جيل الشوك


ولدت امرأة موحا البستاني قطعة من الصبار الشوكي، ذهلت الطبيبة، ووضعت الممرضة الرئيسة يديها على عينيها وأطلقت صرخة رعب، في حين سقطت الممرضة المساعدة مغشيا عليها وحاضت في الحين، وبقايا السَّلى الدامي لا تزال في يديها! بعدها بأسبوع واحد فقط، تكرر الأمر نفسه مع زوجة عبد القادر الذي يبيع قطع الغيار المستعملة، ويقال إنه طلقها في تلك اللحظة، ولكن ذلك لم يوقف الأمر، إذ عقبها بيومين فقط، ولدت بدرة زوجة الدركي الذي يسكن في عمارة بولعقول قطعة أخرى من الصبار، ثم نورة الخياطة، ويرغة امرأة الأستاذ بدير، وجيهان بنت القائد الممتاز نفسه، ورحمونة دلاّلة الذهب... ومع مرور الأيام، أصبح الأمر مألوفا، ونادرا ما تمكن الناس أن يسمعوا عن امرأة ولدت صبيا أو صبية في أحسن تقويم.

إمام المسجد الأعظم دعا إلى صلاة اللطيف، بعد الصلاة تجمع الشيوخ الكبار قرب باب المسجد، وتحدثوا بحسرة شديدة عن زمن مضى مرت فيه فترة لم تبق امرأة في القرية – وكانت المدينة إذاك لا تزال قرية صغيرة – إلا ولدت وردة أو باقة ورود توائم دفعة واحدة. والنساء العجائز نظرن إلى السماء بإشفاق، وقلن: "يا رب، ما هذه المسوخ؟ أهذا زمن ظهور الدجال؟ اللهم خذ أبصارنا حتى لا نرى بأعيننا لعنتك، أو اقبضنا إليك قبل أن ينزل بنا سخطك!" والعقلاء المتبصرون طرحوا – في اجتماع المساء – سؤالا بعيد المدى: "الآن سنرعاهم كما نرعى أولادنا الآخرين، هذا قدَرُنا، ولكن حين يكبرون ويتكاثرون بأشواكهم التي لا ريب ستطول، ألن نكون بسببهم معرضين للاندثار؟

مع مرور الأيام أخذ جيل الشوك يكبر، وأخذت مشاكله التي لا تنتهي تكبر معه باستمرار، بعض الآباء قضى من لسع الشوك ومن الغم والحزن، وبعضهم فضل أن يدفع استقالته بعد أن أيقن ألا جُهدَ ينفع معهم، وبعضهم الآخر أعياه تتبع الأشواك – القائم منها والمعقوف كخُطَّاف الصِّنارة – إعياء لم تعد له معه طاقة بها، جربها من قبلُ كثيرون، فرأوا بأم أعينهم أنه شوك وحشي عنيد، إن قطعت منه شوكة نبتت ثِنتان في الحين، وبرأسين اثنين في كل واحدة، وإن قطعت اثنتين نبتت أربعة... ولكن المشكلة الحقيقية بدأت أمس، أمس فقط، كل ما وقع يهون إزاء هول ما وقع أمس، لذلك خرج المدعوون إلى الزفاف وهم في غاية الخوف والتوجس والقلق من المستقبل القريب، حتى إن بعضهم لم يغمض له جفن، ولم يهنأ بطرفة عين، طيلة ثلاث ليال تباعا!!