قصة قصيرة لحسين فيلالي

قيل سبعة ، وقيل عشرون ، وقيـل سبعـة وعشرون ، الله اعلم بعددهم. على أكتافهـم حملوا فؤوسهم ، وفـي رقابهم علقـوا هواتفهم النقالة. يخرجون ليلا ، يجوبون شـوارع المدينة، حتى إذا ما وجد أحدهـم قطعـة أرض جرداء، وضـع عليها علامـة خاصة، وانهمك في الحفـر.
الـرعـب أصاب المدينـة ، و الحوامـل أجهضن ، والأطفـال أحجموا عن الخروج مـن منازلهـم .
قيل إنهم من بقايـا عهد الملك سليمان، وقيل إنهم يا جوج وما جوج . وقيل إنهم أرواح شريرة على هيئة خفافيش كبيرة , وقيل ... وقيل .
حملت المدينة هلعها إلى حاكم البلدة، قـال :
- دعوهم فإنهم لن يمسوكم بســوء .
عادوا إليه بعد أيام :
يا مولانا ، إن بيوتنا تصدعت مــن الحفر، فانظر ماذا ترى ؟
قال:
- دعوهم، فإنهم لن يمسوكم بسـوء .
رجل لم يذكر اسمه ، سجل مكالمة هاتفيـة كشفت سر المدينــة:
- ألو
- نعم
- هل ترى ما أرى ؟
- ماذا ترى ؟
- الدم يخرج بغزارة من الأرض التي أحفرها .
- نعم
- وهل تشم ما أشم ؟
- ما ذا تشم؟
- رائحته كالمسك .
- أجل
- انتظر ، إنه يقترب مني .
- من هو ؟
- إنه يلبس بزه عسكرية قديمة.
- احذره .
- إن رجله تنزف بالدم ، ويده أيضـا .
- ماذا تقول ؟
- إنه بلون الدم الذي يخرج من الأرض التي نحفرها .
- ماذا تقول ؟
- أنا أيضا أرى ما ترى ؟
- و بنفس اللون ؟
- أجل
- وبنفس الرائحة ؟
- و بنفس الرائحة.
- إن الرجل يحمل خاتما في يده، وورقه.
- إنه يقترب مني أكثر.
- هل تعرفت عليه ؟
- انتظر ، إنه لطفي، لا،لا، سي الحواس،لا، لا إنه يتكاثر صار اثنين .. أربعة .. عشرين .. آي ، لقد وسمنـي بخاتمه على الخرطوم ، آي ، آي ..
في الصباح ، استيقظت المدينة على أجسام بشريـة مختومـة علـى جباههــا ، و مغروسة كالأوتاد في الأرض.
كـان مـن بينهم حاكــم البلـدة ، و النائـب المحلـي و نائب الأمــة، و البرلمانـي، و شخصيـات مدنية، وعسكريـة .
وما أثار انتباه المدينة أن السلطات المحليـة على غير عادتها كانت تسرع في إخفاء رؤوس الجثث، لكن الغريب في الأمر أن الأرض كانت تلفظ الجثث من القبور .