قراءة في هوامش على دفتر الثورة
للشاعر عاطف عبد العزيز الحناوي
بقلم عاطف الجندي
الحياة في مجملها قصيدة قد تأتي سعيدة أحيانا و قد تأتي حزينة في أحايين أخرى ؛ و لكننا نعشقها و نستمتع بها و نحلم بآمال كثيرة ، منها ما قد يتحقق و منها ما نلهث وراءه و لكن بدون جدوى .
و الشعر هو الحياة بالنسبة للشعراء ، فهم الحالمون بعالم أفضل و الثائرون على الظلم و الاستبداد و المطالبون بالحرية و يا كم قصف قلم من قبل و يا كم نام وراء القضبان شاعر لأنه تجرأ و كتب قصيدة في نقد حاكم جائر أو سلطان ظالم ، و من هنا كان و سيظل الشاعر هو المحرك الأول و موقظ النيام من أبناء الوطن للتحرك ضد القبح و الرشوة و الفساد و غيرها من أمراض المجتمع التي نعاني منها .. فما زلنا نحلم بالمدينة الفاضلة و ما زال الشعراء يقدمون دمهم و عمرهم في خدمة قضايا وطنهم ؛ و ما يؤمنون به حتى و لو كان على سرير المرض و قبيل النهاية كما حدث مع أمل دنقل و غيره من الشعراء .
و عندما نجد شاعرًا شابًا متفاعلا ً مع قضايا وطنه و مقدرا قيمة الحرية و مناديا بالثورة و متمنيا تحقيق أهدافها لأنها في الأساس أهداف وطنه ، سنعرف ببساطة أن هذا الشاعر في الطريق السليم و شاعرنا المقصود بذلك هو الشاعر عاطف عبد العزيز الحناوي القادم من بلد الجمال و السحر الإسكندرية التي وقع في غرامها كل من رآها ، فهو قد غزا المنتديات الأدبية على الإنترنت مشاركا و متفاعلا معهم حتى صار مشرفا على أحدى أقسام منتدى عاطف الجندي على الإنترنت و فاز بجائزة أفضل قصيدة من قبل و عندما تقابلنا لأول مرة في ندوة المنتدى باتحاد كتاب مصر وجدت فيه الإنسان الهادئ ، الذي تحبه من أول وهلة لأنه ببساطة يتحلى بخلق قويم و لغة سليمة عند إلقائه شعره ، هو شاعر تصدِّقه لأنه غير متكلف و لا يحتفي بالزخارف و الحواشي بحرفية الصانع و لكنه شاعر صاحب موهبة و له رؤية نقدية في أعمال الآخرين أيضا ، و ربما نجده ناقدا معروفا في المستقبل .
و ديوانه ( هوامش على دفتر الثورة ) هذا هو عمله الثاني الذي يشق طريقه للأضواء فقد أصدر من قبل ديوانا بعنوان ( أصداء المحطة التي لا تجئ ) عام 2000 ، و من عنوان ديوانه الثاني و الذي يذكرك عنوانه بقصيدة نزار قباني ( هوامش على دفتر النكسة ) و كأنه يقول لنا : أنا قارئ للتراث الشعري و متفاعل معه ، فقد كان يمكن له أن يأتي بعنوان جديد بعيد عن التأثر بالآخرين و لكنه فضل ذلك لأنه عنوان مناسب من وجهة نظره لمجموعة قصائده و خاصة السياسي و الثوري منها .
و الديوان يحتوي على خمس و عشرين قصيدة ما بين التفعيلي و هو الأعم في الديوان و العمودي الذي نجده في قصيدتين فقط .
و لو تأملنا الديوان سنجده يدور في عدة محاور منها العاطفي و الوطني و الرسائل و منها القصائد الإخوانية و القصائد التي يتحاور فيها الشاعر مع ذاته مستفسرا أو مفسرا لمواضيع شتى .
و يمثل المحور العاطفي من الديوان قصائد مثل ( أغنية لحبيبي و حب و عيناها و فرار و منحة الرحمن ) و من هذا المحور قصيدة أغنية لحبيبي و التي يصور فيها علاقته بمحبوبته و كيف أن لعينيها مذاق الحياة و أنه يشتهيها فنجده يقول فيها :
" لعيني حبيبي
مذاق الحياة
و قربي إليه هو المنتهي
و نبض فؤادي ينادي بحب ٍّ
تعال حبيبي إلي المشتهى
فإني اشتهيتك شعرًا
و أغنية ً في المساء
و ضمة صدر حنون
و ضحكة طفل برئ "
ثم نجده يصور علاقته بحبيبته و كعادة الرومانتيكيين فهي كل الحياة و هي الثورة و الهدوء و الجنون و ينهي القصيدة بفعل الأمر ( تعال ) و هو دائما ما يصاحب القصائد التي تحتوي على شحنة انفعالية تتسم بالحرمان و تتمسك بأمل اللقاء لأنه هو الحل الأمثل و عودة التئام النفس المشروخة بفراق الحبيب فيقول في نهاية القصيدة :
أيا هدأتي و جنوني و يا ثورتي و خضوعي
و يا ضحكتي و شجوني
و يا وردة بضلوعي
تعال إليّ نهارا جديدا
و كفكف دموعي
و كن لي بربك
بدر المساء
و كن لي بدربي
بريق الأمل ْ
أما المحور الذي يدور حول القصائد الوطنية و الذي تمثله قصائد مثل ( الحمقى و بلادي و ملل و الحلم الفلسطيني وهوامش على دفتر ثورة مصر و وهج الوطن و أغنية للوطن ) نجده عاشقا لوطنه ، مخلصا له و ثائرا ينحاز لثورة الخامس و العشرين من يناير 2011 و يدين في هذه القصائد العهد البائد بمساوئه و بأشخاصه و سياساته و من يدافع عنه ، بل و يسعى لجلد الذات ؛ كما في قصيدة الحمقى و التي تتحدث على أن المصريين صدقوا حلم الثورة و حلموا معها بالتغيير ، لكن خفافيش الظلام ترفض ذلك و تسعى لفرض عودة الماضي عن طريق اختلاق الأزمات و المشكلات فيقول في مقطع من القصيدة
( نحتاجُ إلى ذئبٍ
و دهاءْ
وطني من يحميكَ الآنَ
الأطفالُ جميعا قد رحلوا
و الثوارُ انتحروا
من فرحتِهم
بنجاح ِ الثورة
و الأشباحُ الشوهاءُ
تسدّ طريقَ الشمسَ الحرّه )
و في قصيدة هوامش على دفتر الثورة يقدم لنا مقاطع قصيرة فنراه مرة مدافعا عن وطنه و يفتديه بروحه و أخرى مدافعا عن شباب مصر ؛ و الذي أتهم زورًا و بهتانا بأنه شباب فاشل يقلد الغرب في الملبس و تسريحة الشعر و يدخل على الإنترنت ليتواجد في المواقع الإباحية و يسرقه الشات و غيرها من الصفات غير الجيدة ، وفجأة يثور هذا الشباب من خلال الإنترنت و يتحول الواقع الافتراضي إلى واقع ملموس من خلال ميدان التحرير و الملاحم التي سطرتها أيادي الثوار فيه .
و نراه يدين الخائنين في مقطع آخر و بأنه سيكون فارس الوطن الهمام و المنقذ له ، و في المقطع الثاني من القصيدة يتحدث عن أرض مصر بأنها قد ملت من الانتظار و تصرخ أن ينقذها أولادها من عصابة الظلم التي تحكمت في كل أمورها فيقول :
" الأرض تصرخ أنقذوني يا بنيّ
شرفي علي كل الدروب ممزق
بيع الثري
قتل الصغار
أركان مجدي هدّمت
هل من مغيث يرتجي ؟!
هل من سباع يزأرون ؟!
و أتاك يا وطني الجواب
كل القيود تكسرت
و الشعب قام لثأره
سقط القناع عن الوجوه الشائهات
الخوف مات
و الفجر
من خلف التلال السود لاح "
و في ختام هذا المقطع يلقي بضوء يلوح من خلف التلال السود كناية عن بشائر النصر و انتصار الثورة . و نراه أيضا في قصيدة حلمنا الفلسطيني ، يتفاعل مع القضية الفلسطينية و يؤكد على العودة و على حلم الأطفال الذي لن يقتل مهما طال الظلم .
و في محور القصائد الإخوانية و هي القصائد التي كتبت لصديق أو تحية لشاعر ما ، فلا يكتب هذا النوع من القصائد سوى الشاعر المحب لمن يكتب له ؛ فماذا يجبر الشاعر على الدخول في هذا الطريق ، و حقيقة لقد حفل الشعر العربي بقصائد كثيرة من هذا النوع و من منا لا يتذكر قصيدة نزار قباني لطه حسين و التي يبدأها بقوله (ضوء عينيك أم هما نجمتان؟....... كلهم لا يرى .. وأنت تراني.) و شاعرنا كتب في هذا المضمار في قصائد تحمل عناوين مثل ( عاطف الجندي – تحية للشاعر سعد مهدي – تحية لمنتدى عاطف الجندي – منتدانا الحبيب – تحية للشاعر جبر البعداني – تحية للشاعر عماد عناني – تحية للشاعر حسن قانصو ) و ربما كان الدافع وراء كتابة مثل هذه القصائد و التي قد أتت بمباشرة في عناوينها هو التحية و بيان مقدار حب الشاعر الكاتب لبعض الزملاء ، و سعيد بأن خصني بقصيدة جميلة كتبها كتحية منه لسفري إلى روما كجائزة بعد فوز ديواني ( أنت ِ القصيدة ) بجائزة مسابقة جريدة المساء الأولى و وضع اسمي عنوانا لها و تفاعل مع بعض قصائدي بها و برع حقيقة فيها و أحييه عليها فنراه يقول في لغة عذبة :
" أسراب شوق ٍ حلقت فوق البحار
تلقي إليك تحيتي
حملت إليك مودتي
عبر القفار
ها أنت يا ابن النيل
جاوزت الثريا و المدار ْ
أعواد فلّ ٍ ناضر ٍ
نُثرت علي طول الطريق
علي التلال
و في السهول
و في الهواء ْ "
ثم يتحدث عن كيفية استقبال إيطاليا و روما تحديدا للشاعر و يطالبه بالمزيد من الشعر الذي يحتفي بالجمال فيقول :
" و استقبلتك بلادهم بالياسمين
ها أنت في روما الأمير
يا قيصر الشعر الأخير
يا صبغة ً عربية ً
يا بحر شعر ٍ لا يغور
غن الأغاني َ كلّها
أنشد قصائدك الحسان
علي الروابي و الجسور "
ثم يتحدث الشاعر عن سحر روما و يجمع معه تراب هذا الوطن الذي يسننا جميعا و هو مصر و طيبة هذه الأرض ، و يشير لقصائد الشاعر التي غزت القلوب بصدقها و ببساطة الفلاح و القروي العاشق لوطنه فيشدو :
" من سحر روما حين عانقها النهارْ
من تربة النيل الأصيل
و طيبة الأرض الحنون
يا وحي شعر لا يخون
هذا غناؤك سيدي
يغزو القلوب بصدقه
ببساطة الفلاح
عانق زرعه بعد الشروق
و طني هنا
يحيا بقلبي... قصةً لا تنتهي
وطني طريق زاهر
وطني أمل ، وطني شروق
أني اتجهت ُ
أري عيونك يا بلادي .. قبلتي "
و يتفاعل شاعرنا عاطف الحناوي مع أشعار كاتب هذه السطور و يضفر منها شعرا صادقا يتسم بالجمال و عذوبة الحرف فيكمل :
" ما زلت أسمع
صوتك الدافي الجميل مغرّدا :
( أو من هنا يا هند تبدأ قصتي )
( مصر الأبية لن تموت)
( و الفجر آت ٍ
من ظلام القهر
آت )
كل الأغاني تصطفيك مغرّدا
كل القصائد تشتهيك
فاقبل مديحي مخلصا
يا من رفعت رؤسنا
فوق الكواكب و الأمم "
و أما محور القصائد التي تحتوي على فلسفة ما أو حوار مع الذات و تقدم رؤية خاصة بالشاعر فتشمل قصائد ( خداع السواقي – الديك و الليل المؤبد – أنا .. أنت ِ – رسالة إلى السيد أنا – غرور – كفاح ) فنجده في خداع السواقي يصور حالة الإنسان عموما في هذه الحياة ؛ و كيف أن السراب قد يتحكم في مصائر الناس ، و يشبِّه الإنسان بأنه كالثور الذي يدور في الساقية - مغمض العينين - على أمل الوصول لنهاية الطريق و يسأل صديقه الإنسان هنا و ليس شخصًا بعينه عن كيفية العمل و الخلاص من الملل :
( الأرض أرهقها الدوار
بلا أمل ْ
قل لي صديقي : ما العمل؟
كيف السبيل إلى الخلاص
من الملل؟!
كالثور تخدعني السواقى..
مغمض العينين
لكني أسير )
و في قصيدة الديك و الليل المؤبد و الذي بدأها بقول الأبنودي ( الليل جدار .. إذ يدن الديك من عليه يطلع نهار ) و هي من ديوان الأبنودي الأول ، و ربما كان العنوان مبرهنا على تأثر شاعرنا بهذه القصيدة تحديدا للأبنودي ، حتى و لو لم يذكر البيت الأول و فيها يتحدث عن شهر زاد و شهريار و نراه محبا لشهر رمضان ، معاتبا نفسه على انتهاء رمضان و لم يحصل على الرضا الداخلي بالسير في طريق الهداية و الرشاد كما ينبغي فنجده مستفسرا و معاتبا في بداية القصيدة
( ثم انقضي
رمضان مسرعة خطاه
فإلام تلهث خلفه
رمضان لم يفلح معك
أي المواسم بعده أن يصلحك )
و تتوالى سطور القصيدة على هذا المنوال في نزعة صوفية جميلة و يختم القصيدة بقوله :
( كم كنت تضحك يا غبي
فعلام تبكي راحلا عز اللقاء به
و إلام حسرتك الغبية
يا شقي ! )
و يبكينا معه في محور قصائد الرثاء فنراه يرثي أمه رحمها الله في قصيدتين هما : ( دواء – رثاء أم ) فالقصيدة الأولى من النوع العمودي و الثانية من القصائد التفعيلية التي يزخر بها الديوان .
ففي القصيدة العمودية دواء يتحدث الشاعر عن كيفية تسلل الموت للأم هذا الوحش الذي لا يشبع من أرواح الناس و الذي قد يأتي في صورة مرض ما أو حادثة أو غيرها – تعدد الأسباب و الموت واحد – و ربما كتبت هذه القصيدة في فترة مرضها و قبل موتها وكأنها يرثيها قبل موتها ، فالداء هنا و بيل و لا أمل في الشفاء إلا برحمة الله فنراه يقول :
( تَسَلّلَ دونَ أنْ ندْرِي و أنْشَبَ مِخْلَباً فيها
و أحْكمَ قبضةً مَحْمُو مةً أدمتْ مآقيها
هو الداءُ الوبيلُ سَرَى و لم يرحمْ أمانيها )
أما في قصيدة رثاء أم فالعنوان كاشف عما يدور في القصيدة و يصور حالة اليتم المفروضة على واقعه و كيف أن الناس يفرحون و يلعبون و هو في حزنه عليها و يخاطب صحبته مبيننا قيمة الأم في هذا الكون فيقول :
( يا صحبتي ... أو تعرفون...؟
كان النهار هنا ...و مات !!
يا حسرة القلب الكسير
في رحلة العمر المرير
الأم ظل وارف
و بقلبها سر الوجود )

و بعيدا عن هذا المحور نجد قصيدة عبارة عن رسالة إلى حافظ إبراهيم يتحدث فيها له و يشكو له مآل اللغة العربية من بعده و أن لغة القرآن تقاضي أبناء ً رحلوا عنها و القصيدة بمثابة جرس إنذار يدق لبيان الخطر القادم على اللغة العربية و كيف يجب أن نقف جميعا ضد الهجمة الشرسة عليها و عن دعاوى الاغتراب و تعميم لغات أخرى بدلا عنها فيقول :
( ما زالت لغة القرآن تقاضينا
تشكو أبناءً قد جحدوا
تركوا الدر الكامن في بحرك
هجروا شطآن قوافينا )
و يستنجد شاعرنا بفحول الشعراء القدامى كأحمد شوقي و عنترة و مهيار و الخنساء من الغربان الحائمة حول جثة الضاد المقتول – في إشارة للغة العربية – و نراه في قصيدة أخرى يوجهها لطفلته و ربما هذه القصيدة تعلن عن إمكانية خوض شاعرنا لتجربة الكتابة للطفل و هو يتقمص دور الطفلة متحدثا باسمها ، واصفا ملامح هذه الطفلة ، ظاهريا و داخليا و كيف أنها تحب والديها و تطيعهما ؛ فهما كل الوجود بالنسبة لها :
( أنا طفلة زهرية
وجهي صبوح كالقمر
كفي رقيق مثل كف الدمية
قلبي كعصفور يغني للنهار
حلمي كفجر طالع
وندي تعانقه الزهور )
و في مجموعات قصائد تلغرافية حملت سمات الومضة جاءت مقاطع كثيرة تتحلى بالحكمة أحيانا و أخرى كتحية لشخص ما و نرى بعضها تفعيلي و الآخر عمودي ، و قد حملت هذه الومضات أسماء قصائد و لكنها تندرج تحت مسمى ( قصائد تلغرافية )
و بنظرة عامة على هذه المجموعة الشعرية و التي وفق الشاعر في طرح عدة محاور للشعر و تداخل فيها العام مع الخاص سنجد بعض السلبيات التي قد وقع فيها الشاعر و هي لحسن الحظ بسيطة مثل مباشرة بعض العناوين و خاصة في موضوع القصائد المهداة لشعراء أو رسائل فهي كاشفة للقصيدة من أول وهلة و ثانيا وجود بعض القصائد التي كانت تحتاج لنظرة فنية جديدة أو كان يمكن للقصيدة أن تطول بعض الشيء و خاصة أن الحالة تستوجب ذلك و هو قادر على إعادة التفكير في قصائده بطريقة نقدية و أن يراعي عدم بتر الحالة الشعرية في قصائده المستقبلية ، فهو شاعر يمتلك أدواته و ننتظر منه الكثير سواء مجال الشعر أو النقد .
القاهرة
26 يوليو 2012