لننس الأمر
سأفترض أنّ غيري من الكتاب قد سبقني إليها فأحسن نسجها وسأفترض أني عثرت عليها في دورية وقرأتها على عجل وكان قلبي يتميّز غيظا والنار تأكلني حيّا .سأفترض أني أخذت بجودة الحبكة وتصريف الأحداث وجودة التعبير .سأفترض أنّي عقدت جِمعي وضربت الطّاولة بعنف...سأفترض أني كتبتها من زمان وأهملتها وذهبت ادراج الضياع .وسأفترض أنّي كتبتها وأرسلتها إلى مجلّة مختصّة ونسيت الأمر وسأفترض انّ معجزة قد حصلت وأنّ اتصالا روحيا حصل بيني وبين كاتبها الحقيقي سأفترض ,,,
ليلى تحيّي سميرة وتبادرها بحكاية جديدة عن حبها الجديد وعن الورود التي تلقتها البارحة .سميرة تشير بسبّابتها لأحمد في الطّرف الآخر من الشارع ولكنّ السيّارة انفجرت قبل أن ينتبه وواصلت سليمى حكاية مغامرتها مع رفيق وبينما كانت الفتاتان تتساران وتتضاحكان قطعت التلفزة برامجها لتعلن تعرّض شكري بلعيد لعملية اغتيال. منى توقف تشغيل محرّك السيارة وتأمر منير بالنزول فورا ...لم يكن سمير قد نزل من على المنصّة حينما صمّ صوت الانفجار آذان الحاضرين وتبعثرت الكراسي .قالت سميرة :كان المرحوم أقرب الحاضرين إلى موقع الانفجار ثمّ قهقهت وواصلت تنصت إلى الخطبة ...قال الإمام في خطبة الجمعة :"الشهداء في حواصل طير خضر ...سوريا تستغيث والعالم فسد ".
مثلك تماما ...مثلك ,كنت أنوي كتابة هذه الجوهرة .
قال المذيع :" سميرة تساند السيسي والانقلاب العسكري في مصر وتحاول إقناع ليلى بضرورة الخروج لنصرة مطالب الشّعب .وهي اليوم تبحث عن قصّة غرامية جديدة بعد فقدانها لحبيبها في معركة بين النّصرة والحرّ ." عطس المذيع .قالت سميرة لليلى :"وصلتهم الرائحة" قالت منى للإمام :"هل صحيح أن السحب والغيوم تقاتل معنا في ساحة المعركة ؟"أكمل شكري التهام شطيرته ومسح يديه في ورقة اللف وألقى بها جانبا وهو يقول :"كنا نرجم جيش بشار بالقذائف وكانت فوقنا سحابة ظلت ثابتة تقينا حرّ الشّمس ولم تبرح مكانها إلاّ عندما انتهينا من إبادة المجوعة بالكامل " .نزل منير من السيارة التي أصيبت عجلاتها بالمسامير الملقاة قرب الحاجز الوهميّ فلعن الاحتطاب وسلّم نفسه للدورية .
قال الباحث الابتدائيّ :"سأفترض أنّي لم أسألك هذا السؤال وسأفترض أنّك لم تجبني وسأفترض أيضا أنّك لم تحضر لديّ ,ها الباب مفتوح بإمكانك أن تخرج من هنا...أنظر من هنا لن تجد حراسا .."
قالت سميرة :"كان المرحوم مقرّبا من بعض الوجوه السلفية ولكنّهم قرّروا التضحية به " سألها المذيع :"هل تعتقدين أنّ الأمر مدبر ؟"
كانت ليلى وسميرة ومنير وسمير والمذيع والمخرج في المقاعد الخلفية وكنت أقود السيّارة نتجه إلى التلة المقابلة لنشرع في تصوير المشهد الأوّل من الفلم وحينا بلغنا المنعطف أطلقت زخات من الرصاص وارتفع التكبير .سمعتهم يعلنون لبعضهم موت الفريق بالكامل وسمعتهم يعبثون بآلات التصوير ويطلقون الرصاص على بعضها وهم يكبّرون ...
سأفترض أنّني لم أمت ولم أخبركم بشيء وسأعتبر هذه القصة القصيرة نزوة عابرة لا قيمة لها ولذلك أدعوكم لنسيان الأمر . توفيق بن حنيش في 2أكتوبر 2013