البدون في أولمبياد لندن


كاظم فنجان الحمامي

الأسرع والأعلى والأقوى, هي الخيارات المتاحة لكل الأقوام والشعوب المشاركة في أولمبياد لندن, وهي القواعد التي انبثقت منها المعايير القياسية للاعتراف بعلامات الفوز والتفوق, لتحسم النتائج بين المتنافسين والمتبارين بشفافية مطلقة, من دون تحيز, ومن دون منشطات, ومن دون مجاملات, وبغض النظر عن ألوان المتنافسين وعقائدهم وطوائفهم, وبغض النظر عن أعمارهم وأجناسهم ومناصبهم, وبغض النظر عن أقطارهم وقاراتهم ومحلات ولاداتهم, ولا مجال هنا للمعايير الطبقية البالية, التي آمنت بها بعض الكيانات العربية المتخلفة الغارقة في النصوص والتشريعات المعادية للعرب, في هذا الزمن الذي اختفت فيه تعقيدات منح الجنسية للراغبين بتغيير انتسابهم الوطني. .
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
فلا تندهش إذا شاهدت إفريقيا في صفوف الفريق الياباني لسباق التتابع, أو شاهدت جزائريا في المنتخب الاولمبي الفرنسي لكرة الطائرة, ولا تستغرب إذا رأيت صينيا يلعب في الخطوط الدفاعية الأمريكية لهوكي الجليد, ولا تتعجب من رؤية فتاة شقراء في صفوف الفريق الأثيوبي للمسافات الطويلة, أو فتاة سمراء بين لاعبات الفريق الفنلندي, ولم يعد وجود اللاعب الغاني الأسود (ماريو بالوتيلي) يشكل أي مشكلة بين عناصر المنتخب الايطالي لكرة القدم, فقد انقرضت الفاشية, واختفت الملامح العنصرية الصقلية في ملاعب جنوة وروما وميلانو, فقد تجاهل العالم المتحضر تلك الفوارق العرقية واللونية والطائفية, وتركها وراء ظهره, ولم يعد يهتم بها, أو يلتفت إليها, ومن المفارقات العجيبة إن الأقطار الخليجية, التي ابتكرت التصنيفات العرقية لطبقة (البدون) العرب, وحرمتهم من استحقاقاتهم الوطنية بالتجنس, كانت من الأقطار السخية في منح جنسيتها لبعض اللاعبين الأرجنتينيين والبرازيليين والتشاديين والكينيين, لكنها ذهبت إلى ابعد حدود العناد والتعنت في تعاملاتها التعسفية مع أبناء القبائل العربية, الذين ولد آبائهم وأجدادهم في الكويت وقطر, بذريعة إنهم ينحدرون من الأصول العراقية والسعودية واليمنية والعمانية. .
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
في اولمبياد (بكين) وقف ملاكم أمريكي من أصل يمني على منصة التتويج, بعد فوزه بتصفيات الملاكمة, ووقف الشعب الأمريكي كله في تلك الدقائق التاريخية تقديرا واحتراما وامتنانا لانجازاته الرائعة, ووقفت تركيا كلها تقديرا واحتراما للعداءة السمراء التي هاجرت من اريتريا إلى هضبة الأناضول لتلعب في صفوف المنتخب التركي لسباقات الساحة والميدان, وانفرد النموذج الأولمبي الكازاخستاني بتعدد الأعراق وتجانسها وتعاضدها, في الوقت الذي كانت فيه الحكومة القطرية تتباهى بإصدار قرارها الجائر بطرد أفراد قبيلة الغفران إلى الأراضي السعودية, وتتفاخر بمصادرة حقوقهم وامتيازاتهم المدنية, بينما كان ماراثون البدون يجري في ضواحي الجهراء تحت سحب القنابل المسيلة للدموع, من دون أن تحتج الجامعة التي لا تجمع ولا تنفع, ومن دون أن تكترث المنظمات العربية لهذه المعاملة السيئة. .
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
ستذوب الفوارق كلها في أولمبياد لندن, وستكون مجالات التنافس الشريف مفتوحة على مصاريعها للأسرع والأعلى والأقوى, ستشاهد أبناء قبائل الزولو والتوتسي والهوتو يحملون الشارات الهولندية والألمانية والسويدية, وستشاهد أبناء القبائل الأمازيغية يقفون في طليعة الفرق الفرنسية والايطالية والاسبانية, وستشاهد أبناء قبائل النافاهو والشروكي والموهيكانز يلعبون في صفوف المنتخب الأرجنتيني والبرازيلي, فلم تعد الجنسية أو الهوية تمثل أي عقبة أمام أبناء الجنس البشري, فقد انصهرت الفوارق كلها وتوحدت في لوحات إنسانية رائعة, وصارت الجنسية تمنح للإنسان الشريف المنتج المستقيم الذكي الفاعل المبدع البارع المتفوق, وهذه هي الصفات الغالبة في طبائع وعادات قبائلنا العربية المحرومة من ابسط حقوقها الانتسابية. .
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
فهل خرج البدون (العرب) من باطن الأرض ؟, وهل أكتمل نموهم بعد اكتشاف النفط, في حقول برقان ورأس لافان ؟, وهل هبطوا إلى الأرض من مدارات الضياع, ليجدوا أنفسهم بلا حقوق, ولا أمل, ولا هدف, ولا رجاء لهم في الحياة الدنيا إلا من رحمة الله ؟, أم إنهم عبارة عن كيانات بشرية مجهولة, ظهرت فجأة من جوف الصحراء, وتسللت إلى المنطقة قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى, ثم زحفت نحو المدن الخليجية على شكل موجات خارجة عن السيطرة, ليعيشوا في ظل أبراج البترول من غير انتماء وبلا هوية ؟.
من المؤكد إننا سنجد الجواب في دورة الألعاب الأولمبية المزمع إقامتها في حفر الباطن بعد انقراض جرذان الصحراء. . .