الفصام

يري فرويد أن كثيرا من الأمراض النفسية انما هي أمراض نفسجمية أي أنها ناتجة علي الأقل جزئيا من تأثير عوامل انفاعلية وأصبح من الثابت أنه ليس كل حالة مرضية تفترض حدوث تغيرات في بعض خلايا الجسد .
فعلي الرغم من أن المفهوم الذي صاغه أساسا عالم الأمراض الألماني فيرشوف صحيح بالنسبة لغالبية الأمراض الا أنه غير صحيح في بعضها وهي تلك الحالات التي يحدث فيها التغير في تركيب الخلايا عقب الإضطراب الانفعالي وليس قبل ذلك .

وهناك حالات أخري لا يحدث فيها تغير في تركيب الخلايا وانما يحدث التغير فقط في الطريقة التي تؤدي بها وظائف بعض الخلايا وفي هذه الحالة يسمي المرض مرضا وظيفيا .
والمرض الوظيفي يتميز بأن هناك تغيرات كيمائية حيوية تحدث وتصبح غير سوية الي درجة كبيرة لكن التركيب التشريحي الأساسي يظل كما هو .

والذين تمكنوا من دراسة وملاحظة الفصامي يعلمون أن عدم توافقه مع المعايير المألوفة لا ينضوي علي أي تهديد للسلوك التوأمي للأخرين بل هو مجرد مسألة شخصية .

الفصامي ذو الميول البارانوية يتسم سلوكه بتصيد أخطاء الناس جميعا وكل ما من شأنه اثبات أنهم غير منصفين لكنه في الحقيقة انما يفعل ذلك في سلوكه الظاهري فقط ولا تحتل تلك الميول سوي القشرة السطحية من تفكيره فقد جعله المرض يسلك علي هذا النحو حماية لنفسه ضد الشعور الذي يسري في كيانه كله بفقدان الثقة بالأخرين .

الفصام لا يسبب ألما عضويا لكن شدة المعاناة العقلية التي تنشأ عنه تبلغ من الضراوة حدا يجعل المريض يقبل في سرور مقايضته ألما عضويا .
بل أحيانا يحدث الفصامي عامدا اصابة في جسده أملا أن يخفف ألالم العضوي الناتج عن ذلك من هول الألم العقلي .
هذا الألم العقلي الهائل التي تشتد حدته في المرحلة الأولية للمرض تسبقه بدوره معاناة طويلة لم يلحظها أحد ولم يهتم بها أحد وهي معاناه قد تمتد في الماضي حتي الطفولة المبكرة وأثناء تلك المرحلة الأولية وما يليها من مراحل يعاني المريض من الاحساس بالرعب الناتج عن رؤيته لنفسه مقطوع الصلة بالعالم .

فهو يجد نفسه غير قادر علي فهم الأخرين كذلك يجد الأخرون أنفسهم غير قادرين علي فهمه وهو يشعر بنفسه وحيدا معزولا لكنها عزلة غير كاملة لأن لديه قناعة بأن قوي غامضة تحيط به وشرورا لا يعرف كنهها تتربص به أو بأن أناسا معينين يلاحقونه ليوقعوا به الأذي .

وما لم يشف أو يتحسن وذلك احتمال مرجح بنسبة 1:2 لصالحه فإن قواه الوظيفية سوف تأخذ في التدهور بشكل متزايد اذ سوف سوف تقل شيئا فشيئا قدرته علي التمتع بالحياة وقدرته علي الأخذ والعطاء وقدرته علي الشعور بالأمل وعلي الإبداع .
ومن المهم أن يكون لدينا شعور بالتعاطف تجاه المريض عقليا وأن نكون متفهمين لطبيعة معاناته وأن نكون متحررين من مشاعر التحامل عليه بل ربما كان الأهم من ذلك أن نكتسب حس القرابة تجاه المريض لإن الاحساس بالقرابة ينضوي علي التعاطف وعلي التخلي عن أي تحامل .
وستزداد حينئذ قدرتنا علي مساعدته كما قد ينشأ لدينا في كثير من الأحيان شعور بالاعجاب تجاه المريض .