الفصل الثاني حقـوق الإنسان في مصــــــر

إن مصر بجذورها الضاربة في عمق التاريخ من الدول صاحبة النضال الحقوقي المدافع عن حقوق الإنسان والمعزز للحريات الأساسية للإنسان .

وتاريخ مصر مع حقوق الإنسان قديم قدم الحضارة حيث أصدر الفلاح الفصيح أولي وثائق حقوق الإنسان في تاريخ الإنسانية، وجه فيه خطابا إلي فرعون البلاد يذكره بوجباته تجاه الإفراد وحقوقهم كمواطنين فكانت هذه الوثيقة بيانا بحقوق الإنسان في العدل والمساواة وفي حرية التعبير والشكوى

واختصرت حضارة مصر الفرعونية مفهوم حقوق الإنسان في كلمة واحدة هي "ماعت" التي تعني العدل والصدق والحق .. كما أقرت الحضارة الفرعونية حق الإنسان في الحياة، وفي التأمين الصحي، وفي التعليم، ومبدأ المساواة بين الناس جميعاً.

واحتضنت مصر الديانة المسيحية حين نادت بتحرير الإنسان من العبودية وأكدت إن التسامح والعدل والنقاء وخلاص الروح هي الجوهر الحقيقي للوجود الإنساني .

وركزت الحضارة الإسلامية علي الإنسان بصفته فرداً يتمتع بمكانة خاصة عند الله ، وعلي علاقة الفرد بالجماعة السياسية أو الدولة وهي علاقة قائمة علي مبادئ الحرية والعدالة والتضامن ، كما ركزت الحضارة الإسلامية علي وضع الفرد غير المسلم في الدولة الإسلامية، حيث كفلت لهم نفس الحقوق التي كفلتها للمسلمين
( الحق في الحياة – الحق في مباشرة الشعائر الدينية بحرية – الحق في التملك – الحق في العمل ) .

ومرت مصر بتجارب سياسية عديدة ساهمت في بلورة مفاهيم حقوق الإنسان حيث شهدت الحقبة الليبرالية الأولي نشأت الأحزاب السياسية في مصر وقيام النظام النيابي، ويعتبر تكوين الجمعية الوطنية التي عرفت فيما بعد بالحزب الوطني المنبثق من مجلس شوري النواب 1879 أقدم الأحزاب السياسية في مصر،
وبقيام الثورة العرابية التي انتهت بالاحتلال البريطاني تتابع إنشاء الأحزاب، وفي عام 1907 أنشئت الأحزاب الثلاثة (الحزب الوطني – حزب الأمة – حزب الإصلاح علي المبادئ الدستورية ) وهي الأحزاب التي لعبت ادوار مهمة علي مسرح السياسة المصرية حتى ثورة 1919، وطالبت برامجها بدستور حقيقي.

وتم تشكيل أول مجلس ديمقراطي للشعب في عهد الخديوي إسماعيل , وهو مجلس نيابي استشاري ووضع أول دستور ليبرالي في البلاد وهو دستور 1923 م كما ازدهرت الصحافة وانتشرت ثقافة الحقوق والحريات المدنية مع أفكار بعض المصلحين ودعاة التنوير من أمثال الإمام محمد عبده ، والكواكبي، وقاسم أمين ، وسلامة موسي .

وبدأت الجمعيات الأهلية في التكوين والانتشار منذ عام 1878 – 1879 وقامت بتأسيس المدارس والمستشفيات ومؤسسات الخدمات الاجتماعية المختلفة .

وتعتبر أول منظمة تم إنشاؤها لحقوق الإنسان في مصر في أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينيات ، وقد أنشأت للدفاع عن الحريات السياسية بعد ثورة 1919 م ، ضد تضامن القصر مع الاحتلال البريطاني في الاعتداء علي هذه الحريات وضد التدخل في الانتخابات ضماناً للفوز فيها .

وكانت مصر من بين دول الأعضاء بالأمم المتحدة التي شاركت في صياغة وإعداد وإقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث عينت الحكومة المصرية المرحوم الدكتور / محمود عزمي مقررا عاما في وفدها في لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ، وشارك في المشاورات لوضع أول وثيقة دولية لحقوق الإنسان (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ) والذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في باريس في 10/12/1948 كما كان له شرف رئاسة اللجنة في إحدى السنوات.

كما شاركت مصر في صياغة العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية القضاء علي جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل حيث كانت مصر صاحبة الفكرة.

وكانت مصر الدولة الرائدة التي أخذت بالمبادرة بطلب اعتبار( الحق في التنمية) أحد حقوق الإنسان الأساسية وذلك في لجنة حقوق الإنسان في جنيف في عام 1977
وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 م , والانتقال من نظام الحكم الملكي البرلماني إلي النظام الجمهوري وتولي جمال عبد الناصر الحكم . فرض هذا التغيير الثوري بما حملة من تيارات ثوريه لإصلاح الفساد السياسي القائم , والظلم الاجتماعي الجائر , مبادئ تقطع بعدم سيطرة رأس المال علي الحكم , وإقامة حياة اجتماعيه عادله .. وتبعها إصدار العديد من القوانين والتشريعات لإحداث التغيير المنشود , فكانت قوانين الإصلاح الزراعي لنصرة الفلاح الأجير.. واهتمت الثورة بالتعليم, وتوجت اهتمامها بمجانية التعليم في جميع مراحله , ووفرت الثورة العلاج المجاني , ومهدت هذه الموجات الإصلاحية الفرصة للجماهير لكي تعبر عن نفسها عن طريق النقابات العمالية والتعاونيات.

وفي 11 نوفمبر 1976 ، أعلن الرئيس السادات تكوين الأحزاب وفقا للقانون رقم 40 لسنة 1977 ليتم تشكيل الأحزاب السياسية بعيدا عن الأسس الطبقية أو الدينية .

وشهدت هذه الفترة أول مبادرة لإنشاء منظمة إقليمية عربية لحقوق الإنسان عام 1968 م , وكان اجتماعها التأسيسي فـي بيروت , ولم يسفر هذا الاجتماع التأسيسي عن تكوين المنظمة .
وفي ديسمبر سنة1983 تم إنشاء المنظمة العربية لحقوق الإنسان ، وأنشأت أيضاً المنظمة المصرية لحقوق الإنسان سنة 1985 .

وجاء قرار السيد الرئيس حسني مبارك بتعديل المادة 76 من الدستور المصري علامة مضيئة وجريئة لتعزيز مسار الديمقراطية وتعظيم دور الأحزاب ودعم دور مؤسسات المجتمع المدني في التنمية الشاملة، ونشر ثقافة حقوق الإنسان.