في ذكراه 91 .. صفحات مشرقة من تاريخ جيش الوطن والأمة

***

في عيد ميلاده الميمون وفي ذكراه الحادية والتسعين ، يفخر القلم وتفخر الكلمات والمفردات والجمل بالتعبير عن ما يجيش في النفوس والقلوب والضمائر من حب واعتزاز بهذا اليوم الخالد في تاريخ العراق والأمة العربية ، ويظل المرء مهما امتلك من أساليب البلاغة والتعبير قاصرا عن الإحاطة بكل المعاني والدلالات المباركة بهذا اليوم الخالد البهي في تاريخ العرب .. فعندما نتحدث عن ذكرى تأسيس الجيش فإننا لا نتحدث عن اسم مجرد أو تاريخ من تواريخ القرن ، فجيشنا ليس اسما مثل بقية الأسماء تحده اعتبارات الزمان والمكان بل هو تجربة خلاقة عظمية وضاءة لا تقاس بعدد السنين والحساب ، انه فكر وتاريخ مبدع خلاق في تاريخ العراق والعرب ..
لقد مرت مسيرة الجيش العراقي ، منذ تأسيسه بمحطات ومواقف مشرفة وكبيرة ، وتعرّض للعديد من الإنجازات والنجاحات، وكان تأسيسه في عهد الملك فيصل الأول وبالتنسيق بين القادة السياسيين آنذاك وأبرزهم عبد المحسن السعدون والأخوين طه وياسين الهاشمي وجعفر العسكري وجميل المدفعي وعلي جودت الأيوبي ( ومعظمهم من خريجي مدرسة الاستعداد العسكري في اسطنبول)، وعدّ الجيش العراقي وقتها ثاني جيش عربي يتأسس بعد الجيش المصري الذي تأسس في عام 1820 فقد تأسس في 6/ ك2 /1921 عند انبثاق الحكومة الوطنية نتيجة ثورة العشرين ضد الاستعمار البريطاني ، ومنذ تأسيسه وهو يتطلع إلى المهام الوطنية والقومية ، وقد نشا نشأة عربية إسلامية ، وكان معظم ضباطه وعناصره قد شاركوا في الثورة العربية التي قادها الشريف ( حسين بن علي ) في الحجاز عام 1916 ضد الحكم العثماني .. وقد تشبع هذا الجيش وتشكيلاته بالروح الوطنية من خلال أبطال ثورة العشرين الذين قاتلوا الإنكليز المســتعمرين طيلة ( 6) أشهر على ثرى هذه الأرض الطاهرة ، ومعارك الفرات الأوسط والناصرية والسماوة خير شاهد على ذلك .. ولا زالت أرضـنا في
( الرارنجية ) و( الرميثة ) شاهدا على قتلى الجيش البريطاني من إنكليز وهنود .. بعد ذلك انتقل معظم الضباط العراقيين في جيش الثورة العربية إلى الشام عندما تم تعيين الملك
( فيصل الأول ) ملكا على سوريا وتم تعيينهم في الجيش السوري ، والتحق بعضهم بعد انبثاق ثورة العشرين في العراق لقيادة الثورة ، ثم عاد معظمهم إلى العراق وتسلموا المناصب الرئيسة في هذا الجيش الفتي وعملوا خلال مدة قصيرة على توسيع تشكيلاته وزيادة قدراته القتالية ورفع مستوياته التدريبية ، كما التحق به أيضا عدد من الضباط العراقيين الذين كانوا في خدمة الجيش العثماني ..
وكان حماس هذا الجيش وتطلعاته القومية قد ازدادا في عهد الملك ( غازي ) الذي ألهب معنوياتهم وتطلعاتهم بدعوته القومية وتوحيد نضال الشعب العربي ضد المستعمرين الإنكليز ، وبرز منهم قادة كبار منهم العـقيد ( صلاح الدين الصباغ ) والعقيد الركن ( كامل شبيب ) والعقيد الطيار ( محمود سلمان ) والعقيد الركن ( فهمي سعيد ) الذين ساندوا التوجه القومي للعراق ووقفوا إلى جانب الحركة الوطنية ، وكان لهم دور بارز في ثورة مايس عام 1941 التحررية وإسناد حكومة الدفاع الوطني بعد تولي (رشيد عالي الكيلاني ) رئاسـتها خلال الحرب البريطانية العراقية ..
فقد شارك بصورة فعالة في حروب فلسطين في عامي 1948- 1949 على الجبهتين الأردنية والمصرية وفي حرب حزيران على الجبهة الأردنية وفي حرب تشرين 1973 ، وبين الأعوام 1976 – 1978، اشتدت الهجمات الإسرائيلية على المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية ، فسارع الجيش العراقي على أثرها إلى إرسال متطوعين من القوات الخاصة العراقية إلى لبنان عبر مصر وليبيا ، ومن هناك تم نقلهم بحرا إلى السواحل اللبنانية حيث شاركوا في القتال إلى جانب الفدائيين الفلسطينيين والحركة الوطنية اللبنانية ضد القوات الإسرائيلية وابلوا بلاءً حسنا واستشهد بعضهم في تلك المعارك ودفنوا على الأرض العربية.. كما ساهمت وحدات من الجيش العراقي في القتال إلى جانب الصومال في حربها ضد إثيوبيا لتحرير إقليم ( اوغادين ) في السبعينات من القرن الماضي ، والى جانب حركة التحرير الاريترية في حربها ضد إثيوبيا لتحرير إرتريا ، والى جانب الجيش السوداني في حربه لتحرير الجنوب السوداني ..
ثم خاض الجيش العراقي حربه الدفاعية الرائعة ضد العدوان الإيراني للأعوام 1980-1988 ، وفي كانون الثاني من عام 1991 خاض الجيش العراقي حرب الخليج الثانية ضد قوات التحالف الثلاثيني بقيادة الولايات المتحدة ، وفي عام 2003 تصدى الجيش العراقي لقوات التحالف الأمريكي الدولي وبدعم دول عربية وإقليمية وإسلامية زادت عن 42 دولة ، وباستخدام الأسلحة الأكثر تطورا وفتكا في العالم ، ضرب فيها أروع الأمثلة في الشجاعة والدفاع عن الوطن رغم الفوارق الكبيرة في العدد والتسليح والتجهيز والقوات ، و بعد معارك ضارية قدم فيها الجيش العراقي والشعب العراقي أغلى التضحيات تغلب فيها الشر وأركانه وبمساعدة عرب ومسلمين ضد أهل العراق الغيارى ، وفي 23 نيسان ابريل 2003 أصدر الحاكم الأمريكي بول بريمر وبدعم وتأييد الأحزاب الحاكمة آنذاك قرار حل الجيش العراقي والمؤسسات التابعة له ، ومن ثم قامت سلطات الاحتلال بتأسيس جيش جديد . .
لقد كان الجيش العراقي منذ تأسيسه موضع احترام العراقيين جميعا من كل فئاتهم وطوائفهم، الذين وضعوا آمالهم وطموحاتهم وأمانيهم الكبار فيه، لأن أمة من دون جيش قوي تبقى أمة ضعيفة مستباحة، ولذلك تسارعت القبائل والعشائر والعوائل العراقية في إرسال ابنائها للخدمة في هذا الجيش الأمل، والذي أصبح مؤسسة وطنية عريقة جديرة بالاحترام والتقدير، وبقيت ذكرى تأسيسه مناسبة يحترمها ويجلها العراقيون منذ التشكيل وعبر كل العهود التي مرت بالعراق ..
إن الاحتفال بيوم الجيش العراقي هو تعبير عن اعتزاز الشعب العراقي والأمة العربية بهذا الجيش الذي وقف على الدوام إلى جانب النضال الوطني والقومي وساهم في كل الثورات والدفاع عن الأمة وقضاياها المصيرية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ..
وعبر مسيرة تأريخه الحافل شهد الجيش العراقي جملة من الأحداث والمواقف التي خُلّدت في ذاكرة العراقيين والعرب، وسجل الكثير من البطولات والملاحم، وكان متواجدا دوما حيثما أقتضى الواجب الوطني والقومي، ومازالت مقابر الشهداء في فلسطين والجولان وسيناء ودمشق والمفرق تشهد للجيش العراقي بالحضور الجهادي والمشاركة في معارك الشرف العربي، كما كان جيش العراق المنقذ والمخلص حينما تدلهم الأمور ويتجاوز الحاكمون أو ينحرفون عن مسيرة البلاد، وكان الجيش العراقي، عراقيا خالصا مخلصا يؤمن بالعقيدة الوطنية والعربية والإسلامية ..

تنويه / الباحث بصدد إعداد دراسة شاملة عن الجيش العراقي : التأسيس والمهام
وستنشر فور إكمالها ان شاء الله ..