فصل الصيف له خصوصية مناخية حيث تزداد درجة الحرارة ارتفاعاً، وتزداد معها خطورة أشعة الشمس على الجسم، كما تكثر الانفعالات والمشاجرات نتيجة ازدياد حدة الضغوط النفسية والعصبية التي تصل إلى الاكتئاب والقلق والتوتر الدائم، فهل هناك علاقة بين الحرارة والتقلبات المزاجية للإنسان، وما تأثير أشعة الشمس على الجهاز العصبي للإنسان، وكيف يتم التعامل الصحي مع حرارة الشمس؟من ناحية أخرى فإن اختيار نوع الطعام الذي يجب تناوله، مع قدوم الصيف وارتفاع الحرارة وزيادة نسبة إفراز العرق وانعدام الشهية، هذا الاختيار قد يجنب الإنسان مخاطر صحية كثيرة في هذا الفصل.و«المجلة»تقدم روشتة غذائية ونفسية على لسان خبراء التغذية وأطباء النفس للتعامل الأمثل مع فصل الصيف وحرارته.



ارتفاع الحرارة والإرهاق

الدكتور فوزي الشوبكي أستاذ علوم الأغذية بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة يرى أنه مع ارتفاع درجة الحرارة تزداد حالات الإرهاق والإجهاد والتعب لدى أي إنسان بصفة عامة، هذا إلى جانب زيادة نسبة العرق الذي يفقد الجسم كميات كبيرة من المياه والصوديوم والبوتاسيوم والماغنسيوم والكلوريد والتي تعرف بـ «الالكتروليتايت»، والمهم هنا أن زيادة فقدان هذه المكونات تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة أنسجة الجسم الداخلية، فيكون الجسم عرضة للإجهاد والإرهاق نظراً لغياب التوافق بين عملية الانقباض والارتخاء التي يتحكم فيها وجود توازن في الجسم بين الكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والماغنسيوم لذلك فإن فقدان هذه المكونات يسبب مشاكل وأضراراً للجسم.ويضيف الشوبكي، إن احتياجات الجسم تختلف باختلاف فصول السنة فمثلا في الشتاء حيث انخفاض درجة الحرارة يكون الجسم في احتياج لأنواع خاصة من الأغذية كالسكريات والنشويات والمواد الدهنية والمشروبات الساخنة، أما في الصيف حيث ارتفاع درجة الحرارة فيحتاج الجسم إلى الأطعمة التي تحتوي على قدر قليل من الطاقة كالأغذية التي تحتوي على كميات قليلة من السعرات الحرارية والسكريات والمواد الدهنية لأن تناولها في هذا الفصل قد يؤدي إلى السمنة المفرطة وزيادة السكر في الدم.ويشير د.الشوبكي إلى أن الجسم في فصل الصيف يفرز العرق للحفاظ على درجة حرارة الجسم الطبيعية لذلك لا بد من تعويض ما يفقده الجسم من العرق عن طريق الإكثار من شرب المياه مع بعض السوائل مثل العصائر، فجسم الإنسان يحتاج إلى 1.5 لتر ماء أي من 6 ـ 8 أكواب في الأيام العادية، أما في الصيف فينصح بزيادة الكمية إلى 2 أو 2.5 لتر أي حوالي 10 أكواب لمواجهة تناقص المياه، وينصح أيضاً في الصيف بتناول بعض الأطعمة مثل الخضراوات والفاكهة مثل البطيخ والأناناس.أما الدكتور مصطفى نوفل أستاذ علوم التغذية بجامعة الأزهر فيقول إن فصل الصيف يتميز بانعدام الشهية لذلك ينصح بزيادة المواد الغذائية التي تساعد على فتح الشهية مثل الملح والكسبرة والسمسم والفول السوداني والحمص والزعتر والكمون والنعناع، فهذه المواد من أهم الإضافات الغذائية على مائدة الصيف لفتح الشهية، ناهيكم عن فوائد هذه المواد صحياً.أما بالنسبة لأهم المشروبات التي تساعد على تخفيف شدة العطش وترطيب وإنعاش الجسم، فمنها العرقسوس والذي أضافت له أحدث الدراسات الطبية فوائد هامة منها أنه مضاد لبعض الفيروسات وقد يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم عند المرضى الذين يعانون من مرض انخفاض ضغط الدم.

وهناك أيضاً مشروب عصير الليمون مع النعناع، فهو يجمع بين فوائد الليمون المرطبة والمنعشة للجسم والملطفة لدرجة الحرارة والظمأ والمقاومة لحالات الصداع والإجهاد وكذلك فوائد النعناع المفيدة للجهاز الهضمي والمهدئة للأعصاب.



الأسماك مرتين أسبوعياً

وينصح خبراء التغذية بتناول الأسماك على الأقل مرتين أسبوعياً أثناء شهور الصيف مع تلافي تقطيع الأسماك قبل طهيها حيث اثبتت الأبحاث ان زيوت الأسماك تساعد على خفض كوليسترول الدم لأنها تحتوي على أحماض دهنية غير مشبعة وهذه تنشط «البرستاجلاندينات»التي تزيد مرونة كرات الدم الحمراء وتقلل التصاقها أي تقلل تجلط الدم وهذا الأثر لا يظهر عند أكسدتها حيث انها قابلة للأكسدة بدرجة كبيرة لذا وجب تلافي تقطيع الأسماك قبل الطهي.كما أن الأسماك والأحياء المائية الأخرى غنية بالفيتامينات خاصة الفيتامينات الذائبة في الدهون وهي (أ)،(د)،(ي)،(ك)وتلك المجموعة لها وظائف هامة في الجسم ، فيتامين (أ)يلعب دوراً هاماً في الإبصار وفيتامين (د)يمنع الكساح في الأطفال ولين العظام في الكبار وفيتامين (ي)خاص بالتناسل وفيتامين(ك)يساعد على تجلط الدم.ويؤكد الدكتور سعيد شلبي استشاري الجهاز الهضمي والكبد بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة أن الأسماك تحتوي على مستويات عالية من أحماض دهنية غير مشبعة تعرف بـ (أوميجا 3)، وقد أثبتت الدراسات العلمية أن كمية البروتين في الأسماك دائماً ما تكون ثابتة وحتى في الأسماك الدهنية، كما تحتوي الأسماك على العناصر النادرة من الفوسفور والكالسيوم والحديد واليود.وينصح الدكتور سعيد شلبي المستهلكين بانتقاء الأسماك الطازجة وفحصها بشكل جيد حتى يمكن الاستفادة من القيمة الغذائية العالية لها والتي لا تتحقق سوى بتناول اسماك طازجة وغير فاسدة، والأسماك الطازجة تتميز بأن عينيها لامعتان والخياشيم حمراء والجلد سليم والقشور متماسكة وعليها مخاط قليل، كما يجب أن يكون لحم السمك متماسكاً عند الضغط بالإصبع على السمك وكذلك تكون رائحة السمك طيبة وعند الطهي يكون الطعم سليماً.وعن كيفية اكتشاف السمك الفاسد يقول الدكتور سعيد شلبي إن قشور السمك تكون سهلة النزع والرائحة غير طبيعية والخياشيم داكنة اللون، كما تكون العين غائرة والرائحة نفاذة والمخاط على الجلد كثير ولحم السمك طرياً، وطرق الحفظ السليمة للأسماك من أهم عوامل صلاحيتها وأهمها أن يتم وضعها في «رف» الثلاجة بعد تنظيفها وتمليحها وإضافة ثلج «مجروش» عليها ووضعها في أكياس «بولي ايثيلين» بحفظها لمدة أسبوع أو أن يتم تجميدها في فريزر الثلاجة عند درجة (8-)ولمدة شهر أو في الديب فريزر عند درجة تتراوح بين (12-)وحتى (18م) ولمدة شهور، ويجب قبل حفظ الأسماك تنظيفها وإزالة أحشائها.وينصح الدكتور سعيد شلبي بتناول الأسماك بصورة منتظمة بمعدل مرة أو مرتين أسبوعياً لأن ذلك يمنع الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية، كما أنه يقلل من نسبة الدهون في الدم.

صيف بدون تلوث أو بكتيريا


ويحذر خبراء التغذية من انتشار البكتريا والفطريات والتلوث أثناء فصل الصيف والبكتريا المسببة للتسمم كثيرة وتزداد أثناء فصل الصيف في كافة الدول العربية حيث يصل متوسط الحرارة من 25 إلى 37 درجة مئوية وهي الدرجة المثلى لتلك الميكروبات، ومصادر تلوث الغذاء في الصيف كثيرة ـ كما تقول الدكتورة سهير السيد ـ بقسم سموم وملوثات الغذاء بالمركز القومي للبحوث، أهمها «المثلجات»وينحصر المصدر الرئيسي للتلوث البكتريولوجي للمثلجات في الخامات المستعملة في تحضيرها وخصوصاً اللبن والقشدة غير المبسترة والجيلاتي والفواكه الفاسدة، ويرجع هذا التلوث إلى كثير من الاحياء الدقيقة كالفطريات والخمائر والبكتريا خاصة المرضية منها، وتؤدي جميع عمليات صناعة المثلجات ما عدا المبسترة إلى تكاثر هذه الاحياء وفي البسترة يهلك 98.97 بالمائة من عدد الاحياء الدقيقة، ويتوقف عددها على مدى نظافة معامل الانتاج أو المصانع خاصة اذا كانت الألبان أساسا في الصناعة حيث من الممكن أن تصبح المصدر الرئيسي للتلوث أو لارتفاع العدد الميكروبي الذي يتوقف أيضاً على طريقة الصناعة ووسائل تصريف المخلفات ومصدر المياه وحالة الأجهزة والمعدات ومدى نظافة العمال وخلوهم من الأمراض.ويعتبر الذباب من أخطر وسائل التلوث الميكروبي حيث انه وسيلة لنقل الأوبئة إلى الأغذية المعرضة أو المكشوفة وخاصة تلك الأغذية التي لا تتعرض لحرارة مرتفعة تقضي على الميكروبات ومن أهمها الخضراوات والفاكهة.وتعتبر الفطريات عاملا هاما في زيادة تلوث الفواكه والخضراوات بالفطريات والبكتريا لأن إصابتها تجعلها بيئة صالحة لنمو البكتريا وزيادة أعدادها بسرعة فائقة خاصة في فصل الصيف.وأكثر المواد الغذائية عرضة لتلوث اللحوم وكذلك الأسماك والطيور ومنتجاتها وإذا كانت هذه اللحوم والأسماك مجهزة تصبح فرصة للتلوث حيث يزداد السطح المعرض للتلوث وتدخل أدوات تجهيز المنتج والإضافات والقائمون على العمل كمصادر جديدة للتلوث، كذلك من أخطر أسباب التلوث تخزين المنتجات ودرجات حرارة التخزين التي تسمح للأعداد الميكروبية التي لوثت المنتج بالتكاثر وإفراز السموم وزيادة أعدادها كذلك فإن تخزين منتجات اللحوم أثناء العرض في المتاجر ودرجة الحرارة غير الثابتة يشجع الميكروبات على التكاثر.وترى الدكتورة سهير السيد علي أن حل مشكلة تلوث الأغذية ينحصر قبل وصولها للمستهلك وتصحيح ممارسات وإحكام ضبط الرقابة على القائمين بتعليب وتصنيع الأغذية.

أعصابك في فصل الخطر


أما عن التغييرات النفسية والعصبية التي تصاحب التغيير في المناخ من الشتاء إلى الصيف فيقول الدكتور فكري عبد العزيز استشاري الطب النفسي وعضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية، إن فصل الصيف الذي يعد من أخطر فصول السنة على صحة الإنسان وهو يعرف بفصل الخطر وذلك لزيادة انتشار الأمراض وارتفاع درجة الحرارة مع قصر الليل وطول النهار وما يسبب ذلك من قلة عدد ساعات النوم فيؤدي إلى بعض الأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم وزيادة ضربات القلب وجفاف الحلق الذي يؤدي إلى التلقائية وعدم التحكم في المشاعر والانفعالات وسرعة رد الفعل التلقائي، إلى جانب التأثير على القشرة المخية، وحمرة الوجه واتساع حدقة العين.ويضيف الدكتور فكري:هناك علاقة طردية بين ارتفاع درجة حرارة الشمس وزيادة الاضطرابات النفسية والعصبية، لذلك نجد الإنسان في فصل الصيف يكون سريع الانفعال، ورد فعله عنيفا وغير متوقع عكس فصل الشتاء الذي يتميز فيه الإنسان بالهدوء وبرود الأعصاب والتحكم في انفعالاته، وهناك ظاهرة خطيرة في الصيف وهي الإصابة بضربة شمس التي تأتي لزيادة التعرض للأشعة الشمسية طوال اليوم مثل ما يحدث في المصيف وما يصاحبها من قيء واضطراب في الجسم عامة.وتفسر الدكتورة هبة العيسوي أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة العلاقة بين زيادة درجة الحرارة والانفعال والتوتر قائلة:ارتفاع درجة الحرارة يؤدي لحدوث تغييرات في كيمياء المخ، واضطراب الغدد الصماء وزيادة إفرازات الغدة الدرقية مما يؤدي إلى زيادة التوتر والعدوانية، وهذا يفسر السر وراء زيادة معدلات الجريمة في فصل الصيف عنها في أي فصل آخر من فصول السنة الأخرى، فكل الإحصائيات تؤكد انتشار معدلات الجريمة مع فصل الصيف، فنحن لا نستطيع تحمل الحرارة المرتفعة لفترة طويلة خاصة لبعض الحالات المرضية كالمصابين بارتفاع ضغط الدم أو مشاكل في الغدة الدرقية والصداع وكذلك مع الزحام واختناق التنفس وقلة النوم ، كل هذه العوامل تهدد بتحول الإنسان لمريض نفسي وعصبي نتيجة للضغوط التي يواجهها مع ارتفاع درجة حرارة الشمس.وتضيف الدكتورة هبة إن الجو المناسب يساعد على الاتزان النفسي، أما تقلبات الجو كالحرارة الشديدة والأتربة أو البرودة الشديدة فتؤدي إلى التقلبات المزاجية ويصبح الشخص سهل الاستثارة والانفعال، ويدخل في دائرة التوتر النفسي، ويقدم على تصرفات يتعجب من حدوثها بعد عودته إلى حالته الطبيعية أو العادية، ومع تعرض الأفراد العاديين للعوامل الخارجية المتمثلة في الزحام وارتفاع درجة الحرارة يؤثر على اتزانه النفسي وتكيفه مع المجتمع ويعود إلى منزله متوتراً نفسياً وتأخذ تصرفاته مع أسرته صورة انفعالية، ونجد هذه التوترات تقل بانخفاض درجة الحرارة واختفاء الزحام .

غطاء الرأس والبعدعن الأطعمة الدسمة لمزيد من الراحة

* الدكتور رشاد عبد اللطيف أستاذ الصحة النفسية والعصبية بجامعة الزقازيق يضع روشتة للأشخاص في الصيف للتعامل مع حرارة الشمس وتجنب الانفعالات منها:

1 ـ تجنب التعرض لحرارة الشمس قدر الإمكان خاصة في وقت الظهيرة حيث الأشعة تحت الحمراء وغيرها من الأشعة الضارة وإذا تحتم على الشخص التعرض للشمس فينبغي ارتداء غطاء الرأس حتى لا يصاب بضربة شمس.

2 ـ الإكثار من تناول السوائل والمشروبات الباردة.

3 ـ تجنب التعرض الشديد للزحام، والاندفاعات السريعة ومحاولة تغيير الروتين اليومي سواء في العمل أو المنزل.

4 ـ استغلال فرصة وجود الاجازة الأسبوعية أو السنوية للخروج في أماكن متنزهات أو مصايف وذلك مع الأسرة لتفريغ الشحنات النفسية والعصبية.

5 ـ اللجوء إلى الله والاستغفار دائماً والحرص على الصلاة في وقتها لأنها تطفئ الغضب والاندفاع وتكسب الإنسان الطمأنينة والراحة والسعادة.

وأما روشتة أفضل الأطعمة صيفاً فيحددها الدكتور فوزي الشوبكي في:

1 ـ البعد عن تناول المواد الدسمة أو تناول الوجبة الرئيسية في الظهيرة مع ارتفاع درجة الحرارة الشديدة ويفضل تناولها مساء مع بداية رطوبة الجو وانخفاض درجة الحرارة.

2 ـ الحرص على تناول المواد الغذائية الغنية بالمعادن لتعويض ما يفقد من خلال العرق ، وعلى قمة هذه الأغذية الزبادي «خالي الدسم» الذي يمد الجسم بالبوتاسيوم والماغنسيوم والكالسيوم، وكذلك يمكن الحصول على هذه المعادن من البقدونس والجبن الأبيض.

3 ـ البعد عن تناول المشروبات والأطعمة الساخنة ويفضل الأطعمة الباردة والتي تلطف من درجة الحرارة للجسم عكس الأطعمة الساخنة.

4 ـ الحرص على تناول الأغذية والفواكه الطازجة ويفضل عدم الالتجاء إلى حفظ الطعام كثيراً خاصة الخضراوات والفواكه التي تفقد فائدتها الصحية نتيجة الاحتفاظ بها لفترة طويلة .

المصدر : موقع الإرشاد والصحة النفسية
تغريد سليمان ..