فوزي القاوقجي ومعركة مشمار هعيمق*
(4-4-1948)

وجدي حسن جميل

كانت معركة 'مشمار هاعيمق' (في الطريق بين اللجون – مجدو وحيفا) من اهم المعارك بل وباعتقادي من اهم المعارك المفصلية في حرب 1948 في منطقة مرج ابن عامر وشمال فلسطين خاصة بل وفي معارك سنة 'النكبة' بمجملها , وكان لنتائجها تأثير سلبي خطير على سير المعارك وبالاحرى على 'معنويات' الاهالي وابناء شعبنا العربي الفلسطيني , سيما وانها تزامنت مع مذبحة دير ياسين ومع استشهاد القائد الفلسطيني عبد القادر الحسيني في معركة القسطل .

ومستوطنة مشمار هاعيمق كانت المستوطنة اليهودية الوحيدة في المنطقة التي لا اتصال بينها وبين المستوطنات اليهودية في المرج , كما انها كانت تشرف على الطريق الرئيس المؤدي الى حيفا.
وتكاد تجمع المصادر العبرية ان فوزي القاوقجي الطرابلسي – قائد ما اصطُلح على تسميته 'جيش الانقاذ' العربي – وهو باعتقادي ليس اكثر من مجرد قوات متطوعة غير نظامية- اراد بهجومه على مشمار هاعيمق ان يقطع الطريق الى حيفا وبالتالي الوصول بقواته اليها واحتلالها.وهو أمر فيه شك كبير خاصة اذا عرفنا ان 'نية استعراضية اعلامية' كانت تقف من وراء هذا الهجوم المخطط والمتفق عليه كما سنرى لاحقا.
وقد ذكر القاوقجي – قائد القوات في مذكراته ان قصده من وراء الهجوم كان :
'التحقق بنفسي من مناعة المستعمرات ومدى مقدرتها على الدفاع بالنسبة الى مدفعيتنا'. وليس احتلال حيفا , وهو ما يؤكد استعداد قائد قواته الميداني في مشمار هعيمق عقد هدنة مع 'المستعمرين' حتى 15 ايار – انظر لاحقا.

يذكر القاوقجي في مذكراته انه اختار 'الساعة الخامسة من يوم السبت في 4 نيسان موعدا للهجوم , ذلك لان هذا اليوم , عدا انه سبت , كان عيدا عند اليهود ', الا انه ومع توكيده على اختيار هذا اليوم الاستراتيجي لمعركته نسي امرا واحدا هاما جدا وهو ان 4 نيسان صادف يوم الاحد وليس السبت ......
وقد نظم القاوقجي قواته وبضمنها مقاتلون من ام الفحم والقرى التركمانية في المرج وبعض المقاتلين من قرى يعبد والمنطقة , تنظموا في قرية المنسي , ومعهم الكثير من العتاد والرجال شملت :- 3 مصفحات و6 مدافع ميدانية و5 مدافع هاون , حسب شهادة العرب. و 2000 مقاتل , 3 مدافع قاذفة و 6 مصفحات و 4 مدافع ميدانية , بشهادة مردخاي بنتوب احد المدافعين عن مشمار هاعيمق , فيما يقول بن غوريون في يومياته انه كان لدى القاوقجي : 7 مدافع و 12 سيارة مصفحة و3 كتائب في كل واحدة منها 700-900 رجل .
نُصبت المدافع على تل الاسمر القريب من اللجون باتجاه المستوطنة وبدأت منذ الساعة الخامسة مساء الرابع من نيسان 1948 قصفها 'الكثيف' على المستوطنة واصابت المدفعية مدرسة المستعمرة ظنا من المهاجمين انها مقر القيادة , واستمر الهجوم والقصف مدة ثلاثة ايام وقوات القاوقجي لا تتحرك بجموعها باتجاه احتلال المستوطنة – اللهم سوى محاولة خجولة من بعض المقاتلين الذين وصلوا الى السياج المحيط بالمستوطنة التي لم يكن بها عدد كبير من المقاتلين وكانت ضعيفة التحصين .

اعتقد الاهالي ان المستوطنة دُمرت نتيجة لهذا القصف المدفعي 'المكثف' , واستعدوا للحصول على الغنائم , الا ان احد المشاركين من ابناء منطقة ام الفحم بالمعركة يضيف :'ولكن يبدو ان القذائف كانت مجرد قذائف صوت فقط , لانه عندما اقتربنا من سياج المستوطنة لم نجد أي اثار للدمار فيها'.واكد ذلك تقرير الضابط البريطاني 'بيل' الذي ادار المفاوضات بين الطرفين – انظر لاحقا- حيث قال في تقرير ان 'اصابات المدافع لم تكن دقيقة ', بل اكثر من ذلك فهو ينقل عن قائد القوات العربية الميداني – مهدي بيك صالح – قوله ان الاخير تعمد ان يكون اطلاق القذائف المدفعية في محيط المستعمرة وليس عليها مباشرة'.
...يذكر اهالي قرية المنسي ان قوات القاوقجي بدأت في الثانية عشرة من ليلة الهجوم الاولى زحفها نحو المستعمرة ولكن وبشكل مفاجىء تعالت الصيحات : الانسحاب , الانسحاب, لا تدخلوا المستعمرة , الباشا يأمركم بالانسحاب '.

ويؤكد مردخاي بنتوف هذا الامر ويقول ان بعض قوات القاوقجي حاولت التقدم باتجاه المستعمرة الا انه تم ردهم بسهولة بعد ان اُطلقت عليهم نيران من اسلحة خفيفة, رغم ان عددهم كان كبيرا جدا' .
فيما يقول القاوقجي في مذكراته ان قواته استطاعت اقتحام المستعمرة , ورفع العلم العربي عليها – كما ذكرت الصحف العربية- الا انه أمر الجنود بالتوقف عن الهجوم ويضيف :
'ولما ايقنت ان ليس هناك اية حيلة , وان المستعمرة غلبت على امرها فعلا , حرصت على ان لا يأتي الجنود –يقصد العرب- باعمال التقتيل في النساء والاطفال , وامرتهم بالانسحاب الى التلال المحيطة بالمستعمرة , والمتحكمة فيها الى ان ينقضي الليل'.
بعد ثلاثة ايام من القصف والحصار بدت بوادر للتفاوض بين الطرفين , وقد ذكرت احدى المصادر الاسرائيلية ان قواتها عثرت في مقر شرطة اللجون بعد احتلالها على ملاحظة مؤرخة في يوم 6-4-1948 في كتاب يوميات المركز - باللغة الانجليزية - مفادها ان ضابطا من جيش الانقاذ حضر للمركز وبحوزته مكتوب شخصي من القائد القاوقجي (للانجليز) يطلب فيه ان يفاوض الضباط الانجليز اهالي مشمار هاعيمق على وقف اطلاق النار ,ويضيف كاتب اليوميات:وفعلا قمنا بنقل هذا المبعوث الى مقر القيادة البريطانية في جنين'.ما يعني ان طرح فكرة التفاوض كانت من طرف 'المهاجم' القاوقجي ولم تأت من طرف 'المهزومين' – اهالي المستعمرة- .

وفي السابع من نيسان حضرت 'قوة انجليزية تعدادها 30 دبابة' بقيادة ضابط انجليزي الكولونيل السير س.أ. بيل قائد القوات البريطانية في لواء الجليل – الحقيقة انهما كانتا دبابتان فقط - ودخلوا قرية المنسي وطلبوا الاجتماع مع المسؤول عن جيش الانقاذ' - مهدي بك صالح العلي ,كما تعارف الاهالي على تسميته , - وهو محمد مهدي بك صالح قائد فوج القادسية في 'قوات الانقاذ' ,وكان حينها عند القاوقجي بالقيادة , فأنتظره الكولونيل 'بيل' حتى وصوله في الواحدة والنصف .
'وتكلم الكولونيل البريطاني فحاول ان يضع في كلامه شيئا من التهديد, للمقدم مهدي اذا هو لم يفك الحصار عن المستعمرة, فلم يبال المقدم مهدي بتهديده وافهمه انه ينفذ الاوامر ', هكذا كتب القاوقجي في مذكراته عن المباحثات , غير ان الكولونيل 'بيل' كتب في تقرير منشور له عن هذه المفاوضات ان مهدي صالح قال له انه جاء لهذه البلاد ليحارب وليس من اجل الاكل , واضاف انه يوافق على وقف لاطلاق النار حتى 15 من شهر ايار القادم – موعد انسحاب القوات الانتدابية- ولكن عليه ان يضمن عدم اعتداء اليهود على القرى العربية المجاورة وعلى تنقل حر على شارع جنين – حيفا .

وفعلا , ففي صباح السابع من نيسان حضر الضابط الانجليزي يرافقه مندوبان عن مشمار هاعيمق هما مردخاي بن طوف ومختار المستوطنة آرييه ديامنت الذي اطلق عليه ابناء القرى المجاورة اسم 'الخواجة سليم شوفير' , حضروا الى قرية المنسي- مقر قوات الانقاذ , وبدأوا المفاوضات حول وقف لاطلاق النار لمدة 24 ساعة ,حسب الرواية اليهودية ,ومفاوضات للاستسلام حسب الرواية العربية .
يقول السيد شفيق احمد خميس من قرية المنسي ان مختار مشمار هاعيمق وصل الى المنسي 'ووقع شروط الاستسلام لقائد فوج القادسية - مهدي صالح العلي ,ويؤكد ذلك السيد عبد اللطيف عبد الجواد , حيث يقول ان قادة اليهود طلبوا الهدنة وتم الاتفاق على سحب المصابين والاطفال والنساء وتسليم المستوطنة بعد ذلك . وذكرت جريدة الدفاع الصادرة في 8-4-1948 ان :

' مختار مشمار هعيمق تسلم شروط الاستسلام مطأطئ الرأس '.
وقد اشترط المختار انسحاب القوات العربية المرابطة عند مدخل المستعمرة وفك الحصار عنها, وبعد اربع وعشرين ساعة تُسلم المستعمرة الى جيش الانقاذ خالية من سكانها ', وفقا للمصادر العربية.
اما بن طوف – وهو من اهالي مشمار هعيمق - فيذكر في كتابه 'ايام تتكلم , ذكريات من الفترة الحاسمة' ,ان الكولونيل الانجليزي س. أ. بيل 'قدم ثلاثة اقتراحات :
1- ان نتعهد بعدم مهاجمة القرى العربية في حال انسحاب قوات اليرموك- التابعة لجيش الانقاذ - منها.
2- عدم التعرض لقوات اليرموك عند انسحابها من قرية ابو شوشة والقرى المجاورة.
3- اقترح ايضا اخراج النساء والاطفال من مشمار هاعيمق .
وذكرت بعض المصادر ان الضابط الانجليزي ذهب بعدها ليجتمع مع الباشا- القاوقجي- في قرية جبع – جنين- حيث كان مقر قيادته, الامر الذي ينفيه الضابط المذكور في تقريره حول المعركة , مؤكدا انه اجتمع اضافة الى مهدي صالح مع ممثل للقاوقجي – اطلق عليه اسم علي بيك - حضر قرية المنسي من اجل التفاوض على وقف النار مع مشمار هعيمق. ويضيف ان خلافا واضحا وقع بين مهدي والقاوقجي 'الذي وبخ المقدم –مهدي-' مضيفا انه – أي مهدي – ترك مكان التفاوض غاضبا بعد ان صرح ممثل القاوقجي ان للاخير – أي للقاوقجي - فقط حق القرار النهائي في المفاوضات .

وفي اليوم التالي اصدر القاوقجي – 'القائد المظفر' وفقا لجريدة فلسطين في عددها الصادر يوم 8-4-1948, انذارا لاهالي مستعمرة مشمار هعيمق جاء فيه :
'اطلب منكم الكف عن الاعتداءات التي عاد رجالكم الى القيام بها على السيارات المدنية المارة على الطريق العام , كما اطلب عدم التعرض للقرى العربية المجاورة , واني انذركم بان كل عمل عدائي يظهر من مستعمرتكم يعرض المستعمرة للتدمير الكامل هذه المرة ويعرض سكانها للفناء .
'لقد امسك رجالي يوم الحملة التأديبية (يقصد يوم 4-4-1948) عن الدخول للمستعمرة والتغلغل فيها حرصا على حياة النساء والاطفال ليس الا, وخلافا لما تذيعون , ولو شئت لمحت قواتي مستعمرتكم محوا ولساقت اهاليها كلهم الي , فقد كان هذا في قبضتي يوم المعركة.
'اياكم والاغترار بقواتكم المهيجة وبقوة من يجاوركم من مستعمرات يهودية وعليكم ان تعيشوا عيشة سلمية فاذا فعلتم امنتم على اموالكم وعيالكم , واما اذا بلغ بكم الغرور واعتديتم من جديد على الطرقات والقرى العربية المجاورة , جئتكم ثانية لاقضي هذه المرة قضاء تاما على مستعمرتكم وكل من فيها تدميرا وافناء. وقد اعذر من انذر'.

وقالت جريدة الدفاع ان سكان مشمار هاعيمق طلبوا تمديد وقف اطلاق النار مرة اخرى واضافت ان : 'القاوقجي قبل توسل مختار المستعمرة ووافق على تمديد آخر'. وتسلم مبلغ 15 الف جنيه مقابل وقف الهجوم وفقا لرواية شفوية اخرى لم نتاكد من صحتها من أي مصدر آخر.

اخذت القوات العربية المرابطة عند مدخل المستعمرة بالانسحاب وتم نقلها بواسطة احد باصات ' شركة اللجون للباصات'. وقد ابدى العديد من ابناء المنطقة وخاصة ابناء ام الفحم والقرى المجاورة استغرابهم من قرار الانسحاب وفك الحصار حول مشمار هاعيمق , فيقول السيد يوسف المحمود محاميد ان القوات العربية كان بأمكانها ان تحتل المستوطنة لو ارادوا ذلك' . ويضيف ان الضابط الانجليزي الذي حضر - برفقة ضابط اردني- الى قرية المنسي جاء ومعه امر من الملك عبدالله بالانسحاب والا سيتم ضرب قوات القاوقجي . ويضيف بعض اهالي قرية اللجون المهجرة ان الامير نايف وجلوب باشا – ابو حنيك - حضرا الى اللجون وأمرا القاوقجي بالانسحاب. وهذا امر لم نستطع التأكد منه بعد من مصادر بحثنا هذا .

ويحدث السيد محمد حسن عبد الخالق انه كان شاهد عيان على المحادثة التي جرت بين الامير نايف وبين القاوقجي , هذه المحادثة التي جرت على ارض قرية اللجون في منطقة 'قفا الخان' (من اراضي اللجون – حيث يقوم الان مطعم العجمي) وفيها طلب نايف من القاوقجي باسم الضابط الانجليزي ان ينسحب من مشمار هاعيمق والا ستقوم القوات الانجليزية بضرب قواته في شمال فلسطين , ويضيف ابو عاطف انه سمع القاوقجي يقول للامير نايف :'قل للضابط الانجليزي انني لن انسحب لان هذه بلادي وليست بلاده واذا ما قامت قواته بالتعرض لقواتنا فاننا سنرد عليه الحرب الصاع صاعين' !!

اما السيد محمد يوسف شريدي فيقول : 'فجأة بدأت القوات العربية بقيادة القاوقجي تنسحب الى اللجون ... وظهر الموقف كمؤامرة حيث قامت قوات 'الهاجانا' بالهجوم عليهم والقوات العربية تعود بهدوء بعد ان اخذت امرا بذلك من القيادة العليا '.
ويقول السيد سعد الصالح من المنسي : 'بعد انتهاء الاربع والعشرين ساعة, فوجئنا بانسحاب جيش الانقاذ انسحابا كاملا خلال الليل, وبهجوم عصابات الهاجانا على قرية ابو شوشة.

لم يكن العرب وحدهم هم الذين استغربوا واستهجنوا هذا الانسحاب بل ان اليهود - المدافعين عن مشمار هاعيمق استهجنوا ذلك ايضا,فقد جاء في كتاب 'شجرة ورمح' الذي يروي قصة وحدة جولاني في حرب 1948, ان:
'يد العدو كانت العليا ... ولكن حدث الامر غير المتوقع : بدأ العدو بالانسحاب من كل المواقع... واصبحت المنطقة من مشمار هاعيمق وحتى اللجون خالية من قوات العدو'.
اما بنطوف فيقول في مذكراته ان قوات القاوقجي هربت من امام القوات اليهودية ورفع خطر الهجوم على حيفا.

فيما يقول بن غوريون في يومياته ان :'القاوقجي ضرب كما يليق .... واما سبب هزيمة القاوقجي حسب بن غوريون فكان:'انعدام فكر عسكري وعدم قدرة العرب على الصمود في معركة عسكرية ...'
ولعل من احد اهم التفسيرات الاساسية لهذا الانسحاب ومن ثم الفشل, بل وتفسير ما حدث في العديد من المعارك غيرها يعود اولا لنوايا وطموحات القاوقجي نفسه , ثم الى ذلك اللقاء السري الذي جمع بين القاوقجي وبين يهوشع بلمون – رجل المخابرات اليهودية – شاي- في نور شمس بداية شهر نيسان من نفس العام , وفيه تم الاتفاق بين الطرفين على 'دور قوات القاوقجي' بالمعارك كافة وحاجة الاخير ل 'نصر' دعائي بمعركة 'كبيرة' يُذكر فيها اسمه مقابل 'تقاعسه' عن امداد العون العسكري للقوات التابعة لمفتي فلسطين الحاج امين الحسيني,وخاصة قوات الشهيد عبد القادر الحسيني التي كانت في هذه الفترة تخوض غمار معارك القدس وخاصة معركة القسطل , ناهيك طبعا عن عامل هام آخر في تفسير ما جرى الا وهو دور الاردن وقواته بقيادة جلوب باشا (ابو حنيك) ومن ورائه سياسة وطموحات ومشاريع الملك الاردني عبدالله بن الحسين في سير المعارك بحرب النكبة ونتائجها وخاصة تلك المعارك التي وقعت في المنطقة التي حُددت وفق قرار التقسيم 'دولة لليهود'.

.....بانتهاء المفاوضات نظم الانجليز اخراج النساء والاطفال (300طفل) والمربيات من مشمار هاعيمق ,واستغل اليهود دخول الحافلات الانجليزية لادخال 50 عاملا من شركة سوليل بونيه الاسرائيلية للمساهمة في تحصين المستوطنة.
'استغل اليهود فرصة الهدنة واخرجوا اطفالهم ونسائهم وبدأوا بالحصول على التعزيزات الكبيرة من قوات الهاجانا تمهيدا للهجوم المضاد' , واتخذ قرار بمهاجمة القرى العربية وطرد اهلها منها , ويقول مؤلف كتاب 'لواء الاسكندروني في حرب الاستقلال' , ان اولى قوات التعزيز وصلت الى المستوطنة في اول ليلة من ايام القتال ومرت من منطقة المرج - التي كانت تسيطر عليها قوات القاوقجي , ويضيف هذا الكاتب متسائلا ومستغربا :
'لقد مرت هذه القوات من الحقول - في المرج- ولسبب ما لم يعترض العرب طريقها ... '.
وقد اكد لنا العديد ممن شاركوا في المعركة - صحتها ولكنهم عجزوا عن ايجاد تفسير لذلك.

وتزامنا مع بدء انسحاب القوات العربية بقيادة القاوقجي باتجاه اللجون, اخذت القوات اليهودية المعززة التي وصلت بقيادة 'دان لينر' - الماني غير يهودي – واورئيل لين وموشيه مين وحاييم افينوعم وبقيادة عليا ليتسحاق سديه , باحتلال وهدم القرى العربية التركمانية بالاساس ,الغبيا التحتا والفوقا وخربة بيت راس ,وقرى ابو زريق وابو شوشة اضافة لقرية الكفرين بعد قتال عنيف شهدته ودفاع مستميت.
وعبثا حاولت قوات من ثوار ام الفحم ورمانة واليامون وعرابة وسيلة الظهر والسيلة الحارثية وصانور وبرقين ويعبد نجدة قرى المنطقة وبالذات نجدة اهالي ابو زريق ,حيث وقع اشتباك قوي جدا بشهادة المصادر العبرية مع قوات الهاجانا التي قامت بهدم بيوت القرية بعد ان اقترف المهاجمون مجزرة رهيبة بالقرية راح ضحيتها الاطفال والنساء .

نذكر هنا ان ابناء ام الفحم من فصيل المجاهد الفحماوي علي الفارس محاميد ابلوا بلاء حسنا في هذه المعركة والتحموا بالمقاتلين اليهود بالسلاح الابيض , وذكر بعض رواتنا انهم سمعوا اذاعة القوات اليهودية في تلك الفترة تقول : انه لولا اشرار ام الفحم لاخذنا القاوقجي وقواته'.....

كان فشل الهجوم على مشمار هعيمق مؤشرا وبداية مرحلة سقوط قرى مرج ابن عامر واحدة تلو الاخرى وكانت اولى محاولات احتلال قرية اللجون فلم يمض يوم 13-4-48 , حتى قامت قوات يهودية يقدر عددها بحوالي الف جندي بفرض طوق وحصار حول قرية اللجون محاصرة قوات القاوقجي المنسحبة , 'وجاء 'دب الصوت' الى ام الفحم , فهب الاهالي والثوار (فزعوا) للمساعدة والعون, ووصلوا خلف القوات اليهودية وفرضوا الطوق عليها, مما اضطرهم للانسحاب على جناح السرعة , وهكذا خلص الفحماويون قوات القاوقجي من الطوق' .

انتهت المعركة و'خرج الانقاذ من المعركة سالما منتصرا ' فيما كانت خسائر العدو فادحة جدا '- اقوال القاوقجي ,ويضيف :
'وكان من نتائج معركة مشمار هذه , ان بدأت هجرة يهودية من المستعمرات المجاورة لمشمار تحمل الذعر والفوضى لتنشرها بصورة واسعة حيث يستقر المهاجرون' .
والحقيقة انه لم يسقط من اهالي مشمار هعيمق بهذه المعركة سوى 3 . وكانت النتيجة عكسية تماما , فقد تشردت القرى العربية وانهزمت قواته وانسحبت وجعل جنوده 'بوز البارودة الى اسفل' .وقال قائد القوات البريطانية في فلسطين ان هزيمة القاوقجي هذه كانت سببا رئيسيا في انهيار عرب فلسطين في الشهر الاخير من عمر الانتداب البريطاني.

بقي ان نذكر ان قائد مدفعية القاوقجي 'مأمون البيطار' سقط شهيدا في هذه المعركة – وهو ما نسي ان يذكره القاوقجي في كتاب مذكراته......

*(هذا البحث عبارة عن دراسة مقتضبة من اطروحة دكتوراة يعدها الكاتب في جامعة تل ابيب حول قائد قوات الانقاذ في حرب 1948 – فوزي القاوقجي)

عن موقع رابطة أدباء الشام

مصادر البحث:
وجدي حسن جميل : ام الفحم واللجون رحلة عبر الزمن – الجزء الثاني .
علياء الخطيب: عرب التركمان ابناء مرج ابن عامر.
خيرية قاسمية : فلسطين في مذكرات فوزي القاوقجي.
مردخاي بن طوف 'ايام تتكلم , ذكريات من الفترة الحاسمة'.(عبري)
عتصيوني بنيامين : 'شجرة ورمح'.(عبري)
دافيد بن غوريون: يوميات الحرب. (عبري)
'لواء الاسكندروني في حرب الاستقلال'.(عبري)
ارشيف الهاجانا
جريدة الدفاع
جريدة فلسطين
مقابلات شخصية