أستاذي بروفسور علي شعبان الأكرم
الأساتذة المشاركون مع حفظ الألقاب،
تحيّاتي لكم جميعا
نفعنا الله بعلم أستاذنا البروفسور شعبان وأخلاقيّات نقاشه وجلاء فكره، ولا أقول هذا إلا من صدق علميّ وصفاء طويّة، وليس لقولي هذا علاقة لا بالمدح ولا بالقدح، ولا تحمل كلماتي لا لمزا ولا همزا.
أستاذي،
أوردت في ردّك التوضيحيّ الأخير الكثير ممّا أفدتُ منه، ولكن اسمح لي أن أقف قليلا عند المقتبس التالي من ردّكم:
" ثم إنكم قلتم : "أما التقييم، وهو تبيان القيمة، فمشتقّ من القيمة، أي مشتق من مشتقّ، وهو ما نعرّفه في علم اللسانيّات بالاشتقاق الثانويّ " secondary derivation، ولست أدري أين وجدتم ذلك، وفي أي مرجع؟ فأنا لم أجد من بين كتب العربية التي أتيح لي الاطلاع علها – على كثرتها – ما يذكر أنهم اشتقوا الفعل "قيَّم" من المصدر "قيمة".كما أنكم ذكرتم أن مجمع اللغة العربية قد أجاز ذلك في قولكم: "ومهما يكن من أمر، فإن الكلمة ووزنها- ومثلها قيّم تقييما- ممّا يشيع في العربيّة المعاصرة غير الخاضعة أو المذعنة لرأي القدماء في بعض الأوزان، الأمر الذي دفع مجمع اللغة العربيّة في القاهرة إلى إجازة استعمال التقييم بمعنى بيان القيمة، وذلك في الجلسة الثامنة من الدورة الرابعة والثلاثين" وأؤكد لكم سيدي أن المجمع لم يجز ذلك، بل كان هناك اقتراح بذلك في بحث ألقي في الجلسة الثامنة من الدورة الرابعة والثلاثين كما تفضلتم، وهناك فرق بين أن يلقى بحث في إحدى الجلسات وأن يقر المجمع ما ورد في البحث، فالمجمع في معجمه الوسيط في مادة (قوم) ص 768 يقول" (قوَّم المعوج: عدله وأزال عوجه، وقوَّم السلعة: سعرها وثمنها). فأين ذلك الذي أقره المجمع؟"-
1- لا خلاف بيننا جميعا على أنّ التقييم والتعييد وأضرابها ليست موادّ قاموسيّة( ممعجمة) كلاسيكيّة، ولم يدرجها أحد منّا في فصيح العربيّة، وغاية ما قلناه إنها من المستحدث أو المولّد، واستثنيت كلمة" ديّمت السماء" الممعجمة.
2- أحلت إلى مرجع إجازة التقييم في تعقيبي السابق، ويظهر يا أخي أن المرجع المذكور- وهو مرجع مختصر شامل- ما أفاد في هذه المسألة، وعليه تفضّلتم وراجعتم المصادر المعتمدة لتؤكّدوا أنّ المجمع القاهريّ ما أجاز التقييم في الجلسة المشار إليها، ثمّ جنحتم إلى معجم المجمع " المعجم الوسيط" تأكيدا على عدم إيراد كلمة تقييم، وعليه أرجو أن أوضح كالتالي:
أ- أجاز المجمع القاهريّ استعمال كلمة التقييم وفي الجلسة المشار إليها، وهذ ما أورده في كتاب" القرارات المجمعيّة في الألفاظ والأساليب، من 1934إلى 1987م. ( القاهرة، 1989)، جاء في الصفحة 102 ما يلي:" استعمال "التقييم" بمعنى بيان القيمة
الياء في كلمة ( قيمة) أصلها واو ساكنة مكسور ما قبلها، وكذلك كلمة ( ديمة) من الدوام، وعيد من العود. والأصل في الاشتقاق من أمثال هذه الألفاظ أن ينظر إلى أصل الحرف، كما قال العرب في بعض الاستعمالات دوّمَتِ السماءُ، إلاّ أنّ العرب ربّما قطعوا النظر عن أصل حرف العلّة، ونظروا إلى حالته الراهنة، كما قالوا ديّمت السماءُ في بعض الاستعمالات، وكما قالوا: عيّد الناس إذا شهدوا العيدَ، ولم يقولوا في هذه الكلمة: عوّد الناس، تحاشيا عن توهّم أنّها من العادة. وعلى ذلك يجوز أن يقال: قيّم الشيءَ تقييما بمعنى حدّد قيمتَه للتفرقة بينه وبين قوّم الشيء بمعنى عدّله، وقد جاءت المعاقبة بين الواو والياء المشدّدتين للتخفيف في أمثلة من كلام العرب يُستأنسُ بها في قبول ذلك".
ب- المعجم الوسيط ليس مرجعا في حالتنا، فالنسخة التي بين أيدينا، على اختلاف طبعاتها، رصدت الجديد المجمعيّ على مستوى المفردة حتى تاريخ صدوره، وكان صدوره سنة 1960 إن لم تخنّي الذاكرة، وعليه لن نجد فيه كلمة تعييد الواردة في القرارات، لأنّ القرار بها صدر عام 1968، وكذلك لن تجد كلمة تسييس( بدلا من تسويس)_ وهي من الفصيلة نفسها- لأنّها أقرّت في الجلسة التاسعة من مؤتمر الدروة الثالثة والخمسين وبالجلسة الثامنة عشرة من مجلس الدورة نفسها، وكان المرحوم الدكتور شوقي ضيف قد قدّم بحثا بعنوان " تسييس"، ينظر المصدر المذكور أعلاه؛ القرارات المجمعيّة، ص 268، وينظر: كتاب الألفاظ والأساليب، الجزء الثالث، القرارات التي صدرت في الدورات من الخمسين إلى الخامسة والستّين، ص 78( مجمع اللغة العربيّة، القاهرة، 2000).
لا يعني كلامي هذا أنّ كلّ ما يجيزه مجمعٌ يصبح عندي قاعدة منزلة، ولكنّ شيوع التقييم( رغم تعدّد دلالات التقويم وشمولها للكثير من دلالة التقييم) والتسييس، أجازهما المجمع أم لم يجزهما، يظلّ أقوى من آرائنا... والظاهر أن للسيرورة فعلا، يعجبنا حينا ولا يعجبنا أحيانا.
واقبل، أستاذي، خالص التقدير
إلياس عطاالله
المفضلات