راح الزمن ينحت في جسديهما علامات الكبر ، جاهدا نفسهما على محو أثره ولكن التجاعيد أمعنت بقوة في رسم تقدم العمر ، فصارت العزيمة تضعف وتتقهقر تعلن اقتراب الهزيمة ، لكن اﻻمل بقيت شعلته خافته في داخلهما تعلقا به بقوة لكي يظلا في حلمهما الذي بقي وحيداً في خزينة التمني .
ضمهما منزل تطغى عليه علامات الفخامة في كل محتوياته التي هي مثار ثرثرة للجيران الذين يؤدون أن يكونوا في مثل حالهم ذو الثراء الفاحش ، لكن الألم كان مستقر في جنابته أحيانا يهجم على فكرهما عندما يجلسان وحدهما في صالة الجلوس ، ويحاولان عبثا في فك قيده عبر الانغماس في أكل بشراهة أو عبر مشاهدة التلفزيون الذي أحيانا ما يزداد وقعه عليهما عندما يعرض صورة الطفولة في لهوها وضحكتها البريئة والتي تكبلهما إلى صمت وسكون مطبق يحول جسديهما إلى تمثلين يرحل بهما الوقت إلى النعاس والنوم أحيانا .
في إحدى الليالي وهما غارقاًن في النوم استيقظا مفزوعين على صوت طفل يبكي أنصتا للصوت الذي جاء من بيت جارهما في تلهف فإذا بهما يسمعا عبارات الزجر و النهر .
يا لك من طفل مزعج سوف أرميك في الخارج إن لم تكف عن هذا البكاء
رق قلبهما لصوت بكاء الطفل وسالت دمعة من عين الزوجة .
وقالت : يالك من رجل قاسي القلب !!
احتضنت وسادت نومها وضغطت عليها بشدة وهي في حرقة وكمد يمزق أحشائها نظر إليها الزوج وهو يحاول إطفاء شرارة التفكير فأغمض عينيه لكي يمسح المشهد المؤلم ولكن محاولته لم تصمد فعانقه اﻻرق وأخذت اﻻفكار تقصف ذهنه بشدة وتبحر به في الطفولة في كافة صورها مشرحة بعمق ، خرج من جوفه زفير طويل ينم على حسرة ، هرب من أمواج أفكاره فتسرب إلى جسده الخمول الذي أخذ يشده إلى مرفأ النوم الذي لن يخلصه من قيد القدر .