عُرْسْ سُمية وحلم الكتابة القصصية


محمد خليل

كل شخص يولد يمنحه الله موهبة ما .. قد لا يرى هذه الموهبة أو يكتشفها في بدايات حياته الأولى .. وقد يلجأ راضياً أو مضطراً للتعامل مع أعمال لا يجيدها قبل أن يستشعر وجود هذه الموهبة.. قد يتعلم الطب ويجيدعلومه لكن لا يشغف به كمهنة والأمثلة على ذلك كثيرة بين الكتاب والأدباء والشعراء .. وقد يتخرج مدرساً لكن لا يملك صبراً على عملية التدريس وهكذا .. ثم يكتشف هذاالإنسان فجأة أن لديه موهبة أخرى تتفجر داخله كقرض الشعر أو كتابة الرواية أو القصة أو المسرح أو الفنون التشكيلية وغيرها من الفنون .. ويظل صاحب هذه الموهبة يصارع ذاته ومشاعره حتى يجد نفسه مربوطا أمام ورقة وقلم يسكب من روحه فتخرج من داخله قصة أو قصيدة أو مايتصور أنه قصة أو قصيدة .. ثم تبدأ المعاناة لتعريف أو للتعرف على ماجادت به نفسه وقريحته ومشاعره ..
وأعتقد أن سمية عودة من هذه النوعية التى كمنت في لاشعورها رغبة القص .. من ثم شعرت أنها لابد وأن تفرغ هذه الطاقة الإبداعية المحبوسة .. أن تمارس فعل الكتابة وأن تخرج ما بداخلها من حكايات ومواقف فى صورة الإبداع القصصى القصير ..
و من المعلوم للمبدعين والنقاد كافة أن الأعمال الأدبية الأولى أو التي يقوم كاتبها بالدفع بها للقراء لأول مرة توقع الناقد في حيرة شديدة .. وتثير مجموعة من الأسئلة الهامة حول سبب الإصرار والتسرع فى الدفع بها إلى سوق القراءة دون أن يكون قد تأكد هذا الكاتب من ملائمة ماكتب من حيث الشكل والمضمون من ردود أفعال القراء والنقاد فى حيال هذه المغامرة .. هل السبب هو مجرد الرغبة في الدفع برسالة ما إلى القارئ لإقامة علاقات إتصال وتواصل دون النظر إلى توافر آليات هذا التواصل .. أى وسائل ومفردات البناء الفنى الملائمة لهذا النوع الإبداعى ؟..
وهل هذا العمل الأدبى يمثل إضافة جديدة لإنتاجه الفني أو الأدبي أم هو مجرد رقم فى الإصدارات العامة أوحتى بين أعماله الخاصة ؟ .. أم هى مجرد فرصة مهيأة أمامه للنشر سواء من خلال قدرته المادية أم علاقاته ممن بأيديهم قرار النشر؟ ..أم هو اليقين من سلامة وصحة وقبول مايقدم للمتلقى ؟ .. وهنا تأتى مهمة النقد لتضع هذا المبدع وإنتاجه فى ميزان النقد أو التوجيه ..
لعل هذه المقدمة تكون مدخلاً مناسباً لمجموعة (عرس القرية ) لسمية عودة .. وهي خطوتها الأولى – كما قلنا - للإنضمام إلى عالم مبدعى الأدب بكافة أشكاله وألوانه .. هذا العالم الساحر الذى يسبب لأصحابه كثيرا من المشكلات المتباينة التى قد يكون أحدها حياة اقتصادية واجتماعية ظالمة وقاسية.. والسئوال الذي يفرض نفسه أيضا قبل التعرض للنواحى الفنية فى قصص المجموعة هو : هل الكاتبة تملك ملكة القص أو الحكى التى تعتبر العتبة الأولى لولوج هذا العالم ؟ .. والإجابة التى أراها مؤكدة : نعم تملك .. وسؤال ثان : إلى أى درجة تتوافر عندها هذه الخاصية ؟ .. والإجابة : إلى الدرجة التى لولم يتم توجيهها إلى بعض نواحى القصور الفنى لفقدنا مبدعة يمكن أن تضيف جديدا ..
من ثم سنتحدث عن مجموعة ( عرس الغربة ) بغرض التوجيه وليس النقد .. وأعتقد – ولجدية سمية – أنها مستعدة تماما لقبول ماسوف نقول .. لأنها أفصحت عن استعدادها لقبول التوجيه حتى ولو كان قاسيا .. وهذا يؤكد رغبتها الشديدة وإصرارها على النجاح .. ولنعلم بداية أن القصة القصيرة فى أحد تعريفاتها أنها هذا الجنس الذى ليس لها بداية أو نهاية .. بمعنى أن القاص يبدأ قصته من حيث وقوفها عند نقطة معينة فى حدث كبير مستمر توقف عند نقطة ثم تمضى القصة دون أن تنتهى .. فلاتوجد بداية لغير الحياة ولانهاية لغير الموت .. وبين الموت والحياة - كما نعلم جميعا - تكون المعاناة .. و المعاناة المقصودة فى مجال الإبداع هى معاناة كتابة قصة قصيرة تأخذ روح الكاتب والمتلقى والناقد معا حتى يعايش ويستمتع بما يقرأ وتتفجر الأسئلة فى عقله باحثة عن الأجوبة .. وهذا قمة الجمال فى الفن .. تفجير الأسئلة وخلق صور جديدة قد تكون موازية أو مختلفة مع مايطرحه الكاتب نفسه ..
مجموعة ( عرس الغربة ) تتألف من تسع عشرة قصة في ثمان وسبعين صفحة من القطع المتوسط صدرت فى سلسلة أدب الجماهير التى يشرف عليها فؤاد حجازي .. وأعتقد أن انتظار وترقب تقييم الكتابة الأولى لأي مبدع يكون فى حال من ينتظر حكماً من المحكمة فى قضية كبيرة شائكة..
---------------------

تتكون المجموعة من القصص التالية : سيمفونية القطار– الوشم لايجدي– حلة محشى – بابا حسن – العربة والحلم – حب دلفري – أبناه خوفو؟ - سعدان البغل - صابرة – جميلة.. الجمًّال – عُرس الغربة – عند الأريكة الخشبية – ولدي كمال – مشاهد الرعب اليومية – تالا .. لا تدرك المصيف – غرام لا تطويه الأيام – الأعمى بصير – العائد ..
ونبدأ من الإهداء الذي يفسر لنا كثيرا من مكونات واهتمامات الكاتبة .. فالإهداء إلى الأب والأم يؤكد مدى تعلقها وتأثير الأب والأم فيها ومدى ارتباطها بهما .. ثم الزوج في حياتها ووصفها لنفسها أنها مجرد زهرة فى البستان الذى هو زوجها .. وإلى أولادها الذين اعتبرتهم زهورا نبتت حولها فى رعاية نفس البستان .. منتهى الطمأنينة والولع بجو الدفء الأسرى وحب الحواديت ..
ولأن سمية عودة تدخل دنيا القص لأول مرة فلن نقسو عليها .. وسأدخل عالمها من هذا المنطلق .. التجربة الإبداعية الأولى أو (البدايات) فماذا نرى في هذه القصص من الناحية الفنية ؟.. أى من بعض أساسيات هذا الفن المغرى باستشعار سهولة الكتابة القصصية عند البعض ..
التركيز والتكثيف :
ولأن عنصرى التركيز والتكثيف من من الدعامات الرئيسية للقصة القصيرة والأقصوصة ..أرى أن كل القصص تقريباً بداية في حاجة إلى التخلص من بعض الكلمات أو الجمل أو حتى بعض الفقرات الكاملة بعضها موجود في أول القصة أو وسطها أو في النهاية .. حيث نعرف أن القصة القصيرة على وجه التحديد لا تحتمل الزيادات التى تشتت تركيز المتلقى وصرفه عن التفاعل مع فكرة القصة منذ البداية بل وتجعله هذه الزيادات مغتاظاً ومتوتراً وتعطل مسيرة حركته حتى النهاية كأنها نتوءات في الطريق بل وقد تصرفه عن الإستمرار فى القراءة .. وسأضرب أمثلة لبعض القصص التي بها الفقرات أو الكلمات .. مثلا قصة (الوشم لا يجدي) صـ11 نهاية القصة صـ14 آخر سطور القص التي تقول ((حتى أصبح نسياً منسياً حتى نهاية القصة ...
أيضاً قصة (العربة والحلم) صـ21 ينبغى أن تنتهي القصة عند كلمتي (وحيداً مكبلاً ) في نهاية السطر الرابع وبعد ذلك لا لزوم للباقي .. لأن هذه السطور تدخل القصة فى إطار التقرير المباشر وهو عيب فنى فى القصة القصيرة على وجه التحديد ..
في قصة (عند الأريكة الخشبية ) ص48 الثلاثة أسطر الأخيرة في القصة وتنتهي عند جملة ((تتذكر فارسها وحلم حياتها)) ..
قصة ( عناقيد الخوف ) الوصف الذي بدأ في مقدمة القصة من منتصف السطر الرابع إلى ((وهاتان الضفيرتان تنسدلان على كتفيها كأنهما خيوط الشمس الذهبية هذه السطور زائدة وليس لها محل فى تنمية الحدث الرئيس ..
قصة ( مشاهد الرعب اليومية ) صـ58 من بداية السطر الثالث صـ59 ((إلا في الفواصل بين مشاهد العرض حتى كلمة :مقعده))
قصة ( تالا .. لا تدرك المصيف ) ص60 السطر ونصف من بداية القصة هبت نسمة حتى غروب الشمس والقصة تبدأ من جملة ((استعد معظم مرتادي البحر)) بالإضافة إلى بعض الكلمات الأخرى
قصة (الأعمى والبصير ) السطران الأخيران صـ70 بدءا من جملة : سحب جلبابه من بين يدى الضرير .. وأعتقد أن فكرة هذه القصة جاءت تأثرا من مشهد فى فيلم ( الكيت كات ) المأخوذ عن قصة إبراهيم أصلان ..
هذه نماذج لفقرات جاءت كمقدمات لبعض القصص ..بعضها جاء في وسط القصة أو نهايتها أو فى البداية .. وهي من العيوب القصصية التي تؤثر على المتلقي عند القراءة وتصرفه عن التركيز – كما قلنا - فيما عرف باسم لحظة التنوير عند كتاب القصة القدماء أو النهايات المفتوحة التي تشير إلى احترام عقلية القارئ وهى التى يعتمد عليها معظم الكتاب الآن لأن مدخل القصة – أى جملة البدء - أو النهاية هى التى تحدد مدى قدرة الكاتب على تقديم قصة جيدة .. وقد قال يوسف إدريس يوماً للكاتب سليمان فياض بعد أن قرأله قصة فى البدايات :
أدخل في الموضوع .. إحرص أولاً على حذف أي مقدمة أو أكتبها لتدخل في الموضوع ثم أحذفها بعد ذلك وأترك القصة تبدأ من حيث ينبغي أن تبدأ . وهذا يفسر لنا معنى أن يعانى الكاتب ليكتب قصة قصيرة متميزة مدهشة ..
وأستطيع التأكيد على أن
معظم أفكار أو لقطات أو مواقف سمية عودة جيدة كأفكار صالحة لبناء قصة قصيرة جيدة .. لكن هل مجرد حصول الكاتب على فكرة جيدة يصلح لبناء قصة جيدة دون إلمام بمعانى الكلمات وكيفية استخدامها وترتيبها لتوليد المعانى وتراسلها مع الدلالات التى ينبغى أن توفرها الجمل التى تقود الكاتب والمتلقى إلى النهاية المبهرة أو الملغزة التى تدعو إلى التفكير والتأمل ؟ .. كان الناقد الراحل الدكتور على شلش يقول لى لاتقل لى فى قصة أنك تحب الفقراء أو المساكين وتعطف عليهم .. لكن أرنى كيف يكون هذا العطف .. مثلا : معك قرش وحيد لاتملك سواه ثم تجد نفسك تعطيه لأحد الفقراء برضا نفس وطيب خاطر.. ( هذه لقطة قصصية ) يمكن بناء قصة قصيرة عليها .. لكن من الواضح أن سمية وهى تكتب أو تقدم نفسها لأول مرة كانت متعجلة متلهفة .. كأنها لاتصدق إكتشاف موهبتها فى عالم الإبداع.. فهى أحيانا تشرح الموقف كانها مدرسة برغبة من يريد التخلص من الفكرة التى تشغل رأسه دون أن تركز في الضرورات الفنية لهذا الخلق .. خلق قصة قصيرة جيدة تشد القارئ من ذاته وتجبره على الإنتهاء من قراءتها دون ملل ..
من هنا تعجلت فلخصت بعض الأ فكار التي شغلتها إلى وأصبحت أقرب إلى مشروع أو ملخص رواية .. مثل قصة (بابا حسن ) صـ17 .. وقصة (عناقيد الخوف ) صـ52 والتي سقط اسمها من فهرس المجموعة ..
تحكى قصة ( بابا حسن ) عن شخصية فتاة عاشت حياتها في فقر مدقع .. تهددها أمها دوما بتزويجها لأول من يدق بابها هربا من العوز والفاقة .. وحدث بالفعل أن تقدم إليها شاب غير مناسب .. وتم الزفاف سريعاً .. ثم بعد ذلك تكتشف أن زوجها مدمن مخدرات .. وتمضى بهما الحياة ثم تنجب طفلها الأول والثاني والثالث ويزداد الزوج إدماناً.. ثم لا يجد أمامه مفراً للخروج من دائرة الفقر إلا تجارة المخدرات .. تنقلب حياته ويظهر الثراء في الأسرة .. تطارده الشرطة بعد أن ذاعت شهرته ثم لايجد بعد ذلك مفرا من الإستعانة بأطفاله الصغار في التجارة غير المشروعة .. ليس هذا فحسب لكنه يهدد من يمتنع منهم بالويل والثبوروعظائم الأمور.. تفيق الزوجة وتتجاوز خوفها وهلعها منه خوفا ودفاعا عن أولادها وتبلغ الشرطة عنه ..
أيضا نرى فى قصة (سيمفونية القطار) حلم فتاة بالحياة الرغدة ورغبتها فى الدفاع عن الآخرين وواضح أنها تدرس القانون .. فهي مجبرة أو مكرهة كل يوم على ركوب القطار مع الزحام الشديد .. تصف الكاتبة معاناتها اليومية فى هذا القطار .. وذات يوم تسقط من القطار أثناء الركوب نتيجة الزحام ولاتفيق إلا وهى على سرير فى المستشفى وقد فقدت ساقا من ساقيها ومع هذا لاتفقد الأمل والحلم ..
------------------

قصة ( الوشم لايجدى ) شرطي مغرور متسلط متجبر يفرض على أهل قريته إتاوات ويعاملهم بقسوة وغلظة.. حتى زوجته لم تفلت من صلفه وجبروته واعتدائه الدائم .. حتى أرامل الحارة كان يبعث بهن إلى سادته لخدمتهم .. وذات مرة يتأخر في تنفيذ طلب أحد سادته فيطلبه ويسأله عن سبب تأخره في تنفيذ ماطلبه منه .. ولم يقبل السيد مبرراته فيقوم بصفعه على وجهه ليصدم رأسه بالحائط .. لم يصدق ما حدث له فيتحول إلى شخص آخر نتيجة اهانته وفقدان الذاكرة ..هذه القصة على وجه التحديد يمكن أن نستخرج دلالة سياسية .. السلطة عندما يمنحها صاحب السلطة دون وجه حق لمن هم فى خدمته فيستغلونها أبشع استغلال .. ثم عندما يخطئون فى خدمة السيد مانح السلطة يكون مآلهم إلى الهلاك والدمار .. ومع هذا فإن القصة يجب أن تنتهى عند جملة :( تخرج منه الكلمات مبعثرة غير مفهومة ) .. ويتم حذف السطور الثلاث الأخيرة وهى من(( حتى أصبح نسيا منسيا )) ..
أما قصة ( حلة محشى ) فهى أقرب قصص المجموعة إلى مفهوم كتابة القصة من حيث اللحظة الزمنية والمكان شبه محدد والزمان لم يتجاوز ساعات قليلة والموقف محدد تماما .. ورغم هذا كان من الممكن أن تكون أفضل كثيراً لو حذقت السطور الثلاثة الأخيرة أيضا واكتفت بجملة مثل ((حملته إليها . وجدتها راحت في سبات عميق)) . ثم بعض العناية فى اختيار الكلمات لتقدم هذه الفكرة باللغة الشاعرية التى تضفى على القصة الروعة والبهاء الفنى ..

أما أقصوصة ( أبناه خوفو ؟ ) فهى من اللقطات الجيدة التي صنعت اقصوصة جميلة وفقت فيها الكاتبة من حيث خلق الزمان والمكان والحدث المناسب .. وكان من الممكن أن تكون أفضل كثيرا لولم تعتمد على الحوار وحولت هذا الحوار إلى فقرة سردية مع جملتين أو ثلاث جمل لأصبحت أقصوصة شديدة التميز ..
-----------------
ونأتى إلى أفضل قصص المجموعة وهى (سعدان البغل ) و قصة (عرس الغربة) ..تحكى قصة ( سعدان البغل ) عن شخصية لديها تخلف عقلي أيام حدوث وباء الكوليرا في أربعينيات القرن الماضى .. في هذه الأيام استعان المسئولون بسعدان لحمل الجثث الموبوءة على العربة التى يجرها لدفنها بمقابر البلدة خوفاً من انتقال العدوى إليهم مقابل قرش لكل جثة .. ولأن سعدان متخلف عقليا كانوا يخدعونه ويضحكون عليه عند عودته لاستلام القرش ويوهمونه أن الجثة التى أوصلها استيقظت وعادت مرة أخرى ثم ماتت وعليه أن يحملها مرة ثانية ويأخذ قرشا آخر وهكذا ليقوم بدفن كل الجثث ..
القصة تحمل دلالات ساخرة وأخرى تفجردلالات محزنة مبكية عن إستغلال الإنسان القوي صاحب السلطة للإنسان الضعيف المقهور نفسيا والمغلوب على أمره .. الفكرة جيدة لكنها أيضاً تحتاج إلى حذف بعض الزيادات التي لا لزوم لها مثل جملة ((وأخذ يهلك الناس بأعداد كبيرة)) المرض الخطير سريع الإنتشار صـ30 .. جملة ((انتهى الوباء بعض أن قضى على الكثير من البشر)) أيضاً حذف سطري النهاية ((فيدفع له المار ضاحكاً فيتركه سعدان يمر وقبل أن يتحرك مسرعاً يطلق صفارته ويختفي في شوارع المدينة)) .. فقط تنتهي القصة عند جملة ((عليك مخالفة هات قرش)) . وكنت أفضل تسميتها ( هات مليم ) ..
أيضاً قصة (عرس الغربة) قصة تحكي موقف فتاة تزوجت من الشاب الذي حلمت به وذهبت اليه خارج الوطن وهى فى طريقها بالطائرة راحت تجتر ذكرياتها إلى أن وصلت إليه .. وتصف مشاعرها وهى فى الغربة .. ولم تستطع أن تتوافق بسهولة مع المجتمع الجديد إلا أن حدث لها التوافق مع الجيران والعادات والتقاليد .
هي قصة جيدة أيضاً ولو تم حذف بعض الكلمات الزائدة لكانت أكثر جمالا .. وهذه القصة بالذات بها عدة سطور إعتمدت على ما يسمى بالجملة التلغرافية ((ما عادت تفزع حين ترى أعالي السروات التي اعتادت عليها .. اتسع الأفق .. زادت رؤيتها لمكنون الأشياء .. أقنعتها المناظر الجديدة بغريزة البقاء والتعايش شيئاً فشيئاً .. صار أهل الواحة جيرانها واندمجت معهم ..
في هذه القصة نجحت القاصة فى رصد شعور الإغتراب عن الوطن إلى وطن آخر .. ثم بعد أن تنجح فى تدريب نفسها على معايشة أهل الواحة تجد نفسها مضطرة للإنتقال مرة أخرى إلى مكان آخر فتشعر بالغربة وعدم التآلف وتشعر بالحاجة للعودة إلى الواحة ودفء أهلها التى تفاعلت معهم .. ويصبح عليها أن تجاهد من جديد مع الإنتقال الجديد لتبدأ مرة أخرى في البحث عن التعايش وخلق الإحساس بالوطن البديل .. الذى لايعوض الإحساس بالوطن الأم ..
ثانيا ( اللغة )
اللغة عند سمية عودة سهلة غير متقعرة تصل إلى عقل القارئ بسهولة ويسر .. لكن ليس معنى هذا أن لغتها هى اللغة الأدبية المطلوبة .. لأن اللغة الأدبية أو الإبداعية هى حاملة الصدق الفنى لأى عمل إبداعى .. من ثم يجب أن تدقق فى اختيار ونحت الجمل التى توفر المتعة الذهنية والحسية للمتلقى .. ولن يتوفر لها ذلك إلا بالإقبال على قراءة بعض مجموعات القصص القديمة إضافة إلى قصص كتاب هذا الجيل ..
استخدمت سمية الحوار فى بعض القصص وخلطته مابين العامية والفصحى .. مثل الحوار فى قصة ( جميلة الجمال ) وقصة ( ولدى كمال ) ( تالا لاتدرك المصيف ) وغيرها من القصص .. وفى رأيى أن الحوار فى القصة القصيرة لايكون مؤثرا مالم تكن له ضرورة فنية حقيقية ويجهد الكاتب نفسه وهويكتب الجمل الحوارية ليصل بها إلى حرفية عالية تلائم جو القصة حتى لايفسد جما لها وموسيقاها ..
ينبغى فى النهاية أن يتعرف كاتب القصة القصيرة على عدد من تعريفات الكتاب والنقاد أصحاب التجارب القصصية العالية .. وأحد أهم هذه التعريفات القصصية كما وردت فى كتاب الدكتور الطاهر مكى تقول : القصة القصيرة هى : حكاية أدبية – تدرك لتقص – قصيرة نسبياً – ذات خطة بسيطة – وحدث محدد – حول جانب من الحياة – لا في واقعها العادي والمنطقي – وإنما طبقاًَ لنظرة مثالية ورمزية – لا تنمي أحداثاً وبيئات وشخوصاً – وإنما توجز في لحظة واحدة حدثاً ذا معنى كبير .. ويمكن اعتبارها أقصوصة جيدة .. وهى بالفعل أقصوصة وليست قصة قصيرة ..
في النهاية يمكن القول والتأكيد على أن المبدعة سمية عودة تمتلك خاصية مهمة من الخواص التي ينبغي أن تتوافر في كل كاتب قصة وهي القدرة على الحكي .. وأرى أنها حكاءة جيدة .. تحتاج فقط إلى عدم التعجل وهي تحكي قصصها على الورق .. كما أنها ساردة جيدة أيضاً تحتاج فقط إلى الشعور بمعاني الألفاظ والجمل وارتباط كل كلمة وجملة بالسياق السردي العام للقصة .. وأنا على يقين أن عالم القصة قد فتح أبوابه لقاصة ينتظرها التألق إسمها سمية عودة ....