيهم لإتقان حرفة [ التحولات ] . ثم تأتي هذه الإحالة العرضية إلى مصدر الذهب في كل من عطية الأب و لقية الكنز ، فكلاهما يحيل إلى حضارات أمريكا الوسطى التي ألهبت خيال الفاتح الأسباني " كورتيز " لغزو " مونتيزوما " في عقر ما تبقى من مجد مهيض لنهب ذهب حضارات السحر و الأسطورة ، حضارات الضحايا البشرية و الثعبان الريشي ، حضارات " إنكا " ، " أزتك " و " مايا " .
    هذا الوعي الحدسي الذي يدغدغ رغبة الرحلة في نفس " سانتياجو " كان من الطبيعي أن ينتهي إلى محض خاطر من الخواطر التي تجوس بخيالات الشباب المبكر ما لم يعمل " كويللو " على تطويره إلى حيز الاستشراف :
    2- و ذلك بدفعه إلى سياق القصة بشخصية ذات صلة بعين الوجود الغيبي ممثلة في عجوز غجرية قارئة للكف ، تكفل هي الأخرى استمرار النسق الدائري للأفعال ، فهي تظهر في بداية القصة بوصفها مفسرة للحلم و محرضة على الإخلاص للرؤيا ، و تظل كامنة في الوعي حتى تطل برأسها مرة أخرى في مختتم الدائرة مطالبة بحصتها الضمنية في كنز " سانتياجو " . إن هويتها السحرية تطفر عبر المونولوج الذي يسوقه " سانتياجو " في جلسته قبالتها ليحكي حلمه : ( و كانت الشائعة الرائجة أن الغجري شخص يقضي حياته في خداع البشر ، و قيل أيضا أن بينهم و بين الشيطان عهدا ) (7) .
    إن العجوز في ظلال هذا المفهوم تعمل في اتجاهين متعاكسين : فهي من جهة عامل مثير للفضول بوكزه للوعي في اتجاه الحلم ، و من جهة أخرى هي عامل مثبط نظرا لسوء السمعة اللصيقة بها . هذا التعارض يلقي بالتبعة كاملة على الاختيار الحر للشخصية المنوطة بالصراع – " سانتياجو " – و في ذات الوقت يدفع بالبطل إلى معاناة إدراكه لإمكانية تطوير الذات بخوض رحلة مجهولة المعالم .
    3- ثم يعمق " كويللو " من الدلالة السحرية في اختياره لوجهة الرحلة – أهرام مصر – بكل ما تمثله مصر و أهرامها من تداعيات سحرية و غيبية في العقلية الأوربية ، ترتبط بسحرة مصر القديمة و التراث الغيبي الذي يحوم حول علم الهرميات Pyramidology . و لكي يحافظ " كويللو " على شحنة الغموض المفترضة في مثل هذه الإحالة فإنه لم يتطرق طوال تدفق السرد في الرحلة إلى استقصاء العنصر المكاني بتفصيلاته و إنما ظل المكان بمثابة حضور لفظي لا يتعدى ذكر الاسم – مصر ، الأهرام ، أهرام مصر – فالمراد هنا هو الإيعاز لا التقرير .
    4- ثم ما يلبث عامل التحريض أن يتخذ تحققه الأقصى في الظهور المفاجئ للشيخ الغريب العربي ، و الذي يواصل طوال استمرار السرد اقتسام ملامحه و سماته مع شخصيات أخرى – بائع الحلوى و السيميائي – مواصلا دوره التحريضي و الإرشادي لضمان اكتمال الدائرة و من ثم اكتمال وعي الشخصية و اكتمال التفاعل من أجل الترقي . في البداية تعمل هذه الشخصية من خلال عامل تشكيك في المسلمات الاعتيادية التي اصطلح معظم البشر عليها في سياق علاقاتهم بمفاهيم كتبهم السماوية . فغالب الناس يمارسون كسلا فكريا بشكل لا يسمح حتى بالنظر من زوايا مغايرة ، مما انعكس بالسلب على الشروح الخاصة بالكتب المقدسة ، و التي تصر في غالبها على تقديم صور من الجبر و المصائر المقررة سلفا مقصية عامل الإرادة للأبد مما يكرس للقدرية و التواكل ، و هنا يظهر المفهوم المغاير للسحر في بعده الإجرائي ( السحر قائم على ثقة الإنسان بأنه يستطيع السيطرة على الطبيعة مباشرة ، إذا عرف فقط القوانين السحرية التي تحكمها ، هو في هذا قريب من العلم . الدين و الاعتراف بالعجز الإنساني في بعض الأمور ، يرفع الإنسان فوق المستوى السحري ، و فيما بعد يحتفظ باستقلاله جنبا إلى جنب مع العلم الذي انهزم أمامه السحر ) (8) . يجد هذا المفهوم تحققه فيما يلي : ( تفحص العجوز الكتاب من جميع جوانبه كما لو كان أعجوبة و هو يقول : هه هذا كتاب مهم و لكنه ممل للغاية ... واصل العجوز حديثه : هو كتاب يتكلم عن الأشياء نفسها التي تكاد تتكلم عنها كل الكتب الأخرى ، أي عن عجز البشر عن أن يختاروا مصائرهم بأنفسهم ، و في النهاية يحاول أن يقنعك بأكبر كذبة في العالم . سأله الشاب مدهوشا : و ما هي إذن أكبر كذبة في العالم ؟ - إليك هي : أننا في لحظة معينة من عمرنا نفقد السيطرة على حياتنا و من ثم يتحكم فيها القدر . تلك هي أكبر كذبة في العالم ) (9) . و كأن المفهوم الذي يقدمه " كويللو " هنا لفعل السحر لا يتجاوز مفهوم الدين و لكن في كيانه الخالص المتخلص من إسقاطات البشر لمفاهيمهم القاصرة عنه و التي يحاولون فرضها على غيرهم بدعوى الوصاية و الهيمنة . كما يأتي هنا مفهوم دقيق ملتبس للوهلة الأولى ، هو ذلك المتمثل في وجوب اعتماد المرء على إرادته الخاصة لتحقيق " أسطورته الذاتية " من جهة ، و من جهة أخرى في وجوب اتباع المرء للعلامات و إخلاصه لحدسه دون تردد لنيل خلاصة ما خطته المقادير . إلا أن هذا الالتباس لا يلبث أن ينفك بالرجوع إلى التعريف السابق للسحر ، فالمرء بإدراكه لقوانين الكون الباطنية يلقي بنفسه في خضمها غير هياب من النزال و يخوض لجتها بكل تقلباتها واثقا من النتائج المقدرة سلفا و لكنه في ذات الوقت يكون مزاولا لفعل إرادي دفع به لاتخاذ القرار الذي أحجم عنه الكثيرون الذين فقدوا من ثم ما كان من الممكن أن ينالوه من خارطة القدر – بائع الفشار كمثال – و بذلك ندرك الالتباس في لفظة " مكتوب " التي يجب أن تكون قد ولدت عربيا لكي تدرك مغزاها . هذا التشابك يتعمق من خلال وصف شخصية الشيخ نفسها ، و التي تحمل في طياتها ذات التناقض و التنوع و الالتباس . فهو رث الهيئة الخارجية إلا أنه يرتدي درعا من الذهب السميك أسفل ملابسه الرثة ، و هو عربي الهيئة إلا أنه يصف نفسه بأنه " ملك سالم " في إحالة صريحة لمدينة " سالم " Salem الإنجليزية التي تعج بالساحرات و قرناء الشيطان في التراث الشعبي الإنجليزي الذي انتقل إلى صياغات السينما العالمية . و هو يعلم عن الشاب ما جعله يتخذ قراره النهائي باعتزال رعي الغنم استعدادا لخوض الرحلة ، و في ذات الوقت لا تمنعه حيازته للعلم و المال – الدرع الذهبي و المعرفة / حجر الفلاسفة و شجرة المعرفة – من طلب نسبة العشر في خراف الراعي كأجر للمساعدة .
    5- و لكي يسوق " كويللو " مزاوجته ما بين الدين و السحر إلى تحققها الأقصى ، يورد رمزا تتحقق فيه المعضلة التي تبدو استحالتها للوهلة الأولى ألا و هو الدرع الذهبي الذي يرتديه الشيخ ( كان العجوز يلبس درعا من الذهب السميك المرصع كله بالأحجار الكريمة ... انتزع الشيخ من درعه حجرا أبيض و آخر أسود كانا في وسط الدرع و قدمهما للشاب قائلا : - خذ ، هذان الحجران يسميان " أوريم " و " توميم " ، الأسود يعني " نعم " و الأبيض يعني " لا " . عندما لا تصل أنت إلى الاستلال بالعلامات فسوف يفيدان ، و لكن اطرح عليهما دائما أسئلة محددة و اسع بوجه عام لأن تتخذ قراراتك بنفسك ) (10) . هنا مرة أخرى مزيج من اتباع العلامات و اتخاذ القرارات ، مزيج من السحر و الدين ، يحيلنا مباشرة إلى نظام العرافة الديني المزاول بواسطة كهنة اليهود عن طريق " درع هارون " ، ففي سفر الخروج نقرأ : ( و تصنع صدرة قضاء . صنعة حائك حاذق كصنعة الرداء تصنعها . من ذهب و أسمانجوني و أرجوان و قرمز و بوص مبروم تصنعها . تكون مربعة مثنية طولها شبر و عرضها شبر . و ترصع فيها ترصيع أحجار أربعة صفوف حجارة ز صف عقيق أحمر و ياقوت أصفر و زمرد الصف الأول . و الصف الثاني بهرمان و ياقوت أزرق و عقيق أبيض . و الصف الثالث عين الهر و يشم و جمشت . و الصف الرابع زبرجد و جزع و يشب . تكون مطوقة بذهب في ترصيعها . و تكون الحجارة على أسماء بني إسرائيل اثني عشر على أسمائهم . كنقش الخاتم على كل واحد على اسمه تكون للإثنى عشر سبطا . و تصنع على الصدرة سلاسل مجدولة صنعة الضفر من ذهب نقي . و تصنع على الصدرة حلقتين من ذهب . و تجعل الحلقتين على طرفي الصدرة . و تجعل ضفيرتي الذهب في الحلقتين على طرفي الصدرة . و تجعل طرفي الضفيرتين الآخرين في الطوقين . و تجعلهما على كتفي الرداء إلى قدامه . و تصنع حلقتين من ذهب و تضعهما على طرفي الصدرة على حاشيتها التي إلى جهة الرداء من داخل . و تصنع حلقتين من ذهب . و تجعلهما على كتفي الرداء من أسفل قدامه عند وصله من فوق زنار الرداء . و يربطون الصدرة بحلقتين إلى حلقتي الرداء بخيط من أسمانجوني لتكون على زنار الرداء . و لا تنزع الصدرة عن الرداء . فيحمل هرون أسماء بني إسرائيل في صدرة القضاء على قلبه عند دخوله إلى القدس للتذكار أمام الرب دائما ز و تجعل في صدرة القضاء الأوريم و التميم لتكون على قلب هرون عند دخوله أمام الرب . فيحمل هرون قضاء بني إسرائيل على قلبه أمام الرب دائما ) (11) . نحن هنا أما نفس " درع هارون " الذهبي بنفس ما يحتويه من حجري " أوريم " و " توميم " . ( و تعني كلمتي الأوريم و التميم ، الأنوار و الكمال ، إشارة إلى نور الله سبحانه و تعالى و كماله اللذين يتجليان في الإرشاد الإلهي حين القرعة ) (12) . و تجدر الإشارة إلى أن الربط الأدبي بين التحولات السيميائية و " درع هارون " في رائعة " ميلتون " [ الفردوس المفقود ] حين ينشد : ( فأما المعدن فيبدو بعضه من النضار و بعضه من اللجين الصافي / و أما الحجر فمعظمه من الزمرد أو الزبرجد / أو الياقوت أو الياقوت الأصفر و سائر الأحجار الإثنى عشر / التي سطعت / على درع ( هارون ) . و كان ثم حجر آخر / تخيله الناس كثيرا دون أن يروه في غير هذا المكان / إنه الحجر أو قل إنه يشبه الحجر الذي عبثا ما طلبه / الفلاسفة و طويلا ما بحثوا عنه على الأرض هنا / دون طائل رغم علومهم و قدرتهم على تقييد / الطيار ( هيرميس ) و فك قيود ( بروتيوس ) القديم و استحضاره / من السحر في شتى أشكاله / و تقطيره في الإمبيق حتى يعود صورته الأولى / و هل نعجب إذن إذا كانت الحقول و البقاع هنا / تخرج زفراتها إكسيرا صافيا و تجري الأنهار / بالذهب السائل إذا كانت لمسة مؤثرة واحدة / من الشمس رأس الكيمياء رغم بعدها الشاسع عنا / تختلط بمياه الأرض فتبدع / هنا في الظلمة كثيرا من الأشياء الثمينة ) (13) . و يبسط العلامة الدكتور " محمد عناني " القول فيما يخص " درع هارون " و علاقته بعلم المعادن القديمة بقوله : ( .. و قد وردت في الكتاب المقدس ترجمة درع هارون " صدرة القضاء " ( النص العربي ) و وردت في النصوص الإنجليزية بصور مختلفة منها " درع للفصل في الأمور " ، و " درع للحكم " و " درع لتحديد إرادة الله " ... أما الأحجار الكريمة المذكورة فهي جميعا ترتبط بالشمس في إطار النظرية السائدة آنذاك عن درجات المعادن و طبقاتها . و قد كانت لها دلالات صوفية نابعة من وجود الأحجار نفسها في بوابة أورشليم الجديدة ...... حجر الأوريم المذكور في سفر الخروج 28/30 و قد تخيله الناس كثيرا في غير هذا المكان لأنهم كانوا يقولون إنه هو نفسه حجر الفلاسفة . أما حجر التميم المذكور في نفس الآية فيقال إنه من الأحجار القمرية التي يمكن أن تحول المعادن إلى فضة ، بينما يستطيع حجر الأوريم في ظنهم تحويلها إلى ذهب لأنه شمسي ) (14) . هذان الحجران لعبا دورا هاما في تحولات الرحلة ذاتها حين سرقت أموال " سانتياجو " و كاد يعود أدراجه فمنعاه حين استشارهما ، كما كانا سبب توثيق علاقته بشاب إنجليزي مشتغل بالسيمياء حين شاهدهما معه و من ثم صار رفيقه إلى مصر موسعا من مدى رؤيته لحقائق العالم و تعدد مستويات الرؤية الخاصة بها .
    6- هذا الإنجليزي يعكس ما سبق و أسلفته عن الخلفية الخاصة بممارسة السحر في تاريخ " كويللو " الشخصي عن طريق علاقته بجماعة إنجليزية ، كما يحيل إلى تاريخ طويل اشتهرت به إنجلترا في علاقتها بعوالم السحر بداية من سحرة " السلت " وصولا إلى مجتمعات السحر الحديثة في المدن الإنجليزية . هذا فضلا عن هذا الشاب في سياق وصف " كويللو " له يرسم بجلاء ملامح عامة من شخصية الكاتب نفسه ، خاصة في شغفه الجامح بعوالم الغيب و سعيه الملحاح للفهم : ( تركزت كل حياته و كل دراساته على البحث عن لغة واحدة يتكلمها العالم ، و في البدء انصب اهتمامه على لغة الاسبرانتو ثم على الأديان ، و انتهى به المطاف إلى السيمياء ... غير أن السيميائيين لا يفكرون إلا في أنفسهم و دائما ما يحجبون مساعدتهم . و من يدري – لعلهم قد فشلوا في اكتشاف سر " العمل الكبير " – أي حجر الفلاسفة ، و ربما يكون هذا هو سبب اعتزالهم ملتزمين الصمت ... اشترى أهم الأعمال عن السيمياء و أندرها ، و اكتشف في واحد منها أن سيميائيا عربيا شهيرا زار أوربا قبل عدة سنوات ، قيل إن عمره نيف على مائتي عام و إنه قد اكتشف حجر الفلاسفة و إكسير الحياة ) (15) . هذه الروح الحائرة الباحثة جاءت كخير ما تكون مراعاة لمقتضى الحال في تلك المرحلة من الرحلة التي تتعاور النفس خلالها شتى صنوف الوساوس و دعاوى النفس بالنكوص و التراجع .
    7- يأتي ذلك في نفس الوقت مقترنا بتفعيل مفهومي " إكسير الحياة " و " حجر الفلاسفة " المذكورين آنفا في توقيت دقيق يطابق ذروة الفعل الإكتشافي و المعيد لترتيب ذرات الشخصية في آن ، مما يستلزم [ عملا كبيرا ] من شأنه توفير مناخ [ السر الأعظم ] الذي لا غنى عنه لنجاح عمل السيميائي . ( الإكسير هو أي عنصر وسيط كيميائي أو طبيعي يستطيع تحويل المعادن الدنيا إلى ذهب . و هذا ينطبق على حجر الفلاسفة ، و كان الكيميائيون يحاولون جادين التوصل إلى إكسير طول العمر أو ما أسموه بالذهب السائل ) (16) . ( و من البدهي أن العملية الكيميائية لتحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب لا يمكن أن تتم إلا بوسيط . و من هنا نشأ الاعتقاد في وجود حجر أطلق عليه حجر الفلاسفة يمكن بواسطة سحق جزء منه و إضافته إلى المعادن الرخيصة إجراء عملية التحويل ، هذا طبعا مع تلاوة بعض التعاويذ السحرية . و ربما ساعد على الاعتقاد بأن المصريين كانوا فعلا يقومون بعملية التحويل عن طريق حجر معين وجود الأحجار التي كان المصريون يقدسونها و هي ما كانوا يطلقون عليه اسم " كيفي " . و يقول " بلوتارك " أن الأحجار المقدسة كانت تتكون من عدة معادن : ذهب و فضة و شست و مافك [ حجران ، الأول أزرق و الثاني أخضر ] ) (17) .
    و بعد ، لعل هذا العرض يكون قد أوفى بالغرض الذي هدفت إلى إثباته في مفتتح القول و الرامي إلى إثبات دور العناصر الطقسية السحرية في دفع عملية التطور في بناء الشخصيات و تدفق السرد في رواية " السيميائي " و في بيان مدى استفادة " باولو كويللو " من التراث الغيبي في سياقات شديدة التعقد و التراكب من أجل تحقيق صياغة لها فرادتها و جاذبيتها .
    و للحديث بقية .

    هذه الدراسة و غيرها متوفرة على http://altculture.blogspot.com

    د . ياسر منجي
    lucifer_yass@yahoo.com
    القاهرة في 29/1/2005

    الهوامش
    1- باولو كويللو ، فيرونيكا تقرر أن تموت ، ترجمة ظبية خميس، روايات الهلال ، العدد 627 ، مصر ، 2001 ، ص 20 .
    2- إبراهيم أسعد محمد ، نظرات في تاريخ السحر ، مطبعة الأمانة ، مصر ، 1976 ، ص 473 .
    3- المرجع السابق ، ص 475 .
    4- باولو كويللو ، ساحر الصحراء ، ترجمة بهاء طاهر ، روايات الهلال ، العدد 571 ، مصر ، 1996 ، ص 14 .
    5- المرجع السابق ، ص 17 .
    6- المرجع السابق ، ص 19 .
    7- المرجع السابق ، ص 21 .
    8- برنسلاو مالينوفسكي ، السحر و العلم و الدين عند الشعوب البدائية ، ترجمة فيليب عطية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، مصر ، 1995 ، ص 17 .
    9- باولو كويللو ، ساحر الصحراء ، مرجع سابق ، ص 26 .
    10- المرجع السابق ، ص 37 .
    11- خروج 28/ 15-30 .
    12- إبراهيم أسعد ، نظرات في تاريخ السحر ، مرجع سابق ، ص 344 .
    13- جون ميلتون ، الفردوس المفقود ، ترجمه و قدم له و كتب حواشيه د.محمد عناني ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، مصر ، 2002 ، ص 215 ، 216 .
    14- المرجع السابق ، ص 723 .
    15- باولو كويللو ، ساحر الصحراء ، مرجع سابق ، ص 64 .
    16- جون ميلتون ، الفردوس المفقود ، مرجع سابق ، ص 723 .
    17- إبراهيم أسعد ، نظرات في تاريخ السحر ، مرجع سابق ، ص 476 ، 477 .

    الدكتور ياسر منجي

  2. #2
    أستاذ بارز
    الصورة الرمزية أحمد المدهون
    تاريخ التسجيل
    28/08/2010
    المشاركات
    5,295
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي رد: تجليات المعرفة الباطنية في سيميائي باولو كويلهو

    بصراحة موضوع شدّني، لجودته، وجدّته، وعمقه، وقدرة كاتبه على الربط والتحليل، بلغة أدبية محكمة البناء.

    أشكر الدكتور ياسر منجي، على ما أتحفنا به،
    ونتمنى أن ينير المكان بطلّته الجميلة، ومواضيعه الشائقة.

    تقبل فائق الإحترام.

    " سُئلت عمـن سيقود الجنس البشري ؟ فأجبت: الذين يعرفون كيـف يقرؤون "
    فولتيـــر

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •