مـسـلسـل حظ أمحيسـن / ح 2


في بداية العام الدراسي الجديد, يصل القرية في منتصف النهار, شاب وسيم من اهالي الكاظمية, عين معلماً في المدرسة الأبتدائية في القرية, اسمه جميل !
استقبل الفراش ( والد جميله), المعلم الجديد,.... وقاده الى ادارة المدرسة, ورحب به المدير, وامر الفراش بتقديم الشاي للضيف,....واستلم منه امر التعيين ووثائق ذاتية,.. ثم
سرد جميل سيرة حياته للمدير وقال:
" انني جميل مظلوم, العمر 20 سنة, خريج دار المعلمين الأبتدائية في الأعظمية, بدرجة جيد. وصدر امر تعييتي في مدرستكم , وانشاء الله اكون عند حسن ظنكم".
رحب المدير بالمعلم جميل, وطلب منه الجلوس بالقرب منه, وتمنى له التوفيق في عمله الجديد,... وعدم التعرض لأي ظلم انشاء الله !!
طلب المدير من الفراش مساعدة المعلم جميل, ومرافقته لغاية, ( الكوخ),.. في احد البساتين خلف المدرسة,.. والذي يعتبر داراً للضيافة !!
توجه المعلم جميل وهو في غاية التعب, بصحبة الفراش "والد جميله", حاملاً شنطة وعفش المعلم الضيف,.. الى ان وصلا الى الكوخ, ..وبعد ان استقر المقام بالمعلم جميل, شكر الفراش, وقدم له بعض المال , ولم يرضى الفراش بذلك.
وبعد آذان الظهر, بساعة, عاد الفراش ثانية بصحبة ابنته جميله وهي ترفع على رأسها (صينيه), فيها بعض الصحون من المأكولات القروية, كوجبة غداء للضيف الجديد. وما
ان وصل, حتى نادى على المعلم,.....فخرج المعلم وقد تفاجأ بالفراش مع بنت في غاية الجمال تحمل على رأسها صينية,.....وتقف على بعد من الفراش,.....وبعد تبادل التحية , تناول الفراش الصينية من على رأس البنت وسلمها للمعلم.
تناول الأستاذ جميل الصينية وأمعن النظر بالجمال الفطري, وصمت مبهوراً للحظات, ثم قدم الشكر للبنت فأنتابها الخجل ,.. ولم تتجاوب مع اعجابه بها,.... بالرغم من كونها مراهقة مكتنزة بالأنوثة المتفجرة ,.... الا ان هيمنة امحيسن على مشاعرها العاطفية لم يترك المجال لدخول اي طارق جديد للقلب المتعلق بالحبيب الأوِلِ !!
كرر المعلم النظر لصدر جميله النافر, والذي يكاد يمزق ثوبها, وتذكر المرحوم نزار القباني وهو يقول:
نهداك ما خلقا للثم الثوب,.. لكن للفم
تـذ كر جميل العرف الأجتماعي وعادات القرية, وعاد الى وعيه, وقد قرأ في الروايات الأجنبية المترجمة, عن سعادة المرأة عند اطراء جمالها بأسلوب مهذب,..ويقابل بالشكر,
الا ان ذلك غير جائز هنا,..ومن المحتمل ان يقابل بالشتيمه او السلاح الأبيض, ..لذا آثر
جميل السكوت وعدم التمادي في امورقد تؤدي الى انهيار المعبد على من فيه,....وترك العنان لعيونه تخاطب هذه الشابة, وتثني على جمالها من دون ان يشك الفراش,..حيث ان
12
للعيون لغة خاصة, لا يتقنها الا الذين وهبهم الله مواهباً خاصة, او قل احاسيس كهربائية او الكترونية تنتقل بين قلبين بأقل من لحظة واحدة,..... وهاهي امامه شابة تطابق كل ما فيها مع فتاة احلامه,.... وتسائل مع نفسه عن سر هذا الجمال الذي ترعرع في مثل هذه البيئة التي لا تحتوي على ابسط قواعد الصحة العامة, الا ان كل شيئ فيها ينمو طبيعياً !.
تشعر جميله بتمادي المعلم بنظراته التي ضربت مشاعرها, فأعتراها الخجل, وتودع المعلم وتترك والدها مع المعلم وتتوجه نحو دارها.
وبعد تناول الغداء, يستفسر المعلم من الفراش عن طبيعة الحياة في القرية, و يسرد والد جميله حياته وكل امور القرية بأسهاب, وخاصة عن ابنته جميله,.. وعلاقتها بأبن الشيخ, واستحالة موافقة الشيخ على استمرار مثل هذه العلاقة.
انبهر المعلم مما سمع, وزاد من احترامه لهذا الأنسان الكريم و الأبي, وراح يشجعه على اكمال دراسة ابنته, وابدى استعداده لتقديم العون لأجتيازها امتحان الكالوريا.
*****

بدأ العام الدراسي الجديد, وظهرت على المعلم جميل الهمة والنشاط, وانتشرت سمعته الطيبة بين اهالي القرية, فهو سليل عائلة دينية عريقة ومعروفة, و مؤمن برسالته الأجتماعية وغير مكترث بمتاعب المهنة والغربة,.....فهدفه رفع شأن الجيل الجديد بين ابناء الفلاحين وتخليصهم من الأقطاع البغيض الكابس عليهم منذ مآت السنين, ولذا, فهو يعتبر عمله واجباً وطنياً يستحق كل تضحية.
كانت جميلة قد انجزت واستوعبت كل مقررات الرابع ثانوي عن طريق زميلاتها في القرية, و الدارسات في مد رسة القضاء الثانوية, وعرضت ما انجزته على المعلم جميل.
نفذ المعلم جميل ما وعد به والد جميله,... ولذا جمع الكتب المقررة للسنة الخامسة ثانوي, وسلمها الى ابي جميله, ليعطيها بدوره الى ابنته, طالباً منها ان تكتب له عن كل استفسار علمي, ..وهكذا بدأ التعاون لتذليل اية صعوبات قد تواجهها, .. فشكر ابو جميله هذا المجهود ودعا له بالتوفيق.
ومرًت الأيام والأشهر, وجميله منهمكة بدراستها, وتستعين بمراسلة المعلم جميل لكل ما يصادفها من صعوبات,.. واضافة الى ذلك كانت على اتصال بزميلاتها, ....وهكذا سار الأمر الى حين اقتراب موعد الأمتحان العام (البكلوريا), .... ويبدأ الأستعداد للسفر الى مركز الأمتحان في الناصرية,..وقبل يوم السفر ألتقي ابو جميله والمعلم جميل في سوق الخواجه في الشطرة,..وتبادلا التحية, ...ثم ينتبه ابو جميله الى شنطه سفر يحملها المعلم بيده,..فأستغرب وأستفسر منه عن السبب,..وقال:
" والله بكره.. أمسافر الى الناصريه, ..حيث وصل اليوم امر رسمي بتعييني مراقب في مركز الأمتحان العام ",.. فرح ابو جميله, وتمنى اللقاء معه قي احدى مقاهي الناصرية.

*****
13
يصل المعلم جميل صباحاً الى الناصرية, وفي المساء يخرج للنزه في شارع "الهوى" المميز بتسكع الشباب فيه من كلا الجنسين, وهي ميزة بدأت حديثاً في ذلك العهد, حيث تخرج البنات للنزهة وهُن مرتديات للعبائة من دون" البوشيه",.....وقد كانت هذه خطوة حضاريه متقدمه, ..استغلها الشباب ( بالتحرش), المؤدب مع البنات, حيث تعود الأهالي على التنزه مساء كل يوم, مع تناول المكسرات, (حب الرقي وعباد الشمس والفستق).
لم يستطع المعلم جميل الأستمرار في التجول,.. وعرج على سوق المدينة, ..وبعد ان أطلع على سير العمليات التجارية في السوق, لمس الفارق في التعامل بين اسواق بغداد العصريه وبين الأسواق المحلية هنا, وتسائل,.... هل سيعم التطور كافة مدن العراق ام تبقى هذه المدن على وضعها؟..ولربما ستزداد سوءاً,... وتكون سبباً في انهيار القرى والهجرة منها الى المدن الكبرى !!
وان حدث هذا لا سامح الله,.. فسيدق ناقوس الخطر لتحطيم العراق بأكمله,..لأن الوطن في مثل هذه الحالة سيعتمد على لقمة العيش من الأقطار الأخرى, وعندئذ سيفقد استقلاله, ويخضع لسماسرة السياسة في الدول الكبرى, ..الى ان تستنفذ كل ثرواته ويعود الى ما كان عليه قبل الحكم الوطني واكتشاف النفط!!
يصل المعلم جميل الى شاطئ نهر الفرات الذي يقسم المدينه, ..فيتوقف قليلاً ويتمعن بالمياه الغزيرة المتجهة الى شط العرب, ومن ثم الى البحر.
جلس المعلم في احدى المقاهي,..وشرب الماء من الساقي, وحز بنفسه ان يشرب الماء المالح, في حين كلمة الفرات وردت في القرآن الكريم, وتدل على العذوبه, ويعزى تغيير العذوبة الى مرور النهر في الأهوار فتختلط تلك المياه العذبة بمياه الأهوار المالحة.
يستمر المعلم جميل في التمعن بوجوه الناس اثناء تجواله , وفي لحظة تقع عينيه على جميله وهي برفقة والدها,..فيلحق بهما, ويشعران بوجوده, ويتبادلون التحية بحرارة, وقد طفحت الدماء على وجه جميله وتطلعت بأمعان للمعلم, وتبادلا عبارات الثناء, واستمروا بمسيرتهم في تشوة وسعادة,.. وبعد مدة وجيزة,.... يقترح ابو جميله الأستراحة على احد المصاطب العامة على ضفاف النهر ليتمتعوا بالمناظر الخلابه,..فيستجاب طلبه.
تجمعت حولهم اسراب من الطيور, والبط والأوز, لألتقاط ما يرمى لها من قطع الخبز وقشور المكسرات, ..وفد لفت نظر جميله" ذكًر البط", وهو يتودد لأنثاه ,..ثم لطفل اقبل نحوها, فأحتضنته وقبلته بعاطفة متأججة, وضمته الى صدرها,..وابتسمت ام الطفل لها وادركت غريزة حواء وحبها للأطفال, ..وشعرت جميله بمراقبة الجميع لها,.... وتبادل والدها النظرات مع المعلم, وأدركا نضوج جميله,.. وتمنى كلاً منهما أعلان خطبتها, الا ان المعلم تخونه المقدرة للبوح عما يختلج في فؤاده من شوق لجميله,.. والأماني لتحقيق الزواج اليوم قبل غًدِ !
يسود الصمت للحظات, ثم يمد ابوجميله يده في جيبه ليستخرج مسبحته, فيهب مذعوراً ,..ويعلن عن فقدانها.,..ويشاركه جميل مشاعره, لأن المسبحة لا تقاس بثمنها فقط وانما في ندرتها ,..ويستأذن ابو جميله المعلم ليذهب بأسرع وقت الى الفندق,... فعسى قد عثر
14
عليها شخص ما وسلمها لأدارة الفندق,..الا ان جميله تطلب منه الذهاب بمفرده بسرعة ويتركها برفقة الأستاذ جميل ليساعدها على حًل نماذج من اسئلة امتحان يوم غًدِ ,..ولم يمانع الأب, ووافق على مضض ,وذهب للتفتيش عن مسبحته العزيزة !
يتنفس المعلم جميل الصعداء,..فهذه هي المرة الأولى التي يختلي فيها مع جميله بعيداً عن عيون والدها,فتطفح السعادة على وجهه وينتاب جميله القلق المفعم بأحاسيس غريبه ولم تملك القدرة على كبت عواطفها المتأججة اصلاً,....وزاد سعيرها بسبب الخلوة التي جمعتها مع رجل وسيم,....فأي انثى بمثل وضعها تستطيع الهيمنة على النيران المستعرة في صدرها, ..وصارت الثواني جمرات في دمها !
لم تشعر جميله لأي وجود للبشر , وكادت ان تفترس جميل لولا كبريائها, ...وتمنت ان يبادر هو بعناقها, وقد نست انها في شارع عام في مدينة محافظة, فتهدأ قليلاً, وتبتسم له, وتمد يدها فيمسكها بحرارة,... ولسان حالها يردد مقطعاً من قصيدة نزار قباني:
ومن دون ان ادري مددت له يدي لتنام كالعصفور بين يديه
يلفت جميل نظر جميله الى الزهور والفراشات المتنقلة من زهرة الى اخرى, لجمع الرحيق وأتمام التلقيح, انها سنة الله لأستمرار التكاثر,وتفهم جميله فوراً قصده من ذلك !
يشرق وجه جميله بالأمل وتستنشق مع نسمة الهواء انفاساً عبقة لم تشم مثيلاً لها قبلاً,
انها رائجة الرجولة التي تحولت لأشعة امتزجت مع جزيئات هواء شهيق رئتها, فأوقدت العواطف الدفينة او قل الكامنة والمهيأة للأنفجار عند اي لحظة ملائمة!
يستمر المشهد لبضعة دقائق ممزوجاً مع نغمات اغنية سيدة الطرب العربي"ام كلثوم",
ولما اشوفك يروح مني الكلام وانساه
يستجمع جميل كل طاقته,... ويركز نظره في عيونها ويشعر بأشعة تخترق شغاف قلبه,..وتخيلها زهرة آن اقتطافها, ..وبعفوية سحبت جميله يدها,..وتعود لرشدها , ولسان حالها يقول لها:
انا لا اصدق,..انا, بعلمِ لو بحلِم ؟
تفقد جميله السيطرة على انفاسها, ويكاد يغمى عليها من شدة الشبق,..ويضمها جميل برفق, ليخفف عنها لوعة الحب العذري, فترتاح لتلك الحركة, ..ويحاول تغيير الحديث !
ها..حبيبتي, هل انت مهيأة للأمتحان,..ام انت خائفه ؟!
تستجمع جميله شجاعتها و تتحدي عواطفها,... وتطري على مواقفه معها والعون في تبسيطه لمواضيع المقررات ,... واكدت له تفوقها في النتيجة.
استغل جميل قناعتها بشخصه, وطلب رأيها في مفاتحة والدها بتحديد الخطبه, ويعتري
جسمها قشعريرة وارتباك, وتقول له:
امحيسن ما زال متعلق بي,. وانني اشفق عليه , لأنه انسان مثالي, ولا ابالغ اذا قلت انه
من (الجن),. . فلديه من الصفات النادرة الوجود في الأنس !!

15
اما ابن عمي فقد طلب يدي من والدي,.. ومنع زواجي من اي انسان غيره, وهدد بقتل,..اي انسان يتقدم لخطبتي, ( ناهي ),.. وهو شرير ومتزوج وبعمر والدي تقريباً !! يعقب جميل على اقوال جميله, ويؤكد لها ان لا احد ينتزعها منه الا الموت, وطلب
منها الصبر,..فالزمن كفيل بتغيير اي شيئ مهما طال انتظاره ! ثمنت جميله مشاعر الأستاذ نحوها,..واكدت له بقتل نفسها ان اجبرت على الزواج من بن عمها او من امحيسن او من اي شخص آخر !!
يسألها المعلم جميل سؤالاً يعرف اجابته مسبقاً,..وهل توافقين ان طلبت يدك من الوالد؟
تستوعب جميله تلك المداعبة,... وتجيبه بغنج او قل بدلال:
هل هناك موجب لمثل هذا السؤال؟
الكتاب يقرأ من عنوانه
تظهر على جميله حالة اكتآب , وتسيل الدموع الملتهبة بنار العشق الكامنه في صدرها اليانع والمكتنز لبركان لا احد يعرف ثورته الا الذي اكتوى بنار العشق!
يلتفت جميل يميناً, ويرى والد جميله مقبلاً نحوهما, وسيماء الفرحة على وجهه,..حيث بانت المسبحة في يده,وراح يلوح بها من على بـعدِ, فينهض جميل ليحيِهِ ويهنأه.
شـرح ابو جميله متاعبه, لحين العثور علي مسبحته,....ثم يستدرك الموقف, ويحد س افكار جميله, ..ويقترح العودة الى الفندق,.. وتتم الموافقة,.... والوداع.
*****
يصل ابو جميله الفندق برفقة ابنته,..ويطلب منها البقاء بغرفتها وعدم فتح الباب لحين عودته من السوق لشراء العشاء,..وتتطيع جميله امر والدها, وما ان تدخل الغرفة حتى تقفل الباب عليها, وتبدأ بخلع ملابسها, وترتدي (دشداشه نوم),.... وتنظر الى نفسها امام المرآة, فقد كستها ( الدشداشه), اللاصقة على جسدها رونقاً, .... وابرزت مفاتن جسمها المتناسق, وزادها جمالاً,.... والشعر الأسود مسترسلاً على كتفها يتوسطه وجهاً كالبدر, وتبتسم بسمة الرضا, لما وهبها الله من جسم متناسق تتمناه كل انثى, ..وتسرح بأفكارها وامانيها لليوم الموعود الذي تقف به بكامل حريتها امام الحبيب بالحلال !
تسمع جميله طرقاً على الباب بلا هواده, ..وتسأل من الطارق, ..اقيساً انت ام والدي؟
يغص ابو جميله بالضحك, ويشعر بسعادة ابنته ويدرك مشاعرها, ويقول لها انا والدك.
ترتدي جميله (الروب) , بسرعة وتفتح باب الغرفة , ويدخل الأب محملاً بما لذ وطاب من المأكولات, ..وتعترض جميله على هذا الأسراف !
تعد جميله المائدة, ويحدثها والدها عن شبابه يوم كان في الخدمة العسكرية, والنظام
الواجب اتباعة في كافة مرافق الحياة,.. ويغدق عليها المديح لثقافتها المعمقة,....ويعترف الآن بما كان يسمعه في المعسكر,..بأن المرأة نصف المجتمع,.... وما من معين للرجل سوى المرأة اذا ما وجهت التوجيه الصحيح, ومنحت نفس حقوق الرجل !
16
يستمر الحديث بينهما, وجميله ترفع ما تبقى من الطعام,... ثم يخرج ابوجميله علبة السكاير,.. وتنبهه جميله وتذكره بوعده بترك التدخين!
يبرر ابو جميله رغبته بالتدخين لحل مشكلتها التي صارت تؤرقه بأستمرار!...فتضك جميله, وقالت له السيكارة لا تحل المشكلة, ..وطلبت منه التفكير بهدوء والسير بالطريق الصحيح حتى الوصول الى شاطئ الأمان انشاء الله.
*****
تنهي جميله عملها, وتتناول كتابها لتكمل المذاكره,..وتترك والدها مستلقياً على فراشه, وبعد دقائق تشعر بنومه, ..فتغلق المصباح الرئيس, وتكتفي بمصباح المنضده,....وما ان انتهت من المذاكرة, حتى استلقت على فراشها,..وغطت في نومها.
تسمع جميله بعد منتصف الليل شخير والدها بقوة, فترتبك وتحاول ايقاضه, ولم تفلح, فيصيبها الهلع, وتسرع الى مكتب الفندق,... وتطلب منه استدعاء الأسعاف,..وبعد فترة وجيزة, تصل سيارة الأسعاف, وينقل ابو جميله بصحبتها ,....الى المستشفى,... وتشرح جميله للطبيب الخفر عن نوعية الأكل التي لم يتعود على تناوله,..وبعد التأكد من الضغط ودرجة الحرارة, يطمأن الطبيب من صحة المريض,..ويأمر بعمل حقنه في ( الشرج), للتخلص من الأكل المتكدس في المعدة,.. ويأبى ابو جميله عمل ذلك,..ويعتبره عاراً, الا ان الطبيب يأمر الموظف الصحي والممرضة بتنفيذ الأمر,وهدده بالشرطه ان لم يتم ذلك فوراً,..فأذعن ابو جميله للأمر ..واستسلم , .بعد ان خرجت جميله من الغرفة,...واغدقت الشكر للطبيب الخفر,..على تفهم نفسية والدها لمثل تلك الأمور!
يعود ابوجميله الى حالته الطبيعية, ويشكر الطبيب ويهم بمعانقته ويبدي مشاعرالأمتنان الى الممرضة والمعين, ..ويبتسم الجميع للموقف الكوميدي اثناء ادخال فوهة الحقنه في (شرج), ابو جميله وهو يصرخ, (اتخسه...أتخسه.... آني ابو جميله), وهكذا يتم الوداع, ويطلب الطبيب الخفر اعادة ابو جميل وابنته الى الفندق بسيارة الأسعاف.
*****
في صباح اليوم التالي تخرج جميله مسرعة الى مركز الأمتحان, ...وتلتقي مع جميل في مكان ما قرب القاعة الأمتحانية ,.. ويسألها عن احوالها وتحدثه بأيجازعن ما اصابهم ليلة امس,..فيهون عليها الأمر ويطلب منها التركيز على الأجابة, وانتظاره خارج القاعه بعد انتهاء الوقت المخصص للأمتحان لكي يرافقها الى الفندق والأطمأنان على العم !
يتم اللقاء, وتشرح جميله بصورة مفصلة ما حل بهم ليلة امس,..وحمد جميل الله على سلامة عمه ابو جميله,.....ثم راح يشرح لها مضار الأكل الدسم ,.... وفي الطريق عرج على مطعم كباب شوي,.. وطلب نفرين سفري,..ثم تابعا سيرهما الى ان وصلا الفندق. تدخل جميله غرفتها ومن خلفها جميل وهو حاملاً للكباب الشهي, ..فينهض ابو جميله مرحباً بهما, ويشكر جميل على رعايته لأبنته, ..وبعد المجاملات, يستأذن جميل للخروج ويعلمهم ان الأكل لهما فقط,... لآن اكله في مطعم خاص على حساب وزارة المعارف.

17
تنهض جميله لتوديع الأستاذ وتعلم والدها عن اللقاء مع جميل عصر اليوم ليستذكرلها مواضيع يوم الغد, في نفس مكان الأمس,..فيبتسم الأب, ويفهم ما وراء هذا المخطط !
وصل الأستاذ جميل في الموعد المتفق عليه,..وابدى قلقه على تأخر جميله, ودب القلق عنده,..وتخوف من عدم حضورها, بسبب الوعكه التي المت بأبي جميله, ولكن وبعد عدة دقائق, بزغ القمر, واسترد انفاسه, وهرع نحوها, وقابلته ببسمة,.. وكاد ان يحتضنها لولا رجاحة عقله, ....ويكتفي بتبادل كلمات الترحاب المفعمة بعبارات الشوق والغرام, وراح
يردد اغنية عراقية شهيرة:
اليوم ,..يوم الهنا,..منو اسعد مني انا؟!
انهمك الأستاذ وتلميذته بالمذاكرة,..ويتخللها بعض الأحيان تعليقات غراميه,..الى ان اطمأن الأستاذ على استيعاب تلميذته للمقرر.,...ثم تطلب جميله العودة الى الفندق,.. وفي طريق العودة, اشترى جميل العشاء لها ولوالدها واوصلها الى باب الفندق وودعها.
يتكرر اللقاء ويفاتح جميل والد جميله لخطبتها, وعقد القران في المحكمة الشرعية في الناصرية, ...حتى لا يتسرب الخبر الى اسماع امحيسن او بن عم جميله,..وفي اليوم الأخير للأمتحان,.... يتم كل شيئ ويشتري جميل تذاكر السفر بالقطار الى بغداد لأتمام مراسيم الزواج في بيت العائلة, ويعود الأب الى القرية,..غير مبالي بكل التقولات, ولن يهاب التهديدات, فجميله اختارت الشخص المناسب وسوف تعيش معه بعيداًعن القرية. يصل العرسان الى بغداد وتتم مراسم الفرح ويزفان الى عش الزوجية في دار والد جميل,.. وتعم الفرحة اسرة والد جميل,..ويودعون العروسين لقضاء تلك الليلة السعيدة وحدهما حتى صباح الغد.
لم تتم فرحة العائلة,..ففي الصباح الباكر جلب والد جميل الكيمر والكباب المشوي لفطور العروسين,... وكانت المفاجأة القاسية او قل الطامة الكبرى, ..فما ان وصل والد جميل الدار, دق جرس الباب عشرات المرات ولا من مجيب,...فأقترحت والدة جميل فتح الباب بالمفتاح, وان لا يزعج العرسان, بدق الجرس, وليتركهما ينعمان بنومهما!!
بعد فترة من دخول الوالدان بهو الدار, راح ابو جميل يطرق باب غرفة العروسين مرات عديدة,. وبدأ القلق على الأم وراحت تصرخ وتطرق باب الغرفة بعنف,. ..ولكن من دون جواب!!
هرع الجيران على صوت الأستغاثة, وتجمهروا في بهو الدار, واقترح احدهم كسر الباب,.... وما ان فتحت الباب عنوة حتى تبين ان العروسين قد فارقا حياتهما !!
حضر الأسعاف والشرطة واكدوا الوفاة وباشروا بالتحقيقات وفتح محضر بهذه الحادثه واكد والد جميل عدم وجود اي سرقة, كما ان التحقيقات الأولية لم تظهر اية علامة او اثر يبين اسباب الجريمه ,..... وان الوفاة طبيعية !!


18
الا ان سوء حظ امحيسن ,..جعل البعض يشير له, بأصبع الأتهام,... بسبب قدراته على تنفيذ اعمال خارقة للطبيعة,....كما اشار البعض الآخر الى بن عم جميله,.. بسبب تهديده بالقتل لمنع هذا الزواج,...الا ان التحقيق اثبت وجوده في القرية اثناء وقوع الجريمة !!
اتصل والد سرحان بأخيه,. وقص عليه موت جميله ابنة فراش المدرسه وزوجها المعلم جميل ليلة زواجهما في دار والد جميل في بغداد, و طلب منه اخفاء امحيسن عن الأنظار وابعاده عن بغداد, حيث ان والد جميله وبن عمها اتهموا امحيسن وأهدروا دمه
علم امحيسن بالحادث, وحزن حزناً عميقاً,..واراد تسليم نفسه, الا ان عمه منعه من ذلك, يسبب معرفته لقضايا الثأر,... وطلب من امحيسن مغادرة بغداد الى اي قرية في كردستان العراق,.. والعمل هناك حتى يظهر التحقيق النتيجة,.....فأذعن امحيسن لأمر عمه ووالده,....وغادر ليلاً مرتدياً زي الأكراد الى قرية نائية في شمال العراق !
*****
استقر امحيسن في تلك القرية ,..وحاول العمل في بعض المهن ولم يوفق,... بسبب عدم معرفته للغة الكردية,..ولذا اشترى عربة حمل,..وصار حمالاً عصرياً,..وكسب من مهنته الجديدة مالاً كثيراً,..واتقن اللغة الكردية, وبرزت سمعته بين اهالي القرية , الا ان ذلك لم يدم طويلاً, ....فالنحس رفيق امحيسن المخلص !!
وفي احد الأيام دفع القدر له زبوناً من ذوي الجاه في المدينة,..وطلب منه نقل كنتور مستورد ويحتوي على مرآة كبيرة, ..من محطة السيارات الى داره العامرة.
نفذ امحيسن العمل, ... وفي لحظة حرجة اراد فيها ان يتجنب اصطدام طفل صغير خرج من بيته ليعبر الشارع مسرعاً,..فأنحرفت العربة وسقط الكنتور,..وتهشمت المرآة وزاغت روح" كاكه حمه ",..وفقد صوابه, وانهال ضرباً على امحيسن,..ودارت معركة انتهت بسجن امحيسن لعدة اشهر, ...ولم يرغب بأعلام اياً من معارفه,... حتى لاينكشف امره,..ويعلم اهل جميله بمكانه.
قضى امحيسن مدة محكوميته,....وتحرى عن قضية جميله وزوجها,....وقيل له ان التحريات اثبتت ان الوفاة كانت طبيعية,..ولم توجه التهمة لأي احد, كما ان بن عم جميله قتل عمه ابو جميله, مدعياً مسؤليته لما حصل لجميله, وانه لم يسمع ( نهيه),.. وزوجها لرجل غريب عن القرية,..وعلى اية حال, حكم عليه بالمؤبد منذ شهرين,... واخذ الضوء الأخضر بالعودة متى يشاء, فحمد ربه وقرر العودة الى بغداد.
*****