عداوة اليهود للمسلمين

الدكتور محمد بن لطفي الصباغ

قال الله تعالى : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا } [المائدة: 82]،

أجل، إنهم أشد الناس عداوة للمؤمنين، ولقد كان هذا شأنهم على مر الأيام، وتبدل الأحوال، إنهم يمكرون بالمسلمين، ضعفاءَ كانوا أم أقوياء، أتتهم القوة على حين غفلة من الأمة المسلمة الكريمة.
إن تاريخهم الأسود في العدوان، والدس والافتراء، والغدر والفتك والخيانة - يملأ صفحاتِ الكتب، لقد كانوا أعداء هذا الدِّين منذ أن دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه، فقد خان يهود بني قينقاع العهدَ الذي كان بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم ثم تبعهم في الخيانة والكيدِ يهودُ بني النضير، الذين ائتمروا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك فقد نقض يهود بني قريظة عهود المسلمين يوم الخندق، وكان عاقبة أمرهم خسرًا، وكانوا وراء حدوث الفتنة الكبرى أيام سيدنا علي - رضي الله عنه – وما زالوا على مكرهم، وعدوانهم، وكيدهم حتى الآن.

إنهم كانوا يخططون للقضاء على الخلافة الإسلامية ، وتم لهم ما أرادوا - وا أسفاه! - على يد واحد من يهود الدونما، الذين تظاهروا بالإسلام، وبقوا على دينهم، وهدموا تلك المؤسسة التي كانت قائمة منذ أيام الخليفة العظيم سيدنا أبي بكر رضي الله عنه حتى ما قبل ثمانين سنة، وإنها والله لمن أعظم الكوارث.
إنهم لم يكفُّوا عن إيذاء المسلمين في كل حين، وفي كل مكان.

كنت أسمع من جدتي وأنا صغير تحذيرًا من اليهود ؛ لأنهم كانوا يخطفون الأولاد ويذبحونهم، وقد كان اليهود قلة في دمشق، وكانت رحمها الله تقص علينا قصصًا من مكرهم، وعدوانهم، وفتكهم، كان نفر منهم يجولون في الحارات ينادون ويعرضون رغبتهم في شراء الأثاث، والأدوات، والملابس العتيقة.

وكانت جدتي تذكُر لنا حوادثَ واقعيةً، وقع فيها فلان في أيديهم بعد أن غرروا به، وصحبوه إلى حارتهم، وأغروه بما يرغب في الحصول عليه، فلما دخل بيت أحدهم، إذا به يسمع أنين مسلم مكبل، يعدونه إلى الذبح وأخذ دمه، ولكنه عندما سمع ما سمع، رجع وهرب، وكان قويًّا مسلحًا، فنجا وقصَّ على أهله قصته، فكنت أستغرب ذلك.

ويبدو أن هذا التحذير من الأهل للأولاد كان في حلب أيضًا، فقد قرأت في مقدمة أستاذنا الشيخ مصطفى الزرقا التي كتبها للكتاب الذي حققه، وهو: "الكنز المرصود في قواعد التلمود"[1]، وقد ترجمه من اللغة الفرنسية الدكتور يوسف حنا نصر الله.
قال الأستاذ الشيخ مصطفى الزرقا في مقدمته للكتاب ما يأتي: لما كنا أطفالاً في مدينة حلب، موطني الأول من بلاد الشام (سورية)، كنا نسمع الأمهاتِ يمنعن أولادَهن الصغار من الخروج خارج البيوت وحدهم، ويحذرنهم بأن اليهود يخطفون الأطفال خفية، ويأخذونهم إلى حيث يستنزفون دماءهم، وفي يفوعتنا كنا نتلقى التوصيات بأن لا يمر أحدنا في حارة اليهود منفردًا، وأنه إذا مرَّ فيها أحدٌ منا، فدعاه يهودي لدخول بينه لإيقاد النار لهم؛ بحجة أنهم لا يمسون النار يوم السبت، فيجب ألاَّ يدخل؛ حذرًا من أن يغدروا به، فيقتلوه باستنزاف دمه.

فلما كبرنا ووعينا، كنت أتذكر هذه التخويفات، التي كنا نتلقاها في طفولتنا الأولى وفي يفوعتنا، وأنتقدها وأعدها من الجهالات في أساليب التربية التي درسنا قواعدها الحديثة وأصولها، ومن قبيل إساءة الظن بمواطنين من الأقلية الصغار المساكين.

حتى وقع إليَّ منذ سنوات مجموعة الأستاذ أسد رستم (أستاذ التاريخ الشرقي في الجامعة الأمريكية ببيروت، الذي توفي[2] من بضع سنوات)، التي جمع فيها بعض وثائق تاريخية تتعلق بتاريخ سورية في زمن إبراهيم باشا المصري من سنة 1247 - 1255هـ، ونقلها عن سجلات المحكمة الشرعية بحلب، وأنطاكية، وحماة، ودمشق في سنة 1927م، فإذا به يفتح الجزء الخامس منها بقصة خطف اليهود في دمشق للقسيس الفرنسي الجنسية المسمى: الأب البادري توما، وخادمه إبراهيم عمار، وذبحهم إياهما، وإرسال دمهما إلى كبير الحاخامين؛ ليدخلوه في خبز الفطير الذي يوزعه الحاخامون على الأسر اليهودية في عيد الفصح السنوي.
وينقل الأستاذ أسد رستم من سجلات المحكمة التي حاكمت الفاعلين من الحاخامين وسواهم - محاضرَ جلساتها ووقائعها، وينشرها في كتابه المذكور حرفيًّا، وتصويرها بصورة زنكو غرافية لأول هذه المحاضر بالخط المدون به في سجلات المحكمة، وذلك في عهد إبراهيم باشا المصري وحكمه في سورية.
فقرأت القصة مذهولاً من التفاصيل التي فيها، وأنا أفرك عيني بين الحين والحين؛ خشية أن أكون في منام وأحلام! حتى إذا لم أجد في اليقظة شكًّا، رجعت إلى ذاكرتي عن أخبار الطفولة، ورأيت أن ما ظننته من تخويف الأمهات وتحذيرهن جهلاً بأصول التربية، أو إساءة ظن بمواطنين ذوي مسكنة - كان هو الحقيقةَ الواقعة، وأن ظني هو الغرارة والجهالة.

وكانت نتيجة المحاكمة الحكم بالإعدام على عدد من الحاخامين المشتركين في ترتيب الجريمة، وعدد من اليهود الرعايا المنفذين لها، هذا ما أورده الأستاذ رستم.
أما مصير الحكم بالإعدام على المجرمين القتلة، فقد بيَّنه هذا الكتاب "الكنز المرصود"، وكان مصيرًا مؤسفًا، خلاصته أن أناسًا من كبار أغنياء اليهود "المتنفذين" في أوروبا تداعوا لإنقاذ المحكوم عليهم، وأرسلوا مندوبينِ اثنين من فرنسا إلى مصر، فاتَّصلا بالخديوي محمد علي باشا، فأصدر فرمانًا بالعفو عن القتلة المحكوم عليهم.

لقد نُزعت الرحمة من قلوبهم، فأضحت قاسيةً كالحجارة؛ بل هي أشد قسوة، وقد وصفها ربنا - سبحانه - بذلك، فلقد رأوا الآياتِ الكثيرةَ، ومنها إحياء القتيل بضربه ببعض البقرة التي أُمروا بذبحها، فلم تلِن قلوبهم، ولم تخشع، ولم تتأثر بالحق؛ يقول الله - عز وجل -:
{ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}(البقرة) .

إي والله، إن قلوبهم أقسى من الحجارة، فلقد رأينا ذلك ماثلاً أمام أعيننا على شاشات التلفاز هذه الأيام، أيام عدوانهم على أهلنا في غزة الصامدة الباسلة، رأينا ما لا يحتمل صاحبُ القلب الرقيق الرحيم أن ينظر إليه.
وقد قص علينا ربُّنا - جل ثناؤه - ما يدل على أن الكفر، والجحود، والعصيان في أعماق قلوبهم، إنهم رأوا كيف ضرب لهم موسى عليه السلام طريقًا في البحر يابسًا بأمر من الله، فسلكوا هذا الطريق ونجوا وغرق عدوهم؛ يقول – تعالى -: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)}(طه).
فرأوا كيف حقق الله لهم النجاة، فما أن أتوا على قوم يعبدون الأصنام، حتى طَلبوا من موسى أن يجعل لهم إلهًا يعبدونه من دون الله؛ قال تعالى :
{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)}(الأعراف).
إن ما شاهدنا من وحشيتهم وهمجيتهم في هذه الأيام يذكِّرنا بتاريخهم الأسود في بلادنا، وفي كل بلد حلُّوا به[3].

إن دأب اليهود تأجيج الفتن، وسفك الدماء، وإفساد الأفكار والأخلاق، فهم يفسدون في الأرض، ويُتَبِّرون تتبيرًا، كما ذكر ربنا تبارك وتعالى في سورة الإسراء [4].
نعم، قضَوا على الخلافة، وإنها لمن أكبر الكوارث التي حلَّتْ بالمسلمين، ثم تلاها إقامة دولة لليهود في قلب بلاد المسلمين؛ ذلك أن الكفار لما رأوا تباشير صحوة إسلامية، سارعوا إلى إقامة هذه الدولة في أرضنا، الأرض المقدسة؛ لتكون محققة لمصالحهم، ومخلبًا للعدوان على المسلمين، فكريًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، وتنشر الفساد.

ولقد عانى إخواننا في فلسطين من هؤلاء المجرمين، من كيدهم، وشرِّهم، وعدوانهم - الشيءَ الكثير، عانى أهلنا منهم على مدى مائة سنة ما عانَوا، ولا سيما بعد أن كان وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا لهم بإقامة وطن قومي في فلسطين في 2 تشرين ثاني (نوفمبر) سنة 1917م، فنشطت المنظمات الإرهابية اليهودية في قتل المسلمين الآمنين، ثم تحول هؤلاء القتلة المجرمون إلى حكام لدولة قامت بناءً على قرار من هيئة الأمم[5] المتحدة، بتاريخ 29 تشرين ثاني (نوفمبر) 1947م، وبعد انتهاء انتداب بريطانيا في 15 مايو سنة 1948م.

وساعدت إنكلترا وأمريكا وروسيا وإيطاليا وفرنسا هذه الدولةَ المغتصبة، وأمدتْها بالسلاح والمال، وبذلك تجلت الحقيقة القرآنية من أن اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض؛ قال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)}(المائدة) .

واليهود اليوم يقومون بهذه المجزرة في قطاع غزة، وهو قطاع ضيق من الأرض، يسكن فيه مليون ونصف من الناس، ليس لدى الدولة فيه طائرات ولا مدافع، ولا بارجات ولا قنابل، وقد استمر هذا العدوان ثلاثة وعشرين يومًا، وأهلها صامدون صابرون مجاهدون، دمَّروا بيوتَهم، ومدارسَهم وجامعاتِهم، ومساجدهم وأسواقهم، لم يتوقف فتكهم لحظة من ليل أو نهار، فاستُشهد أكثر من ألف وثلاثمائة وخمسة وخمسين شهيدًا، وجرح أكثر من خمسة آلاف إنسان، وأكثر القتلى والجرحى من النساء والأطفال، ووقفت أمريكا وأذنابها من الدول التي تسير بركابها، والعملاء الخونة من حكام وأفراد - الموقفَ المخزي، الذي يؤيد المجرم علانية.
ولكنني أريد أن أذكِّر نفسي وإخواني بهذه الآيات الكريمات:

يقول الله تعالى : {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)}(الطارق) .
ويقول عز من قائل : { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)}(الأنفال) .
ويقول تقدست أسماؤه : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)}(الصافات) .
ويقول: { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (26)}(المجادلة) .
ويقول سبحانه : { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَاد (51)}(غافر) .
ويقول تعالى : { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)}(الروم) .
ويقول عز وجل : { ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)}(الحج).
فالنصر آتٍ؛ { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)}(يوسف) .
{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)}(ص).

عن موقع رابطة أدباء الشام

الهوامش :

[1] وهذا الكتاب مؤلف من كتابين باللغة الفرنسية؛ أما أحدهما فهو "أصول التلمود وفصوله"؛ تأليف د. روهلنج، وأما الآخر فهو "تفاصيل حادثة ذبح القسيس الأب توما الكبوشي، وخادمه إبراهيم عمار في دمشق"، وطبعت الترجمة العربية في مصر سنة 1899م، ثم طبع الكتاب الطبعة الثانية في بيروت سنة 1388هـ - 1968م، وقد حققها وقدم لها الأستاذ مصطفى أحمد الزرقاء.

[2] هو أسد بن جبرائيل، ولد سنة 1897م، وتوفي سنة 1965م، وقد جمع لمكتبة الجامعة الأمريكية مجموعة كبيرة من الوثائق السياسية والاجتماعية عن الأقطار الشامية في عهد الحكومة المصرية (أيام حكم إبراهيم باشا)، ونشر منها 5 مجلدات ضخمة، وله كتب كثيرة.

[3] انظر ما كتبه الأستاذ عبدالله التل في كتابه: "خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية"، وكتابه: "الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام".

[4] انظر الآيات الأولى من سورة الإسراء.

[5] "كارثة فلسطين"؛ مذكرات عبدالله التل، ص607.