أما بعد،
فقد قضت حكمة الجبَّار أن يمهل ولا يهمل، ولو شاء لخسف بك الأرض ولا يبالي، ولو شاء لتَخَطَّفَتْك السباع وأنت بين أهلك تَرفل في زينتك، محاطا بجُندك ومالك. وهل يعجزه ذلك وأمره بين الكاف والنون؟! لكنها الغشاوة عياذا بالله! ولقد شُدَّ على قلبك، فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
ما تزال الأخبار تجيء من بلاد الشام تَتْرى على أجنحة الأجواء المكدَّرَة تُنْبِئ عن سَفَهِك ونذالتِك. بالأمس حماة واليوم حمص، ومَن أشبهَ أباه فما ظلم. ويشاء القدر أن يفشوَ الموت الأحمر في الأيام ذاتها. ثلاثون عاما مضت على فجيعة حماة، وكما سيَّرَ عمُّك رِفعت الملعون اثني عشر ألف جندي لغزو المدينة، فها أنت تُوجِّهُ فوهات مدافعك لدَكِّ حمص. ليلةٌ ليلاء ارتفعت فيها أصوات المستضعفين تستغيث مَن يرى ويسمع، ليلةٌ ما ذاقت فيها العجائز النومَ إلا غِرارا أو مضمضة، ولا فارَقَ الذُّعر أفلاذَ الأكباد إلا فراقَ عُدَّة كَيْما يعودَ كأقوى ما يكون الفَرَقُ. فأيقِنْ أن الله ناصرُهم ولو بعد حين! فإنه لا حجاب بينه وبين دعوة المظلوم. وأبشرْ بخزي وذلة! فإنه ما علا شيء إلا هوى، وإن هُوِيَّهُ لأسرع من رُقيِّه. فانتظرْ صدى سقطتك أيها الوغد الحقير!
أكُلُّ ذلك من أجل كرسي لا يدوم؟ أتبيحُ لك نشوةُ الإمارة أن تُذبِّحَ أهلَك؟ أي سحرٍ هذا مَسَّك فطمس بصيرتك؟ عُلِّمْنا أنَّ مكانَ القَيِّمِ بالأمر مكانَ النظام من الخَرَز، يجمعُه ويضمُّه، فإذا انقطع النظام تفرق الخرز وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا، وحسبْناك كذلك ترى، فإذا بك لا همَّ لك في جمْعٍ ولا ضَم، وإذا كل حرصِك إمارةٌ وصَوْلة. وهَبْ أن الأمر استقر لك بعد سفكٍ ونجيع، ولستُ أراه يستقر، أفترى ولِايتَك تكون أُلفةً للناس، ولمّاً لشَعثهم، وحماية لبيضتهم، وتطييبا لخواطرهم، وترضيَة لأنفسهم، وعزاً لدينهم وقد كان الذي كان؟ لأنتَ الأبلهُ الخرِف لو كنت ترى أنك قادر عليه، إذن لصار الزمان غير الزمان، والسُّنن غير السنن. إنك تطمع في مُحال، ولستُ أراك إلا كطالبِ غراب أعصم، فإن الجَور ضرب أطنابه، واستفحل الشر وجاوز المدى. ولقد استدبرتَ كلمةً سواء، وهيهات هيهات أن تستقبل من أمرك ما استدبرت! فإنك في الصيف أضعتَ اللبن.
أيها العبد المملوك لرَب لا ربَّ غيره، نُبشرك بكلام لا يعرف للمصانعة طريقا، ولا اتخذ النفاق رفيقا، أنَّ الله خاذلُك ومُذِلُّك على رؤوس الأشهاد. لا سمع لك ولا طاعة، ولن يَذلَّ لك عنانُ الأحرار، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
والسلام على من اتبع الهدى
12 ربيع الأول 1432ه (04 فبراير 2012م)