الندوة العالمية لمترجمي رسائل النور

اسطنبول 27-31 آب/أغسطس 2012

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


في اول تظاهرة علمية لمترجمي رسائل النور ، اقيمت في اسطنبول مدة خمسة أيام الندوة العالمية ، حضرها مترجمو رسائل النور لأكثر من خمسين دولة من دول العالم ( روسيا، المانيا، الهند، تانزانيا، ملاوي ، اندونيسيا، ماليزيا ، الصين ، ايران ، بنغلاديش ، الباكستان، ايطاليا، هولندا، امريكا ....) والذين قاموا بترجمة رسائل النور الى لغاتهم ، تناولوا فيها خبراتهم ومساعيهم في ترجمة هذا السفر المبارك .

ورسائل النور؛ رسائل الفها بديع الزمان سعيد النورسي(ت 1960) باللغة التركية ؛ وهي تفسير لمعاني القرآن الحكيم، وهي تعالج القضايا الأساسية في حياة الفرد، إذ تنشئ عنده يقينيات إيمانية جديدة وتهدم التصورات الفاسدة والسلوك الضعيف. فإنها تدور حول معاني (التوحيد) بدلائل متنوعة و(حقيقة الآخرة) و(صدق النبوة) و(عدالة الشريعة) إلى آخره من الأمور التي قصدها القرآن الكريم. علاوة على ما تبحثه من أمور الدعوة إلى الله ومحبة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والشوق إلى الآخرة وأمور اجتماعية وسياسية مختلفة.
لذا قال الأستاذ النورسي بحقها :
«إن أجزاء رسائل النور قد حلّت أكثر من مائة من أسرار الدين والشريعة والقرآن الكريم، ووضحتها وكشفتها وألجمت أعتى المعاندين الملحدين وأفحمتهم، وأثبتت بوضوح كوضوح الشمس ما كان يظن بعيداً عن العقل من حقائق القرآن كحقائق المعراج النبوي والحشر الجسماني، أثبتتها لأشد المعاندين والمتمردين من الفلاسفة والزنادقة حتى أدخلت بعضهم إلى حظيرة الايمان، فرسائل هذا شأنها لابد أن العالم - وما حوله - بأجمعه سيكون ذا علاقة بها، ولا جرم أنها حقيقة قرآنية تشغل هذا العصر والمستقبل، وتأخذ جل اهتمامه، وأنها سيف ألماسيّ بتار في قبضة أهل الإيمان..»..يتجاوز عدد أجزاء «رسائل النور» (130) رسالة، ضمت في مجلدات وهي:( الكلمات، المكتوبات، اللمعات، الشعاعات، اشارات الاعجاز، المثنوي العربي النوري، الملاحق، صيقل الاسلام ، السيرة الذاتية) .

ولأهمية رسائل النور نظمت مؤسسة (روبا RUBA) للثقافة والعلوم الندوة العالمية لمترجمي رسائل النور ، وافتتحت الندوة بآيات بينات من الذكر الحكيم ، وكان أول المتحدثين الاستاذ اردال ايدين سكرتير الندوة حيث قدم نبذة مختصرة عن مؤسسة (روبا) واعمالها وواجباتها ورحب بالحاضرين وشكر المترجمين على قطعهم آلاف الاميال لحضور هذه الندوة من مختلف بقاع المعمورة .

ثم تحدث عميد كلية الهندسة في جامعة يلدز التقنية الأستاذ الدكتور يونس جانكال ، أشار في مداخلته، بعد الشكر والترحيب، الى اسباب ترجمة رسائل النور الى لغات العالم ، منها ان رسائل النور تساعد الانسان على انقاذ ايمانه باثباته الالوهية والربوبية والايمان والنبوة والاخرة بشواهد ملموسة ومقروءة في الكون ، وهي منهج قرآني تخاطب العقل والقلب في آن واحد ، وتثبت المسائل الايمانية عن طريق الاثبات العقلي والمنطقي ، بعيدة عن السفسطة واللغو ، وهي تخاطب انسان العصر وتحل مشاكله.

وبعده أشار الاستاذ احسان قاسم الصالحي مدير مركز بحوث ودراسات رسائل النور:
ان ما قام به من ترجمة رسائل النور الى العربية ليست جديدة ، بل الاستاذ النورسي كان يحث على ترجمة رسائله الى العربية وهذا ما دفع الملا عبد المجيد "شقيق الاستاذ النورسي" على ترجمة بعض الرسائل الصغيرة الى العربية ، كما وان الاستاذ النورسي ارسل رسائله النورية الى السعودية والشام والهند وكان يبغي من ورائها ترجمته الى العربية والاوردية ، ولكن شاء القدر ان لا تنشر ترجمة هذه الرسائل في زمانه ، فنحن نسير في الدرب الذي فتحه الاستاذ النورسي وطلابه .

وذكر جانباً من مشاعره لدى ترجمة رسائل النور :
أقول عن نفسي والله شاهد على ما أقوله أنه :
لولا عنايته الكريمة ورعايته الشاملة لما كنت أجرأ على القيام بترجمة مؤلَّف بهذا العلو في الاسلوب والعمق في المعاني ، فأنى لي القدرة على القيام بها وأنا لم ازاول الترجمة من قبلُ ولا باع لي في الأدب ولا في اللغة .
ولكن العجز الذي كنت أشعر به في نفسي والضعف الذي كنت أحسه في قابليتي ، أصبحا شفيعين لدى الرحمة الالهية الواسعة التي التجأت اليها ، فما أن توجهت بفضل الله الى خدمة القرآن الكريم برسائل النور ، حتى هيأ المولى الكريم من كل جانب من يمدّ إليَّ يد العون ، مدّها اخوة افاضل جزاهم الله عنا خير الجزاء ، سواء بالتصحيح والتشذيب والإرشاد والتوجيه. فهذا يقوم بتبييض مسودات الترجمة وآخر يخرّج أحاديثها الشريفة، وآخر يأخذها الى مَن يُشار اليه بالبنان في الأدب او اللغة لينظر الى اسلوبها وسلاستها وآخر يصححها لغوياً .
وهكذا، إذا اراد الله شيئاً هيأ له أسبابه ، فظهرت الترجمة بفضله وكرمه ، ليست ترجمةً حرفية يُقصد بها الأمانة وحدها ولا ترجمةً حرة يُقصد بها الإبانة فحسب ، بل ترجمة أصيلة خالية من اللكنة الأعجمية وافية للمعنى ، حتى أثنى عليها الكثيرون ممن يشهد لهم باللغة والادب قائلين إنها: « ترجمة لا يحس معها الانسان بان شخصاً ثالثاً يقوم فعلاً بينك وبين النورسي ، وهو المترجم » .
وان الذي لمسته في أثناء الترجمة ،أن المترجِم مهما كان حاذقاً في فنّه ، ورصيناً في أسلوبه ، وثرياً في مخزونه اللغوي ، لا يقدر على إبلاغ المترجَم له إلاّ إذا تشربت روحُه وانشرح صدره وقلبه بالمعاني والافكار التي يقوم بترجمتها . إذ يؤثر هذا التشرب الروحي والانشراح القلبي في القارىء أكثر من تأثير الألفاظ الجميلة والجمل الرنانة .
وهكذا فالالتجاء الى قدرة الله بالعجز والضعف الانساني ، والتواصل الروحي والقلبي مع المترجَم ضرورة من ضرورات الترجمة . أما صياغة الألفاظ والمعاني فهي تأتي مسرعة بقدر ذلك الالتجاء والتواصل المعنوي .

وختم كلامه بنصيحة قدّمها له احد الاخوة قائلاً :
إنك يا أخي تقوم بعمل جليل، وهو تفسير للقرآن العظيم يُعرَض على الله جل وعلا ، فلا تكتب شيئاً من دون وضوء. والتزمت بفضل الله بنصيحته طوال فترة الترجمة التي استغرقت إحدى عشرة سنة من السنين العجاف التي قضيناها في العراق ، تلك هي سني الحروب المتتالية.

واشار الدكتور احمد آق كوندوز عميد الكلية الاسلامية في نوتردام بهولندة بان رسائل النور ليست حصراً لجماعة في تركيا او في العالم الاسلامي ، بل انها اصبحت مُلك العالم بأسره ، لان الكل له حاجة الى المعاني السامية التي يتضمنها رسائل النور . واستشهد بقول الاستاذ النورسي : ان الرسائل ليست ملكي ولا مني بل هي ملك القرآن.

ثم أشار الاستاذ احسان قاسم الصالحي على النقاط التي ينبغي على المترجم مراعاتها في ترجمة رسائل النور .
1-إخلاص النية لله ، لأننا نؤمن بأن الترجمة ستعرض عليه يوم يقوم الاشهاد .
2- الشعور بالعجز المطلق والاعتماد على الله ، حيث تنفتح في أثناء الترجمة أبواب رحمته تعالى بما ليس في الحسبان .
3- قراءة المادة قبل الترجمة عدة مرات ،والافضل قراءة كليات رسائل النور او في الاقل قراءة السيرة الذاتية للأستاذ النورسي ، وبلوغ التشرب الروحي للمادة .
4-الاعتناء بالآيات الكريمة والاحاديث الشريفة من حيث ضبط الشكل والتخريج .
5- الترجمة الاصيلة خالية من اللكنة الاعجمية وافية للمعنى ،مع عدم التقيد بحرفية النص واستعمال ما يفهمه القارىء من الاسماء وغيرها ،وعدم إطلاق العنان للترجمة بالمعنى.
6- الحفاظ على المصطلحات وتمييزها عن معناها اللغوي وايضاحها في الهامش .
7-الحفاظ قدر الامكان على صيغة الجملة؛ استفهامية، تعجبية، إنكارية ...الخ .
8- توضيح ما يمكن أن يُعترض عليه من قبل القارىء .
9- التثبت مما قد يجهله المترجم ، ومحاولة الوصول الى المصدر .
10- وضع تعريف مبسط لكل ما يرد في النص من أعلام او مواقع وغيرها.
11-تمييز حواشي المؤلف عن حواشي المترجم ،مع الاهتمام بالتنقيط .
12- إشراك أكبر عدد ممكن من المصححين والمنقحين .

وذكر سبب قيامه بترجمة رسائل النور قائلاً :
عقب المحاضرة التي ألقيتها حول ترجمة رسائل النور في قاعة كلية الآداب في الدار البيضاء بالمغرب (في فبراير سنة 1998 ) ، سألني أحد الطلبة:
"ما الذي دفعك للقيام بهذا المجهود الضخم بترجمة كليات رسائل النور في تسعة مجلدات من اللغة التركية إلى العربية ، فإن جميع المصادر الإسلامية هي باللغة العربية و منها تُترجم إلى اللغات الأخرى، فما الذي دفعك بالسير المخالف هذا؟".
وكان جوابي جملة قصيرة:
أخلاق طلاب النور وسلوكهم الإسلامي. وكل من قرأ رسائل النور هو طالب نور، ولا أزكّي على الله أحداً.
نعم، عند لقائي طلاب النور في سنوات السبعينات من القرن المنصرم لمست الإسلام حياً نابضاً ومعيشاً في حلّهم وترحالهم، بل كشفتُ فيهم صفاء الإيمان ونقاء الوفاء وصدق الإخلاص ودوام العطاء، واستشعرت بالاطمئنان والسكينة تغمران قلوبهم.
فكيف نالوا هذا القدر الوافر من السلوك القويم والإيمان العميق الذي ينعكس نوره حتى على ملامحهم ناهيك عن أعمالهم وحركاتهم، على الرغم من حرمانهم من اللغة العربية بل حتى من الحروف العربية، بعد ما فعل بهم الهدم والتخريب ما فعل ؟. لا شك أن السر يكمن في رسائل النور التي يقرأونها ويتدارسونها، ولا شيء غيرها.. فلقد حيل بينهم وبين مصادر الإسلام كافة بتغيير الحروف إلى اللاتينية، بل حيل بينهم وبين القرآن الكريم.. وغدت لهم هذه الرسائل المصدر والمرجع لاستلهام حقائق الإيمان. وبفضل الله سبحانه وتعالى استطاعت هذه الرسائل بروحها القرآنية أن تأخذ بأيدي طلابها من الإيمان التقليدي إلى الإيمان التحقيقي والعروج بهم إلى معرفة الله سبحانه وتعالى.

ثم قدم المترجمون ورقة اعمالهم طيلة مدة خمسة ايام ، تناولوا فيها العناية الربانية التي احاطت بهم ، والمعوقات التي واجهوها اثناء الترجمة والسبل الكفيلة لغرض تذليلها .

ومن جانب آخر حضر الندوة الطلاب المقربين من الاستاذ بديع الزمان سعيد النورسي : الشيخ محمد قرقنجي ، محمد فرنجي ، وحسني بايرام ، عبدالله يكن ، وتحدثوا عن ذكرياتهم مع الاستاذ النورسي وحركة ترجمة رسائل النور في العالم العربي والاسلامي .

وأخيراً .. أنقل ما قيل عن الترجمة العربية لرسائل النور :

(1) أ . د عبد المنعم أحمد يونس، أستاذ الأدب والنقد بكلية اللغة العربية - جامعة الأزهر، رئيس جمعية رابطة الأدب الإسلامي بالقاهرة، المؤتمر السابع للهيئة العامة لرابطة الأدب الإسلامي العالمية (القاهرة) في 13 - 15 رجب 1426/ 18 - 20 أغسطس 2005
«أحب أن أتوجه بكلمة إشادة أوجهها إلى المترجم العظيم إحسان قاسم الذي نقل إلى العربية تلك الرسائل في أسلوب رائع، وأدب بديع، لأن القارئ لهذه الرسائل لا يحس مطلقًا أنها كتبت بالتركية، ثم ترجمت إلى العربية، وإنما يوقن تمامًا أن روح كاتبها تدب فيها، وهذه قدرة فائقة في الترجمة لا يستطيعها إلا أولئك الذين كانوا ضالعين في كلتا اللغتين المترجم منها والمترجم إليها».


(2) الدكتور عماد الدين خليل في كتابه رؤية جمالية :
«ومنذ البدء، يلمس المرء تماماً، حضوراً مؤثراً للأخ الأستاذ (إحسان قاسم الصالحي) ليس كمترجم للنورسي فحسب، وإنما كأديب حساس، يملك تقنياته اللغوية، وخبرته المرنة اللتين يعرف بهما كيف يتجاوز موات النقل الحرفي أو النصي كما يفعل الكثيرون من أنصاف المترجمين، وكيف يجعل القارئ حاضراً تماماً في المناخ الأكثر مقاربة لمعطيات (النورسي) وبالتالي الأكثر إعانة للدارسين على التماس مع هذه المعطيات، خاصة إذا كانت المسألة تتعلق بمتابعة البعد الجمالي الذي لن يتأتى (تذوقه) إلاّ من خلال جهد ترجماني مبدع، كذلك الذي بذله (الصالحي) على مدى عشرين سنة .. ولا يزال».


(3) د. حسن الأمراني في كتابه: النورسي أديب الإنسانية، دار النيل للطباعة والنشر2005 :
«إن بديع الزمان صنف المثنوي بالعربية، مما يجعل البحث في شعرية النص وأدبيته أمراً مشروعا، ولم يكن الأمر هينا لو أراد المرء تلمس تلك الأدبية فيما هو مترجم من رسائله، مع الإقرار بالقدرة الفائقة للأستاذ إحسان قاسم الصالحي في الترجمة التي قد لا يحس معها الإنسان بأن شخصا ثالثا يقوم فعلا بينك وبين النورسي، وهو المترجم».


(4) عابدين رشيد ، كاتب وباحث اسلامي :
رأيي وتعليقي على صيقل الإسلام ( القسم المترجم) :
نظراً لروعة سبك عبارات الكتاب ولسهولة ووضوحه وحلاوته وبيانه أكاد اقول عنه :
«إنه تأليف وليس بترجمة » .