بسم الله الرحمن الرحيم
تأثير الباطنية في الفلسفة والتصوف
كلمة الباطنية مأخوذة من بطن وهو الغامض من الأرض ، وهي خلاف الظاهر ، وبطن بفلان صار من خواصه .
وقد استخدم لقب الباطنية للدلالة علي طائفة من الناس استغلت التشيع كستار لتحقيق أهدافها ، وقد قيل ا ن أهل التشيع هم أسفه الناس عقولا وهو ما ذهب ابن تيمية إليه بقوله في فتاويه ( ولهذا كان أعظم الأبواب التي يدخلون منها باب التشيع والرفض لان الرافضة هم اجهل الطوائف وأكذبها وأبعدها عن معرفة المنقول والمعقول ).
وهكذا كانت الباطنية امتدادا طبيعيا للغلو في التشيع لان الباطنية والقرامطة وجدتا في البيئة الشيعية تربة خصبة ومناخا مناسبا لتربية أفكارهم الفاسدة .
يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي حيث يري أن ( الباطنية لقب مشترك تندرج تحته مذاهب وطوائف عديدة ، الصفة المشتركة بينها هي تأويل النص الظاهر بالمعني الباطني تأويلا يذهب مذاهب شتي ، وقد وصل التباين بينهما حد التناقض الخالص (انظر مذاهب الإسلاميين ) .
وفي ضوء ذلك نستطيع ضم إخوان الصفا إلي الفرق الباطنية ، حيث يجمع الباحثون علي أن رسائل الإخوان هي الدستور للإسماعيلية أو قرانها وهي الفرقة الأم التي تشعبت عنها الفرق الاخري .
ويضاف الي ذلك غلاة المتصوفة حيث يشتركون مع الباطنية في التأويل والقول به وحذوا حذو الباطنية كالسهر وردي وابن عربي وابن سبعين ، فضلا عن الحلاج الذي كان علي هوي الباطنية وداعية من دعاتهم .
والصوفية عند ابن تيمية يسمون بالباطنية لقولهم بالباطن والظاهر ( انظر ابن تيمية وقضية التأويل ) .
التأثير في الفلسفة :
نعرض هنا لكل من الفارابي وابن سينا
الفارابي:
يقول الفارابي أن النبوة تختص بالإنسان صاحب الروح القوية ، وهذا الإنسان هو الذي يستطيع ان تتصل باللوح المحفوظ ويقرأ ما فيه او يتصل بالملائكة الذين هم رسل الله ويأخذ عنهم ثم يبلغ عامة الناس ، وعلي هذا فالنبوة شئ مكتسب ، فيمكن لكل صاحب روح قوية ان يكون نبيا او يخترق عالم الجسد ويتصل باللوح او الملائكة ويأخذ عنهم المعلومات دون الحاجة الي التعلم من البشر ، ولذلك أن الإنسان عند الفارابي يمكن ان يستغني عن الأنبياء ، فضلا عن ان يكون رسولا .
وهو يقسم الوحي إلي ثلاثة أنواع كالباطنية تماما ( انظر آراء المدينة الفاضلة ... وفصوص الحكم )
الأول – الاتصال بالعقل الفعال وبهذا يظهر علي اللوح المحفوظ
الثاني – الاتصال بالعقل الفعال عن طريق واسطة وهي :
-1عن طريق الملائكة تكلمه وتحادثه .
-2المخيلة ، وهي فيض المعلومات عليه عند النوم
3-الرؤيا حيث تنتقش المعلومات علي عقله .
ابن سينا :
يقول ابن سيناء في رسالته العرشية أن الوحي هو فيض العلوم من العقل الفعال علي قلب النبي ، ويعبر النبي عن هذه المعلومات بنفسه ، ويري ان الشريعة من الله والتعبير من الرسول .
وهو يقسم الوحي أيضا إلي ثلاثة أقسام :
1- الاتصال بالعقل الفعال عن طريق النفس القوية وتسمي عند ابن سينا النبوة في المعقولات .
2- الرؤية وهي إفاضة العقل الفعال علي النفس أثناء النوم
3- الاتصال بالملائكة والأخذ عنهم في حالة اليقظة
وهكذا فالنبي عندهم اقل المراتب .
ثانيا الصوفية :
هناك ثلاثة من غلاة الصوفية :
السهروردي :
يتطابق السهروردي مع ابن سينا فيما كتبه عن الوحي ( انظر مدخل إلي التصوف ) ( أصول الفلسفة الاشراقية ).
يقول السهروردي فإذا قويت النفس بالفضائل الروحانية وضعف سلطان القوي البدنية وغلبتها بتقليل الطعام وتكثير السهر تخلص أحيانا إلي عالم القدس وتتصل بابيها المقدس وتتلقي المعارف .
انظر هياكل النور .
ابن سبعين :
وقد أطلق ابن سبعين صفات الإمام علي الوارث / وذلك لان الوارث هو المحقق وهو الكامل وهو الوسيلة إلي النبي والعرف بالله ، والنبي عليه السلام هو الوسيلة إلي الله والعارف به والله هو مطلوب العالم ( رسائل ابن سبعين ) .وهذا هو كلام الباطنية بعينه الذي أطلقوه علي الإمام باعتباره الوسيلة إلي معرفة الدين ومعرفة التأويل الذي ورثه عن النبي كما انه الوسيلة إلي السعادة الأخروية ، كما يري ابن سبعين أن الوارث هو الوسيلة إلي السعادة لأنه الوسيلة إلي الله والوصول إليه ولا تحصل السعادة إلا بالوارث .
والوارث هو الفياض علي العالم بالجملة لأنه يقبل الخير الذي يفيض به الله علي العالم وعليه فان منكره شقي .
ويري ابن سبعين ان الوارث سينسخ الشريعة المحمدية وانه ينتسب الي النبي ولكنه مثله في النبوة والمماثلة وانه صاحب شريعة الجهاد .
وهذا القول من ابن سبعين يماثل تماما قول الباطنية في الإمامة
ابن عربي :
يقول ابن عربي في الولاية :
الولي يشارك النبي في عالم الأسرار وهو العلم الذي فوق طور العقل ، وهو عبارة عن نفث روح القدس في روع كل من النبي والولي . (انظر الفتوحات المكية )
ويقول أيضا وحدة المصدر الذي يتلقي منه كل من الولي والنبي ، فالنبي يوحي إليه عن طريق الملك ، أما الولي فالوحي يأتي من حضرة الكرم والكل من عين المنة والرحمة ، ولذلك قال أن الفتوحات التي كتبها كانت بوحي .
كما يقول اعتمادا علي ما سبق أن الولاية أفضل من النبوة وذلك لان الولاية نبوة مطلقة غير منقطعة ، ويكون للولي حق تفصيل الشريعة كما أن للولاية حق الإقامة بخلاف الرسالة التي حالتها الخروج ..
كما أن الولاية تختص بالمشاهدة في الحضرة بخلاف الرسالة التي تنزلهم إلي العالم الأضيق .
وان كان ابن عربي يغلف أقواله بالغموض أحيانا إلا انه عندما يتحدث عن الخضر وموسي عليه السلام يذهب إلي تفضيل الخضر علي موسي لأنه أي الخضر صاحب العلم الباطني وهذا شأن أكثر المتصوفة ومدعيها .
وهكذا يجعل ابن عربي من الولاية القطب الذي يدور حوله كل شئ في هذا العالم ولا يدور هو حول شئ ( انظر من قضايا التصوف للدكتور الجلنيد .
ويري ابن عربي أن خاتم الولاية عيسي عليه السلام ورجل من العرب ، فمحمد خاتم الشرائع ، ويري ابن عربي انه خاتم الأولياء .ولما كانت الولاية خير من النبوة فان خاتم الولاية خير من خاتم الأنبياء ( انظر من قضايا التصوف ) .
وعليه فان الأمر يلخص بما يلي :
- عصمة الولي كعصمة الإمام .
- كل من الإمام والولي له حق العلم الباطني وله حق التأويل .
- اتفاق الباطنية والصوفية علي القول بالنور المحمدي والحقيقة المحمدية .
- كل من الولي والإمام يستمد علمه من الله مباشرة وبلا توسط .
بل ذهبت الصوفية إلي القول بنسخ الشريعة المحمدية علي يد القائم السابع .
د . محمد خطاب
المفضلات