آخر عمليات التشبيح في الترجمة - إيران نموذجاً

لم يخطر في البال أن تتصاعد عمليات البلطجة والتشبيح لتنال خطابات الزعماء في قمة يفترض أنها تمثل (عدم الإنحياز)، وذلك في خطوة جريئة غير مسبوقة، وعلناً – عينك عينك- أمام العالم الذي كان يترقب سماع أول خطاب لأول زعيم عربي انتخبه شعبه انتخاباً مباشراً بإرادة حرّة.

لسنا هنا معنيين بالموقف الإيراني الرسمي المكشوف من الثورة السورية، لكننا معنيّون بالتجرؤ على أبسط القواعد المهنية والأخلاقية لعمليات النقل والترجمة، التي يحتل الصدق والأمانة فيها أعلى درجاتها، حتى لو كان الكلام المترجَم مخالفاً لمعتقدات وآراء وموقف المترجِم.

ففي خطابه أمام الزعماء في مؤتمر عدم الانحياز السادس عشر في طهران، وبعد الصلاة على النبي الكريم وآله، ترضّى الرئيس المصري د. محمد مرسي على الصحابة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى الصحابة أجمعين. وأشار إلى التحولات السياسية في دول الربيع العربي بدءاً من تونس وانتهاءً بسوريا، حيث وصف النظامَ السوري بأنه ظالم، ودعا إلى وقف نزيف الدم المهراق على أرض سورية.

غير أن المفاجأة التي أذهلت العالم، أن تتجرّأ القناة الأولى للتلفزيون الرسمي الإيراني، والإذاعة الإيرانية على تحريف وتزوير خطاب الرئيس المصري – بغض النظر عن الإتفاق أو الإختلاف فيما ورد فيه – وعلى الهواء مباشرة، وذلك عند ترجمة الخطاب إلى اللغة الفارسية، الموجهة بشكل رئيسٍ إلى الشعب الإيراني. وهو ما يكشف عمق الأزمة الثقافية والأخلاقية في إيران، التي تتجلّى في خطابها المذهبي حتى لو تطلّب الأمر حرفَ الحقائق وتزويرها، ويفسّر كثيراً من مواقفها السياسية ذات النزعة النفعية الطائفية. فضلاً عن تقديمها دليلاً لصالح المشاريع والمدارس العقدية السنّية المناوئة لها تاريخياً.

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

وأبرز المواطن التي طالتها يد التحريف والتزوير كانت كما يلي:

1. حذفت الترجمة أسماءَ الخلفاء الراشدين من الخطاب الأصلي الذي تضمن أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً، وذلك ليتناغم مع مفردات الخطاب الرسمي للنظام الإيراني.

2. كما أقحمت اسم البحرين – التي لم تردْ في خطاب مرسي البتّة - محلّ سوريا أحيانا، وشطبت اسم سوريا أحياناً أخرى:
• فعند إشارة الرئيس المصري إلى نضال الشعب السوري، بقوله: ".. فالشعبان الفلسطيني والسوري يناضلان الآن ببسالة مبهِرة طلباً للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية" ترجمها التلفزيون الإيراني إلى: ".. الشعبان الفلسطيني والبحريني وشعوب أخرى يناضلون الآن من أجل الحصول على الحرية والعزة والكرامة والعدالة".
• وعندما أشار الرئيس المصري إلى ثورات الربيع العربي بقوله: ".. حيث كانت قبلها بايام قلائل ثورة تونس، ثم تلى ذلك ثورة ليبيا واليمن، والآن ثورة سوريا على النظام الظالم فيها"، ترجمها التلفزيون الإيراني إلى: "... ثورة تونس، ثم تلتها ثورة ليبيا واليمن، والآن ثورة البحرين".
• وعندما انتقد الرئيس المصري حق استخدام الفيتو في مجلس الأمن بقوله: "إن الفيتو شل يد مجلس الأمن عن حلّ الأزمة السورية.." ترجمها التلفويون الإيراني إلى: "إن الفيتو شلّ مجلس الأمن عن حلّ أزمات التحولات الشعبية" وشطب اسم سوريا في هذه الجملة.

3. كما طال التحريف الفقرات التي انتقد فيها الرئيس المصري النظامَ السوريَّ ووصفه بالظالم، وأعلن فيها تضامنه مع الشعب السوري:
• فعندما قال: "إننا نتضامن مع الشعب السوري ضدّ الظلم والقمع" نجد التلفزيون الإيراني يترجمها بقوله: "إننا نتضامن مع الشعب السوري ضد المؤامرة الموجهة ضد هذا البلد".
• وعند دعوته إلى ضرورة "وحدة المعارضة السورية" يترجمها التلفزيون الإيراني بقوله: "نأمل ببقاء النظام المتمتع بقاعدة شعبية".

4. كما قامت بتحريف "الربيع العربي" واستخدمت بدلاً منه "الصحوة الإسلامية" لتتواءم مع تعابير كلمات المرشد الإيراني للإيحاء بأن ما حصل فى مصر وتونس هو من نتاج ثورتهم الإيرانية.

وتجد في هذا التقرير المصور الذي بثته الجزيرة الجمل التي طالتها يد المترجم بالتحريف والإبدال والتزوير:

تقرير الجزيرة عن تحريف التلفزيون الإيراني لكلمة مرسي


والجدير بالذكر، أن كلمة مرسي لم تكن الوحيدة التى تم تحريفها، بل تناول التحريف خطاب كل من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة ناصر عبدالعزيز وذلك عند حديثهما عن الأزمة السورية.

والمضحك أن احتجاج الوفد السوري على كلمة مرسي بانسحابه من الجلسة كشف حجم التزوير في الترجمة الإيرانية للخطاب؛ إذ لا يجد الشعب الإيراني مبرّراً لهذه الخطوة ما دام الخطاب يصبّ في مصلحة النظام السوريّ !!.

وهذا التزوير الصارخ الذي مارسه التلفزيون الإيراني الرسمي أصبح محلّ تندر رواد شبكات التواصل الإجتماعي، فمن الطرائف التي تذكر: أن ترجمة "سوريا" بالفرنسي: syrie، وبالانجليزي: syria، وبالإيطالي: siria، وبالألماني:syrien ،وبالفارسي: البحرين!!!.

فأي جرأة هذه على الحقيقة، وأي تعدٍّ صارخ على حرية الإنسان في قول ما يريد، وأي انحيازٍ هذا في قمة (عدم الإنحياز)!!. أم أنها العصبية المقيتة، والطائفية اللعينة التي تعمي القلوب، وتعقد الألسنة، وتحجب الأعين عن رؤية الشمس في رابعة النهار!!.