{ وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ }

الدكتورة سماح صلاح الدين عبد العزيز شلبي*

اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضا، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وسلم تسليما كثيرا، وبعد..

إن من سمات كل اجتماع مستمر صغر أم كبر، اختلافا بين أطرافه، وقد يكون الاختلاف يسيرا فيتغلب عليه المختلفون فيما بينهم، وقد يشتد فيحتاج إلى طرف آخر يذكر ويعظ ويرغب ويهدد إذا لزم الأمر، وهذا المسمى بالشقاق بين الزوجين وهو "العداوة والخلاف وكأن كل واحد منهما في شق أي في ناحية" وتعبر عنه كتب الفقه بالنشوز: وهو كراهة كل واحد من الزوجين صاحبه والتعالي عليه، ويسمى كل واحد من الزوجين ناشزا إذا جاء الشقاق من طرفه قال تعالى:
{ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (129) وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)}(النساء).

هنا يكمن العلاج الرباني بأفضل ما يمكن لأنه من لدن من خلق النفس ويعلم ما يصلحها فهو يبدأ عند مجرد الخوف من حدوثه قبل أن يستفحل ويستعصي فيكون علاجا أقرب إلى الوقاية.

أما إن حدث من جانب الزوج فالحل الأول الصلح بأن يتنازل كل طرف عن بعض ما يطلبه من الطرف الآخر أو ما يتوهمه حقا له وذلك عن طريق الأهل أو من يقضي بينهما، فالصلح خير من الخصومة ومن سوء العشرة ومن الفرقة، فيحثوا الزوجين بالأسلوب الذي يفيد ويؤثر.

والله عليم خبير بما يعمل الزوج من الإحسان أو النشوز فيجازي العامل بعمله، وهو سبحانه وتعالي لا يكلف نفسا إلا وسعها، فالعدل المطلق مستحيل وخارج عن قدرة المكلف فهو مطالب بما يستطيعه، فلا الميل الجائر الشديد الذي يجعل الزوجة كالمعلقة لا هي متزوجة تأنس بزوجها ولا هي مطلقة، ويوجه الله الحكمين إلى انتهاج طريق الإصلاح لما مضي واتقاء الإساءة فيما يستقبل، وحث الحكمين على الإصلاح وتقوى الله ونظير ذلك المغفرة والرحمة للجميع.

أما الحل الثاني إذا تعذر الصلح واستنفدت كل الطرق واستحالت العشرة بمعروف فهو الفراق، فلا معنى للحياة الزوجية مع الكراهية والتعالي والنفور وهضم الحقوق والمعاندة والإصرار على مزايا متوهمة، لأن ذلك ينافي مقصود الزواج الذي هو السكن والمودة والسعادة، وهنا يكون الفراق علاجا لا بد منه، وقد تعهد من بيده كل شيء بأن يغني كل طرف من سعته وقدرته، إما ببدل عن صاحبه أو سلو عنه، وهو سبحانه واسع القدرة والعلم، حكيم يضع كل أمر في موضعه.

أما الزوجة الناشز المتعالية على زوجها الخارجة عن طاعته فقد حدد الله سبحانه طريقة العلاج:
{ وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)}(النساء).

جعل الله عز وجل ثلاث وسائل متدرجة، لكل حالة وسيلة تناسبها، ولكل زوجة وسيلة تلائمها، فمنهن من تكفي معها النظرة وتفهمها، ومنهن من تكفيها الكلمة وتعمل بها، ومنهن من لا تأبي إلا اللطمة، بل تنتظرها!

أما النصح والوعظ والتذكير بما فرضه الله عليها فمطلوب مع كل ناشز، لعل وعسى، فإن لم يُجْدِ ذلك فليكن الهجر في المضجع، ولا يعني ذلك أن يترك الزوج الغرفة بل يدير لها ظهره.
وأخيرا يأتي الضرب على غير الوجه والرأس، فلا يحرق جلدا أو يسوده أو يكسر عظما ولا يحدث كدمات أو عاهات، وإلا كان الزوج معتديا يستوجب التعزير من القاضي، فالمراد من الضرب ليس الإهانة إنما العدول عن النشوز.

فإن لم تفلح تلك الوسائل جاء التحكيم، واحد من أهل الزوج وآخر من أهل الزوجة لكون الأهل أحرص على المصلحة، فإن أمكن الإصلاح فبها ونعمت، وإلا حكم بالتفريق بطلاق أو مخالعة، فأحيانا يكون البتر هو العلاج الوحيد وفي هذه الحال لا بد من بقاء المعروف، فربما هناك أولاد إذن لا بد من بقاء المعروف والتعامل بفضل من أجل هؤلاء.

والله عز وجل تعهد بأن يغني كل الطرفين من سعته، فلا داعي للبكاء على الماضي واجترار ما حدث واستحضاره، فوريقات الماضي عند العقلاء تمزق ولا تروى، فمجرد قراءتها ضياع للحاضر وتمزيق للجهد ونسف للأحلام.

اجعلوا لكم أحلاما واسعوا إلى تحقيقها، استثمروا في أنفسكم وفي أولادكم، وأبقوا حبل المعروف ممدودا ليتمسك به صغارنا، فبلاؤنا أننا نعجز عن حاضرنا وننشغل بماضينا، نهمل كل النعم الموجودة وننشغل بواحدة سلبت منا لحكمة ما، إن العاقل من لا يلتفت للخلف، فالريح تتجه للأمام والقافلة تسير إلى الأمام، والماء ينحدر إلى الأمام فلا تخالفوا سنة الحياة.

* مدرسة الدراسات الإسلامية، كلية البنات جامعة عين شمس. عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

عن صحيفة العرب القطرية