( 1 )


من المعروف أن عدد الذين يعانون من خرف الزهايمر على نطاق عالمي
يبلغ نحو 35 مليون شخص.
وهذا الرقم آخذ بالارتفاع بسرعة هائلة نتيجة زيادة أعمار المسنين، وارتفاع عددهم في العشرين سنة الأخيرة.
ويتوقع أن يصل عدد المرضى على مستوى العالم عام 2030 نحو 65 مليون شخص و 115 مليون شخص عام 2050.
وهذه الزيادة تعود الى ارتفاع مستوى الخدمات الصحية، عموماً، والاجتماعية للمسنين خصوصاً.

وأشارت الدراسات والأبحاث المختلفة الى أنه كل 71 ثانية يصاب
شخص ما بمرض الزهايمر، وأن نحو 5 – 11 في المئة ممن هم فوق
سن 65 عاماً يعانون من مرض الزهايمر، بينما تتراوح هذه النسبة
نحو 51 في المئة عند مَن هم فوق سن 85 عاماً.
وهذا المرض أكثر انتشاراً عند النساء منه عند الرجال
(وذلك لكون النساء يعشن أطول عمراً من الرجال).

وأشارت هذه الدراسات أيضاً الى أن 71 في المئة من مرضى الخرف
يعانون من مرض الزهايمر.

وينسب مرض الزهايمر الى الطبيب الألماني Alois Alzheimer،
الذي يعتبر من أشهر اختصاصيي طب الأعصاب والمحاضرين فيه.

ولد البروفسور الزهايمر في العام 1864 وتوفي في العام 1915.
وفي عام 1907 وصف لأول مرة هذا النوع من الخرف عند امرأة تبلغ
من العمر 51 عاماً. وكون عمر هذه المرأة أقل من 65 عاماً، فقد وصف الزهايمر هذا المرض بأنه خرف من النوع
"ما قبل الشيخوخة Presenil Dementia"، اعتقاداً منه بأنه يصيب غير المسنين فقط. غير أنه تبين لاحقاً بأنه يصيب، بنسبة أعلى،
الأشخاص فوق سن 65 عاماً (خرف الشيخوخة Senile Dementia).

ويصيب مرض الزهايمر الخلايا العصبية (العصبونات Neurons) في الدماغ، ويؤثر سلباً في المريض من الناحية العقلية والنفسية والسلوكية والاجتماعية، ويعتبر من أكثر أنواع الخرف شيوعاً، يليه الخرف الوعائي (الأوعية الدموية) Vascular Dementia والخرف المصحوب بأجسام لوي
Dementia with lewy bodies والخرف الجبهي – الصدغي Frontotemporal Dementia.

والخرف هو اضطراب دماغي يؤثر بشكل خطير في أداء المريض لحاجاته وأنشطته اليومية. ومن الناحية التشريحية يؤثر مرض الزهايمر سلباً في مناطق الدماغ المسؤولة عن تنظيم والتحكم بالذاكرة والتفكير واللغة.

وأسباب الخرف، عموماً، معروفة لدى العاملين في الحقل الطبي،
غير أن أسباب مرض الزهايمر بالذات ما زالت مجهولة،
بالرغم من وجود عدة نظريات لها.
كذلك لا يوجد علاج شاف له، وعاقبته وخيمة.

وهنالك ثلاث حقائق عن مرض الزهايمر أود أن يعرفها أفراد مجتمعنا،
وهي:

1- مرض الزهايمر ليس بالقدر المحتوم للشيخوخة:
الخرف لا يصيب كل شخص، وهو مرض شديد وصعب،
ويجب أن نحارب الوصمة التي تصاحبه.

2- ما زال العلماء غير متأكدين من سببه:

وهذه الحقيقة تجعل الدعم المادي للأبحاث والدراسات في هذا المجال واجباً أساسياً وضرورة قصوى، تقع على عاتق جميع أفراد مجتمعاتنا.

3- المريض المصاب بالزهايمر بحاجة للرعاية:
المريض وذووه بحاجة للدعم المعنوي والحب والحنان.
ومن الضروري بمكان أن نجد العلاج لهذا المرض،
غير أنه من الأجدى أن نفعل ونقدم ما نستطيع تقديمه للمريض
وأولياء أموره، الى حين التوصل لعلاج شاف إن شاء الله.

وفي بحث قمت به تبين لي أنه في عام 1994 بلغت نسبة المرضى المصابين بمرض الزهايمر في الضفة الغربية وقطاع غزة، الذين يعيشون في بيوتهم وليس في مؤسسات خاصة بالمسنين، نحو 98 في المئة.
في حين كادت أن تصل هذه النسبة عام 2001 الى مئة في المئة.

وتأسيساً على ما سبق، أستطيع أن القول إنه يجب علينا دعم المؤسسات الخيرية والاجتماعية التي تعمل من أجل رفع مستوى الخدمات الصحية والاجتماعية للمسنين.
فالقيام بزيارة بيت شخص مسن وتقديم وجبة طعام ساخن له،
اضافة الى الدعم المعنوي والمادي، يعني الشيء الكثير له ولأهله.

* * *

وقبل الحديث عن مرض الزهايمر،
وكي يكون من السهل على القارئ الكريم استيعابه وفهمه،
أرى من المناسب أن أعطي فكرة عن "الذهان العضوي" Organic Psychoses المعروفة أيضاً باسم "متلازمات الدماغ العضوية" Organic Brain Syndromes.

يشير مصطلح متلازمات الدماغ العضوية الى مجموعة من الأمراض
الذهانية الناتجة من تغيرات بيولوجية – عضوية في الدماغ،
تنتج إما عن تغيرات في الدماغ نفسه
(مثل الأورام، والصدمات والتغيرات التحليلية – الإنحطاطية..)،
أو عن أمراض خارج الدماغ، ولكن تؤثر فيه بطريقة أو بأخرى
(مثل الميكسيديما، والتهاب الرئة، وفشل كل من الكبد والقلب والكلى..).

واستناداً إلى مدى انتشار الإيذاء العضوي في الدماغ،
فإن الحالات تقسم الى قسمين، هما:

1- عامة:
وتشمل التغيرات المرضية كل قشرة الدماغ.
ويكون ناتجاً من ارتفاع الضغط داخل الجمجمة.

2- موضعية:
وتكون التغيرات فيها محصورة في منطقة معينة من الدماغ،
ويؤثر الإيذاء العضوي في وظيفة معينة فقط.
ويكون ناتجاً من ورم في منطقة معينة من الدماغ.

وبناء على مساق (مسلك) Course النوع العام، الذي يشمل كل قشرة الدماغ، فإننا نستطيع أن نصنف مساق الإيذاء الى قسمين رئيسيين، هما:

1- حاد: ويعرف أيضاً باسم "الهذيان" Delirium،
أو حالة الارتباك الحاد وتشويش الوعي والإدراك.
وهنا تبدأ أعراض المرض بشكل مفاجئ،
وتنتهي خلال فترة زمنية ليست بالطويلة.

2- مزمن: ويعرف أيضاً باسم "الخرف" Dementia،
وفيه تبدأ الأعراض بشكل تدريجي لتدوم طويلاً.

وبما أن مرض الزهايمر هو نوع من أنواع الخرف،
فسنتكلم أولاً عن الخرف بشكل عام (دون التطرق للهذيان)،
ومن ثم سنناقش مرض الزهايمر بشكل خاص في الحلقة القادمة ان شاء الله.

د. جابي كيفوركيان .