الطبيب دايخ !

ممزوجة باللهجة العراقية
مسرحية اجتماعية / عرضها مسرح كلية العلوم بطرابلس سنة 1972
تأليف الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر / استاذ جامعات بغداد وطرابلس وصفاقس / سابقاً
اخراج الفنان المصري / زكي عبدالمجيد /المشرف الفني بجامعة طرابلس في السبعينيات




ترفع الستارة, وتظهر قاعة المسرح وكأنها عيادة طبية, وفي وسطها طاولة عليها كل ملتزمات الفحص الطبي, ,,ثم تدخل ممرضة شابة, و تبدأ بتنظيم الموجودات على طاولة الطبيب, وبعد لحظات يدخل الطبيب دايخ, فتستقبله بعبارات التحية مقترنة بغنج ودلال ينمُ عن علاقة حب مازال في دور التكوين, وبحركة مغرية ,..تفسح له المجال للجلوس.
الطبيب / أشلونج عيوني ليلى؟... كم مريض حجز لحد الآن؟
الممرضة / مو كلش هوايه,..ولكن اتصل بيك واحد عدة مرات ويكول آنه الدكتور ســرحان , صديقك من كنتم بالثانوية المركزية ببغداد!

الطبيب دايخ/ صِدك,..جِذِب,.. هذا سافر الى امريكا قبل خمس سـنين للحصول على الدكتوراه ,..والله هذي احسن بشاره, شوفي الأيام اشلون تجري بسرعه؟
الممرضة / هذا الشخص طلب عنوان العيادة, وراح يزورك اليوم.
الطبيب / يا هلاً بيه,حضري الآن قوري الجاي لودَلة الكهوة .
الممرضة / مو من عيوني!, ثم تغادر غرفة العيادة بوجه مشرق, مدندنة نغم اغنية : يُمه منو دَك الباب؟..يمكن اجونه الأحباب؟
ينهمك الدكتور دايخ بتصفح بعض الملفات , وبعد فترة وجيزة تعود بوجه بشوش وتقول: كلشي صار حاضر يادكتور!
كلش زين,.. خلي يدخلون المرضى بالسـرَه!
يدخل احد المرضى, ويؤدي التحية, وتقوم الممرضة بقياس وزنه وضغطه, والطبيب منهمك بتصفح الجرائد اليومية, .. وبعد انتهاء الممرضة , يتوجه الطبيب لأكمال الفحص, ثم يطلب من المريض الأستلقاء على السرير, ويفحص القلب والبطن, ثم يطلب منه النهوض والجلوس امامه, وينهمك بكتابة الدواء, ويشرح للمريض طريقة استعمال الدواء ويسلمه (الراجيته), ..ينهض المريض, ويدفع اجرة العيادة,.. ويشكرالطبيب والممرضة, ويخرج.
يطلب الطبيب ادخال المريض التالي وفق الأسبقية, فيدخل شاب بالملابس الأوربية الفاخرة وعلى رأسه قبعة مكسيكية, و بلحية ساسوكي!
الطبيب ما زال يقلب الصحيفة , والمريض واقف ينظر لصديقه والدموع تكاد تنهمر,..وتوجهت الممرضة نحوه ,وطلبت منه خلع سترته والأستلقاء على السرير,.. فأبتسم لها برقة, وداهمها شعور غريب من هذا التصرف غير اللائق ,..وبعد لحظة قال: انا الدكتور سرحان,.. السلام عليكم!!
أفاق الطبيب دايخ للصوت ونهض مفزوعاً وتوجه لمعانقة صديق العمر وانغمت دموع الفرح من كليهما, والممرضة حائرة من المشهد التراجيدي وبعد لحظات هدأت العواطف,..وطلب الطبيب دايخ من زميله الجلوس!
سـرحان / مبتسماً لزميله دايخ,... قائلاً :
هاي لازم لهسـه دايخ ؟.... اشلون ما عرفتني؟
دايخ / من ناحية دايخ,..صحيح لهسه دايخ, ..فقد خطبت الممرضة التي شاهدتها, الا انني متردد بالزواج,لاني لم اعرف عن عائلتها اي شيئ!
سرحان / هاي كلش بسيطه, انطيني اسمها ومن يامدينه,..وآنه اجبلك كل المعلومات عنه وعن اللي خلفوها!
دايخ / استخرج ورقة وسجل عليها كل المعلومات, وسلمها لسرحان.
بعد لحظات تدخل الممرضة حاملة صينية فيها عـدة القهوة وقدح ماء, ووضعتها على الطاولة وهمت بالأبتعاد,.. الا ان الطبيب دايخ اشار لها بالتوقف للحظة,..
دايخ / آنسه ليلى, ..اقدملك زميلي الدكتور سرحان!
تصافح الممرضة الدكتور سرحان ويقف لها ثم يسألها عن والدها!
تستغرب الممرضة من السؤال, وتقول: الممرضة / وهل تعرف والدي؟ ..

سـرحان / اول تعييني كان في مدينتكم , وآني مطلع على كل الملابسات التي حدثت لك مع زوجك الذي هرب,..وبالمناسبة,..هل عثرتم عليه اوعلى عائلته؟
تتلعثم الممرضة, ولم تستطع الجواب, وهرولت نحو غرفة التمريض , وهي تجهش بالبكاء,.. والطبيب دايخ غطس في مستنقع مبهم,..ثم التفت لزميله الدكتور سرحان لينقذه باي جواب يشرح له ما الذي يعرفه عن هذه الممرضة التي ينوي الزواج منها!!
يسـرح الدكتور سـرحان قليلاً, ثم يحدث زميله عن هذه الأنسانه التي رماها القدر في طريقه في الوقت المناسب , وقال:
سرحان / كانت ليلى طالبة في الخامس ثانوي , وحيدة والدها , وكانت متفوقة في الخطابة, .. وتعلق بها معلم ابتدائية, الا انه مكلف بأمور حزبية , جعلته المتحكم بكل مرافق المدينة, ..وتقدم لوالها وتزوجها على سنة الله ورسوله من دون ان يعرفون اي شيئ عن اصله او فصله, ولا اي احد من اقاربه, ..فمركزه غطى على كل المتطلبات الضرورية في الزواج الشرعي المتعارف عليه في تلك المدينة وفي ذلك الوقت!
وما هي الا اشـهر معدودات, ..حتى اختفى ذلك الأنسان, وباءت كل المحاولات لمعرفة ما حلً به,... ولكن من دون جدوى!
اكملت المسكينة المرحلة الثانوية, وعلى ما يبدو دخلت مدرسة الممرضات ,.. وما دمت قد خطبتها فهذا يدعوني لتهنئتك, لأنها من عائلة جيدة,.. ولكن الغريب لماذا لم تصارحك؟
خرجت ليلى من دون صدرية الممرضات, وتوجهت نحو الطبيب دايخ,والقت على الطاولة مفاتيح العيادة وخاتم الخطبة,..وقالت:
الممرضة / آسفه دكتور لم تراني بعد الآن, ..ثم انتحبت وبكت بمرارة وهمت بالخروج من العيادة,وحاول دايخ منعها ولم يتمكن !
دايخ / انا لم افهم,..لماذا لم تصارحني بسيرتها,.. فهي غير مذنبة لما وقع لها, والذنب على والدها الذي لم يحسن اختيار زوج ابنته!
الدكتور سرحان/ انني آسف, فقد سببت لك المتاعب, وهدمت حلما عشته مع هذه الحمامة!
دايخ / انني اكرر استغرابي من تصرف ليلى وغيرها من البنات الفاشلات بزواجهن وعدم سرد الحقيقة للطارق الجديد, لأن المستور سيظهر آجلا ام عاجلاً, والرجل او المرأة تغفر ما هو معلوم ولن تغفر ما دون ذلك اذا كان القصد منه الغش والخديعة!
سـرحان / ولا يهمك, فأنا اعرف والدها واخوها وخالها , وسوف نطلب يدها رسمياً ,.. وستعود المياه لمجاريها في َغـٍد!
تسدل الستارة على نغم اغنية أم كلثوم :
وغداً تكتنفُ الجنة ازهاراً وظلاً
وغداً ننسى ولا نأسى على ماض تولى

************************************************** ************************************************** **