قازان.. معركة المائة يوم

المكان: دمشق - الشام.
الموضوع: التتار يحتلون دمشق لمدة مائة يوم.

الأحداث:
ارتبط اسم التتار أو المغول في أذهاننا بالبربرية والفظاعة والقسوة والغلظة وسفك الدماء وانتهاك الأعراض، وفوق كل ذلك سقوط الخلافة العباسية عام 656هـ, ولقد أصاب المسلمين الجزء الأكبر من تلك الفظائع، فلقد عظمت مصيبتهم على المسلمين حتى إننا نجد أن المؤرخ ابن الأثير في تاريخه الكامل يرفض كتابة تلك الأحداث إلا بعد إلحاح كبير من تلاميذه، لأنه يظن أنه نعي للإسلام وأهله! غير أنه رويدًا ما دخل التتار في الإسلام، خاصة أفراد القبيلة الذهبية المعروفة بمغول الشمال وقائدهم "بركة خان"، الذي حارب ابن عمه "هولاكو" من أجل الإسلام.
ولقد قسم جنكيز خان البلاد على أولاده الأربعة، وكانت بلاد الإسلام من نصيب هولاكو بن أوغطاي، الذي كان في قمة الحقد والكفر والبغض للإسلام، وهو الذي أسقط الخلافة، واستمر أولاده من بعده على هذا الخط حتى جاء الدور على "قازان بن أرغون بن أيغا بن تولي بن جنكيز خان" الذي اعتنق الإسلام سنة 694هـ على يد الأمير توزون رحمه الله، وأسلم مع قازان الذي سمى نفسه "محمود" حوالي سبعون ألفًا من التتار! وكان يوم إسلامه مشهودًا، وظهرت شعائر الإسلام في التتار، وخرب قازان الكنائس في بلده، وضرب الجزية على النصارى، ورد المظالم إلى أهلها.
إلا أنه مع الأسف لم يغير الإسلام كثيرًا في طبائع هؤلاء المتبربرين؛ حيث واصل قازان هجومه على بلاد المسلمين على عادة أسلافه من التتار، وقرر قازان الهجوم على بلاد الشام، وعندما وصلت الأخبار إلى أهل الشام دخلهم خوف عظيم، وخرج كثير من أهل الشام إلى بلاد مصر ودمشق.
سلطان مصر والشام يقرر التحرك سريعًا إلى الشام حتى يمنع تقدم جيوش التتار إلى بلاد الشام، وكان سلطان البلاد هو الناصر محمد بن قلاوون ونائبه على الشام الأمير قوش الأفرم، دخل السلطان الناصر دمشق في 8 ربيع أول سنة 699 هـ، ومكث فيها تسعة أيام، ثم خرج للقاء التتار عند بلدة حماة، وخرج معه آلاف المتطوعين، وأخذ الناس في الدعاء والبكاء والقنوت.
في يوم الأربعاء 27 ربيع أول 699هـ، وفي وادي الخزندار بقرية سلمية -مسقط رأس الباطنية- التقت الجيوش الإسلامية مع الجيوش التتارية -المسلمة ظاهرًا- وهُزم المسلمون شر هزيمة، وهرب السلطان، وقتل عدد كبير من الأمراء والفقهاء والمتطوعة، وعندما وصلت الأخبار إلى أهل دمشق ركبهم هم وحزن وخوف شديد، وهرب من دمشق الأعيان والقضاة والوالي والنواب، وبقيت دمشق لا حاكم لها سوى أمير القلعة الأمير أرجواش، بيّض الله وجهه.
في هذا الوقت العصيب قرر شيخ الإسلام ابن تيمية التحرك سريعًا لإنقاذ دمشق من الدمار الشامل، فجمع عددًا من الأعيان، وساروا إلى معسكر التتار حتى يكلموا "قازان" ويأخذوا لأهل دمشق الأمان، فدخلوا عليه، وكلمه ابن تيمية بكلام شديد فيه قوة وجراءة نفعت المسلمين، في هذا الوقت عاث المفسدون واللصوص من الفساد في دمشق، ونهبت الدور، وعظم الخطب، واشتد الغلاء، ثم دخلت جيوش التتار ضواحي مدينة دمشق، وأعلن ضمها لممالك الدولة الإلخانية –التتار- وسلطانها "قازان"، وعين قازان على دمشق واليها السابق "قبحق المنصوري" والذي كان قد فر من السلطان والتحق بالتتار.
خطب للسلطان "قازان" على منابر دمشق، وأذن لهم في نهب ضواحي دمشق، فنهبوا دير الحنابلة، قتلوا رجاله وسبوا نسائه، ثم قتلوا من أهل الصالحية أربعمائة، وأسروا أربعة آلاف، وكذلك أهل بداريا، وعندها حاول ابن تيمية الدخول مرة أخرى على "قازان" ولكن وزيره اليهودي المسلماني منعه.
أراد التتار احتلال دمشق كلها بعد أن أخذوا ضواحيها وما جاورها، ولكن أمير القلعة أراجون وقف لهم بالمرصاد، وفرضت على أهل دمشق أموالاً عظيمة، ونصبوا المجانيق على القلعة لفتحها، وامتنع الناس من الخروج من ديارهم، ومن يخرج يُؤخذ للعمل في السخرة لضم خندق القلعة الحصينة لفتحها، والأمير أرجواش مستميت في الدفاع عنها عملاً بنصيحة شيخ الإسلام ابن تيمية.
عندما تولى الأمير قبجق دمشق نائبًا عن "قازان" أمر بفتح المحال وممارسة الحياة بصورة طبيعية، وشعر بنفسه كأنه سلطان بعد أن كان مطاردًا هاربًا من قبل، ثم أنه أساء السيرة جدًّا، وفتح الخمارات والمواخير، وانتشر الفسق والفساد، هذا وشيخ الإسلام مشغول بفك أسارى المسلمين عند التتار، واستطاع أن يستنقذ كثيرًا منهم بفضل الله.
جاء الفرج من عند الله عندما قرر "قازان" ترك نوابه بالشام والتوجه إلى العراق، وفي نيته العودة مرة أخرى لاحتلال باقي بلاد الشام، ثم أخذ البلاد المصرية، فلما انصرف قازان أغار الأمير أرجواش على التتار، وكسر المجانيق، وقتل بعض من كان يناصح التتار على المسلمين، ثم بانت بوادر البشرى عندما جاءت الأخبار بسير العساكر المصرية إلى الشام لمحاربة التتار، وواكب ذلك رحيل باقي قوات قازان التي تركها للحراسة في الشام، فقام أرجواش وسيطر على دمشق وحفظ الأبواب والأسوار، وأمر كل الرجال بحمل السلاح والصمود أمام التتار لو أرادوا العودة.
أعيدت الخطبة مرة أخرى للسلطان الناصر وقطعت عن "قازان" بعد أن سيطر على دمشق وبلاد الشام مائة يوم، وقام شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه بحرق الخمارات والحانات وإراقة الخمور، وكسر آلات المعازف، وفرح الناس بذلك، وأخذ الوالي عددًا ممن كان يساعد التتار على المسلمين، وقتلوا بعضهم وقطعوا بعضهم وسمروا آخرين، ثم قاد ابن تيمية عددًا من المتطوعين وقاتلوا أهل جبال الجرد وكسروان بدمشق لفسادهم وبطلان عقائدهم وكفرهم وضلالهم، وقمع الله شرهم، ثم كان من توابع تلك المعركة الكبيرة "معركة قازان" أن أفتى ابن تيمية أن يتعلم الناس الرمي والقتال وتعليق الأسلحة بالدكاكين والاستعداد للقتال في أي وقت.

المراجع:
1. البداية والنهاية 14/8.
2. النجوم الزاهرة 8/59.
3. التاريخ الإسلامية 7/173.
4. الموسوعة الميسرة ص474.

المصدر: موقع مفكرة الإسلام.
عن موقع قصة الإسلام