مسامير وأزاهير 278


إنهم يسرقون عقول أطفالنا!!.


حقيقة ندركها جميعاً مفادها أن بوناً شاسعاً قد طرأ بين ثقافات وممارسات ومفاهيم ووعي واهتمامات الأجيال العربية المتعاقبة، فممارسات وثقافات واهتمامات ودرجات وعي جيل آبائنا لا تشبه مثيلاتها في جيلنا نحن، وزاد البون سعة واتسعت الهوة بين جيلنا وجيل أبنائنا ومن ثم جيل أحفادنا، وهكذا دواليك صعودا أو نزولا، ولعل سبب ذاك الاختلاف يعود لعمري لتشعب مناحي الحياة وتطورها وتشابكها ولاختلاط مفاهيمنا بمفاهيم غيرنا من دول العالم، ذاك التشعب والتطور الناتج عن مفاهيم العولمة ومحاولة سيطرة وهيمنة الثقافة والتقاليد الغربية على مثيلاتها العربية من خلال انتشار استخدام وسائل الإعلام المختلفة وأخص بالذكر أجهزة التلفاز وما يعرض فيها من برامج وأفلام انتشرت بيننا وهيمنت على جانب كبير من وقتنا واستحوذت على مساحات شاسعة من فكرنا ورؤانا وسلوكياتنا اليومية، والحديث في هذا الجانب ذو شجون ويطول شرحه، غير أن ما سأتناوله بمقالي اليوم سينصب تحديداً على تأثير تلك البرامج والأفلام على نشئنا الصغير - رجال الغد وقادة وأمل المستقبل- واستحواذها الكامل على جل تفكيره وبالتالي صقله بالشكل الذي يتوافق ومفاهيمهم الغربية وبما يخالف مبادئنا ومفاهيمنا العربية الأصيلة وعقيدتنا الإسلامية السمحاء، مستنداً منطلقاً فيما أقوله من منطلق القول العربي المأثور ... التعلم في الصغر كالنقش في الحجر!!.

لنعد بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، جيل أبائنا الذين تربينا في ظلهم وتحت رعايتهم، وسأنقل لكم تجربتي مع والدي "رحمه الله" الذي كان قد نظـّم لنا – أخي الأصغر حسن وأنا – طريقة حياتنا منذ نعومة أظفارنا، فكان يعير أهمية قصوى للجانب التعليمي والتربوي من منطلق كونه عروبيا مسلماً أولاً وتربوياً ثانياً، حيث حدد لنا وقتاً محدداً للجلوس إلى التلفاز ومشاهدة برامج الأطفال التي كانت تعرض أواخر خمسينات ومطلع ستينات القرن المنصرم قبل أن ننصرف بعدها لتهيئة فروضنا المدرسية فننام مبكرا استعداداً لليوم الدراسي التالي، فكان الوقت الذي خصصه لنا لهذا الغرض لا يتعدى الساعة الواحدة مساءً يوميا – بضمنها فترة تناول العشاء- عدا ليلة الجمعة باعتبار أن الجمعة يوم راحة من عناء أسبوع عطاء، وما ساعد أبي آنذاك على تطبيق سياسته التربوية الصارمة الناجعة تلك أمران، أولهما اقتصار البث على قناة تلفزيونية حكومية واحدة ، وثانيهما أن عمل برامجها كان محدداً ابتداءً من عصر اليوم ليغلق أبواب البث نهائياً عند منتصف الليل تقريباً، فالفضائيات آنذاك لم تكن قد أنشأت بعد!!.

وما مارسه والدي "رحمه الله" فإنني كنت قد اقتبسته ومارسته مع أولادي الذين وبحمد من الله ولطفه استجابوا لسياستي فكان أن وفقهم الله جميعاً فتخرج منهم الطبيب وطبيبة الأسنان والمهندسة وخبيرة الحاسوب، وتقاعدت وتزوج أولادي ورزقت بأحفاد هم أعز من الولد كما يقال بالأمثال عندنا، وكان قد زامن هذا الجيل الذي يتربى في كنفنا وتحت أنظارنا انتشار الفضائيات بشكل كبير جدا والتي تعمل على مدار الساعة دونما توقف أبداً، فابتدأت مصيبة المصائب في عالمنا العربي نتيجة هذا الزخم الهائل والكبير من المحطات والقنوات الفضائية التي لا حصر لها، فمنها العربي الملتزم وغير الملتزم ومنها الأجنبي، هذا كما انتشرت قنوات فضاء عربية خاصة تخصصت بعرض أفلام كارتون مدبلجة إلى العربية تنتجها شركات غربية تبث في بعضها السموم والفساد إلى عقول نشئنا الصغير البريء الذي لا يفقه شيئاً، وذاك لعمري بيت القصيد ومربط الفرس!!.

لم أكن أعر بالاً لشغف حفيدي بأفلام الكارتون الغربية الصنع والمدبلجة للغة العربية، ولم أنتبه إلا مؤخراً لما كانت تحتويه تلك الأفلام من مشاهد رعب وعنف ووحشية وقتال، فما أن يعود أحد أحفادي من مدرسته حتى يلقي حقيبته المدرسية أرضا فيسارع إلى تشغيل جهاز التلفاز ليتابع أفلام الكارتون بشغف شديد، غير آبه بجوع أو عطش أو تعب كان قد ناله جراء كثرة جريه ونطنطته مع أقرانه التلاميذ أثناء الفسح بين حصص الدروس، ولعلني لم أعر بالاً وأنتبه لتلك الأفلام وما يعرض فيها من مشاهد خطيرة تسيء لعقول أبنائنا من النشء الجديد وذلك ربما اعتقاداً مني بأن تلك الأفلام كانت تخضع لرقابة صارمة أثناء استيرادها من منشأها الأم فتمنع الرقابة الإعلامية عرض ما يشوه فكر الطفل ويزرع في تلافيف دماغه ثقافة مشوهة وممارسات ومفاهيم ومشاهد سيئة تزرع في سلوكياته العنف والشراسة إلى غيرها من الصفات غير الحميدة التي لطالما ترفضها مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ولعل مشيئة الله دفعتني ذات مرة لأجلس على مقربة منه أراقب انشغاله وشغفه وانفعاله بما يعرض فذهلت لكثرة حركات يديه ورجليه لتحمسه لمشاهد عنف وحراك وصخب وصراخ أبطال فلم الكارتون، فأيقنت ساعتها حجم الكارثة التي ستصيب نشئنا جراء ما يشاهد من أفلام كارتون لا تليق بمجتمعاتنا العربية والإسلامية، وأدركت حينها أن أطفالنا يُسْرَقون من بين أيدينا وأمام أعيننا بما يرونه يومياً من أفلام غربية صنعت ضمن استراتيجيات كان قد وضعها خبراؤهم لغرض الاستحواذ على عقول نشئنا الصغير والتلاعب بمفاهيمهم وقيادتهم نحو سياساتهم ومخططاتهم الهادفة لتدمير هذا الجيل أخلاقيا وعقائديا وثقافيا واجتماعيا، وبالتالي جعل عقول نشء اليوم ورجال الغد مسخاً مشوهاً ينصاع تماماً للنظام العالمي الجديد فلا يكونون عائقاً لذاك النظام يحسب حسابه مستقبلا!!.

أجل أيها السادة الكرام، فقد جئتكم اليوم محذرا منبهاً لشر مدلهم يدق أبواب أطفالكم الصغار بما يعرض اليوم في بعض الفضائيات العربية من أفلام كارتون غربية المنشأ ستؤدي بالتالي إلى سلب عقولهم وتسطيح ثقافتهم وتدمير فكرهم من خلال نشر ثقافة غربية مسمومة يقصد بها هدم مفاهيم الطفل العربي عامة "المسلم وغير المسلم" ومحاربة القيم الإسلامية والعربية الأصيلة المرتكزة على موروثنا الحضاري والتاريخي العريق التي سعى آباؤنا لغرسها في عقولنا وعقول أبنائنا وأحفادنا من بعدنا، وأتساءل في خضم هذا الخطر المحدق بنشئنا الصغير، رجال الغد وقادة المستقبل:
• أين دور الرقابة الحكومية وغظها النظر إزاء ما يستورد من أفلام كارتون تشوه عقل الطفل وتزرع البغضاء والكره والعنف في أعماق نفسه!؟.
• أين دور الرقابة الحكومية العربية مما يعرض الآن للنشء العربي الجديد من أفلام كارتون يتمكن أبطال قصصها بقدراتهم الخارقة من تسخير الرياح وتفجير الأعاصير الطبيعية، هذا ناهيك عن الوجوه الشريرة المشوهة الشيطانية التي يحملها بعض أبطال هذه الأفلام التي راح الطفل يحاكيها نطقا وتصرفا!!.
• ما بال ذوي الشأن الرسمي العربي لا يصنعون لأطفالنا أفلاما لهم تحمي بها عقولهم من غزو فكري شيطاني، أفلاما من واقع تاريخهم وطبيعة مجتمعاتهم ومبادئهم العربية والإسلامية، كسلسلة "قصة الحيوان في القرآن" على سبيل المثال لا الحصر ذي الحلقات الثلاثين وبصوت الممثل المصري الشهير يحيى الفخراني والذي يستنبط حلقاته من القرآن الكريم!!؟.
• أيعقل أن دولنا العربية لاسيما منها الخليجية الغنية المترفة صاحبة الإمكانيات المادية الهائلة تعجز وتبخل عن إنتاج أفلام كارتون كتلك الأفلام الهادفة الرائعة التي رأيتها في اليوتيوب ودفعتني لنشر مقالي هذا تبشيرا بها!؟.
• أيعقل أن أنظمة عربية إسلامية تقف مكتوفة اليدين عاجزة إزاء ما يطلق من محطات فضائية خاصة خصصت للترف والخلاعة ونشر الرذيلة بين صفوف الشباب، فيما تمتنع عن إنتاج أفلام ذات طابع عربي إسلامي تحمي بها أطفالنا من تشويهات وسموم تبثها إليهم أفلام الكارتون الغربية الملآى بمشاهد العنف والقتل والغزيرة بمفاهيم تتنافى وعقيدتنا الإسلامية ومبادئنا العربية!؟.
• ما الغاية من قيام قنوات فضائية عربية رسمية وخاصة بعرض أفلام كارتون يحمل أبطالها تشوهات خلقية أشبه ما تكون أحيانا بمومياءات الزومبي أو أقرب للوحوش أو الشياطين بألوان أجساد زرقاء أو خضراء مع أعين حمراء تقدح بالشرر وأسنان بارزة تصطك غاضبة!؟.

دعوة صادقة...
أولاً ...لكل الآباء والأمهات ... لرقابة أطفالهم وحماية عقولهم وتحصينها من هجمة منظمة شرسة خبيثة يراد بها ومن خلالها سرقة عقولهم وتسطيح ثقافتهم وتجييرها لمخططات العولمة الجهنمية الخبيثة، وليتذكروا دوماً بأن عقول فلذات أكبادهم غضة طرية بريئة سهلة التشكيل والانقياد، وهي لعمري كصفحة بيضاء ما أن يقع عليها الحبر فمن الصعب إزالته، وفي ذاك جاء المثل العربي الشهير: : التعلم في الصغر كالنقش في الحجر!!.
ثانياً... لكل كتابنا وصحفيينا ... هلموا أيها الأحبة لقرع الأجراس لتعرية تلك الأهداف الخبيثة المبيتة بما يعرض من أفلام كارتون مشوهـَة الثقافة والفكر، مارسوا دوركم الوطني بالضغط على وزارات الثقافة والتربية والإعلام العربي لمراقبة ما يستورد من أفلام كارتون غربية المنشأ مشبوهة الأغراض، ارفعوا أصواتكم مستنكرين ما يعرض من القنوات الفضائية العربية الرسمية وغير الرسمية، مطالبين في الوقت ذاته بدعم إنتاج أفلام كارتون ذات توجهات عقائدية ووطنية عربية إسلامية تحكي عن تاريخنا وحضارتنا وقيمنا السمحاء، فنحمي بذلك أطفالنا ونمنع عن رجال الغد وقادة المستقبل عملية غسل الأدمغة التي تجري لهم وهم صغار بعمر الورود!!.

قيل بالأمثال ... بأنك ربما لن تستطيع أن تمنع طيور الهَمّ أن تحلق فوق رأسك، ولكنك تستطيع أن تمنعها من أن تعشش في راسك!!.

سماك العبوشي
simakali@yahoo.com
5 / 3 / 2012