بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم
سلسلة تأملات في آيات من القرآن الكريم
الأستاذ الدكتور أحمد محمد عبد الدايم عبدالله
21 ـ قال تعالى: { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72﴾} (الأحزاب) .
حقًّا وصدقًا ما تقول يا ربَّنا؛ أنت خلَقتنا وتَعلم ظاهرنا وباطنَنا، فماذا نقول بعد قولك على الإنسان:
{ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً } ؟
والأمانة في الآية الكريمة عند ابن عباس - رضي الله عنهما - (الطاعة)، أو أنها الفرائض.
وهي (الفرائض) أيضًا عند مجاهد والضَّحَّاك، والحسن البصري.
وهي (الدين والفرائض والحدود) عند قَتادة.
وهي (الصلاة والصوم، والاغتسال من الجنابة) عند زيد بن أسلم.
وظاهر هذه الأقوال يومِئ بأنها تتَّفق حول أنَّ المقصود بالأمانة - التي عرَضها الله على السموات والأرض، والجبال والإنسان - التكليف وقَبول الأوامر والنواهي.
والمعنى بوجه عام أنَّ الله - سبحانه وتعالى - عرَض (الطاعة) أو التكليف على السموات والأرض والجبال، قبل أن يعرضَها على آدم، فلم يُطِقْنَها، وأشْفَقْنَ على أنفسهنَّ من الإخلال بحفظها، ثم عرَضها على آدم، فقَبِلها.
قال ابن عباس عن الأمانة: (الطاعة) عرضَها عليهم قبل أن يعرضَها على آدم، فلم يُطِقْنَها، فقال لآدم: إني قد عرَضت الأمانة على السموات والأرض والجبال، فلم يُطِقْنَها، فهل أنت آخذٌ بما فيها؟ قال يا ربُّ: وما فيها؟ قال: إن أحْسَنت جُزِيت، وإن أسأْتَ عُوقِبْتَ، فأخَذها آدم فحَمَلها، فذلك قوله تعالى: { وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً }.
و{ ظَلُومًا جَهُولاً } من صِيَغ المبالغة في الظلم والجهل.
لقد تفهَّمت السموات والأرض والجبال أمرَ الله، وعَلِمت قَدرها، وأحسَّت أنها لا صبرَ لها ولا طاقة على أداء الأمانة، واختارَت السمع لله والطاعة.
أمَّا آدم، فعلى الرغم من عِلمه من أنه إن قام بذلك أُثيب، وإن ترَكها عُوقِب، فإنه قَبِلها على ضَعفه وجَهده، إلاَّ مَن وَفَّقه الله وأعانَه عليها، اللهمَّ وفِّقنا إلى طاعتك والقدرة على حَمْل أمانتك.
يتبع
عن موقع شبكة الألوكة الشرعية
المفضلات