مَن ْ يشتري والمزيد من الرومانسية
بقلم الشاعر
عاطف الجندي

هو واحد من سلالة الرومانسيين و أحد الأصوات المفعمة بالجمال و الصورة الجديدة من خلال القالب العمودي الذي يعشقه و يكتب عليه ، و يرى أن هذا اللون يتحمل التجديد من داخله فالشاعر الجيد لابد أن يطور من أدواته و أن يجدد في شعره من خلال الإطار التقليدي من خلال القصيدة البيتية ، و هو ينتمي لمدرسة شعرية عظيمة بها شعراء زينوا الدنيا بأخيلتهم و صنعوا عالما فريدا يعيشون فيه ، هذا العالم مواز ٍ للعالم الحقيقي و هي المدرسة الرومانتيكية التي خرجت من قبل عنترة بن شداد مرورا بعمر بن أبي ربيعة حتى الجيل الجديد من كتاب القصيدة العمودية و آخرهم سنا هو صاحب هذا الديوان ( مّن ْ يشتري ) الشاعر عماد عناني عناني و هو الديوان الثالث للشاعر و الذي أتابع تطوره الشعري على مستوى الصور و الأخيلة و التجديد الشعري و ما يقدمه من دهشة للقارئ تترك أثرا في النفس ، هو شاعر جاد تخرج من كلية دار العلوم و يعمل مدرسا للغة العربية ، أصدر من قبل ديوانين هما إني لها و لا صوت يعلو فوق صوت العاطفة و هذا الديوان ( من يشتري ) يحتوي على ست و ثلاثين قصيدة تتخذ من عروض الخليل شكلا لها و الديوان يحتوي على ثلاثة محاور هي : الوطني و العاطفي و الفلسفي و هو اللون يطرح فيه الشاعر رؤيته من خلال منظوره الخاص بعيدا عن الحبيبة سواء كانت الأنثى أم الوطن 0
فإذا نظرنا إلى المحور الأول و هو محور القصائد الوطنية و الذي يحتوي على قصائد مثل ( من يشتري و العابدون و لا صوت يعلو فوق صوت البلطجة و تلك التي في خاطري و سوريا ) و في هذه القصائد يتنامى الحس القومي و المد الثوري لدى الشاعر و هذا اللون جديد في هذا الديوان بعكس سابقيه الذي أخلص فيهما الشاعر للون العاطفي فنجده في أول قصيدة من الديوان و هي التي تحمل عنوان هذه المجموعة الشعرية بعنوان ( من يشتري ) ينتقد الوضع السياسي القائم و تحكم السلطة المطلقة للحاكم في رقاب الشعب فيقول :
حــريتــى ... للبيع خذها يا أخى
وادفــع لــى الثـمـن الـذى ترضاه
فـــأنــا الـذى .. لا حلم لى يقتادنى
وأنــا الــذى ... كلت بــه يـمـنــاه
وأنــا الــذى .. أمرُ الزعيم صلاته
ونـفـاقـــــــه .. تسبــيـحـنا بحـماه
ثم يبين جوانب سادية هذا الحاكم و تجبره على شعبه و كيف أنه طغى في الأرض فسادا فيكمل :
إن قـــال : عيشـوا ؛ فالحياة نعيمه
أو قــال : مـوتـوا .. فـالدنا دنياه
لـــو مــلّ يــومـًا أو أحـس كـآبــة ً
فــرقـــاب شعب ٍ فـى رضًا سلواه
عــرق الجـباه حـصـاده وطـعـامـه
لـــن يســترقَّ حــيــــاتــنـــــا إلاه
ثم في سخرية يكمل القصيدة بأنه الإله المعبود في هذه الأرض فهو النور و الشمس و كل شيء حتى أنه يتساءل في مرارة بأنه ربما يلقاه يوم القيامة أيضا ليحاسبه كما حاسبه في الدنيا و تحكم في حياة الناس فظلم من ظلم و تجبر و طغى فنراه يقول :
يــحــيـا لـنـا ؛ فــالنور طلعة وجهه ِ
شمـس الــدنــا لا تـصطلـى بسواه
يـــا خير من عبد َ الأناسُ بأرضنا
يــوم الـقـيـامــة ، مـن تـُـرى نلقاه ؟
هل أنت من نلقى ؛ تحاسب عـمرنا ؟
أم يــا تـُــرى يــأتـي هـنــــاك الله ؟
و يطالب الشعب بالثورة على هذا الطاغي في الأرض و يصفه بالغباء لأنه تأله و ظن أنه الله في هذه الأرض و بأنه سيورث أسرته الحكم من بعده و يذكر الشاعر الناس بأن الشهيد مأواه الجنة و أنه لا خير في حياة بدون كرامة فيقول :
ثــــوروا ؛ فــليــس الـعـمر إلا واحدًا
مـــن ثــــار ؛ أفــلــح عـنــدنــا مسعاه
ذاك الــغــبــى .. وقـــد تــألـَّـه كــاذبًا
ظـــن الــــدنــــا قـــد حـــازها ولداه
قــــد ظـــن قـــدرتـــه علــيـها منحةً
لـــن تـُـستــردَ : ؛ فيا لحمق نهاه !
و يذكرهم بأنه لن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم و كيف أن للشهيد الجنة فيكمل :
ثـــوروا ؛ فـــإنـــى فوق أيديكم يدى
مـــن مات ؛ عـــندى فى السما مأواه
أمـــــا الــــذى قـــتــل الـشــهـيــد فإنه
عــنــدى كــذلـك مـُـوقـَـدًا مـــثـــواه
و في باقي قصائد هذا المحور يسير على نفس المنوال من تشجيع للثورة و رفض التوريث و الإشارة إلى أسماء أبناء الحاكم و زوجته و كمية الفساد المستشري في البلاد حتى نصل للقصيدة التي تحدث فيها عن ثورة سوريا و كيف أن حاكمها يسير على منهج ( مبارك ) سفاح مصر بل تعداه في الجبروت و البطش و وضع هذه القصيدة كختام للديوان و هي بعنوان ( سوريا ) و يتألم لحضور العيد و أخيه في حماه و دمشق و باقي المدن السورية بين قتيل و جريح بأيدي طاغية سوريا ، و يقول في هذه القصيدة الصغيرة :
عــيـــد أتـى و أخى قتيل فى حماه
وابــن ٌ لـعـمى يستغيث من الطغاة
وابــن لـخـالى فـى دمشق مضرج
ما ذنــبــه ؟؟ قـد كان تعشقه الحياة
و إذا نظرنا للمحور الثاني و هو المحور العاطفي و الذي أبدع فيه الشاعر من قبل و في هذا الديوان سنجد قصائد عديدة و موضوعات شتى من حب و عاطفة و هجر و لقاء و خصام و دلال و لكن الجميل أن يتغزل الشاعر و يحب و يجعل كل قصائده في محبوبة واحدة و تكون هي زوجته و يصرح باسمها في مواضع عديدة فهي ( فاطمة الزهراء ) و يدللها في مواضع بقول ( أفاطم ) أو يذكر اسمها كاملا ومرة نجده يسميها الزهراء فقط و أخرى يشير إليها حتى فى عناوين القصائد و احتوى هذا المحور على قصائد هي :
( خلود و وحي البخيل و السرمدية و الهدية و بدايتي و في منامي رأيتها و منام آخر و الدمية و استرحام و لا تأتلي والحجة و في الليل و صلح و وأد الغرام و الجائزة و هي كالنجوم و محاكمة و الوحي و الفريدة و صدق و السبية و الوصايا و رحيق و في مثل هذا اليوم و غائبة و عودة و محراب و الزهراء و وهم )
و من هذا المحور أختار قصيدة بعنوان ( الزهراء ) و إن كانت كل القصائد جديرة بأن تدرس و لكن قد تكون هذه القصيدة معبرة عن محور بكامله فهي تصرح باسم الحبيبة / الزوجة و تبين مدى وله الشاعر و هيامه و إخلاصه لمحبوبته فيقول في أبيات عذبة :
أنت النســاء جميعهـن بخاطـــــرى
إنــى الــرجال جمـيعـهـم يـا فاطــم
ما الشمس تعصى الله إن هى أشرقت
فــلــتــشـــرقــى.. إن الـظـلام لمأثــم
أطيــاف عـيـنك لا تـفـارق خـاطــرى
إنــى بـحـــق فـــى هــــواك لهـائــــم
هي الشمس لدى الشاعر و هي كل النساء و هو أيضا كل الرجال بالنسبة لها و يواصل عشقه و تبتله في محرابها فيقول :
يا من ملكت زمــام قلـبى أجمــلــى
هــل لــى الكـلام لديك؟ هل أتكلم؟
أم أكتب الشعــر الحزيــن وحسبنـا
فـى ذا الـغــرام مــن الـهـوى أتألم؟
فلتطلقــى هــذا العنــان لعشقنــــــا
مــا كـان حـب فــى الزمان يحــرّم
و يطالبها بعد قتل الحب أو تركه نهبا للأحزان فهي الملهمة و هي الشعر و هي الحياة فيقول في مقطع آخر :
هيــا اقبلى لا تقتلى ذاك الهــــوى
لا تتــركيـه صريـع حــزن ينهم
00000000000000000
إنــى رأيـتـــــك تـشــعريــن قصائدى
فالشـــعـــر مـا أضـحــى بغيرك يلهــم
أما المحور الثالث و هو الفلسفي و فيه يقدم شاعرنا رؤيته للحياة و للشعر و تعريفه له من خلال منظوره الخاص و فلسفته التي كونها من خلال تجاربه في الحياة و هذا الاتجاه تمثله قصيدتان الأولى بعنوان ( القوافي ) و الثانية بعنوان ( ليس لها من دون الله كاشفة ) ففي قصيدة القوافي و فيها يتحدث عن وجهة نظرة في الشعر و قد كتب كثير من الشعراء تعريفهم للشعر في قصائد فكل يدلو بدلوه في هذا المجال فيصف شاعرنا الشعر بقوله :
يــا خــيـــر قـــول ٍ بـعــد قــول إلهنا
ونــبـيــنــا .. هــّـلا تــركت زمـامــى
بــالله ضــع عـســل الكـلام بـمهجتى
حـتى يــخــالــط خــاطـرى و كـلامى
و يكمل شاعرنا كيف اعتناق الشاعر لشعره فهو بعد الله و الرسول و الدين حتى لا يتهم بالكفر و كيف أن الشعر - و هو الحلم العصي على الملوك أو كما قال فتحي سعيد من قبل ( إلا الشعر يا مولاي ) ما هو إلا رسول سلام و محبة بين البشر فيبدع :
مــا بـعــد ديــنــى أرتجى من عالمى
إلا حــلاوة قــــافــيـــات نــظــامــــى
حــلم الــفـــوارس يــا بـحـور خـلـيلنا
غــرقــى بـهــا الــتــريـاق فـى الأقلام
فــالـقــول يحـلو والـقـصـائـد تـرتجى
والـشـهـد فـى شـعـر ٍ رسـول ســـلام ِ
و يتعجب و يستنكر الشاعر بأن يحيا الإنسان بدون شعر فالحياة قصيدة جميلة و المرأة قصيدة جميلة و هكذا
أيــعــيــش إنــســان بـغـيــر قصائد ٍ ؟
هــيــهــات يــهــنــأ ســاعــة بـمـــرام
هـــل يـهــنــأ الــعــشــاق دون تغزل ٍ ؟
هــل تــعــذب الــدنــيــا بغيــر غرام ؟
ملاحظات عامة على الديوان : نرى أن هذا الديوان به العديد من مواطن الجمال و أيضا به أماكن دليل على تأثر الشاعر بسابقيه من الشعراء ففي قصيدة الزهراء مثلا نجده متأثرا برائعة أمرؤ القيس
( أفاطِـمَ مَهْلاً بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّـلِ 00 وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي ) و في قصيدة السرمدية تأثر بشوقي في قصيدته عن الأزهر و التي مطلعها ( قُـم في فَمِ الدُنيا وَحَيِّ الأَزهَرا 00 وَاِنثُر عَلى سَمعِ الزَمانِ الجَوهَرا ) و نرى الشاعر أيضا مغرما ببعض الأسماء مثل ( لا صوت يعلو فوق صوت البلطجة ) و هو اسم قصيدة و من قبل ديوان باسم ( لا صوت يعلو فوق صوت العاطفة ) و به قصيدة أيضا بعنوان ( لا صوت يعلو فوق صوت المسخرة ) و كأنه موقن و متشبث برأيه بما يطرحه من إشكاليات ونجد عنوانا جاهزا مثل ( ليس لها من دون الله كاشفة ) أيضا كما أن تواريخ كتابة القصائد غير مكتوب و وجوده هام ليتعرف القارئ أو المتابع و الناقد لمستوى تطوره الشعري و معرفة نبذة تاريخية عن ظروف و ملابسات القصيدة من خلال تواريخ الكتابة و إن كانت القصائد نفسها و خاصة السياسية منها تشير لفترة الثورة المصرية في يناير 2011 و ما قبلها و لكن العاطفية منها غير محددة التاريخ و نجده أيضا يكرر قصيدة من ديوانه السابق هنا فى هذا الديوان و يشير إليها و هي بعنوان ( في منامي رأيتها ) ليسطر بعدها قصيدة بعنوان ( حلم آخر ) و كأنه يقول بأن أحلامه بمحبوبته ، تتواصل على مدار حياته و دواوينه و أيضا نجد إخلاص الشاعر لمحبوبة واحدة و تصريحه باسمها و كأنه لا يطيق كتمان هذا السر و رغبته أيضا في أن تكون قصة غرامه حكاية على شفاه الرواة مثل عنترة و عبلة و قيس و ليلى و ابن زيدون و ولادة و غيرهم من قصص الغرام العذري التي تروى في قصص الهوى و أضيف لهم هنا قصة ( عماد و الزهراء ) 00
و أخيرا : شاعرنا لديه كل الإمكانيات للوصول إلى جذوة الشعر و لسان نار الشعر فهو محمل بثقافة و لغة و تراث ثقافي يتكأ عليه من خلال ما يكتب من قصائد خليلية و أن يجدد من خلال أطر القصيدة فهو مهيأ لذلك و ننتظره منه في القريب العاجل 0
القاهرة
في 19 يناير 2012