بواسطة: الفرجة

عن الهيئة العربية للمسرح صدر هذه السنة 2012ضمن سلسلة دراسات (10) كتاب قيّم للباحث والناقد المسرحي الدكتور عبد الرحمن بن زيدان تحت عنوان : (مقامات القدس في المسرح العربي الدلالات التاريخية والواقعية)،ويقع في 480 صفحة ،وهو معزز بالصور حول
بعض التجارب المسرحية الفلسطينية، وجاء في كلمة الهيئة عن الكتاب قولها : (عبر سلسلة دراسات هذه تسعى الهيئة العربية للمسرح لتوفير مفاتيح للمشتغلين بالمسرح، حتى يمكنهم من متابعة مستجدات المسرح عربيا ودوليا، بحيث توفر لهم هذه السلسلة ما هو جديد وما هو مهم، سواء في قضايا المسرح المعاصر، أو بشأن مفاهيم وأطروحات المسرح في بيئات متباينة في زمن العولمة التي هزت أركان الأنظمة، وعبثت بالقيم، حتى صار ضروريا أن يواجه المشتغل بالمسرح همومه بنحو جديد، ويصوغ جديده، وأمام جمهور متجدد وجديد، كما تهتم هذه الإصدارامقامات القدس في المسرح العربي / تأليف الدكتور عبد الرحمن بن زيدانت الجديدة بتوفير تنوير وتوعية عامة تهدف إلى ذائقة جمالية تواكب المتغيرات، وتؤسس لكيان مسرحي لا بد منه.

ويكتسب كتاب الدكتور عبد الرحمن بن زيدان ...أهميته من كونه يتصدى للإجابة عن موقع القدس و القضية الفلسطينية في المسرح العربي والتي لا بد وأن تكون قد احتلت مكانة في دراما المسرح العربي يتناسب ومكانة القدس في الواقع وفي التاريخ العربي، مقامات القدس بمنهجه النقدي الرفيع، يتجاوز مهمة الإجابة على هذا السؤال ليطرح على المسرح العربي أسئلة جديدة عن دور المسرح في الدفاع عن قضايا الأمة ودوره في صياغة الوجدان وصناعة التاريخ، وإعادة صياغته وعن الاشتغالات التقنية والجمالية كروافع للمحمول الفكري)..

وفي مقدمة الكتاب يجلي الدكتور عبد الرحمن بن زيدان بعض القضايا التي تناولها، ويبرز الأهداف والغايات التي من أجلها كُتب هذا الكتاب، وفيها يجيب عن السؤال الذي بنى به مكونات وقضايا ودلالات هذا الكتاب ليجيب عن سؤاله :لماذا مقامات القدس في المسرح العربي؟

لماذا مقامات القدس في المسرح العربي؟
تأتي أهمية هذا المصنف النقدي من القيمة الوازنة حول ما يقدمه من قراءات تتعلق بالقدس، وبالمسرح، وبأفكار، وبتجارب فنية، تندرج كلها ضمن مدارات الهوية العربية، وتاريخها، ومعانيها في الزمن الفائت، والحاضر وما بعد الحاضر، وتأتي قيمته ـ أيضا ـ من الحضور المميز لموضوعه الإشكالي الذي تمثل معادلة الصراع فيه حقائق صراع حضاري ضارب في العتاقة والقدم، تشعبت فيه الصراعات الإيديولوجية، والعقدية، والثقافية بكل رموزها واشتغالاتها.

المقصود ـ هنا ـ بالموضوع هو مدينة القدس بكل تاريخها، وبكل التحديات التي واجهت بها من يريد إفراغ محتواها الأصيل من أصالته، ثم المقصود بالموضوع هو كيف صارت هذه المدينة حافزا موضوعيا للعديد من فنون السرد، والرحالة، والمؤرخين، والجغرافيين، والمعماريين، وفنون العرض، والفنون البصرية كي يتخذوا من القدس مصدرا لما يريدون إنجازه حول بهائها، ومقدسها، وذاكرتها التراثية، وما يريد كل مبدع أو باحث نسجه بواقعيتها وبمتخيله حتى يضفي على كل نتاج يتناول المدينة جمالية آسرة مدهشة.

لكن الموضوع يصير أكثر غرابة، وأكثر تشويقا، وأكثر متعة في الكتابة المسرحية العربية التي جعلت من نسيجها الدلالي قوة تعبيرية عن السياسة، وعن التاريخ الذي صار سمة للكتابة المسرحية، وسمة للتجريب المسرحي، وسمة للتواصل مع المتلقي، حتى صارت خاصية ينفرد بها الاشتغال على القدس كمدينة، وكسؤال وجودي ينطرح في كل البنيات العميقة داخل كل بنية نصية، للفرجة أو العرض المسرحي.

الاشتغال على موضوع القدس في المسرح العربي يؤكد ـ بما لا يدع مجالا للشك ـ دلالة الارتباط بالقضية الفلسطينية التي كانت ـ ولا تزال ـ تمثل مرجعية أساسية لكل التصورات، والخطابات، والسرود، والأحداث التي تدخل في التكوين الدلالي للمتن المسرحي، وما لفت انتباهنا في هذا الاشتغال هو أن المسرح العربي ظل وفيا للعلاقة الناظمة لشكل اشتغاله على القضايا العربية الكبرى، وظل في كل تصوراته، وأثناء بناء شخوص النص، وأثناء تأويل الأحداث التاريخية، وأثناء استحضار الحكواتي يبني صورة هذه المدينة في عالم المسرح لأنها حاضرة في الوجدان، والمتخيل العربي، حتى أنها صارت علامة رامزة لتراجيديا المكان، وما يخفيه من أوجاع، وشروخ تنطق بتراجيديات تنتمي إلى أزمنة مختلفة .
وبحكم آرتباطنا الشديد، والمتين بالممارسة المسرحية العربية ـ إبداعا، ونقدا، وتنظيرا وتخصصا أكاديميا ـ وبحكم توفرنا على ثقافة مشاهدة العديد من العروض ذات العلاقة بالقدس، انفتحت أمامنا العديد من الأسئلة المعرفية حول الخلفيات التي تشكل كينونة المسرح العربي، وكانت تسهم في تحديد معالمه ـ أكثرـ أثناء تلقي العديد من النصوص التجريبية ذات المضامين، والمواضيع المختلفة، وذات التجارب المنفتحة على صيغ وتجارب المسرح العالمي, والسؤال الأكثر جاذبية في تعدد هذه الأسئلة، والأكثر حضورا في ممارستنا النقدية هو لماذا هذا الحضور اللافت للقضية الفلسطينية ولمدينة القدس في الإبداعية المسرحية العربية؟هل الأمر يتعلق بتحويل الوعي السياسي بالقضية الفلسطينية، والقدس، إلى وعي درامي تترجمه الممارسة المسرحية؟ أم أن الواقع الذي أفرز هذه الظاهرة الإبداعية دليل على حيوية الثقافة العربية، ودليل على انفتاحها على كل ما يمكن أن يسهم في بناء برازخ التواصل مع الذات والعالم.

من هذه الأسئلة تبين لنا أن أفق الكتابة المسرحية العربية، وهي تعيش فاعليتها بهذا الموضوع، يمكن أن تعطى لجدوى النقد فاعليته، وتمنح لتتبع أسرار، وشعرية هذا الموضوع كل إمكانات التميز بجدوى الموضوع الذي تكتب عنه,ولا أدل على ذلك هو أن تفكيرنا في هذا الموضوع، والكتابة فيه يروم تحقيق مشروع ثقافي نقدي يقوم على الاختيارات التالية:
- تتبع مستويات الوعي التاريخي بقضية القدس كما بلورتها العديد من التجارب المسرحية العربية من زمن النهضة العربية إلى الآن ،وتتبع الكيفية التي صاغ بها المسرحيون العرب أفكارهم، ومواقفهم من كل أشكال الصراع والتحدي.
- رصد كل الرموز، والعلامات، والأساطير، والأحداث، والوقائع التي دخلت في التركيب الدلالي للرؤية التاريخية لتاريخية هذا النص، وللقضية، وللتجريب المسرحي المجدد الذي يجدد أدواته للدخول بخطابه الجديد زمن الأصالة والحداثة دون تنافر أو تناقض بين العناصر المكونة لشعرية كلام اللغة وخطاب الصورة المسرحية.
- جمع ما تشتت من أفكار، وتجارب، ونقود تناولت موضوع القدس في نصوص تنتمي إلى المسرح العربي لكنها دخلت في طي الكتمان والصمت العنيد، كالعروض المسرحية التي تنتمي إلى فعل التجريب حول القدس لكن الوقوف المتأني، والمتأمل، والمتسائل عن فعاليتها ظل بعيدا عن الفعل النقدي المتخصص الذي بإمكانه القيام بتحليل إجرائي لنماذج مسرحية تستجيب للإستراتيجية النقدية لهذا المصنف وهو يجمع عناصر الموضوع بغية إكمال فعل القراءة المحيطة بموضوعها حول القدس.
- تقديم مقاربة نقدية جديدة في كتاب نقدي جديد في موضوع تلقي المسرح العربي لقضية القدس في دراسات لا تعتمد السرد التاريخي لتاريخ النصوص التي اشتغلت على موضوع القدس، أو التقيد بالوصف والتعميم، ولكنه يقوم بتحليل إجرائي تطبيقي لمجموعة من النصوص المسرحية المختارة كظواهر أدبية وفنية تحمل العديد من الخاصيات التجريبية أدبيا، وفنيا، حققت وجودها بأشكال مختلفة حول موضوعها.

بهذه الأسس التي حددت اهتمامنا، واشتغالنا النقدي على موضوع القدس تولدت الجدوى من هذا المصنف الذي عنوناه بـ:(مقامات القدس في المسرح العربي: الدلالات التاريخية والواقعية)، وجعلنا مصطلح (مقامات) في عنوان هذا الكتاب فاتحة المعنى الأول في تسمية هذا المصنّف، وهو العتبة الأولى التي منها يمكن أن ندلف إلى دلالات ما يقوله كل نص مسرحي تمت مقاربته، وتمّت قراءة خطابات كل عرض تمت مشاهدته. إن توظيف هذا المصطلح كمدخل لأول جملة في الكتاب يرمي إلى تأسيس المعنى الأول للعنوان ـ بشكل مركّزـ للتدليل على أن إدراج هذا المصطلح في تركيب معنى هذا العنوان ليس اعتباطيا، وليس بدون مقصد، وغاية، بل هو فعل إرادي غايته اقيام بعملية تركيب دلالي لمعنى المكان، والمسرح، والتاريخ، والواقع الذي يقرب الإيحاء من حقيقة مدينة القدس التي تتكون من (مقامات) هي أساس وجودها في الإبداع، وفي التاريخ، وفي الذاكرة الحية لفلسطين.

من هنا فمقامات القدس بمعناها الموجود في الجملة الأولى للكتاب لا يقدم دلالة واحدة في هذا العنوان، ولا يعرض ما يقدمه المسرح العربي عن صورته بشكل باهت، ولا يقدم المعنى الواحد، والمستوى الواحد وهو يركز على ما يقوله النص، ذلك أن مقام القدس مقامات، ومقامات المقامات تحيل على أكثر من معنى ودلالة، حيث كل مقام له معناه الخاص الذي ينزع من كل غموض غموضا كان يسكنه ليضعه في سياقه الوظيفي الواضح والجلي.

لقد أردنا أن يكون العنوان بهذه الصيغة حاملا للأبعاد الدلالية المرتبطة بالإيحاءات، والمقاصد، والرؤى التي تحيل عليها مدينة القدس كمرجع لتاريخها الذي أصبح مرجعية لكل إبداع مسرحي عربي يتناول تراجيديا وجودها دراميا، ليترجم كلمة (مقامات) في متخيله إلى تعدد دلالي هو مفتاح الوحدة التي توحد الدلالة في معناها الواحد، وتضعها في مركزها الواحد، وتوثق صلاتها بكينونتها الواحدة التي هي القدس رمز المقدس، ورمز الحكي عن القدس، ورمز التراث الموسيقي في القدس.

من هنا اخترنا مصطلح (مقامات) إفصاحا عما يقدمه كل (مقام) و(مقامات) من أبعاد دلالية المحتملة، البعد الأول له علاقة وشيجة بالاصطلاح الصوفي، المستمد من (المقام)المستخدم في عملية التدرج السالك للطريق الصوفي من مكان إلى آخر، حسب الأحوال المتأتية من نسمات الرحمة الربانية التي يحصل عليها المريد لتصبح دلالة (المقامات) سليلة (مقام) العبد بينه و بين خالقه حيث يرابط فيما يقام فيه من عبادات، والمجاهدات، والانقطاع إلى الباري سبحانه وتعالى تحقيقا للتوبة، والروع، والزهد، والجلد، والمكابدة كصفات يتحلى بها هذا المتعبد في هذا (المقام). فيغدو (مقام) كل مريد هو موضع إقامته، وتغدو (مقامات) التصوف من الأمور الاكتسابية والاجتهادية التي يتدرج فيها هذا المريد من المادي المحسوس إلى الروحي المجرد وصولا إلى سدرة المنتهى، ومن هنا ـ أيضا ـ فإن (مقامات) القدس هي (مقام) الديانات السماوية، و(مقامات) التعايش بين الأديان، ومقام الأنبياء والرسل. وهي (المقامات) التي وجدنا لها حضورا لافتا في كل النصوص والعروض المسرحية التي تناولت موضوعة القدس ببعد صوفي ـ أحيانا ـ وببعد تعبدي إيماني أحيانا أخرى.

أما البعد الدلالي الثاني فيحدد مفهوم (المقامة) في علاقتها بالمجلس, والخطبة والحديث يقولهما الناس في مجالسهم الخاصة إمتاعا ومؤانسة بهدف تعليمي، وعظي حتى صارت هذه (المقامات) ضربا من ضروب الثقافة، وتحولت إلى خزان للحكم، ومستودعا للتجارب التي تقدمها السخرية والغروتيسك مما أهلها لتصبح صحيفة تاريخية، ووثيقة تصور الوقائع، والعصر، والحياة، الوقائع، والنماذج البشرية، وهو ما وجدنا له أنساقا متعددة للسرد التعليمي المسيّس في العديد من المسرحيات التي تناولت مدينة القدس في سياق القضية الفلسطينية.

أما البعد الثالث فله علاقة بأسرار(المقامات)الموسيقية ومعانيها وهو ما حققته العديد من العروض وهي توظف الموسيقى، ومقاماتها، وبعض أنغامها في الفرجة المسرحية توكيدا على الذاكرة الموسيقية الفلسطينية، وتوكيدا على حضور الجسد في هذه (المقامات).

وهي الجدوى التي تبلورت بعد الانتهاء من صياغة الكتاب وصياغة العنوان على المستويات التالية:
- الرهان على المتلقي العربي ليصبح قارئا مفترضا لموضوع هذا الكتاب الذي يدخل ضمن انشغاله بقضية القدس.
- إظهار مستويات الإبداعية المسرحية العربية ، وإبراز مساهمتها في تفعيل صورة مدينة القدس في صورة الدراما التجريبية.
- إبراز المفارقات بين الواقعي والمتخيل في المقامات التي كانت عاملا قويا في تخصيب الرؤية التراجيدية للعالم.

لم نرد أن نبني الجدوى من إنجاز هذا المصنف على الأجوبة الجاهزة، والأفكار العامة، لكننا أردنا أن نجعل من أسئلة النصوص، ومن علامات العروض المسرحية مدخلا للمعرفة بالموضوع لنؤسس جدوى جديدة تقوم على فهم وتحليل الموضوع، بها تكون هذه المعرفة مفتاحا للمعلوم والمجهول، وتكون كشفا للظاهر والباطن، والصامت والناطق، والمباشر والمرموز في كل نص يتناول موضوع القدس، وذلك بسبب أن وجود المسرح العربي المثقف لا يمكن أن يوجد مصاغا صياغة شاعرية تامة إلا إذا توفرت لديه المعرفة الثرية الموسوعية بتاريخ القدس كمعرفة يحتاج معها الناقد ـ دوما ـ إلى مفاتيح حقيقية تساعده على الوصول إلى كنه ما يريد أن يقوله كل نص يبني بنيته الدرامية الخاصة التي تصير موضوعا للقراءة والتلقي.

ويمكن أن نحدد بعض مظاهر الفعالية النقدية التي كانت وراء إنجاز هذا المصنف النقدي، وكيف أن الجدوى من كتابته كانت نتيجة حتمية فرضها تنوع دلالاته، و تيماته، وانتقائيته للعديد من النصوص، أو العروض المسرحية التي كانت تستجيب لكل الضرورات الإبداعية التي لا تساعد فقط على القراءة الأفقية، لكنها كانت تحفزنا على القراءة العمودية بكل ما تفرضه من أدوات إجرائية تتبدل من متن إلى متن، ومن موضوع إلى موضوع، ومن مرجع إلى مصدر، وهو ما كان يحفزنا مع أنفاس التلقي على أن نجعل الخطاب النقدي إبداعا على إبداع، وحفرا معرفيا في معرفة كل نص يحمل ثقافته الخاصة بموضوع القدس. هذه الفعالية النقدية هي التي حددت بعض أبعاد الجدوى في العديد من المصنفات حسب المجالات التي اشتغلنا عليها، ووضعناه في مباحث تخص تجربتها، وهي كالتالي:
- ما أخذ باهتمامنا ونحن نفكر في موضوع القدس هو البحث عن العامل ـ أو العوامل ـ التي تقف وراء التعتيم الممنهج على قضية القدس، كمدينة، وكتراث، وكمدينة للسلام، وكفضاء للتعايش بين كل الديانات السماوية، ومن خلال تتبع أسباب التعتيم كنا ندخل إلى السياقات التي تحكمت في وجود هذه المدينة عبر التاريخ، وكيف غزاها الغزاة، وكيف شكلت حضارتها في فلسطين، وكيف ساهمت الدول العظمى في إحداث انقلاب جغرافي في الخارطة العربية كان من بين نتائجها الإعلان عن إنشاء (وطن قومي لليهود) في فلسطين، لتبدأ حياة عذاب الفلسطينيين بعد نكبة 1948 ، وبعد نكسة خامس حزيران، وظهور مأساة المهجرين الذين يعيشون في الشتات، فكان هذا إيذانا ببداية صراع مرير بين العرب والحركة الصهيونية التي كان دأبها مع كل عملية عسكرية هو تهويد القدس، وزرع المستوطنات، ومس طهر وقدسية الأماكن المقدسة، وانتهاك حرمة المسجد الأقصى، وتزوير التاريخ لصالح المشروع الصهيوني. ومع هذه الصدمة نشأ أدب مقاوم انخرط في مأساوية الواقع الفلسطيني كسرا لكل أشكال التعتيم المفروضة على فلسطين والقدس، أطلق عليه بعض النقاد اسم( أدب المقاومة).
- مقاربة تجربة المسرح المصري كفاعل عربي هام في الوعي بالقضية من خلال تقديم قراءة خاصة بأشكال ارتباط هذا المسرح بكل متغيرات الواقع العربي، وفلسطين، وكان وكدنا من هذا التقديم القيام بقراءة خاصة لمسرحية(النار والزيتون) لألفريد فرج، ثم مسرحية (واقدساه) ليسري الجندي، ومسرحية (لن تسقط القدس) لشريف الشوباشي.
- بعد معاينة العديد من النصوص المسرحية العربية وجدنا أن العديد منها يقوم باستحضار البطل صلاح الدين الأيوبي كشخصية عربية يبني بها القوة الدلالية للنص اعتمادا على التاريخ، واعتمادا على ما تقوله الأحداث حول الانتصار العربي الإسلامي في موقعة حطين التي حررت القدس من الصليبيين. وقد حقق ذلك الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، والكاتب شريف الشوباشي، وإبراهيم السعافين، وأحمد الطيب العلج ومحمد مصطفى القباج، كل من منظوره وتأويله الخاص للتاريخ حسب تجربته في الكتابة.
- التعريف بالخصوصيات الدراماتورجية، والدلالية التي ينتجها كل نص مسرحي يتناول قضية القدس، وهذه عملية محورية في تفعيل الجدوى من كل مقاربة نقدية كانت تروم استولاد الدلالات المضمرة في النص المسرحي، وتسليط الأنوار على المعتم من معانيها استيضاحا لغموضها، وفي هذا المجال قدمنا تجربة علي أحمد باكثير وسخرياته اللاذعة بكوميديات أنتجها بثقافته العربية الإسلامية لتقديم كل المفارقات التي تحكم الصيرورة الصراعية العربية الفلسطينية وإسرائيل، واستعرضنا الحضور القوي للمسجد الأقصى في العديد من المسرحيات التي تحولت من صيغتها الدرامية إلى محاكمات تحاكم كل من جنى على فلسطين، والقدس.
- وتظهر الجدوى من مقاربة العروض المسرحية والكتابة عنها نوعا من التأريخ للحظة إبداعية غالبا ما تزول بعد اختتام زمن العرض، لكن في هذا المصنف عملنا على توكيد حضور العرض داخل خطاب المقاربة النقدية خصوصا وأن موضوعه لا نريده أن ينمحي، أو يضيع بين ثنايا النسيان، ليصبح نسيا منسيا، وكثيرة هي العروض التي أمدتنا مضامينها بالتمثلات الذهنية، والتاريخية التي كانت وراء إنتاج العرض لتقديم صورة القدس، كما هو الحال في تجربة إيمان عون، ومجد القصص، وفي العرض الاستعراضي (الملحمة الكنعانية) أو مسرحية (مسرى)، أو في تجربة المسرح الفلسطيني مع كامل الباشا.
- هناك جانب هام يظهر في جل النصوص والعروض المسرحية التي تناولت القدس في مضامينها المسرحية وهي إعادة قراءة تاريخ فلسطين من الكنعانيين إلى الآن، والوقوف على أهم محطات الصراع بين الفلسطينيين واليهود، ومع العودة إلى التاريخ، والتعامل مع التراث الموروث كانت تصاغ الرؤية التراجيدية لهذا التاريخ بما يستجيب لضروريات اللحظة، والموقف، والاختيار. منها ضياع المدن والأمصار، ومنها الجدار العنصري العازل الذي وضعته إسرائيل لتضييق الخناق على الفلسطينيين، وهناك الزمن الدموي الذي كتب الزمن الفلسطيني بالمقاومة، وهناك الحديث عن الوافد الغريب الذي استولى على الأرض، وأراد تغيير ملامحها، وقسماتها، وتاريخها بما يخدم حاجاته وأهدافه.
- ويظهر هذا المصنف النقدي الجدوى من تحويل العديد من النصوص السردية الشعرية والروائية والقصصية إلى مسرحية بعد أدرمتها، ومسرحتها كي تنتقل من نوعها الأدبي وتدخل في طقوسية المسرح كما حقق ذلك المخرج العراقي قاسم محمد في تجربة مسرح البوستير السياسي، أو كما أنجزت ذلك العديد من المسرحيات التي تعاملت مع النص السردي للطاهر وطار، أو تعاملت مع نص (المهرج) لمحمد الماغوط.
- ويظهر هذا المصنف ـ أيضا ـ كيف أن العديد من النصوص والعروض المسرحية قد أبدعت في شاعرية اللحظة وشعريتها كل خطابات التسامح، والتعلق بالشرعية الدولية في حق الفلسطينيين بالعودة، ولم تهمل شروط بناء الحوار، وعمليات الترئية، من هنا تنوعت التجارب المسرحية، حسب المدارس وحسب الاتجاهات، فوجدنا حضورا لافتا للمسرح التسجيلي، ووجدنا المسرح التاريخي، والمسرح الكوميدي، والمسرح الملحمي، والمسرح الراقص، ووجدنا الحضور البلاغي لبلاغة الجسد، ووجدنا الغروتيسك، كما وجدنا البوستير السياسي، وهذا ما كان وراء فعل القراءة المبدعة التي تعاملت مع جدوى كل تجربة مسرحية لكتابة جدوى جامع هذا المصنف.

إن الجدوى من إنجاز هذا المصنف هو اختبار قدرة القراءة النقدية على تجلية خبايا الإبداع في كل النصوص المسرحية ذات المضمون الفلسطيني بالقدس، وتحويل فعاليتها المسرحية وقوتها الدلالية إلى فعالية فاهمة لما تقرأ، توضح أفكار الدراما في خطاب النقد، وتقرب معنى صيغها التعبيرية من معاني ما ينتجه التلقي، وتقف على كيفية التي تمّت بها صياغة الوجود الواقعي والمتخيل لمدينة القدس في المتون المسرحية العربية. ولعل من نافلة القول التوكيد على أن متابعتنا الحثيثة للتجربة المسرحية العربية من المحيط إلى الخليج، ومعرفتنا بدقائقها، وخفاياها، كانت تزود مشكاة الوعي عندنا بالقراءة العارفة المطلوبة لتحقيق الجدوى من كتابة مصنف غير مسبوق في النقد المسرحي العربي اللهم إلا بعض الدوريات التي أفردت عددا خاصا بالقدس، و بعض الدراسات، والمقالات النقدية، المنشورة هنا وهنا غالبا ما كانت السمة الانطباعية تغلب عليها في تناول الموضوع، وكانت الأحكام الجاهزة حول هذا المتن المسرحي أو ذاك تغرق في العموميات.

وبما أن الجدوى من كل مصنف نقدي، والجدوى من كل كتابة إبداعية هي الوصول إلى الكمال ـ وهذا من باب المستحيلات في مجال الإبداع، وفي مجال العلوم الإنسانية ـ ، والوصول إلى الاختلاف والتميز، والإضافة النوعية، فإننا نقر بوجود بياضات في المعنى العام للمتن داخل هذا المصنف، ونقرّ بوجود فراغات متولدة من قلة المصادر والمراجع، أو متولدة من اتساع ورحابة الموضوع الذي يفرض التعامل مع الموجود بنوع من الانتقائية الوظيفية، ليصبح الفعل النقدي المسرحي العربي منخرطا ـ بتعدد نقاده، وقرائه ـ في ورشات ثقافية مفتوحة على البحث، وعلى القراءة المتجددة التي تضيف إضافات، وتضيف معلومات تملأ هذه البياضات.

ومع هذا الشعور المضاعف حول نشدان الكمال المرتجى، والمأمول، أردنا التوسيع من جدوى إنجاز هذا المصنف بطموح معرفي أردناه أن يكون قيمة مضافة لهذا المصنف نخفف به من وطأة هذه الفراغات، حين نوثّق للنصوص المسرحية العربية التي طرزت وجودها بالانتماء إلى كوكبة المتحدثين عن القدس من نهاية القرن التاسع عشر إلى الآن، لهذا وضعنا بعد جهد جهيد، وبعد حفر متأن في المصادر والمراجع، أول فهرست خاص بالنصوص، والعروض المسرحية حول القدس وفلسطين ـ أولاـ لتجنيس هذا الفهرست بموضوع القدس وفلسطين معا، لأن كل حديث عن القدس يجب ألا يستثني فلسطين منه، والحديث عن القدس يجب أن يدخل ضمن أولويات القضية القومية، وثانيا جعل هذا الفهرست ـ وهي عملية غير مسبوقة في عملية التوثيق للمسرح العربي بتيمة محددة هي القدس ـ منطلق الاهتمام بهذه العملية التي ستظل مفتوحة على كل الإضافات، ومشرعة على كل الاقتراحات تفعيلا للخطوات الأول من جدوى التوثيق. دون إنقاص من قيمة بعض الببليوغرافيات التي قدمت بشكل مختصر جدا قائمة ببعض النصوص المسرحية ذات العلاقة بالموضوع ضمن نصوص تختلف مواضيعها، ومضامينها.

لقد كانت القراءة التطبيقية للنصوص والعروض المسرحية، السمة الأبرز في هذا المصنّف، وكانت المباحث الخاصة بكل موضوع مهيكلة بالشكل الذي يستجيب لمتطلبات الوحدة العضوية والموضوعية، تحقيقا لوحدة الرؤية، وكانت منهجية القراءة مرنة تنطلق من خصوصيات كل نص يساعد القراءة على الوصول إلى أقاصي معني النص ودلالاته، وكانت قراءة كل تجربة على حدة تفرض طريقة التعامل معها، وتفكيكها، وإعادة بنائها بالشكل الذي يحقق الجدوى المبدعة من القراءة الخلاقة، لموضوع سيظل يغري بالقراءة لأنه موضوع إشكالي في بعده التاريخي والفني والحضاري، والمسرحي، وهو ما عملنا على إبرازه بلغة النقد، وإظهاره بلغة المؤرخ الذي يتتبع تاريخ الأفكار من خلال ما تبثه الآداب، وتتبع مسيرة الفنون حول موضوعها الذي جعلنا نترجم ما تابعناه لعقود في كتاب يحمل اسم:(مقامات المسرح العربي:الدلالات التاريخية والواقعية).