هكذا وضع العنوان في العمل الإبداعي ــ و كما أسلفت ــ يختلف عن كـــــل العناوين و الأسماء لأنه ليس تسمية فقط بل هو عمل من عوامل البناء الإبداعي، لأنه يساعد، ويكمل ويحيل، ويدعو للتأمل ...وهذه وظائف وليست وظيفة. ومن هنا كانت خطورة العنوان، ودوره الذي قد يغفله الكثيرون . إذ ينبغي أن يوضع بقدر كبير من الذكاء والنباهة... وأن يكون عاملا مساعداً يجعل الحدث نقطة البدء، ليجنح بعيدًا بخيال القارئ أبعـد من تخوم النص. وفي ذلك قال د. محمد مفتاح» معرفةٌ لضبط انسجام النص وفهم ما غمض منه، إذ هو المحور الذي يتوالد و يتنامى ويعيد إنتاج نفسه، وهو الذي يحدد هوية ( الرواية) فهو إن صحت المشابهة - بمثابة الرأس للجسد، والأساس الذي تبنى عليه، غير أنه إما أن يكون طويلا فيساعد على توقع المضمون الذي يتلوه، وإما أن يكون قصيرا. وحينئذ فإنه لابد من قرائن فوق لغوية توحي بما يتبعه . »
فليس كل المبدعين في القصة ...قادرين على اختيار العنوان المناسب . مسألة الاختيار هي ــ في حد ذاتها ــ فن، و ذوق، و دراية ، و وعي، و إدراك....إن العنوان الذي يشي ، وينم ، ويفضح ، ويكشف المحتوى أو يلخصه ...يهدم البناء الفني ويأتي عليه . إنّ عناوين الأعمال الفنية لا ينطبق عليها أبداً المثل السائر" الرسالة تقرأ من عنوانها " كما لا تنطبق عليها دلالات أسماء الأشخاص والأماكن. ولا يمكن أن نقارن ذلك بما نتخذه من عناوين في إبداعاتنا .
مسألة اختيار العنوان صعبة.ولا يستسهلها إلا غير واع بها وبأهميتها.. فيرمي العناوين كما اتفق . لا شيء يؤرق المبدع الحق، كاختيار العنوان المناسب وإن كان أحياناً يأتي كاللمحة الإبداعية..وليس كما يرى البعض " في نهاية الكتابة "، بل أحياناً يكون هو الباعث على الكتابة، وفي جميع الحالات، أرى أنّ العنوان لا ينفصل عن النص، ولا يلخصه ، ولا يكشفه..ولكن ــ بشفافية تلميحية ــ يغشاه، ويمازجه، ويكسبه بعداً تأمليا وًدلاليا ..يحمل القارئ ــ قبل و بعد القراءة ــ أن يقف عنده، متأملا مراميه وفضاءاته..التي لم يحددها المحتوى، ولا يمكن أن يحددها كلها، لأن المحتوى " حدث " ليس إلا، مرهون بالزمان والمكان بينما العنوان تكثيف لغوي، يخترق الزمان والمكان.
المفضلات