بسم الله الرحمن الرحيم

الأمراض الاجتماعية والسيكوباتيا .

بقلم : د. أيمن غريب قطب .

إن السلوك الاجتماعي السوي والمرضي أحد اهتمامات علم النفس الاجتماعي ويعتبر علم الباثولوجي الاجتماعي أحد اهتمامات هذا العلم في جانبه التطبيقي . والسلوك الاجتماعي لا يمكن أن يحدد في ذاته بأنه سوي أو منحرف إلا من خلال تقييم المجتمع له أو البيئة الاجتماعية المحيطة بالفرد وذلك من خلال التزامه بالمعايير الاجتماعية أو السلوك الاجتماعي أو خروجه وانحرافه عنه .

ويتفاوت بالطبع التقييم الاجتماعي للسلوك من الموافقة التامة إلى الرفض التام .كما يتفاوت رد فعل الآخرين بالنسبة للسلوك المنحرف من الاستهجان وعدم الموافقة إلى المحاكمة والسجن وأحيانا الإعدام !!! . وهناك العديد من الأسباب الاجتماعية لهذا الانحراف ومنها الجهل أو الظروف السيئة اجتماعيا . كما قد يقع الإنسان منجرفا له أو مختارا له . وبشكل عام فإن الأمراض الاجتماعية أو السلوك الاجتماعي المرضي هو سلوك سالب غير بناء وهدام ويعتبر مشكلة اجتماعية تهدد أمن الفرد والجماعة معا .

وأهمية دراسة الأمراض الاجتماعية تأتي من كونها من المشكلات الخطيرة التي تواجه الأسرة والمدرسة والمجتمع . فالمنحرفون والجانحون وذوو السلوك المضاد للمجتمع ( السيكوباتيين ) يمثلون خطرا على حياة الآخرين ويشكلون قلقا وتهديدا دائما لتعريضهم حقوق الآخرين وحياتهم للخطر . فهم أما لصوص أو قتلة أو معتدين على حقوق الآخرين أو على حياتهم وممارساتهم الجنسية بل وهم يشكلون خطرا حتى على أنفسهم نتيجة لمناهضتهم المجتمع ومقاومته لهم مما يشكل عبئا نفسيا كبيرا عليهم . وهم من الناحية الاقتصادية يشكلون فاقدا بشريا وإهدارا للثروة والقيمة البشرية داخل المجتمع بل هم معاول هدم .

ولعلي في هذا الصدد أشير إلى مشكلتين نموذجيتين من خلال ممارستي الإرشادية والتدريس الجامعي ومطالعاتي المختلفة وهما تمثلان أكثر المشكلات تواترا وأهمية . وهما مشكلة السلوك العدواني بأشكاله وأساليبه المختلفة والانحرافات الجنسية ومنها الجنسية المثلية .

• العدوان: ويعتبر أحد ردود الفعل للإحباط الذي هو ببساطة شعور الفرد بخيبة الأمل أو المشاعر النفسية السالبة نتيجة وجود عوائق اجتماعية وشخصية تحول دون إشباع حاجة أو حاجات الفرد الهامة أو الأساسية مما يؤدي بالفرد إلى الشعور بالتوتر والقلق والضيق والغضب . وهذا المزيج السالب من المشاعر التي يطلق عليها الإحباط .

والعدوان عندما يرتد كرد فعل للإحباط هذا فإنه قد يكون مباشرا أو غير مباشر نتيجة اصطدام الفرد بقوة وتأثير الآخرين وبالتالي إمكانية تحقيق هذا العدوان نحوهم باعتبارهم من وجهة نظره على الأقل هم المسببين للإحباط لديه وهناك الكثير من أشكال ومظاهر العدوان غير المباشر مثل إبداء بعض الملاحظات الحادة أو الجارحة أو الانتقادات نحو الآخرين . وهناك نوع من العدوان يتخذ من الأبرياء هدفا لتفريغ المشاعر العدوانية وهو ما يعرف بالنقل أو الإزاحة .

وذلك مثلا من خلال تكسير أو تحطيم الأشياء المادية كما يحدث عند الكثير من الأطفال وقد يظهر السلوك العدواني لدى بعض الأطفال أو الشباب مشكلا ظاهرة اجتماعية سلبية أو مرضا اجتماعيا : مثال ذلك ما قد نرى من السلوك العدواني لدى الأطفال نحو إخوانهم ونحو الأثاث والأشياء المادية المحيطة ورغبتهم في تكسير وتحطيم الكثير من الأشياء وتخريبها وإحساسهم بالسعادة عند القيام بذلك . وقد نرى بعض هؤلاء مثلا يقذفون السيارات بالحجارة لتحطيم زجاجها أو وضع مسامير تحت عجلاتها أو غير ذلك من سلوكيات عدوانية ... !!!

وقد يظهر هذا السلوك لدى بعض الشباب في السرقة مثل سرقة السيارات أو التفحيط ّ مثلا أو الاعتداء على حقوق الآخرين والتعدي على ممتلكاتهم بأشكال مختلفة رغم عدم حاجتهم إلى ذلك من الناحية الشكلية الخارجية .

ويظهر السلوك العدواني لدى بعض الأطفال نتيجة مشاعر الغيرة أو الحرمان من الحب والحنان حيث يوجه الطفل عدوانيته نح و طفل آخر أو أخ أو أخت له يشعر أنهم ينعمون بهذه المشاعر أو يستحوذون عليها . ومنها السلوك الاستكشافي أو حب الاستطلاع وهو سلوك غير مرضي يكون موجها للعب ومحاولة استكشاف الألعاب والأشياء التي يريد أن يعرفها الطفل .


• أما الانحرافات الجنسية أو الجنسية المثلية : فهي الابتعاد عن السلوك الاجتماعي السوي أو عن الحياة الجنسية الطبيعية أو الإفراط في التعبير عنها أو التعبير الخاطئ عنها . وبالتالي الخروج عن الهدف المشروع الذي خلقه الله من أجلها وهو إشباع الغريزة عن طريق التكاثر البشري والحفاظ على النوع بالطرق والأساليب السوية والمعترف بها دينيا واجتماعيا أو البعيدة عن الخطأ. وذلك من خلال عمليات التعلم الاجتماعي والديني والأخلاقي التي يكتسبها الإنسان خلال مراحل التنشئة الاجتماعية المختلفة . ومن أمثلة ذلك الجنسية المثلية وهي الاتصال الجنسي والممارسات الجنسية مع طرف من نفس الجنس وهوما نراه من عشق أشخاص من نفس الجنس لبعضهم البعض بأشكال وممارسات مختلفة يعيشون فيها مشاعر وأحاسيس تشعرهم باللذة . ومنها الاتصال بالمحارم أو ما يعرف بزنا المحارم وهناك عدة تفسيرات لهذه الانحرافات منها :


وجود بعض العوامل الوراثية مثل الاختلال الهرموني أو وجود بعض الكروموزمات التي أثبتت الدراسات أنها قد تساعد على حدوث ذلك .

وهناك عوامل عقلية أو فكرية مثل اعتناق بعض المذاهب والأفكار التي تحبذ ذلك. وتقليد الآخرين خاصة في الثقافات التي لا ترى غضاضة في ذلك أو تجيز أحيانا أو تتسامح مع مثل هذا السلوك . ومنها عوامل التنشئة التي قد تشجع ذلك بطريقة شعورية أو لاشعورية مما يترتب عليه ما نطلق عليه تميع الهوية الجنسية .

وتأتي هنا بعض التفسيرات النفسية التي تشير إلى أهمية العادات والممارسات السلوكية والضغوط الاجتماعية التي يتعرض لها الفرد . ومثال ذلك كأن يتعرض الفرد لجماعات تمارس مثل هذا السلوك معه أو تتحرش بالشخص أو تستغله جنسيا وذلك يساعد على الانحراف والتعود والتكرار وتعزيز هذا السلوك مما يدعمه لدى هؤلاء الأفراد .

وهناك بعض التفسيرات النفسية التي تشير إلى دور مراحل النمو الجنسي لدى الفرد وتعرض الفرد فيها لبعض الأزمات والمعوقات التي تؤدي به إلى الانحراف وفقدان أو تميع الهوية الجنسية .مما يعرضه للانحراف أو الكبت أو النكوص أو التثبيت وقد يزيد ذلك بعض الانحرافات الناشئة عن خلل عضوي في بعض مراكز الدماغ لدى بعض الأفراد .

ومن الملاحظ أن مثل هذه السلوكيات تنمو في المجتمعات المغلقة أو المحافظة حيث تظهر هنا عوامل وجود ميول جنسية مكبوتة وعدم القدرة أو حرية التعبير عن هذه الميول نحو الجنس الآخر بالأشكال السوية أو الطبيعية. مما يؤدي إلى توجيهها نحو أفراد من نفس الجنس . ويميل بعض الباحثين إلى اعتبار مثل هذه السلوكيات ناجمة عن أمراض اجتماعية في البيئة الاجتماعية التي نشأ فيها الفرد وأثرت فيه سلبا .