وعن ( سخاء النفس ) ، يقول الاستاذ/عبدالجبارسعد في خاطرته الرمضانية الـ(20) :


بين سخاوة الأنفس وشحها :

أولياء الله ذوي المراتب العالية لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بسخاوة الأنفس وخلو صدورهم من الغلّ على أحد من أمّة محمّد عليه الصلاة والسلام كما جاءت بذلك الآثار.
وسخاء النفس لا يتعلق بالنّفقة للمال فقد يكون الإنسان معدما ولكنه سخي النفس وقد يكون غنيّا ومنفقا ولكنه شحيح النفس.
سخاء النفس شعور يلازم المؤمن الطاهر النّقيّ فيجعله في حال لا يستكثر عطيّة الله لأحد من عباده سواء كان طائعا أم عاصيا وشحّة النفس تستوطن النفوس غير الطاهرة فتجعلها تستكثر على غيرها أن يعطيها الله القليل والكثير.
هذا الصنف الأخير الشحيح النفس حتى لو ملك خزائن الأرض فإنه قد يرى على غيره ثوبا حسنا فيستكثره عليه أو مركبة أو دارا فيستكثرها كأنه لا يرى أحدا من الخلق مستحقا لأدنى نعمة من نعم الله غيره.
أما سخيّ النفس فإنه بعكس ذلك يتمنّى لو حاز الدنيا كلها فيمنحها لغيره بغير من ولا استكثار.
جاء في الآثار أن أحد عباد الله المعدمين قدم يوم القيامة فرأى صحفا مدّ البصر فيها صدقاته فقال يا رب أنا لم أجد شيئا لأنفقه فمن أين لي هذا؟ .. فقيل له:
أرأيت حين أصاب الناس قحط ومجاعة فتمنيت لو أن لك مثل رمال الدنيا دقيقا لتنفقه على الناس؟ فقال نعم قيل له: هذه بتلك.
لقد علم الله صدقه فكتب له أجر ما تمنّاه لم ينقص منه شيئا.
والذين يمّنون ويستكثرون يحبط ويبطل الله أعمالهم كما جاء في محكم التنزيل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ".
لقد مثّل الله صدقة الرياء والمنّ كتراب على صفا من الصخر ذهب به المطر فلم يبق منه شيئا وبقى الصفا صلدا بمعنى أنه لم ينفق شيئا بينما يضاعف الله للمنفقين في سبيل الله وابتغاء مرضاته إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة والله واسع عليم.
نسأل الله أن يرزقنا سخاوة الأنفس ويقينا شحّها ويتقبّل منّا اليسير ولا يحاسبنا على التقصير بفضله وكرمه آمين.