ومضات من تاريخ العراق
المقدمة
يعتبر تاريخ العراق الحديث امتداداً لتاريخ البابلين والآشوريين قبل (600) سـنة قبل الميلاد فمملكة "سومروأكًـد ", سبقت بابل وآشور, وقد اتحدت الدولتان مكونة مملكة موحدة , ومن اهم مـدنها " أًور"(احدى ضواحي محافظة ذي قارقرب مدينة الناصرية), والتي قطنها الكلدانيون وكيش , واستمرت بالأزدهارزهاء اربعة قرون , و تسلم السلطة فيها المشرع المشهور" حمورابي", الذي جعل "بابل " من اشهر عواصم العالم آنذاك!
ولا بُـدً من التعريف بحمورابي لمن لم يقرأ التاريخ القديم ,.. فقد كان وما زال من اعظم الحكام التقدميين في العالم! ...فشريعة قوانينه تمتد الى يومنا هذا, وهي تظهرادراكاً لكل القوانين الجزائية والمدنية والتجارية تفوق بها على قوانين زمانه!...وازدهرت بابل في ظل حكم حمورابي القوي العادل واصبحت اكبرمركز تجاري بين الشرق والغرب , ووصلت الى مستوى من الرخاء لم تعرفها مدينة من قبل الا ان دوام الحال من المحال , فقد تدهور مجدها بعد وفاة حمورابي!

وبعد 1400 سنة على تدهور بابل جراء الغزوات, تنامت تدريجياً الدولة الآشورية التي نشأت في نينوى (قرب مدينة الموصل حالياً), بسبب سيطرتها على منابع المياه في نهر دجلة ,..ووصلت ذروة الآشوريين بين (600 - 700 ) قبل الميلاد , ...ودار الزمان
دورته وتحطمت بابل على ايدي الآشوريين,..الا ان الكلدانيين اسسوا دولتهم, ثم تمكنوا من ازاحة الآشوريين وحلوا محلها لأكثر من نصف قرن !


نبوخذنصر

كان نبوخذنصر من اشهر حكام تلك الحقبة من الزمن , وتمكن من اعادة بناء بابل , واستطاع الأستيلاء على " اورشليم " القدس ,وسـبى اليهود وجـرهم الى الى الأســر, وقد دون اليهود آلام سباياهم على صفحات كتبهم الدينية ( العهـد القـديـم).
وفي سـنة ( 539 ), قبل الميلاد تحرك الفرس بقيادة " كورش" ودمروا الدولة البابلية , وبقى النفوذ الفارسي مهيمناً لأكثر من مئتي سنة ,..حتى قام " الأسكندر الأكبر" بوضع بلاد ما بين النهرين تحت الهيمنة اليونانية بدون صعوبة تذكر!
وفي سنة ( 200 ) بعد الميلاد عاد الفرس ثانية ووصلوا الى أوج عظمتهم , وبنوا الطاق الآجري العظيم ( طاق كسـرى), والذي يمكن مشاهدته الى يومنا هذا في قرية (سلمان باك) , في اطراف العاصمة العراقية بغداد.

طاق كسرى في سلمان باك بأطراف بغداد


وفي سنة 570 ميلادية بزغت راية الأسلام كدين عظيم ,..ولم يمضى على الدعوة قرن حتى أزاح المسلمون الفرس (السـاسانيين ), ودانت الجزيرة العربية كاملة للأسلام!
وبعد انهيار الدولة الأموية , وتأسيس الدولة العباسية نقلت عاصمة الخلافة من دمشق الى بغداد , وصارت تدعى بدار السلام , يوم وصلت الى أوج سـلـطتها وزهوها في عصرها الذهبي!... وصار الزوار يفدونها من كافة انحاء العالم , وتأسست فيها اول جامعة بمفهومها الحديث ,.. الموسومة بجامعة المستنصرية, وما زالت ابنيتها شامخة على ضفاف دجلة بجانب الرصافة , غير بعيدة عن باب المعظم حالياً.
استمرت بغداد في زهوها الى ان حدث الغزو العظيم في اواسط القرن الثالث عشر ميلادي بزعامة "هولاكو", فأطاح بالخلافة العربية وانتهكت فيها بغداد ودمرت واصبحت البلاد خاوية بسبب الدمار الشامل الذي حـلً بها , ومنذ السنة 1258 م. لم تستعيد بغداد مجدها وعافيتها حتى يومنا هذا !
خضع العراق للحكم العثماني الى ان تـم انزال القوات البريطانية سنة 1914 م. في مصب شط العرب ليحول دون مشاركة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الثانية , ولغرض حماية المصالح البريطانية النفطية في جنوب ايران .
وبالرغم من المقاومة العراقية من عشائر العراق في الوسط والجنوب, استطاعت تلك القوى الغازية من دخول بغداد سنة 1917 م. فأزاحت العثمانيين عن بلاد الرافدين كلها!
و بعد اندلاع ثورة العشرين في الفرات الأوسط, ثم عـمـت كافة مدن العراق, قرر البريطانيين الأنسحاب عندما يصبح الأنتداب الذي تمارسه بريطانيا نيابة عن عصبة الأمم يسمح لبناء الكيان السياسي العراقي, وقد استمر ذلك لغاية سنة 1932 م. وقي الثالث من تشرين الأول (اكتوبر) حصل العراق عضوية عصبة الأمم واصبح مسـتقلاً !
يتكون العراق من السهل الكبير بين النهرين والأراضي المرتفعة على بعد 200 ميل شمال بغداد , ومن الجبال في الشمال والشمال الشرقي.
يتكون السهل من من طمى رسوبي يحمله النهران معهما ويمتد هذا السهل من الرمادي غرباً وخانقين شرقاً ولا توجد صخور في هذا السهل , وان سكان هذه المناطق اوفر حظاً من سكان المرتفعات , حيث يشتغلون بالزراعة لذا نراهم يتواجدون بالقرب من الأنهار والآبار الدائمة , وفي الشتاء تهطل الأمطار وينمو الكلأ في الصحراء ,وتنتقل
القبائل الى تلك المناطق , وتقع بينها غارات ومعارك , الا انها تلاشت مع نمو سيطرة الحكومة واتلاكها لسيارات تحمل انواع من الأسلحة الفتاكة الحديثة !
كانت تلك القبائل تخضع لقانون بدائي , او ما يسمى بالعرف مثل (العين بالعين), وعادة الثأر كانت وما زالت مستمرة , فالقتل لا بـدً ان يعوض بآخر !
تتسم العادات الأجتماعية بالطابع الأخوي وللمرأة مكانة مقدسة, وان خروجها عن جادة الفضيلة يعني موتها على يـد ابيها او اخيها, اما اذا كانت متزوجة , عندئذ يقوم الزوج بأعادتها الى اهلها لحل المشكلة !
من النادر ان تجد في تلك الآونة المدارس او حتى من يقرأ ويكتب وبخاصة في المجتمع الأنثوي , حيث تتزوج البنات مبكراً, وكل ما يطلب من الزوجة الأنجاب وحلب الأبقار والجاموس وتصنيع منتجات الألبان كالزبدة والجبن والقيمر(القشطه), والطبخ وتربية الدواجن والأغنام وغيرها من الأعمال البيتية ضمن القرية الواحدة !
معظم القرى في جنوب العراق عبارة عن مجمعات سكنية تمتهن الزراعة و سكانها من عائلة واحدة ولا يسمح للغريب العيش معهم الا اذا التجأ عندهم ويبقى هو واحفاده دخلاء على القبيلة لا احداً يتزوج منهم ولا يسمح لأي منهم ان يتزوج من بنات اسياده! .ويعتبر شيخ القرية هو الحاكم الفعلي والأب الروحي لكل اعمال رعيته من الفلاحين ! ان الحكومات المتعاقبة في العراق لم تصل من القوة بحيث تهيمن على افراد العشائر وتجعلهم يستغنون عن الشيوخ!
اطلعت عن كثب على الحياة في العديد من تلك القبائل المحيطة بمسقط رأسي الشطرة , اضافة الى ما كنت اقرأه في الصحف المحلية عن التخلف الذي يعيشه افراد العشيرة في كنف شيخ طاغية في نظر اي مراقب ورسول معصوم من الخطأ في نظر اتباعه!
الكثير من هؤلاء الفلاحين متشبثون بآيات قرآنية لم يدركوا معناها الصحيح , مثل :
" الله هو الرزاق ",.. وهذا ما يقتل كل ارادة للعمل عند المتخلف!..فهو يتوقع ان تمطر عليه السماء ما لذ وطاب من الغذاء والمال ,..وحتى حور العين! ..وقد نسى ان الدين يأمر بالسعي ,.. " وياعبدي اسعى اسعي معك ",.. ومن لا يعمل لا يأكل !
****************