قصيدة الذكرى: وداعاً يا صديق الشعوب!
قيلت في صديق راحل، ومهداة – مع التعديل –
إلى فقيد الإنسانية نيلسون مانديلا
لقد كنت بين ظهرانينا وهجاً نيّراً
وعقلاً زاخراً بأجمل الأفكار وأنبلها
وقلباً موقناً بروعة الحياة وعظمتها.
تحليت بالصبر رغم مرارته
واعتصمت بإيمانك الراسخ
بأن الحق فوق القوة
وعرفت كيف تصفح
عندما كان باقتدارك محاسبة سجّانيك
وتبرهن للعالم أجمع
أنك أحد ألمع الكواكب النيرة
في سماء الإنسانية.
لقد بزغ ضياؤك كبرق كوني
التمع في مشارق الأرض ومغاربها
وتحولت سيرتك الجميلة
إلى دروس للإستيحاء والإلهام.
بددتَ جحافلَ من غيوم الكراهية الركامية
التي حجبت رؤية الإنسان
وناديت بالفهم والتفاهم
وتجاوز بؤر الإساءات الضيقة
إلى فضاءات التضحية
والإنفتاح وقبول الآخر.
ستشرق روحُك في أفق جديد
ما وراء حدود الزمان والمكان..
وستتألق للأبد في سماء التضحية والتواضع وبذل الذات.
وستقتات قلوب محبي السلام على ثمار التسامح
الذي ناديت به ونشرته بلسان أعمالك
وتستقي من ينابيع نفسك الكبيرة
التي انبجست ثرة من مسامات شخصيتك الفذة وشمائلك الرائعة.
لن تعيشَ بعيداً عن العالم لأنك استوطنت قلوب ساكنيه
وستبقى مع المتطلعين للحرية في أمانيهم وأحلامهم العذبة
ولن يقوى الموت على ملاشاة حضورك الشامخ من المهج
التي احتضنتك والمشاعر التي تعمدت بمياه صدقك الذي عز نظيره.
سيبصرك محبوك في ابتسامات الكبار والصغار
وعيونهم المتوامضة بكهرباء الإخلاص ..
وفي الليالي القمراء سيعاينون طيفك الأنيس..
أما النجوم الصامتة فستروي لهم حكايات مشوقة عن بطولاتك..
وسيذكّرهم شدو الطيور بسيرتك الملهمة ..
وهكذا سيشعرون بقربكَ ويعرفون أنك ما زلتَ معهم
مثلما كنت قبل الرحيل!
لن تموت وكيانك ينبض في القلب الكوني
لقد أخلدتَ لسبات ذهبي عميق تحلم برفاهية وحرية الشعوب
متنقلاً بين حقول السلام وواحات العطاء
والأمل بغد مشرق لأبناء الحياة.
ارتحلتَ كتنهدة عميقة في خمائل الورد..
وبقيتْ ذكراك العاطرة تعزي محبيك
وتعيد إلى أذهانهم مآثرك الحية ومناقبك الغراء
لقد اندمجتْ نفسك الراقية في روح الوجود
وتركت أملاً للمتعبين المتعطشين إلى العيش بكرامة
والصحوة من كوابيس الظلم والتمايز والإقصاء .
لقد أطبقتَ جفنيك عن مرائي هذه الدنيا
ولا بد أنك تبصر الجانب الرقيق من الوجود
وتعاين روح العدالة التي يتشوق إليها المظلومون.
لقد تحررت شعلة الحياة من الهيكل المتهدّم
وها هي تطفر بهجةً واحتفاء
بغلبة الخير وانتصار المبادئ السامية.
فوداعاً يا صديق الشعوب
وليغمرك السلام الإلهي
ولتنعم روحك الزكية بالأمن والأمان
في كنف الرحمن.
محمود عباس مسعود
المفضلات