Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958

Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 23

الموضوع: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

  1. #1
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    Smi28 موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    ربما عجزي وضعفي يجتمعان لدفعي لتخليد صفحة أجمع فيها أخلاقك يا من بكيت شوقا لنا وحبا ورحمة
    وهتفت بأننا إخوانك الذين لم يحالفنا الحظ برؤياك ..
    حبيبي ونبي وسيدي وشفيعي محمد صلى الله عليه وسلم ، لك وحدك وحبا في الله تعالى وفيك أجمع هذه القصص التي يتجلى فيها سمو أخلاقك ونبل تعاملك في زمن شحت فيه مكارم الأخلاق وقل فيه الرجال !!

    اسأل الله وحده أن يجبر كسري ويقوي ضعفي وأن يسدد قلمي الوليد الهزيل لأن أكون أهلا لكتابة ما يليق بك يا نبي ورسولي محمد صلى الله عليك وسلم ..

    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

  2. #2
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    مدخل ~

    وأجمل منك لم تر قط عيني *** وأكمل منك لم تلد النساء
    خُلقت مبرأً من كـل عيـب *** كأنك قد خلقت كما تشاء

    حسـان بن ثابت رضي الله تعالى عنه ~

    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

  3. #3
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    [ الرحمة ]

    قال تعالى : (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )) سورة الأنبياء : 107

    يقول الأستاذ علي أبو عبد الكريم ،

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين وافضل الصلاة واسلام على سيدي ومولاي نبينا محمد واله وصحبه اجمعين وبعد:
    في الاية الكريمة وصف الله تعالى نبيه محمد بالرحمةوجعل الله تعالى نبيه محمدا r رحمة للخلق كافة فقال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107)
    قال ابن كثير :
    يخبر تعالى أن الله جعل محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين أي أرسله رحمة لهم كلهم فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والآخرة ومن ردها وجحدها خسر الدنيا والآخرة كما قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29))(إبراهيم : 28 ، 29) .
    وقول ابن كثير قاصر على أهل التكليف من الجن والإنس ، ولكن رحمة النبي تشمل كل شئ ، فتشمل الجن والإنس والجماد والحيوان وغيرها من الكائنات على ما سنفصله .
    وذلك إن الله سبحانه وصف نفسه بأنه رب العالمين فقال تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الفاتحة:2)
    وقال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف:54)
    وقال تعالى : (وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف:104)
    فهل نقول أن الله تعالى رب الجن والإنس فقط ؟! بل رب كل الخلق سبحانه وتعالى ، فعندما يصف رب العالمين رسوله محمدا r أن رحمة للعالمين فهو يعم كل المخلوقات .
    قال ابن القيم :
    وأصح القولين في قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) أنه على عمومه .وفيه على هذا التقدير وجهان :
    أحدهما : أن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته ، أما أتباعه فنالوا به كرامة الدنيا والآخرة ، وأما أعداؤه : فالمحاربون له عجل قتلهم وموتهم خير لهم من حياتهم ؛ لأن حياتهم زيادة لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة ، وهم قد كتب عليهم الشقاء فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم في الكفر.
    وأما المعاهدون له : فعاشوا في الدنيا تحت ظله وعهده وذمته ، وهم أقل شرا بذلك العهد من المحاربين له وأما المنافقون : فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقن دمائهم وأموالهم وأهلهم واحترامها ، وجريان أحكام المسلمين عليهم في التوارث وغيره .
    وأما الأمم النائية عنه : فإن الله سبحانه رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض ، فأصاب كل العالمين النفع برسالته .
    الوجه الثاني : أنه رحمة لكل أحد ؛ لكن المؤمنون قبلوا هذه الرحمة فانتفعوا بها دنيا وأخرى ، والكفار ردوها فلم يخرج بذلك عن أن يكون رحمة لهم ؛ لكن لم يقبلوها كما يقال : هذا دواء لهذا المرض ، فإذا لم يستعمله المريض لم يخرج عن أن يكون دواء لذلك المرض .
    وروى مسلم (2599) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ
    قَالَ : إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً .
    قال تعالى : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَْمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران:159) .
    ويمضي السياق القرآني في جولة جديدة .. جولة محورها شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقيقته النبوية الكريمة وقيمة هذه الحقيقة الكبيرة في حياة الأمة المسلمة ؛ ومدى ما يتجلى فيها من رحمة الله بهذه الأمة وحول هذا المحور خيوط أخرى من المنهج الإسلامي في تنظيم حياة الجماعة المسلمة ، وأسس هذا التنظيم فنجد حقيقة الرحمة الإلهية المتمثلة في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وطبيعته الخيرة الرحيمة الهينة اللينة ، المعدة لأن تتجمع عليها القلوب وتتألف حولها النفوس .
    فيتوجه الخطاب إليه صلى الله عليه وسلم بطيب قلبه وإلى المسلمين بشعرهم نعمة الله عليهم به .. ويذكره ويذكرهم رحمة الله الممثلة في خلقه الكريم الرحيم ، الذي تتجمع حوله القلوب .. الذي هو أفضل من الملائكة لأن الملائكة من العالمين ، وأن القوم لما انهزموا عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ثم عادوا لم يخاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالتغليظ والتشديد وإنما خاطبهم بالكلام اللين ، ليستجيش كوامن الرحمة في قلبه صلى الله عليه وسلم فتغلب على ما أثاره تصرفهم فيه ؛ وليحسوا هم حقيقة النعمة الإلهية بهذا النبي الرحيم ثم يدعو أن يعفو عنهم ويستغفر الله لهم .. وأن يشاورهم في الأمر كما كان يشاورهم غير متأثر بنتائج الموقف – غزوة أحد – لإبطال هذا المبدأ الأساس في الحياة الإسلامية .
    فهي رحمة الله نالته ونالتهم ؛ فجعلته صلى الله عليه وسلم رحيماً بهم ، ليناً معهم ولو كان فظاً غليظ القلب ما تألفت حوله القلوب ولا تجمعت حوله المشاعر . فالناس في حاجة إلى كنف رحيم وإلى رعاية فائقة ، وإلى بشاشة سمحة وود يسعهم وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم .. في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء ؛ ويحمل همومهم ولا يعينهم بهمة ويجدون عنده الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء وهكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا كانت حياته مع الناس ما غضب لنفسه قط ولا ضاق صدره بضعفهم البشري ، ولا احتجز لنفسه شيئاً من أعراض هذه الحياة بل أعطاهم كل ما كانت يداه في سماحة ندية ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده الكريم . ومامن واحد منهم عاشره أو رآه إلا امتلأ قلبه بحبه ؛ نتيجة لما أفاض عليه صلى الله عليه وسلم من نفسه الكبيرة الرحيمة .
    وكأن الله جل جلاله يقول له : فبرحمة الله يا مـحمد ورأفته بك، وبـمن آمن بك من أصحابك، لنت لهم لتبَّـاعك وأصحابك فسهلت لهم خلائقك، وحسنت لهم أخلاقك، حتـى احتـملت أذى من نالك منهم أذاه، وعفوت عن ذي الـجرم منهم جرمه، وأغضبت عن كثـير مـمن لو جفوت به وأغلظت علـيه ، لتركك ففـارقك ولـم يتبعك ولا ما بعثت به من الرحمة، ولكن الله رحمهم ورحمك معهم ..
    فطبيعتك يا محمد طبيعة تتناسب لما يطلب منك في هذه المسألة فهم خالفوك ولم يستجيبوا لك حينما قلت : " إليَّ عباد الله . إني رسول الله " ، وهذا شئ يُحفِظ ويُغضب ولكنه لا يُحفظ طبيعتك ولا يُغضب سجيتك لأنك مفطور مع أمتك على الرحمة فكأنه يريد أن يُحنن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته التي أصابته بالغم .
    وهذه الآية جاءت عقب أحداث حدثت في أحد :
    الحدث الأول :
    أنه صلى الله عليه وسلم رأى ألا يخرج إلى قتال قريش خارج المدينة بل يظل في المدينة ، فأشار عليه المحبون للشهادة والقتال للتعويض كما فاتهم من شرف القتال في بدر أن يخرج إليهم فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رأيهم ولبس لأمته فلما أحسوا أنهم أشاروا على رسول الله بما يخالف ما كان قد بدر منه تراجعوا وقالوا : يا رسول الله إن رأيت ألا نخرج ، فقال : " ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل " .
    الحدث الثاني :
    تخلف عبد الله بن أُبيّ ابن سلول – رأس المنافقين - بثلث الجيش .
    الحدث الثالث :
    مخالفة الرماة لأمره صلى الله عليه وسلم وتركهم مواقعهم على الرغم من أنه صلى الله عليه وسلم قد حذرهم من ذلك وقال لعبد الله بن جبير الذي أمَّره على الرماة : " أنضح عنّا الخيل بالنَّبل ، لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فأثبت مكانك من قِبلك " ولكنهم خالفوا أمر رسول الله .
    الحدث الرابع :
    فرارهم حينما قيل : قُتل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    الحدث الخامس :
    حيث كان يدعوهم ؛ فروا لا يلوون على شئ .
    كل هذه الأحداث كادت تترك في نفسه صلى الله عليه وسلم آثاراً ، فبالرحمة التي أُودعت في قلبك فاستعملها في كل مجال وبها قد التفوا حولك لأدبك الجم ولتواضعك الوافر لجمال خلقك ، ولبسمتك الحانية ، ونظرتك المواسية ، لتقديرك لظرف كل واحد حتى أنك إذا وضع أي واحد منهم يده في يدك لم تسحب يدك أنت حتى يسحبها هو ، خُلُقٌ عالٍ ، فاجعله حيث يه لتتنازل عن الهفوات وليسعها خُلقك وحلمك ، لأنك في دور التربية والتأديب . وهي لا تقتضي أن تغضب لأي بادرة تبدر منهم ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) ، لأنك تخرجهم عما ألفوا من أمور الجاهلية والذي يخرج واحداً عما ألف لا يصح أن يجمع عليه إخراجه عما اعتاد بالأسلوب الخشن الفظ لأنه في حاجة إلى التودد والرحمة والملاطفة ، ولتكن معهم ليناً (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَن اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (الشعراء: 215)
    وقال : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنِ الْجَاهِلِينَ ).
    وقال : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (القلم: 4) ..
    وقال تعالى : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) (التوبة:128) .أنه تعالى وصف الرسول في هذه الآية بخمسة أنواع من الصفات :
    الصفة الأولى :
    قوله تعالى : (مّنْ أَنفُسِكُمْ ) وفي تفسيره وجوه :
    الأول : يريد أنه بشر مثلكم كقوله: (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مّنْهُمْ ) (يونس: 2) وقوله: (إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ ) (فصلت: 6) والمقصود أنه لو كان من جنس الملائكة لصعب الأمر بسببه على الناس ..
    الثاني : (مّنْ أَنفُسِكُمْ ) أي من العرب ، قال ابن عباس : ليس في العرب قبيلة إلا وقد ولدت النبي عليه السلام بسبب الجدات، مضرها وربيعها ويمانيها .. والمقصود منه ترغيب العرب في نصرته ، والقيام بخدمته ، كأنه قيل لهم : كل ما يحصل له من الدولة والرفعة في الدنيا فهو سبب لعزكم ولفخركم، لأنه منكم ومن نسبكم ..
    الثالث : (مّنْ أَنفُسِكُمْ ) خطاب لأهل الحرم ، وذلك لأن العرب كانوا يسمون أهل الحرم أهل الله وخاصته ، وكانوا يخدمونهم ويقومون بإصلاح مهماتهم فكأنه قيل للعرب : كنتم قبل مقدمه مجدين مجتهدين في خدمة أسلافه وآبائه ، فلم تتكاسلون في خدمته مع أنه لا نسبة له في الشرف والرفعة إلى أسلافه ؟ ..
    والقول الرابع : أن المقصود من ذكر هذه الصفة التنبيه على طهارته، كأنه قيل : هو من عشيرتكم تعرفونه بالصدق والأمانة والعفاف والصيانة ، وتعرفون كونه حريصاً على دفع الآفات عنكم وإيصال الخيرات إليكم، وإرسال من هذه حالته وصفته يكون من أعظم نعم الله عليكم.
    وقرىء (مّنْ أَنفَسِكُمْ ) أي من أشرفكم وأفضلكم ، وقيل : هي قراءة رسول الله وفاطمة وعائشة رضي الله عنهما.
    والقول الخامس : أنه قال ( من أنفسكم ) ولم يقل : جاءكم رسول منكم ، وهي أشد حساسية وأعمق صلة وأدل على نوع الوشيمة التي تربطهم . فهو بضعة من أنفسهم تتصل بهم صلة النفس بالنفس ..
    الصفة الثانية :
    قوله تعالى : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ) والعزيز هو الغالب الشديد ، والعزة هي الغلبة والشدة. وأما العنت هي المشقة والشدة والمعنى أي يشق عليه مكروهكم ، وأولى المكاره بالدفع مكروه عقاب الله تعالى ، وهو إنما أرسل ليدفع هذا المكروه ..
    الصفة الثالثة :
    قوله تعالى : (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ) وهو الحرص على إيصال الخيرات إليكم في الدنيا والآخرة ، فهو شديدة معزته عن وصول شيء من آفات الدنيا والآخرة إليكم .. لا يُلقى بكم في المهالك ولا يدفع بكم إلى المهاوي فإذا هو كلفكم الجهاد وركوب الصعاب فما ذلك من هوان بكم عليه ولا بقسوة في قلبه وغلظة ، إنما هي الرحمة في صورة من صورها . الرحمة بكم من الذل والهوان والرحمة بكم من الذنب والخطيئة والحرص عليكم أن يكون لكم شرف حمل الدعوة وحفظ رضوان الله والجنة التي وعد المتقون ..
    الصفتان: الرابعة والخامسة :
    قال ابن عباس رضي الله عنهما : سماه الله تعالى باسمين من أسمائه ، فقال : (بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ ) ولم يقل : رؤوف رحيم بالمؤمنين ، فلم ترك هذا النسق ؟
    الجواب : أن قوله : (بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ ) يفيد الحصر بمعنى أنه لا رأفة ولا رحمة له إلا بالمؤمنين.
    فأما الكافرون فليس له عليهم رأفة ورحمة ، وهذا كالمتمم لقدر ما ورد في هذه السورة من التغليظ كأنه يقول : إني وإن بالغت في هذه السورة في التغليظ إلا أن ذلك التغليط على الكافرين والمنافقين. وأما رحمتي ورأفتي فمخصوصة بالمؤمنين فقط ، فلهذه الدقيقة عدل على ذلك النسق.
    فلما كان عليه الصلاة والسلام إمام العالمين ، وجب أن أكثرهم حلما وأحسنهم خلقاً
    وروي عن بعض الصحابة أنه قال : لقد أحسن الله إلينا كل الإحسان ، كنا مشركين ، فلو جاءنا رسول الله بهذا الدين جملة، وبالقرآن دفعة لثقلت هذه التكاليف علينا، فما كنا ندخل في الإسلام ، ولكنه دعانا إلى كلمة واحدة ، فلما قبلناها وعرفنا حلاوة الإيمان ، قبلنا ما وراءها كلمة بعد كلمة على سبيل الرفق إلى أن تم الدين وكملت الشريعة ..

    المصادر
    - تفسير ابن كثير (3/202)
    - عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن قيم الجوزية ص182
    -(مظاهر الرحمة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم ) أبوحسام الدين الطرفاوي

    > يتبع إن شاء الله <

    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

  4. #4
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    بقلم : مها الجريس

    لــم يكن خلق الرحمة في شخصية محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً يتولَّد من الرؤية أو المخالطة او تفرضه الوقائع وما يصاحبها من مشاعر، بل هو أعمق من ذلك بكثير. لقد كان هاجساً يتملكه وخلقاً يجري في دمه حين ينزل أمر من الله تعالى يخشى أن يشقَّ على أمته فلا يطيقونه، وهذا من أخصِّ أوصافه صلى الله عليه وسلم حين امتدحه ربه تبارك وتعالى بقوله: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُوْلٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيْزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيْصٌ عَلَيْكُمْ بِالـمُؤْمِنِيْنَ رَؤُوفٌ رَحِيْمٌ[1]. وهذا ما عبَّر عنه صلى الله عليه وسلم صراحة في أكثر من حديث حين قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة)[2]. وقال عن الجهاد في حديث أبي هريرة أيضا: (لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت عن سرية، ولكن لا أجد حملة ولا أجد ما أحملهم عليه ويشق علي أن يتخلفوا عني)[3]. وحين سئل عن الحج أكل عام؟ قال: (لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم)[4]. وليلة أسري به فرض الله على أمته خمسين صلاة في اليوم والليلة فرآه موسى عليه السلام وأمره أن يراجع ربه ليخفف منها حتى صارت خمساً وذلك خشية أن تشق على أمته ولا يؤدونها. وقصة الإسراء والمعراج وفرض الصلاة بطولها عند الإمام مسلم[5].

    وفي صلاة التراويح في رمضان صلى بهم ثلاث ليال ثم تركهم خشية أن تفرض عليهم وكان يخفف بهم الصلاة ويطيلها لنفسه، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إليهم في رمضان فخفف بهم ثم دخل فأطال ثم خرج فخفف بهم ثم دخل فأطال فلما أصبحنا قلنا: يا نبي الله جلسنا الليلة فخرجت علينا فخففت ثم دخلت فأطلت قال: (من أجلكم)[6]. وحين ذكر فتنة الدجال كان يقول لأصحابه أنه سيكون هو من يجادله لو خرج فيهم وهو حي وإن لم يكن حياً فإن كل امرئ مسؤول عن نفسه. لكن قلبه الرحيم لم يكن لينسى أن يستخلف الله تعالى على كل مسلم من هذه الفتنة العظيمة فقال صلى الله عليه وسلم: (إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فامرؤٌ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم)[7].

    وكان صلى الله عليه وسلم يحب اليُسْرَ على الناس ويأمر به. قالت عائشة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من عندي وهو مسرور طيب النفس ثم رجع إلي وهو كئيب، فقال: (إني دخلت الكعبة ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلتها إني أخاف أن أكون قد شققت على أمتي)[8]. وكان مبعث خوف النبي صلى الله عليه وسلم أن تقع المشقة والتعب على الأمة لقصدهم الاتباع لرسول الله في دخول الكعبة وذاك لا يتيسر لغالبهم إلا بتعب ومشقة.

    لقد كان يدعو الله تعالى لأمته كثيرا وفي الحديث عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً صلاة فأطال فيها فلما انصرف قلنا أو (قالوا) يا رسول الله أطلت اليوم الصلاة قال: (إني صليت صلاة رغبة ورهبة سألت الله عز وجل لأمتي ثلاثاً فأعطاني اثنتين وردّ عليّ واحدة. سألته أن لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم فأعطانيها. وسألته أن لا يهلكهم غرقاً فأعطانيها. وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فردّها عليّ)[9]. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني وعيسى إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فرفع يديه وقال: (اللهم أمتي أمتي) وبكى، فقال الله عز وجل: (يا جبريل اذهب إلى محمد -وربك أعلم- فَسَلْه ما يبكيك؟). فأتاه جبريل فسأله فأخبره صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم فقال الله: (يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك)[10].

    لقد كان عليه الصلاة وأزكى التسليم رحيماً شفيقاً بأمته أجمعين. قرأ عليه ابن مسعود رضي الله عنه ذات يوم شيئا من سورة النساء فلما بلغ قوله تعالى فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيْدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيْدَاً، يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِيْنَ كَفَرُوا وَعَصَوا الرَّسُوْلِ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُُ وَلا يَكْتُمُوْنَ الله حَدِيْثَاً فقال صلى الله عليه وسلم: (حسبك). قال بن مسعود: فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إقرأ علي القرآن) قال: فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: (إني أشتهي أن أسمعه من غيري) فقرأت النساء حتى إذا بلغت فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيْدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيْدَاً رفعت رأسي أو غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل[11]. لقد كانتا تذرفان رحمة بأمته التي قامت عليها الحجة ولم يبق لهم من عذر في مواجهة عذاب الله تعالى وأنه سيكون شهيداً عليهم يوم القيامة.

    وكان يمنع أصحابه من الإكثار في المسألة لئلا يشدد الله عليهم، وفي هذا قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لََكُمْ تَسُؤْكُمْ، وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِيْنَ يُنَزَّلُ القُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا الله عَنْهَا وَالله غَفُوْرٌ حَلِيْمٌ، قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِيْنَ[12].

    ومن مظاهر رحمته بأمته صلى الله عليه وسلم أنه ضحّى يوم عيد الأضحى عن نفسه وعن من لم يُضَحِّ من أمته رحمة منه بالجاهل والفقير. ومن مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته أنه كان يخشى أن تصيب دعوته أحداً من الناس في ساعة غضب أو ثورة نفس لأنه صلى الله عليه وسلم بشر كسائر البشر، فقد سأل الله تعالى أن لا يقبل دعوته على مسلم وأن يجعلها له زكاة وطهارة وقربة. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم إني أتخذ عندك عهداً لن تخلفنيه فإنما أنا بشر، فأي المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته،فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة)[13].

    ومن مظاهر رحمته بهم حرصه على رجوع الغائب المسافر إلى أهله واجتماع شملهم. فعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتقنا أهلنا وسألنا عمن تركنا في أهلنا فأخبرناه، وكان رقيقاً رحيماً فقال: (إرجعوا إلى أهليكم فعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي وإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم)[14].

    ومن مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته تذكيرهم برحمة الله تعالى بعباده وحثهم على حسن الظن به سبحانه، وهو باب واسع يطول الحديث فيه لكن سأقتصر على بعض تلك الأحاديث. فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم على النبي سبي فإذا امرأة من السبي تحلب ثديها تسقي إذا وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (أترون هذه طارحة ولدها في النار؟). قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال: (لله أرحم بعباده من هذه بولدها)[15]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي)[16]. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو تعلمون قدر رحمة الله لاتَّكَلْتم) أحسبه قال: عليها[17]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين وأنزل في الأرض جزءاً واحداً فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه)[18]. وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق مابين السماء والأرض فجعل منها في الأرض رحمة فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة)[19].

    ومن مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته أجمعين انه خَبَّأ دعوته المستجابة لتكون شفاعة لهم يوم القيامة وقد قال: (لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة)[20]. وكان نهاهم أن يبلغوه عن أحد منهم شيئاً يكرهه لئلا ينفر منهم. قال صلى الله عليه وسلم (لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر)[21].

    ومن مظاهر رحمته بأمته صلى الله عليه وسلم أنه دعا بالرفق لمن ولي أمرهم فرفق بهم ودعا على من شقّ عليهم فقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشَقَّ عليهم فشُقَّ عليه)[22]. فكان ذلك نبراساً وهدياً لكل من يتحمل أمانة ومسؤولية في أمته إلى أن تقوم الساعة.

    ومن هنا فإننا لا نعجب من ازدياد أتباع هذا الدين مهما حاول أعداؤه أن يشوهوه لأنه بكل بساطة "رحمةٌ للعالمين".


    [1] سورة التوبة / الآية 128
    [2] صحيح البخاري 838
    [3] صحيح البخاري 2750
    [4] صحيح مسلم 2380
    [5] صحيح مسلم 234
    [6] مسند الإمام أحمد 12111 وقال في مجمع الزوائد رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح (3/173)
    [7] مسلم 5228 وفي الحديث قصة الدجال بطولها
    [8] رواه أصحاب السنن عدا النسائي وضعفه الألباني في الضعيفة (6/420)
    [9] سنن ابن ماجة 3941 وقال الهيثمي في الزوائد إسناده صحيح. ورواه الترمذي 2175 وقال حديث حسن صحيح.
    [10] صحيح مسلم 301
    [11] صحيح البخاري 4216
    [12] سورة المائدة / الآية 101
    [13] صحيح مسلم 4707
    [14] صحيح البخاري 5549
    [15] صحيح البخاري 5540
    [16] صحيح البخاري 6855
    [17] قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 213) رواه البزار وإسناده حسن
    [18] صحيح مسلم 4942
    [19] صحيح مسلم 5988
    [20] صحيح البخاري 5829
    [21] سنن أبى داود 4860 وله شاهد عند أحمد حسنه الشيخ أحمد شاكر (1/396)
    [22] صحيح مسلم 3407

    >>> يتبع إن شاء الله <<<

    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

  5. #5
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    مواقف تدل على رحمته صلى الله عليه وسـلم :-

    1- يرحم غلام أبي مسعود الأنصاري:

    يروي أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه فيقول: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاَمًا لِي، فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا "اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ". فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ. فَقَالَ: "أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ، لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ"[1].

    2- "يا أنيس اذهب حيث أمرتك":

    عن أنس بن مالك قال: "كان رسول صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت: والله لا أذهب. وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم. قال: فخرجتُ حتى أمُرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قابض بقفاي من ورائي؛ فنظرت إليه، وهو يضحك فقال: "يَا أُنَيْسُ، اذْهَبْ حَيْثُ أَمَرْتُكَ". قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله. قال أنس: والله لقد خدمته سبع سنين أو تسع سنين، ما علمتُ قال لشيء صنعت: لمَ فعلت كذا وكذا، ولا لشيء تركت: هلاَّ فعلت كذا وكذا"[2].

    3- ويقبل الحسن بن علي رحمة به:

    قَبَّل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس[3]، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلتُ منهم أحدًا. فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ"[4].

    4- يطيل السجود رحمة بالصبي:

    عن شداد بن الهاد[5] قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل حَسَنًا أو حُسينًا، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبَّر للصلاة، فصلَّى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها. قال أبي: فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يُوحى إليك. قال: "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي؛ فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ"[6].

    5- ويرحم زوجه عائشة رضي الله عنها:

    اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ رضي الله عنها -ابنته- عَالِيًا، فَلَمَّا دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا، وَقَالَ: أَلاَ أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم! فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحْجِزُهُ وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ: "كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ؟" قَالَ: فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيَّامًا ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا، فَقَالَ لَهُمَا: "أَدْخِلاَنِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ فَعَلْنَا قَدْ فَعَلْنَا"[7].

    6- اذهب فأطعمه أهلك:

    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت! فقال: "وَمَا ذَاكَ؟" قال: وقعت بأهلي في رمضان. قال: "تَجِدُ رَقَبَةً؟". قال: لا. قال: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟" قال: لا. قال: "فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟" قال: لا.

    قال (أي الراوي): فجاء رجل من الأنصار بعرق -والعرق: المكتل- فيه تمر، فقال: "اذْهَبْ بِهَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ". قال: أعلى أحوج منا يا رسول الله؟! والذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا. ثم قال: "اذْهَبْ، فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ"[8].

    7- إن منكم منفرين:

    عن أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني -والله- لأتأخر عن صلاة الغداة؛ من أجل فلان مما يطيل بنا فيها. قال: فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قط أشد غضبًا في موعظة منه يومئذٍ، ثم قال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُوجِزْ؛ فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ"[9].

    8- فإن الله قد غفر لك:

    عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ونحن قعود معه إذ جاء رجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًّا، فأقمه عليَّ. فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أعاد فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًّا فأقمه عليَّ. فسكت عنه، وأقيمت الصلاة، فلما انصرف نبي الله صلى الله عليه وسلم قال أبو أمامة: فاتَّبع الرجلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف، واتَّبعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنظرُ ما يرد على الرجل، فلحق الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًّا فأقمه عليَّ.

    قال أبو أمامة: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَرَأَيْتَ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ أَلَيْسَ قَدْ تَوَضَّأْتَ فَأَحْسَنْتَ الْوُضُوءَ" قال: بلى يا رسول الله. قال: "ثُمَّ شَهِدْتَ الصَّلاَةَ مَعَنَا". فقال: نعم يا رسول الله. قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَإِنَّ اللهَ قَد غَفَرَ لَكَ حَدَّكَ -أو قال- ذَنْبَكَ"[10].

    9- يخفف الصلاة رحمة بأم الصبي:

    عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنِّي لأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ"[11].

    =============

    [1] مسلم: كتاب الأيمان، باب صحبة المماليك وكفارة من لطم عبده (1659)، وأبو داود (5159)، والترمذي (1948)، وأحمد (22404)، والبخاري في الأدب المفرد (171)، والطبراني في الكبير (683)، وعبد الرزاق (17933).
    [2] مسلم: كتاب الفضائل، باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقًا (2310)، وأبو داود (4773).
    [3] الأقرع بن حابس: هو ابن عقال التميمي المجاشعي الدارمي، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد فتح مكة وحُنينًا والطائف، وهو من المؤلفة قلوبهم، وقد حَسُنَ إسلامُه. شهد فتح العراق وفتح الأنبار، وكان على مقدمة خالد بن الوليد. انظر: ابن عبد البر: الاستيعاب 1/193، وابن الأثير: أسد الغابة 1/149، وابن حجر: الإصابة، الترجمة (229).
    [4] البخاري كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته (5651)، ومسلم: كناب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم بالصبيان والعيال (2318).
    [5] شداد بن الهاد، واسم الهاد: أسامة بن عمرو، وسمِّي كذلك لأنه كان يوقد النار ليلاً للأضياف. شهد الخندق، وسكن المدينة، وتحول إلى الكوفة، وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن مسعود. انظر: ابن حجر: الإصابة (3856)، وابن الأثير: أسد الغابة 2/374.
    [6] النسائي (1141)، وأحمد (27688)، والحاكم (4775)، وصححه ووافقه الذهبي، وابن خزيمة (936)، وابن حبان (2805)، واستدلَّ به الألباني في إطالة الركوع. انظر: الألباني: صفة صلاة النبي ص148.
    [7] أبو داود (4999)، وأحمد (18418)، والنسائي في السنن الكبرى (8495)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
    [8] البخاري: كتاب كفارات الأيمان، باب من أعان المعسر في الكفارة (2460)، مسلم: كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان... (1111).
    [9] البخاري: كتاب الأحكام، باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان (6740)، ومسلم: كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة (466).
    [10] مسلم: كتاب التوبة، باب قوله تعالى "إن الحسنات يذهبن السيئات" (2765).
    [11] البخاري: كتاب الجماعة والإمامة (15)، باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي (675)، ومسلم: كتاب الصلاة (4)، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة (470).


    المصـدر : هنا

    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

  6. #6
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    كان النبي صلى الله عليه وسـلم يحث على الرحمة وعلى هذا الخلق العظيم كيف لا والله عزوجل وصفه بالرحيم ، يقول صلى الله عليه وسلم : (( إنما يرحم الله من عبادهـ الرحماء ))1
    وقوله صلى الله عليه وسـلم : (( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )) 2
    ويقول أيضا : (( من لا يرحم لا يُرحم )) 3
    وقال أيضا : (( لا تنزع الرحمة إلا من شقي )) 4
    وقال في وصف المؤمنين : (( مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى )) 5
    ========
    1- رواه البخاري (2/100) ، (8/166)
    2- ذكره البيهقي في السنن الكبرى ( 9/41 )
    3-4 : رواه الترمذي (1923) . ورواه أبو داود ( 4942 ) . ورواه الإمام أحمد (2/ 310،422)
    5-رواه مسلم (66) كتاب البر والصلة

    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

  7. #7
    أستاذ بارز
    الصورة الرمزية أحمد المدهون
    تاريخ التسجيل
    28/08/2010
    المشاركات
    5,295
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    صلّ اللهم وسلّم وبارك على نبيّ الرحمة المهداة إلى الناس أجمعين،
    ما أحلمه وما أرحمه بأمته وبالناس أجمعين
    عليه الصلاة وأزكى السلام

    عند دخوله مكة سلماً، سأل أهلها ممن أساؤوا إليه وإلى دعوته وأصحابه:
    ما تظنون أني فاعل بكم؟
    قالوا: أخٌ كريم وابن أخٍ كريم
    فقال عليه الصلاة والسلام: إذهبوا فأنتم الطلقاء.

    يا لروعة الأخلاق ورفعتها، ما أحلمه وما أكرمه وما أعظمه من نبي.

    الأخت الكريمة سميرة رعبوب،
    في ميزان حسناتك بإذن الله.

    تقبلي تحياتي.

    " سُئلت عمـن سيقود الجنس البشري ؟ فأجبت: الذين يعرفون كيـف يقرؤون "
    فولتيـــر

  8. #8
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    حقا هو رحمة الله للناس أجمعين، عربهم وعجمهم، مؤمنهم وكافرهم، بل شملت رحمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ العجماوات من الطير والحيوان، فكان رحمة لمن على الأرض جميعا، كما قال الله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }(الأنبياء:107) ..

    وينطلق الهدي النبوي للرحمة بالحيوان في توازن يجمع بين منفعة الإنسان، وبين الرحمة والرفق، فيأمر برحمة الحيوان وعدم القسوة معه، ولا يتجاهل احتياجات الإنسان الغذائية والمعيشية التي تتطلب الانتفاع به .. ومن ثم فلا يسمح بالعبث بالحيوانات أو إيذائها أو تكليفها ما يشق عليها، ولا يوافق على قول بعض جماعات الرفق بالحيوان المعاصرة التي تدعو إلى منع قتل الحيوانات بالكلية، تذرعاً بالرفق معها وحماية حقوقها ..

    ومن الرحمة بالحيوان والطير في هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه لا يجوز تعذيبها ولا تجويعها، أو تكليفها ما لا تطيق، ولا اتخاذها هدفا يرمى إليه، بل وتحريم لعنها، وهو أمر لم ترق إليه البشرية في أي وقت من الأوقات، ولا حتى في عصرنا الحاضر، الذي كثرت فيه الكتابات عن الرفق بالحيوان ..
    وقد شدد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المؤاخذة على من تقسو قلوبهم على الحيوان ويستهينون بآلامه، وبين أن الإنسان على عِظم قدره وتكريمه على كثير من الخلق، فإنه يدخل النار في إساءة يرتكبها مع الحيوان، فقد دخلت النار امرأة في هِرَّة، حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي أطلقتها.. وفي المقابل دخلت الجنة امرأة بغي في كلب سقته، فشكر الله تعالى لها فغفر لها ..

    وإن استقراء صور الرحمة بالحيوان في سيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر يطول، فقد تعددت مظاهر وصور هذه الرحمة، ومن ذلك :

    نهيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن اتخاذ شيء فيه الروح غرضا يُتعلم فيه الرمي .. فعن سعيد بن جبير ـ رضي الله عنه ـ قال : ( مَرَّ عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم ، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر : من فعل هذا؟، لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا )( مسلم ).
    وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : ( أنه دخل على يحيى بن سعيد وغلام من بني يحيى رابط دجاجة يرميها ، فمشى إليها ابن عمر حتى حلها، ثم أقبل بها وبالغلام معه، فقال : ازجروا غلامكم عن أن يصبر هذا الطير للقتل، فإني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل )( البخاري ) . والتصبير : أن يحبس ويرمى .

    ومن رحمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه نهى أن يحول أحد بين حيوان أو طير وبين ولده .
    فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حُمرَة (طائر صغير) معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تُعَرِّشُ(ترفرف بجناحيها)، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم ـ فقال : ( من فجع هذه بولدها؟، ردوا ولدها إليها )( أبو داود ).

    ومن صور رحمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحيوان نهيه عن المُثْلة بالحيوان، وهو قطع قطعة من أطرافه وهو حي، ولعَن من فعل ذلك ..
    فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن من مَثَّل بالحيوان )( البخاري ).
    وعن جابر - رضي الله عنه - : ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر عليه حمار قد وُسِمَ(كوي) في وجهه، فقال : لعن الله الذي وسمه )( مسلم ) .

    ومن صور رحمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحيوان ـ، أن بين لنا أن الإحسان إلى البهيمة من موجبات المغفرة ..
    فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( بينا رجل بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرا، فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى(التراب) من العطش، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له .. قالوا : يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرا ؟، فقال : في كل ذات كبد رطبة أجر )( البخاري ).
    وأعجب من ذلك ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( بينما كلب يطيف بركية (بئر)، قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها(خُفَّها)، فاستقت له به، فسقته إياه، فغفر لها به )( البخاري ) .

    وفي المقابل أوضح لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الإساءة إلى البهائم ربما أودت بالعبد إلى النار، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( دخلت امرأة النار في هِرَّة(قطة)، ربطتها، فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت هزلا )( مسلم ) .

    وأمر ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمعاملة الحيوان بالرفق، فقد استصعب جمل على أصحابه، فأعاده النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى حاله الأولى بالرفق واللين ..
    فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه – قال : ( كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسنون(يسقون عليه)، وإنه استصعب عليهم فمنعهم ظهره،وإن الأنصار جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : إنه كان لنا جمل نسني عليه وإنه استصعب علينا ومنعنا ظهره وقد عطش الزرع والنخل فقال - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : قوموا، فقاموا ، فدخل الحائط (البستان)، والجمل في ناحيته، فمشى النبي - صلى الله عليه وسلم ـ نحوه ، فقالت الأنصار : يا رسول الله، قد صار مثل الكلب، نخاف عليك صولته، قال : ليس عليَّ منه بأس، فلما نظر الجمل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بناصيته أذل ما كانت قط حتى أدخله في العمل، فقال له أصحابه : يا رسول الله هذا بهيمة لا يعقل يسجد لك، ونحن نعقل ، فنحن أحق أن نسجد لك؟ قال : لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها )( أحمد ) .
    ودخل النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ بستاناً لرجل من الأنصار ، فإذا فيه جَمَل ، فلما رأى الجملُ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذرفت عيناه ، فأتاه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمسح عليه حتى سكن، فقال : ( لمن هذا الجمل؟، فجاء فتى من الأنصار فقال : لي يا رسول الله ، فقال له: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا لي أنك تجيعه )( أبو داوود ) .وتُدْئبُهُ (تتعبه)

    ومن صور رحمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه أمر بالإحسان إلى البهيمة حال ذبحها ، وأثنى على من فعل ذلك، بل ونهى أن تحد آلة الذبح أمامها ..
    فعن شداد بن أوس - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته )( مسلم ) .
    وعن معاوية بن قرة عن أبيه - رضي الله عنه - أن رجلا قال : ( يا رسول الله إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها، فقال : والشاة إن رحمتها رحمك الله )( أحمد ).
    وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رجلا أضجع شاة وهو يحد شفرته، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أتريد أن تميتها موتات، هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها )(الحاكم) .. وعن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من رحم ولو ذبيحة عصفور، رحمه الله يوم القيامة )( الطبراني )..

    ومن عجيب صور الرحمة بالحيوان في هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو تحريم لعنه إياه، فعن أبي برزة ـ رضي الله عنه ـ قال : كانت ‏ ‏راحلة ‏ ‏أو ناقة أو بعير ‏ ‏عليها بعض متاع القوم وعليها ‏ ‏جارية، ‏فأخذوا بين جبلين فتضايق بهم الطريق، فأبصرت رسول الله ـ ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ـ‏، ‏فقالت : ‏حَلْ،‏ ‏حَلْ، ‏‏اللهم العنها .. فقال النبي ـ ‏‏صلى الله عليه وسلم ـ : ( ‏ ‏من صاحب هذه ‏ ‏الجارية؟،‏ ‏لا تصحبنا ‏‏راحلة ‏أو ناقة أو بعير عليها من لعنة الله تبارك وتعالى )( أحمد )..

    وهكذا كانت حياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلها رحمة، شملت الصغير والكبير، والمؤمن والكافر، بل حتى البهائم التي لا تعقل، وهو القائل ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك و تعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )( أبو داود ) ..

    المصدر : هنا

    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

  9. #9
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    ورحمته شملت المؤمنين والمنافقين والكفار والصغار والنساء والبهائم والجمادات وكل شيء
    وقد فصل بعضا منها الشيخ الفاضل الدكتور محمد راتب النابلسي ..
    حيث قال :


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
    أيها الإخوة المؤمنون... مع الدرس الخامس عشر من دروس شمائل النبي صلى الله عليه وسلَّم، وقد وصلنا في الدرس السابق إلى رحمته صلى الله عليه وسلَّم، قال تعالى:
    ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾
    ( سورة الأنبياء )
    الرحمة أيها الإخوة كلمةٌ جامعةً لكل الخير ؛ المادي والمعنوي، الدنيوي والأخروي، كل أنواع الخير المادي، والمعنوي، الدنيوي، والأخروي مجموعٌ في كلمة الرحمن، فقد قال الله عزَّ وجل:
    ﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾
    ( سورة هود: من آية " 119 " )
    ينبغي أن تعتقد ـ وهذا جزءٌ من العقيدة الصحيحة ـ أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليرحمه، فإذا رأيت إنساناً معذَّباً فهذه حالةٌ طارئة، حالةٌ استثنائيَّة اقتضت المُعالجة، فالأصل أن الإنسان خُلِق ليُرحم، أما إذا شذَّ عن الطريق، واستوجب العقاب، يأتي العقاب لا انتقاماً، ولا تشفياً، ولكن يأتي العقاب إصلاحاً وحملاً له على التوبة، أما أن يقول الله عزَّ وجل:
    ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾
    ( سورة الأنبياء )
    أي أن الله سبحانه وتعالى أرسل نبيَّه صلى الله عليه وسلَّم لجميع العالمين، والعالمين جمع عالَم، أرسله رحمةً للمؤمنين، ورحمةً للكافرين، ورحمةً للمنافقين، ورحمةً لجميع بني الناس، ورحمةً للرجال، والنساء، والصبيان، والطير، والحيوان، فهو رحمةٌ مهداة، ونعمةٌ مزجاة كما قال عن نفسه صلى الله عليه وسلَّم.
    أيها الإخوة الكرام... هذا كلامٌ دقيق وخطير، وله أبعادٌ إن فهمناها حق الفهم ربَّما تركت أثراً واضحاً في حياتنا، أما رحمته صلى الله عليه وسلَّم بالمؤمنين فبهدايتهم إلى سعادة الدنيا والآخرة، وباهتمامه لما يُصلح أمرهم في الدنيا والآخرة، وتحذيره إيَّاهم مما يفسد عليهم دنياهم وأخراهم، هذه رحمته بالمؤمنين، قال تعالى:
    ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)﴾
    ( سورة التوبة )
    وقد فرَّق العلماء بين الرأفة والرحمة، والفرق هو أن الرأفة تمنع ما يؤذي، لكن الرحمة تجلب ما ينفع، فهو صلى الله عليه وسلَّم..
    ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)﴾
    رأفته تقتضي أن يحذِّرهم من كل ما يؤذيهم في دنياهم وأخراهم، ورحمته تقتضي أن يجلب لهم الخير في الدنيا والآخرة.
    أيها الإخوة الكرام... الآن دخلنا في موضوع دقيق، الله جلَّ جلاله يقول:
    ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾
    ( سورة الأحزاب: من آية " 6 " )
    كيف نفسِّر هذه الآية ؟ النبي صلى الله عليه وسلَّم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، هذه الآية تعني أنه مهما تصوَّرت، ومهما توهَّمت، ومهما تخيَّلت، بل ومهما اعتقدت، ومهما تيقَّنت أن صالحك في هذا الطريق، أو في هذا الجانب، ورأيت حديث رسول الله ينهاك عن هذا الطريق، ويأمرك بهذا الطريق، هو أولى بك من نفسه، إن طبقت أمره، وطبقت سُنَّته عاد عليك الخير كله، مهما حاولت أن تفكر، وأن تتفنَّن في تشعيب الأمور، ورأيت مصلحتك في ترك السُنَّة، إن مصلحتك كل مصلحتك، إن فوزك كل الفوز، والتفوُّق كل التفوق، والفلاح كل الفلاح في تطبيق السنة.
    طبعاً هذا قد يكتشفه الإنسان بعد فوات الأوان، أما إذا عرفه وهو شاب، أي بماذا أمرنا النبي ؟ عن أي شيءٍ نهانا عنه ؟ لا تعتقد أن تكون مصلحتك بخلاف أمره ونهيه، لا تعتقد أن أمره يقيِّد من حريتك، ولكنه يضمن سلامتك، هذا معنى قول الله عزَّ وجل:
    ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾
    ( سورة الأحزاب: من آية " 6 " )
    قد ترى الخير الدنيوي في هذا العمل، في سلوك هذا الطريق، في التعاون مع هذه الفئة، في التقرُّب من هذا الإنسان، وقد ترى أن النبي ينهاك عن هذا، وأنت قد ترى أن مصلحتك هنا، أما النبي يأمرك أن تفعل كذا، يجب أن تعتقد أن كل شيءٍ أمرك به النبي عليه الصلاة والسلام، وأن كل شيءٍ نهاك عنه النبي عليه الصلاة والسلام هو لك، ولصالحك، ولرقيك، ولسعادتك في الدنيا والآخرة، هذا معنى قول الله عزَّ وجل:
    ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾
    ( سورة الأحزاب: من آية " 6 " )
    فهل هناك من إنسان أحرص على ذاته من نفسه ؟ هل هناك من إنسان أحرص على سلامة وجوده من ذات الإنسان ؟ على استمرار وجوده، على سلامة وجوده، على كمال وجوده، على بقاء وجوده، لو قرأت سُنة رسول الله القولية والعملية، واتبعت سُنته القولية، وتأسيت بسُنته العمليَّة، لوجدت أن كلمته هي وحدها ولا شيء سواها يحقق لك سعادة الدنيا والآخرة.
    لكن حتى يكون الكلام واضحاً الحياة فيها امتحانات، لولا أنه يبدو لك أن خيرك في مخالفة السنة لما كان لك أجرٌ في اتباع السُنة، لولا أنه يبدو لك للنظرة الأولى أن الخير في هذا الطريق والنبي نهاك عنه، ما كان لك من أجرٍ ولا ترقى باتباعك السُنة، شيء طبيعي جداً أن تختلف الظواهر مع الحقائق، لو أنها تطابقت لأُلغيت العبادة.
    فمثلاً لو أن الكسب الحلال سهلٌ جداً، وأن الكسب الحرام صعبٌ جداً، لأقبل جميع الناس على الحلال لا حباً في الله، ولا طمعاً برحمته، ولا تقرُّباً إليه، ولا تمنِّياً لدخول جنَّته بل لأنه سهل، معنى ذلك أن العبادة أُلغيت، لكن شاءت حكمة الله أن يجعل الحلال صعباً والحرام سهلاً، هنا الامتحان، لولا أن الظاهر يتناقض بعض الشيء مع الحقيقة، الظاهر، لما كان من عبادة، ولما كان من رقي، لذلك الإنسان العاقل ما الذي يرفع قدره عند الله ؟ إنه يسارع إلى تطبيق أمر رسوله من دون أن يجري محاكمةً حول الخسائر والأرباح، شأن المؤمن..
    ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾
    ( سورة الأحزاب: من آية " 36 " )
    أنت تختار هذا البيت أو هذا البيت، هذه الفتاة أو هذه الفتاة للزواج، أن تسافر أو أن تقيم، أم أن تخيِّر نفسك بين أمرٍ، وأن تأتمر، أو لا تأتمر، عندئذٍ لست مؤمناً..
    ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾
    ( سورة الأحزاب: من آية " 36 " )
    أي أن شأن المؤمن إذا دعي إلى تنفيذ أمر الله يقول: سمعنا وأطعنا، لعلمه أن هذا الأمر فيه كل الخير، وفيه كل السعادة، أضرب لكم مثلاً، أو أوضِّح لكم هذه الحقيقة من خلال آيتين، الله عزَّ وجل قال:
    ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾
    ( سورة البقرة:من آية " 5 " )
    على تفيد العُلو، أي أن هذا الهدى الذي في حقيقته كلُّه قيود، فحياة الكافر تفلُّت كامل، ما في عنده شيء حرام أبداً، ما في شيء ممنوع، ما في شيء ما يصير، يأكل ما يشاء، يذهب إلى أي مكانٍ يشاء، يلتقي مع من يشاء، يمتِّع بصره بمن يشاء، كل شيء يمارسه، يقول لك: أنا حر. المؤمن في عنده منظومة قيَم، ومجموعة من الأوامر والنواهي كبيرة جداَ، هذا حرام، هذا مكروه، هذا يجوز أو لا يجوز، هذا يرضي الله، يسخط الله..
    ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾
    ( سورة البقرة:من آية " 5 " )
    الذي اهتدى الهدى يرفعه، مع أن الهدى كله قيود، و..
    ﴿أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)﴾
    ( سورة الزمر )
    والضَّال دخل في شيء، دخل في قيْد ؛ إما أنه دخل في السجن، أو دخل في كآبة، أو دخل في قلق، أي هو دائماً مع طلاقته يقيِّده الشقاء، ومع قيود يسعده الإيمان ويطلقه..
    ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39)﴾
    ( سورة المدثر )
    لذلك هذا معنى قول الله عزَّ وجل:
    ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾
    ( سورة الأحزاب: من آية " 6 " )
    اعتقد هذا، اعتقد اعتقاداً جازماً السُنة في هذا، السنة في أن تستقيم، في أن تصدق، في أن تفي بالعهد، في أن تُنجز الوعد، في أن تكون عفيفاً، في أن تتحرَّى الحلال ولو كنت في فقرٍ مدقع، في أن تضع قدمك فوق الحرام ولو كان بالملايين، هذا الإيمان.
    روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
    ((أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلَاهُ))
    الحقيقة هذا الحديث له مجال آخر، هذا الحديث النبي عليه الصلاة والسلام لا يتحدَّث عن نفسه كنبي، لكنه يتحدث على نفسه على أنه وليّ أمر المسلمين، النبي مقام ديني، أما ولي أمر المسلمين مقام زمني ـ إن صحَّ التعبير ـ لذلك ولي أمر المسلمين يجب أن يتحمل عن رعيته كل تبعاتهم،
    ((وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلَاهُ))
    أما إن ترك مالاً فلورثته، فالمواطن المسلم إذا اغتنى تغتني بغناه الدولة، وإذا افتقر تفتقر، أحياناً حينما يُكلَّف الإنسان فوق طاقته عندئذٍ ينسحب من الحياة، لا يعمل، لا ينتج، هذه القضية متعلِّقة بالنظام الاقتصادي، ونظام متعلِّق بالسياسة الشرعية، فأي مؤمنٍ ترك مالاً فلورثته، ترك ديناً أو ضياعاً أو عيالاً فليأتني فأنا أولى الناس به.
    النبي في هذا الحديث الشريف يتحدث لا على أنه نبيٌ مرسل، بل على أنه ولي أمر المسلمين، فكل مجتمع عندما يغتني، القائمون على هذا المجتمع يغتنون بغناه، أما إذا أُفقِر الإنسان أُلغيت القوة الشرائية، هذه قاعدة عامة، فلو فتحنا مؤسَّسة في بلد فقير لا تربح إطلاقاً، أنَّا لها أن تربح، لا توجد قوة شرائية، لا يوجد مال مع الناس، أما إذا اغتنى الناس فأي مشروع ينجح ويربح، وتأتي الدولة فتأخذ الضرائب من هذه المؤسَّسات الناجحة، لذلك هذا الحديث متعلِّق بالسياسية الشرعيَّة، أي أنه إذا اغتنى المواطن تغتني معه كل شيء ؛ تغتني معه المؤسَّسات، تغتني فيه المشروعات، تغتني الدولة كلها، فهذا الحديث يعلمنا الشيء الكثير، أن ولي أمر المسلمين ينبغي أن يسعى لإغناء رعيته، فإن اغتنوا اغتنت الدولة بغنى الرعيَّة.
    وفي رواية أحمد:
    ((أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً فَادْعُونِي فَأَنَا وَلِيُّهُ وَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْ مَالَهُ عُصْبَتُهُ مَنْ كَانَ))
    هذه رحمته بالمؤمنين، حرص على سعادتهم في الدنيا والآخرة، وحذَّرهم مما يفسد سعادتهم في الدنيا والآخرة، وأمرهم بما يصلحهم في الدنيا والآخرة، وهو أولى بهم من أنفسهم، لكن أدق نقطة في الموضوع أن المؤمن العميق الإيمان يعتقد أن كل مصلحته، وكل فوزه، وكل نجاحه، وكل سعادته، وكل تفوّقه في اتباع النبي عليه الصلاة والسلام.
    كثير من الأشخاص ـ مثلاً ـ يطلب الخاطب طلبًا غير شرعي، يخافون أن يذهب فيتساهلون معه، ويتركون السُنة، ثم يفاجؤون أن الخاطب ترك ابنتهم وقد أمضى معها سَنةً، الموضوع دقيق ؛ بالتجارة، بالبيع، بالشراء، بكسب المال، بإنفاق المال، بالعلاقات الاجتماعية، بالزواج، بالطلاق، في كل شيء حينما ترى أن السُنَّة تقيدك، يا أخي دعونا من السُنَّة الآن، فإذا تحرك الإنسان بخلاف السنة وفق هواه، وفق مصالحه التي يراها فإنه يدفع الثمن باهظاً، هذه الآية دعها في ذهنك..
    ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾
    ( سورة الأحزاب: من آية " 6 " )
    فأحياناً يتوهَّم الأهل أن الفتاة إن لم تبد زينتها أمام الأجانب لا أحد يخطبها، أما إذا حجَّبناها، وأبقيناها في البيت، وعلَّمناها، من يعرف ما عندها من قيم جماليَّة ؟ إذاً لا أحد يتقدَّم لخطبتها، الذي يحدث العكس، المرأة التي طبَّقت سُنة النبي عليه الصلاة والسلام الله جلَّ جلاله يهيِّئ لها شاباً مؤمناً يعرف قيمتها ويرعاها، لا تفكِّر أبداً تنجح بخلاف شريعة الإسلام، لا في حياتك الخاصة، ولا حياتك الزوجية، ولا في حياتك الاجتماعية، ولا في تجارتك، ولا في أعمالك كلها، حتى الإنسان أحياناً يخالف السنة ويطيع من هو أقوى منه، كأن يقول: الآن أنا مضطر تلافيت الشر. هذا الذي أطاعه وعصى الله عزَّ وجل لابدَّ أن يسخط عليه..
    ((ومن أعان ظالماً سلَّطه الله عليه))
    ((مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ))
    ( من سنن ابن ماجة: عن " أبي هريرة " )
    ولا يوجد أخ ما عنده تجارب سابقة، كأن يكون عمل عملا تمليه عليه مصالحه، فتساهل في تطبيق السُنة، دفع الثمن باهظاً، أبداً.
    قال: أما برحمته بالمنافقين فبالأمان من القتل والسبي نظراً لظاهر إسلامهم في الدنيا. أي هم تزيّوا بزَي الإسلام، وأظهروا الإسلام وأخفوا الكفر، فهذا الذي أظهروه حماهم من أن يعاملوا كالكفار، هذه رحمة النبي بهم، وكما علَّمنا النبي عليه الصلاة والسلام نحن نحكم بالظاهر والله يتولَّى السرائر.
    أما رحمته بالكفار كيف ؟ قال: فبرفع عذاب الاستئصال عنهم في الدنيا، فمن علامات قيام الساعة ـ كما ورد في بعض الأحاديث ـ هلاك العرب لا هلاك استئصال ولكن هلاك ضعف وتمزُّق. فكأن الله سبحانه وتعالى ضمن للنبي عليه الصلاة والسلام من أن يهلك أمَّته إهلاك استئصال، فقوم عاد، وثمود، وتبَّع، وقوم لوط أُهلِكوا هلاك استئصال..
    ﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾
    ( سورة الحجر: من آية " 74 " )
    لكن أمة النبي عليه الصلاة والسلام، طبعاً إذا قلت: أمة النبي أقصد الأمة التي هنا في هذا الموطن هناك أمة الاستجابة، وهناك أمة التبليغ، فكل إنسان بحكم ولادته، وبحكم والديه، وبحكم مكان ولادته، كان من أبوين مسلمين هذا من أمة التبليغ، قد يكون علمانياً، قد يكون مُلحداً لكن هو من أمة التبليغ، هذا الذي كفر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم رحمة النبي له أنه لا يهلك هلاك استئصال، بل يعذَّب عذاب معالجة، هذا من رحمة النبي بالكفار.
    قال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما في قوله تعالى:
    ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾
    ( سورة الأنبياء )
    قال: " من آمن تمَّت له الرحمة في الدنيا وفي الآخرة، ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم من عاجل الدنيا من العذاب، من المسخ، والخسف، والقذف ".
    أما قول الله عزَّ وجل:
    ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾
    ( سورة الأنفال: من آية " 33 " )
    فهذه الآية أفضنا الحديث عنها سابقاً، أي مادامت سُنة النبي صلى الله عليه وسلَّم مطبَّقةً في حياتهم فالله لا يعذبهم، لِمَ يعذبهم ؟ يعذبهم إذا خالفوا منهج الله، أما إذا طبَّقوا سنة النبي فهم في أمانٍ من أن يعذَّبوا، إذاً وأنت فيهم تعني وأنك بين ظهرانيهم في حياتك، وشريعتك في حياتهم بعد مماتك..
    ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ﴾
    بعضهم فهم الآية فهماً آخر، تأكيداً لهذا المعنى ـ معنى رحمته بالكفار ـ أن النبي صلى الله عليه وسلَّم ما دام مُرسلاً إلى هذه الأمة فلن تُهلك هلاك استئصال، هذا المعنى الثالث.
    المعنى الأول: ما دامت سنة النبي قائمةٌ في حياتهم لن يعذَّبوا، ما دام النبي بين ظهراني أصحابه لن يعذبوا، ما دامت سُنته في أمَّته من بعد وفاته لن يعذَّبوا.
    المعنى الثالث: ما دام النبي صلى الله عليه وسلَّم قد أُرسل لهذه الأمة، ما دامت هذه الأمة قد أُرسل إليها النبي عليه الصلاة والسلام، فهي في أمانٍ من أن تعذَّب عذاب استئصال، العذاب الكامل الشامل، عذاب الإهلاك، عذاب الإبادة، هذه الأمة معافاةٌ من أن تعذَّب هذا العذاب، لكن كيف نوفِّق بين هذه الآية وبين قوله تعالى:
    ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾
    ( سورة الأنفال: من آية " 34 " )
    هناك عذاب إفرادي، عذاب فِئَوي، أما عذاب شامل لا يوجد، فهذه الآية تشير إلى العذاب الفردي، فالإنسان الله عزَّ وجل يعالجه أحياناً، يضيِّق عليه، أما أن يهلك الأمة إهلاك إبادة، إهلاك استئصال هذا مما ضمنه الله للنبي تكريماً له ولأمَّته من بعده، هذا المعنى الثالث.
    أما المعنى الأول أوجه معنى، أنه أنت متى تعذَّب ؟ تعذب إذا خالفت منهج الله، أما إذا طبقته فلماذا العذاب ؟ وهذا يؤكد معنى قول الله عزَّ وجل:
    ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ﴾
    ( سورة النساء: من آية " 147 " )
    كان عليه الصلاة والسلام يقول عن نفسه:
    ((أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفِّي، وَالْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ))
    ( من صحيح مسلم: عن " أبي موسى الأشعري " )
    وحينما دُعِيَ عليه الصلاة والسلام ليلعن الكفار، أو يدعو على المشركين قال عليه الصلاة والسلام:
    ((إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً))
    ( من صحيح مسلم: عن " أبي هريرة " )
    فأنت مهمتك لست أن تكون قاضياً تحكم على الناس، أنت داعي إلى الله، لست قاضياَ، كن داعياً ولا تكن قاضياً، كن رحيماً ولا تكن قاسياً، كن يسروا ولا تعسِّروا، سدِّدوا وقاربوا، بَشِّروا ولا تنفِّروا، كن مبشراً ولا تكن منفراً، سدِّد وقارب، يسِّر ولا تعسِّر.
    وفي الحديث الصحيح عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ:
    ((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِيهِمْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ))
    (الدارمي)
    نحن علاقتنا بهذه الأحاديث والآيات، أنت كمؤمن، في مؤمن كله خير، أو المؤمن كله خير، أساس حياته العطاء، أما الكافر أساس حياته الأخذ، أي أنَّه باني حياته بالتعبير الحديث ـ باستراتيجيته ـ على الأخذ، كلَّما أخذ يسعد، المؤمن باني حياته على العطاء، فلذلك إذا أراد المؤمن أن يقتدي بالنبي عليه الصلاة والسلام في هذا الموضوع فليكن رحيماً، ليرحم، ليعطي ؛ من وقته، من ماله، من جهده، من خبرته، من عضلاته، من كل ما أعطاه الله عزَّ وجل حتى يكون رحمةً للناس بشكل مصغَّر جداً، أي أنه نموذج مصغَّر لرحمة النبي عليه الصلاة والسلام، المؤمن أينما حَل يتبارك الناس به.
    والمعنى المخالف لقوله تعالى:
    ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾
    ( سورة الدخان: من آية " 29 " )
    المؤمن تبكي عليه السماء والأرض، الأرض التي كان يطأها تبكي عليه، المكان الذي كان يجلس فيه يبكي عليه، لأن كله خير.
    هذه رحمته بالمؤمنين وبالكافرين وبالمنافقين، أما رحمته بالأهل والعيال، فقد روى الإمام مسلمٌ في صحيحه عن عمرو بن سعيد، عن أنسٍ رضي الله عنه قال ـ دققوا في هذه الأحاديث ونحن في أمس الحاجة إليها ـ:
    ((ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم))
    فأحياناً تجد أب رحمته غير طبيعيَّة، زائدة، هذا الأب من أسعد الآباء، والذي يكون في النهاية أن أهله يحبونه حباً لا حدود له، ويتنافسون في خدمته، فأنا أرى أن أحد أسباب سعادة الإنسان أسرته، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان أرحم بالعيال،
    ((ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم))
    " كان إبراهيم ـ ابنه ـ مسترضعاً له في عوالي المدينة ـ أي بمكان بعيد في المدينة ـ فكان ينطلق ونحن معه. ينطلق النبي أي تقريباً واحد ساكن بالمهاجرين وابنه بالمخيَّم، مسافة طويلة، سيقطع قطر المدينة. فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت فيأخذ ابنه المسترضع فيقبِّله ثم يرجع " ـ هكذا ورد ـ من شدة محبته لأهله كان ينطلق مع أصحابه من بيته، أو من مسجده إلى طرف المدينة، ليرى ابنه إبراهيم عند مرضعته فيقبله ويرجع، ما الذي دفعه إلى هذا ؟ حُبه لأهله، رحمته بهم.
    قال عمرو: " لما توفي إبراهيم قال عليه الصلاة والسلام:
    ((إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي ـ أي رضيع، أي في سِن رضاع الثدي ـ وإنه له لظئرين ـ أي مرضعتين ـ تكمِّلان رضاعته في الجنَّة، فإنه توفي وله ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً))
    ومن رحمته بأهله أنه كان يعاونهم في الأمور البيتيَّة، كما تقدَّم عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ قَالَتْ:
    ((كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ))
    (البخاري)
    فأحياناً تجد شخص في البيت دائماً في خدمة أهله ؛ يرتِّب، ويقوم بأعمال من أعمال البيت، إذا كان مرتاح وما عنده شغل، وزوجته مرهقة فعاونها هذا من سُنة النبي عليه الصلاة والسلام.
    قال: " فما كان صلى الله عليه وسلم من جبابرة الرجال، بل كثيراً ما كان يخدم نفسه بنفسه... " ـ هناك رجال جبابرة، أي يضرب، ويكسِّر، ويسب، إذا دخل البلاء للبيت، تجده وحش وشيء مخيف، النبي عليه الصلاة كان رحيماً، في إنسان دخوله يبعث الفرح للبيت ـ " فما كان صلى الله عليه وسلَّم من جبابرة الرجال بل كثيراً ما كان يخدم نفسه بنفسه " ـ أي أن مؤنته خفيفة، العيال نائمين يتعشَّى لوحده، فيتناول لقمتان، أما يقيم القيامة لماذا ناموا قبل أن يأتي ؟ يوقظهم قوموا اعملوا عشاء، إذا كان قميصه غير مكوي تقام قيامة المرأة، تُطلَّق، تتقلَّع على بيت أهلها ؟! نسيت قميص، نسيت زر لم تقطبه، هذا جبَّار. قال: ما كان صلى الله عليه وسلم من جبابرة الرجال، بل كثيراً ما كان يخدم نفسه بنفسه.
    ففي مسند أحمد وغيره عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ:
    ((مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ))
    هذه رحمته بأهله ـ أي بزوجاته ـ.
    أما رحمته بالصبيان فقد روى الشيخان وغيرهما عَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    ((إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ))
    أي كثيراً ما كان، وفي صلاة الفجر التي سَنَّ لنا أن نقرأ فيها أربعين آية، أو ستين آية، في صلاة الفجر إذا سمع بكاء طفلٍ، وأمه تصلي خلف رسول الله، كان يقرأ أقصر سورةٍ ويسلِّم، رحمةً بهذه الأم التي يناديها ابنها ببكائه هكذا.
    ومن رحمته بالصبيان أنه كان يمسح رؤوسهم ويقبِّلهم ـ أحياناً، وهذا الشيء يكاد يكون واقع ـ اللقطاء في العالَم الغربي أصبحت نسبتهم وبائيَّة، أي احتمال الشخص الذي أمامك واحد من اثنين لقيط، واللقطاء لا رحمة في قلوبهم، لأن الرحمة يرضعها الطفل من ثدي أمه، الطفل عندما ينشأ في بيت بين أمه وأبيه، كيفما كان هذا البيت، هذا العطف، وهذا الضَّم، وهذا التقبيل، وهذه العناية، وهذا الإطعام، وهذه المداعبة، هذا يتغذَّى بالرحمة، فإذا كبر وصار بمنصب في عنده رحمة، يقول لك: هذا مربى. تربيته المنزلية عالية لا يؤذي أحد، يعامل الناس كأنهم أولاده، هذا من رحمته في قلبه، أما هناك أشخاص تعجب لحالهم يتلذَّذون بإيذاء الخلق، يتلذَّذون بإيقاع الأذى، يتلذَّذون بتعقيد الأمور، فإذا قدر يعذب إنسان ويجعله يرتبك يشعر بسرور، فهذا ما رضع الرحمة من ثدي أمه، هذه أخلاق اللقطاء، الذي عاش في الطُرقات ؛ لا عرف رحمة الأب، ولا رحمة الأم، ولا إنسان عطف عليه، ولا أُعطي درساً في العطف، فلذلك والعياذ بالله عندما ينحرف الإنسان أو أن يهمل أولاده ـ فأنا دائماً وأبداً عندما أعالج قضية زواج أو خلاف زوجي نعد للمليار قبل أن أٌقول له: طلِّق ـ لي كلمة أقولها لإخواننا الكرام دائماً: أنت تتزوَّج وهي تتزوَّج، من الضحية ؟ الأولاد، هذا الابن صفي مشرَّد، أبوه ضد أمه، أمه أمّه، وأبوه أبوه، والأب والأم مختلفين، فلذلك في الأعم الأغلب يتشرَّد، أن أعرف شخص طلَّق، كان أبًا ناجحًا جداً، طلَّق زوجته، الزوجة الجديدة ما قبِلت أن تعيش معه ومع أولاده، فوضعهم عند أهله، أهله كبار في السن ـ والده ووالدته ـ لم يستطيعوا يضبطوا الأولاد، الابن الأول الأكبر صار له ثمانية سنوات لا يعرف أين هو، اختفى، وابنتان انحرفتا، هو تزوج، وهي تزوجت، من الذي انحرف ؟ الأولاد.
    فلذلك الموضوع عندما ينشأ الطفل مع أمه وأبيه ؛ يرضع الحنان، يرضع العطف، يرضع الحُب، يرضع الرحمة، فهذا إذا كبر تجد عنده أصول تردعه، لاحظوا إذا امرأة ما تزوجت تجدونها قاسية جداً، لأنها لم تنجب ولد، هي لا تعرف معنى الأمومة، لا تعرف قيمة الابن، أما إذا كانت امرأة متزوِّجة وتعلم فرضاً، لها أولاد، الملاحظ على المعلمات اللواتي ما عندهن أولاد ـ أي لم يتزوجن ـ تجدونهن قاسيات بشكل غير معقول، ما ذاقت لذَّة الأمومة، ولا ذاقت طعم البنوَّة.
    لذلك ومن رحمته صلى الله عليه وسلَّم بالصبيان ما ثبت عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ:
    ((لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ جَعَلَ أَهْلُ مَكَّةَ يَأْتُونَهُ بِصِبْيَانِهِمْ فَيَمْسَحُ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَيَدْعُو لَهُمْ فَجِيءَ بِي إِلَيْهِ وَإِنِّي مُطَيَّبٌ بِالْخَلُوقِ وَلَمْ يَمْسَحْ عَلَى رَأْسِي وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ أُمِّي خَلَّقَتْنِي بِالْخَلُوقِ فَلَمْ يَمَسَّنِي مِنْ أَجْلِ الْخَلُوقِ))
    (أحمد)
    أنت تلاحظ إذا قبَّلت طفل ولم تقبِّل أخوه يتطلَّع فيك هكذا، جرح، النبي عليه الصلاة والسلام كان يأمرنا أن نعدل ولو في القُبَل، والحقيقة أحياناً يكون في عندك ولدين أو ثلاثة، أو أولاد ابنتك أو أولاد ابنك، واحد أذكى من الثاني، واحد أجمل من الثاني، لا تنساق مع هواك فتعتني بالأجمل، والأذكى، أنت الآن تمشي مع هوى نفسك، أما الأكمل أن تعتني بالآخر نفس العناية حتى تأخذ بيده، ما تعقده، أما مجتمعنا قاسي أحياناً يعتني بالذكي والجميل، والأقل ذكاء والأقل جمال تجده مهمل، هذه من قسوة المجتمع، حتى في التعليم المعلم الناجح يجد الطفل الذي وضعه العام أقل من غيره، أفقر، أقل جمال، أقل ذكاء يعتني فيه، يرفع له معنوياته، يبث فيه الحماس، يثني على اجتهاده، وإذا أجاب إجابة صحيحة يثني عليها ثناءً كبيراً فينعشه، كن رحمانياً لا تكن شهوانياً، حتى في معاملة الأبناء والاثنين أولادك، اعتني بالأقل، بالأقل ذكاء، بالأقل جمال اعتني فيه، ارفع له معنوياته، عاونه على نفسه.
    ومن رحمته بالصبيان أنه صلى الله عليه وسلم " كان يمسح رؤوسهم ويقبِّلهم ". كما جاء في الصحيحين عن عائشة. قالت: " قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلَّم الحسن والحسين ابني علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي، فقال الأقرع: إن لي عشرةً ما قبَّلت أحداً منهم قط. فنظر إليه عليه الصلاة والسلام ثم قال:
    ((من لا يرحم لا يُرحم))
    هذه الأطفال ـ أطفالنا ـ هم عدة المستقبل، الحقيقة يجوز الإنسان يكون نفض يديه من الكبار، فالأمل أين الأمل ؟ في الصغار، إذا نشَّأناهم نشأة طيبة، نشأة إسلاميَّة، علَّمناهم أمر دينهم، المعوَّل عليه هم الصغار، كل واحد عنده ابن أو بنت ممكن يدخل الجنة من أوسع أولادها من خلال أولاده فقط، علِّمه القرآن، علمه أدب النبي، علمه السُنَّة، خذه معك على الجامع، احترمه، دلِّله، أكرمه، حتى ينشأ على حب الله ورسوله.
    ((علموا أولادكم حب نبيَّكم وحب آل بيته))
    اذكر له مآثر النبي، رحمة النبي، مواقف النبي، كيف كان أصحابه.
    وفي الصحيحين حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
    ((جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ))
    أي ماذا أملك لك إن نزع الله الرحمة من قلبك ؟ فهناك كثير من الآباء إذا دخل إلى بيته يمضي وقت طويل في مداعبة أولاده الصغار، لكي يتألَّف قلبهم، حتى يحبوه.
    وروى الشيخان والترمذي عَنِ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
    ((رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ ـ أي يركبه على أكتافه ـ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ))
    وروى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُ:
    ((سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ أَهْلِ بَيْتِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَكَانَ يَقُولُ لِفَاطِمَةَ ادْعِي لِيَ ابْنَيَّ فَيَشُمُّهُمَا وَيَضُمُّهُمَا إِلَيْهِ))
    وكان يقول لابنته فاطمة:
    ((أين ابناي الحسن والحسين؟))
    فقد عدَّهم أولاده.
    ومن رحمته بالصبيان وحبه لهم إدخال السرور عليهم، أنه صلى الله عليه وسلَّم كان إذا أوتي بأول ما يُدرك من الفاكهة، يعطيها لمن يكون في المجلس من الصبيان. إذا قُدِّمت له الفاكهة أول مرَّة في موسمها ينظر إلى أصغر الحاضرين سِناً، ويعطيه لهذا الطفل الصغير.
    كما روى الطبراني عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما
    ((أن النبي صلى الله عليه وسلَّم كان إذا أوتي بباكورة الثمرة أي أولها، وضعها على عينيه ثم على شفتيه، وقال: اللهمَّ كما أريتنا أوله فأرنا آخره، ثم يعطيه من يكون عنده من الصبيان))
    هذه لها معنى عميق، الطفل يحب الفاكهة، ولا يعرف أن والده ما معه ثمن الفاكهة، فعندما يرخِّص الإنسان الفاكهة ويجعلها متوافرة بين أيدي الناس، الآن كم الناس هم فرحين بموضوع الموز، القضية سهلة ثلاثة كيلو بمئة ليرة، أما عندما يجد الطفل أن ثمن كيلو الموز مئة وستين ليرة، ويقول لأبيه: بابا اشتر لي الموز، والأب ليس معه ثمن الموز، ما معه ثمن كيلو هذا الموز، فالطفل الصغير يحب الفاكهة، وتأمين الطعام للطفل الصغير متعة كبيرة، لأن جسمه ينمو، يحتاج إلى غذاء، إلى شيء يعينه على بنائه الجسدي، فلذلك عندما يتشتغل الأب ويتعب، يذهب إلى شغله من الساعة السادسة، يتاجر، يقيم مشروعًا زراعيًا صناعيًا لكي يؤمن لأولاده الطعام والشراب، هذه عبادة بكل معنى الكلمة.
    ليس في الإسلام إثنينيَّة، أنت في طاعة الله، وأنت في منهج الله عزَّ وجل، وأنت في عملك ؛ المعمل، المكتب، مدرس، محام، طبيب، صيدلي، مزارع، بأي مكان، أنت في عملك من أجل أن تأتي بقوت أولادك، ولحكمةٍ بالغة جعل الله الحلال صعباً لترقى، الحلال صعب لهذا قال عليه الصلاة والسلام:
    ((من بات كالاً في طلب الحلال بات مغفوراً له))
    أحياناً يأتي الواحد على البيت ميت من التعب، الحياة صعبة، كسب المال صعب، وكسب المال الحلال صعب، وإذا كنت أنت إنسان عادي كذلك فكسبه صعب أكثر، إذا كان الواحد عادي وما له أي ميزة وحلال، فهذا صعب على صعب، فإذا جاء بهذا المال وأمَّن فيه طعام لأولاده، أمن لباس لأولاده، هذا عمل من العبادة، من الدين، أنت ما خرجت عن الدين، فالعمل عبادة.
    ومن رحمته دمع عينيه لفراق ولده إبراهيم، فعن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم دخل على ابنه إبراهيم رضي الله عنه وهو يجود بنفسه ـ أي في حالة الاحتضار ـ فجعلت عينا رسول الله تذرفان بالدموع، فقال عبد الرحمن بن عوف: " وأنت يا رسول الله تبكي؟ ". فقال:
    (( يا ابن عوف إنها رحمة " ثم أتبعها بأخرى قال:" إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون ))
    ( رواه البخاري وروى بعضه مسلم )
    إذا بكى الرجل فلا مانع، ولكن لا يتكلم كلام لا يليق بإيمانه، أحياناً يموت الأب فيقول لك: انهدَّ الجسر ـ الله موجود ـ خرب بيتنا ـ ما خرب بيتكم، الله الموجود، الله هو الرزَّاق ـ مات المعيل ـ هو كان معال معكم كله كلام كفر ـ أما الإنسان يتألَّم..
    "... وإن عليك يا إبراهيم لمحزونون ".
    وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم رُفع إليه ابن ابنته وهو في الموت، ففاضت عينا رسول الله بالدموع، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال:
    ((هذه رحمةٌ جعلها الله تعالى في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرُحَماء))
    الواحد يرحم الصغار، يعتني فيهم، يكفيهم، ينيِّمهم نومة مريحة، يطعمهم أكلة طيبة، يأخذهم سيران. والله أحياناً إذا أخذت أولادك سيران تكون في أعلى درجات العبادة، من لهم غيرك ؟ يأتون إلى المدرسة فيقولون: والله بابا أخذنا إلى هنا، كل ابن يتكلَّم عن والده أين أخذه، وأنت خذه مشوار، عطِّل وقتك ما في مانع، ابذل جهد ما في مانع، فالعناية بالأولاد جزء من الدين لكي ينشأ على محبة رسول الله، أن أباه مؤمن اعتنى فيه.
    ومن رحمته صلى الله عليه وسلَّم بكاؤه لثقل مرض بعض أصحابه كما ورد في الصحيحين، عن ابن عمر رضي الله عنهما:
    ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم عاد سعد بن عبادة ومعه عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقَّاس، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم فبكى رسول الله، فلما رأى القوم بكاء رسول الله بكوا فقال: ألا تسمعون إن الله لا يعذِّب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذِّب بهذا أو يرحم، وأشار إلى لسانه ))
    لا يعذب ببكاء العين ولا بحزن القلب، مُعفى، أما إذا تكلَّم الإنسان كلام كفر ـ واحد توفيت زوجته، ولها أخت أكبر منها بعشر سنوات فقال: كنت خذ تلك التي ما لها زوج، أخذت لي هذه ـ طبعاً هذا كلام فيه كفر، فيه عدم معرفة بحكمة الله عزَّ وجل، فالإنسان لا يعذب لا بعينه ولا بقلبه إنما يعذَّب بلسانه.
    ومن رحمته صلى الله عليه وسلَّم بكاؤه لموت صاحبٍ من أصحابه، ومن ذلك ما رواه الترمذي عن عائشة ـ أحياناً يكون في أشخاص عندهم قدرات قيادية، وحولهم أشخاص كثيرون، ولكن ذكاء وخبرة في جمع الناس، ولا رحمة في قلبه، أما النبي عليه الصلاة والسلام في رحمة في قلبه، يحب أصحابه حباً حقيقياً، أصحابه أهله، وهكذا المؤمنون، حب حقيقي، مودَّة حقيقيَّة.
    فأنا أقول لكم هذا المقياس، وأرجو الله أن يكون صحيحاً: أخوك المؤمن إذا الله أكرمه بشيء كأن اشترى بيت، أو تزوج امرأة ممتازة، أو أخذ دكتوراه، أو تعيَّن بمنصب رفيع، أو حقَّق مكانة اجتماعية كبيرة، إذا فرحت له وسررت من أعماقك هذه علامة إيمانك، وإن تضايقت علامة النفاق..
    ﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾
    ( سورة التوبة: من آية " 50 " )
    المنافق يتألَّم من الخير إذا أصاب أخيه، يتألَّم، هذا المقياس لا يخيب أبداً، ما في إنسان ما في حوله أصدقاء مؤمنين، يا ترى أخوك أخذ دكتوراه ؟ وأنت تضايقت ؟ متى أخذها ؟ هذه أخذها بالأموال، على الفور يطعن فيه، إذا تزوَّج أخوك يحاول يبحث عن نقاط ضعف لكي يرتاح، من حسده يبحث عن نقاط ضعف، أما إذا كان فرحا لأخيه بشهادته، بزواجه، بعمله، بتجارته، فرحت له فأنت مؤمن ورب الكعبة، تعد نفسك معه بخندق واحد، لأن الله عزَّ وجل قال في آية دقيقة جداً:
    ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا﴾
    ( سورة النور: من آية " 19 " )
    ليس له ذنب، لم يتكلَّم ولا كلمة، ولا تكلَّم بحرف، ولكن لأنه أحب..
    ﴿أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا﴾
    الله جعله في خندق المنافقين، وخندق الكفَّار، أنت مع المؤمنين يجب أن تفرح للخير إذا أصابهم، أو تحزن لما أصابهم من شر، فإن قلت: ما دخلني، هذا الكلام لا يليق بالمؤمنين.
    ومن رحمته صلى الله عليه وسلَّم بكاؤه لموت صاحبٍ من أصحابه، وذلك ما رواه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم " قبَّل عثمان بن مظعون وهو ميت وهو صلى الله عليه وسلم يبكي ".
    وفي رواية ابن سعد في الطبقات عن عائشة رضي الله عنها " قبَّل عثمان بن مظعون وهو ميت، قالت: فرأيت دموع النبي تسيل على خد عثمان ".
    يرحم أصحابه، يحبهم، يعرف قدرهم، يعرف قيمتهم، يعرف ميزاتهم.
    وعند ابن الجوزي في كتاب الوفاء عن عائشة رضي الله عنها قالت:
    (( لما مات عثمان بن مظعون كفَّ النبي الثوب عن وجهه، وقبل بين عينيه ثم بكى طويلاً، فلما رُفع على السرير قال: طوبى لك يا عثمان لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها ))
    أي مت فقيراً لم تصب من الدنيا ولم تصِب منك.
    وأما رحمته بالمساكين والضعفاء، فقد تقدم ما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: " إن كانت الأمة ـ أي المملوكة ـ لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فتنطلق به حيث شاءت ـ أي إذا في بنت صغيرة في البيت، أحياناً الطفل يعرف أن هنا توجد سكرة، أو بسكوت مغلق عليه، فيمسك يد والده ويشدَّه، هذا قبل أن يدرك، قبل أن يتكلَّم، فكان عليه الصلاة والسلام إذا طفلة صغيرة أمسكت بيده، وسارت به سار معها ـ فتنطلق به في حاجتها أي ليقضي لها حاجتها من شراء طعامٍ أو متاعٍ أو نحو ذلك ".
    وروى النسائي عن ابن أب أوفى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم " كان لا يأنف ـ أي لا يتكبَّر ـ أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي لهما الحاجة ".
    وعن سهل بن حنيفٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم "كان يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم ".

    التعديل الأخير تم بواسطة سميرة رعبوب ; 13/09/2012 الساعة 04:15 PM
    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

  10. #10
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    بقلم الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ،


    (( رحمته صلى الله عليه وسلم باليتيم، فقد قال تعالى:
    ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9)﴾
    [ سورة الضحى ]
    والنبي عليه الصلاة والسلام شاءت حكمته تعالى أن يكون يتيماً تطييباً لقلوب اليتامى من بعده، فسيد الخلق، وحبيب الحق كان يتيماً، وكان عليه الصلاة والسلام يحسن إلى اليتامى، ويبرهم، ويوصي بكفالتهم، والإحسان إليهم، ويبيّن الفضائل المترتبة على ذلك فقد روى البخاري وغيره عَنْ سَهْلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    ((أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ))
    وهذه ليست إشارة نصر، لا، فهذا موضوع آخر، وروى ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    ((خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ))
    خير، اسم تفضيل، إذا أكرم الله عز وجل إنساناً بيتيم ورعاه، فرعاية هذا اليتيم كافية لدخول الجنة، وكذلك امرأة مات زوجها، وذكر فضلها عليه الصلاة والسلام، فحبست نفسها على تربية أولادها، يعني أحياناً يتوفى الزوج بحادث، أو بمرض غير متوقع، أو في سن مبكرة جداً، قد يموت الزوج في الثلاثين من عمره، وعنده زوجة بالاثنين وعشرين، في ريعان شبابها ترك لها أولاداً، طبعاً لها أن تتزوج، لكنها إذا تزوجت لعل الأولاد يضيعون، يُشَرّدون، الزوج الجديد لا يرضاها مع أولادها، تضع أولادها عند أهلها، وقد يكون أهلها متقدمين في السن، فالطفل الصغير مع رجل كبير قد يتفلت من سيطرته.
    فامرأة شابة في ريعان الشباب حبست نفسها على تربية أولادها، وآثرت هذا العمل الطيب على حظها من الأزواج، فهذه امرأة مدحها النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
    ((أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْمَأَ يَزِيدُ بِالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ امْرَأَةٌ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَاهَا حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا))
    ما معنى امرأة سفعاء الخدين ؟ قال شراح الحديث: المرأة التي حبست نفسها عن الزواج فيصبح لونها إلى الكمودة والسواد أقرب، لأن المرأة خلقها الله عز وجل لتكون زوجةً، فحينما يبتعد عنها زوجها لعل هذا الحرمان يؤثر في مُحياها، وهذا واضح حينما جاءت امرأة إلى السيدة عائشة رضي الله عنها،،وقد رأتها السيدة عائشة مهملةً لنفسها، وهي امرأة سيدنا عثمان بن مظعون، فلما شكت زوجها بأنه صوام قوام استدعاه النبي، وقال له: يا عثمان أليس لك بي أسوة ؟ فأفهمه أنّ عليه حقوقاً متعلقة به، فجاءت في اليوم التالي زوجته كما تقول السيدة عائشة عطرةً نضرة ـ متألقة ـ من أين جاءها التألق ؟ حينما التفتَ إليها زوجها، قالت: ما حالك ؟ قالت امرأة عثمان: أصابنا ما أصاب الناس.
    عن عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    ((... فَلا تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا))
    [ البخاري ـ مسلم ـ الترمذي ـ النسائي ـ أبو داود ـ ابن ماجة ـ أحمد ـ الدارمي ]
    الإسلام متوازن، يمكن أن تصل إلى أعلى مرتبة عند الله، وأنت تؤدي الحقوق، أما إذا أكثرت من العبادة، وأهملت حقوق العباد فهناك مسؤولية، وهناك محاسبة.
    فهذه المرأة التي حبست نفسها على أولادها، وآثرت هذا العمل الطيب على حظها من الرجال أصبحت سفعاء الخدين، يعني في كمودةِ حرمانٍ، كمودةِ البعدِ عن الزوج،
    ((أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْمَأَ يَزِيدُ بِالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ امْرَأَةٌ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَاهَا حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا))
    آمت أي أصبحت أيماً ـ ترملت ـ يعني ربت أولادها، ولم تتزوج، والسؤال الآن: هذا الطفل الصغير كم هو غال على الله ؟ حيث إنك إذا رعيته تستحق الجنة، فالله شهيد أني لا أرى في الحياة الدنيا عملاً أعظم من أن تغرس الإيمان في نفس أولادك، من أن ترعاهم، من أن تدخل على قلوبهم السرور، وأن تنشئهم على حب الله، وحب رسوله، وحب آل بيته، وحب كتاب الله عز وجل، وأن تربيهم تربيةً إسلامية، وأن تعلمهم أحكام الفقه، وأن يكونوا معك دائماً على محبة الإيمان والصلاح، فهذا العمل كبير جداً.
    لذلك ذكرت لكم في الدرس الماضي أن الإنسان يشقى بشقاء أولاده شقاء حكماً، مهما بلغت، مهما ارتقيت، مهما حصلت من المال، لي قريب مات منذ ثلاثين عاماً، ترك مئة مليون ليرة، فقبل أن يموت بأيام قال لامرأته: ضيعنا الذهب ـ ويقصد بالذهب أولاده، فقد أهملهم، فنشؤوا منحرفين ـ وتبعنا العراط أي الفحم.
    عبر عن خطأه الفاحش أنه أهمل أولاده، واهتم بتجميع الأموال، فلما توفي ترك هذا المال بأيدٍ شقية، منحرفة، فضاع المال والأولاد.
    أيها الإخوة، ما للرجل من عمل أعظم على الإطلاق من تربية أولاده، وتنشئتهم تنشئة إسلامية، واللهِ من يقم بهذا العمل فأنا أكبره أشد إكبار، الإنسان يكون في بلاد الغرب، أو في أمريكا، وهو في أعلى درجات النجاح والتفوق، لكن يتخذ قراراً في ظاهره صعب، أما في حقيقته فهو والله أحسن قرار، فيعود إلى بلده حفاظاً على تربية أولاده، حفاظاً على دين أولاده، فهذا إنسان عظيم راجح عقله.
    نناقش اليوم رحمة النبي صلى الله عليه وسلم باليتيم، والله شيء لا يكاد يصدق، كافل اليتيم مع رسول الله في الجنة، امرأة مات زوجها، وترك لها أولاداً فحبست نفسها على تربيتهم، وحرمت نفسها من الزواج، فهي مع رسول الله في الجنة.
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ:
    ((امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ))
    [ أحمد ]
    أحياناً قد يكون هذا اليتيم في غده مصلحاً اجتماعياً، قد يكون عالماً كبيراً، قد يكون محسناً كبيراً، فهذا الذي نشأه هذه التنشئة الطيبة ثوابه عند الله عظيم، أنا أعرف رجلاً والله حينما ألتقي به ملء سمعي وبصري، توفي أخوه، وترك له أولاداً ذكوراً وإناثاً، ربى أولاد أخيه تربيةً لا تقل درجة واحدة عن تربية أولاده، اختار لبنات أخيه أزواجاً طيبين، وأقام لبنات أخيه احتفالات في عقود قرانهن كاحتفالات بناته تماماً، على نفقته، هناك أسر، وأنا أكبر هذه الأسر، إذا مات الأخ فبقية الأخوة كالآباء تماماً لأولاد أخيهم، رعاية الأطفال من أعظم الأعمال، تربية الأولاد من أعظم الأعمال،
    ((.... أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْمَأَ يَزِيدُ بِالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ امْرَأَةٌ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَاهَا حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا))
    لي صديق توفي بحادث سيارة، وكان عمره خمسة وثلاثين عاماً، ترك زوجة وثلاثة أولاد، مرةً التقيت بأحد أولاده يوم كان في صف البكالوريا، وقلت له: هل أنت بحاجة إلى شيء ؟ قال لي: نعم، أريد بعض التوجيهات في اللغة العربية، قلت له: تعال إليّ، جلست معه، فإذا هو ضعيف جداً في هذه المادة، فإكراماً لصديقي المتوفى اعتنيت به كما يرضى الله عز وجل، أعطيته كل يوم درساً حتى أصبح قوياً في هذه المادة، ونجح وتفوق، فرأيت والده في المنام يشكرني.
    اليتيم ليس له أب، فكل مؤمن أب له، وإذا شعر هذا اليتيم أن الناس يعطفون عليه، ويكرمونه أحبهم، سواء كانوا من أهل والده، أو من أصدقائه، لذلك فالمجتمع المؤمن مترابط، متعاون، متكاتف، ألم يخطر في بالك هذا السؤال ؟ قال تعالى:
    ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)﴾
    [ سورة الماعون ]
    لماذا اختار الله سبحانه وتعالى كصفة قبيحة أشد القبح بالذي يكذب بالدين أنه يدع اليتيم ؟ أعجبني هذا التفسير قال العلماء: اليتيم ينبغي أن يكرم، فإذا لم تكرمه فقد وقعت في خطأ كبير، فكيف لو دفعته بصدره، فالخطأ الكبير في عدم تكريمه، فكيف إذا دفعته في صدره، وأهنته، وقسوت عليه.
    لي صديق قال: له قريبة توفيت ـ وأنا لا أذكر هذا كحجة، لا، ولكن للاستئناس ـ رأيتها في المنام بحالة صعبة جداً، يعني مغموسة في ألسنة لهب، يقسم بالله العظيم أنه رآها بمعدل مرة أو مرتين بالسنة لمدة ثماني سنوات، وهي بهذه الحالة، قال لي: بعد ثماني سنوات رأيتها بحالةٍ طيبة ففرحت لها، وأشعرتها أنني مسرور جداً بهذه الحالة، وقلت لها: ماذا أصابك، وكيف أنت ؟ قالت يا فلان: الحليب، هو يعرف قصتها في الدنيا، كان لها أولاد من زوجها الثاني، ولها أولاد أيتام من زوجها الأول، فكانت تسقي أولادها حليباً كامل الدسم، وتسقي الأولاد الأيتام كأس حليب نصفه ماء ونصفه حليب، ثماني سنوات، وهي تعذب في القبر، وليس هذا الكلام حجةً كمنهج، بل يستأنس به، عندك يتيم تسقيه حليباً مغشوشاً، وتعطي ابنك حليباً كامل الدسم، فهذا عمل قبيح وشنيع.
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ:
    ((امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ))
    [ أحمد ]
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
    ((السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَحْسِبُهُ قَالَ: كَالْقَائِمِ لا يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لا يُفْطِرُ))
    [ البخاري ـ مسلم ـ الترمذي ـ النسائي ـ ابن ماجة ـ أحمد ]
    السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ، أي الذي يسعى فيما ينفع الأرملة والمسكين، هذا الحديث رواه الشيخان، وإذا رأيتم حديثاً شريفاً رواه الشيخان فالحديث من أصح الأحاديث على الإطلاق، وله رواية يرويها ابن ماجة:
    ((...قَالَ السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ...))
    أما رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوان فكان صلى الله عليه وسلم يوصي بالرحمة بالحيوان، وينهى صاحبه أن يجيعه، أو أن يدئبه، أو أن يتعبه بإدامة الحمل عليه، أو إثقاله، فعَنْ سَهْلِ ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ:
    ((مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً))
    [ أحمد ـ أبو داود ]
    بالمناسبة لي قريب كان عنده فرس فيما مضى - توفي رحمه الله - وكان يرعاها رعايةً تامة، يقدم لها الطعام المنقى من الحصى، وكان إذا أراد أن يرقدها أرقدها على فراش من الذبل، طبعاً تستريح به، مرةً كانت ابنته على ظهرها، وكانت على الشارع العام فحينما جاءت الحافلة الكهربائية فزعت ـ وبالتعبير الفروسي جفلت ـ وهي تدرك أن على ظهرها ابنة صاحبها، فحنت ظهرها إلى الأرض ودفعت بالطفلة إلى الأرض سليمةً، وعادت لا تلوي على شيء، فالحيوان يعرف الذي يحبه، والذي يعتني به، والذي يطعمه، فلذلك من صفات المؤمن الرحمة بالحيوان.
    ((... مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً))
    لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ، أي ضمر من شدة الجوع، العناية بالحيوان جزء من دين المؤمن، والآن ليس لدينا حيوانات، ولكن هناك حيوانات من نوع آخر، وبيوتنا كانت سابقاً فيها هرر، والآن لا شيء من هذا كله، ولكن الإنسان إذا رأى حيواناً في بستان فعليه أن يعتني به إذا دعته حاجة لذلك.
    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ:
    ((أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ قَالَ فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ فَقَالَ مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ ؟ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ))
    [ مسلم ـ أبو داود ـ ابن ماجة ـ أحمد ـ الدارمي ]
    أنا والله لقد رأيت مرةً بعيني كلبةً تبكي، دَهستْ أولادها سيارةٌ، فوقفت أمام أولادها الصغار، والدموع تتقاطر من عينيها، الحيوان نفس، سيمر معنا بعد قليل كيف أن امرأة استحقت دخول النار بهرة،
    ((... فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ ـ وهو موضع الأذنين من مؤخر الرأس ـ فَسَكَتَ، فَقَالَ: مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ ؟ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: أَفلا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ))
    وكان عليه الصلاة والسلام ينهى عن إجاعة الحيوان، وإتعابه، إما بكثرة العمل عليه، أو بتحميله فوق طاقته، بعض من يعملون مع الدواب يأتون بمخرز أحياناً، ويخزوها فيه، فهم يسيئون إلى هذه الدابة إساءة بالغة، مثل هؤلاء الأشخاص يحاسبون عند الله أشد الحساب.
    منطلق المؤمن: أن هذه المخلوقات ربُها اللهُ سبحانه وتعالى وهو حسيبها، وهو يقتص ممن يؤذيها، ذكرت لكم مرة أني رأيت في طريق المطار إنساناً دهس كلباً، ولكن أراد أن يظهر براعته في القيادة فقطع يدي الكلب، وأبقاه حياً، كلب في أيام الشتاء يشعر بالبرد جالس على الزفت، والزفت لونه أسود يمتص الحرارة، وحرارته أعلى من حرارة التراب، والكلب الصغير جالس على يمين الطريق، وهذا السائق بقيادة ماهرة دهس يدي الكلب فقطعهما، وأطلق ضحكةً هستيريةً يعبر عن مهارته في قيادة السيارة، يركب إلى جانبه شخص زارني في مكان عملي قبل سنوات، وهو شاهد عيان، قال لي: والله بعد أسبوع واحد في المكان نفسه تعطلت سيارته، فجاء ليرفعها بالرافعة المخصصة لذلك، فاضطربت، ووقعت العجلة على رسغيه، وطرف العجلة حاد، فمزقت عظام رسغيه، فلما أخذ إلى المستشفى كانت يداه قد اسودتا، فصار لزاما مِن قطعهما فبعد أسبوع واحد كان بلا كفين، فالله كبير، وهو عزيز جبار منتقم.
    لأن الحيوان ليس له أحد، وإذا دهست دجاجة يخرج أصحابها بروحك، والخروف كذلك، أما الكلب فليس له أحد، ليس له صاحب، وأنا أقول: له الله تعالى.
    لذلك فهذه البغي التي سقت الكلب، وهي تعلم أنّه ليس له صاحب يشكرها، وليس حولها أحد ترائي له فيبدو أنها سقت هذا الكلب مخلصةً في إروائه من العطش فغفر الله لها.
    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    ((عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا و لا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ))
    [ البخاري ـ مسلم ـ الدارمي ]
    يقاس على ذلك إنسان يدوس بقدمه نملة، قال تعالى:
    ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)﴾
    [ سورة النمل ]
    لدينا حكم شرعي مفاده ليس كل حيوان ندهسه مشيا، كله عند العرب صابون، تفقه، فهناك حيوان لا يجوز أن يقتل، قال تعالى:
    ﴿وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾
    [ سورة الفرقان (68)]
    عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    ((أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ وَهُمْ وُقُوفٌ عَلَى دَوَابَّ لَهُمْ وَرَوَاحِلَ ـ يعني واقفون على دواب يتحادثون ـ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْكَبُوهَا سَالِمَةً وَدَعُوهَا سَالِمَةً وَلا تَتَّخِذُوهَا كَرَاسِيَّ لأَحَادِيثِكُمْ فِي الطُّرُقِ وَالأَسْوَاقِ فَرُبَّ مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ مِنْ رَاكِبِهَا هِيَ أَكْثَرُ ذِكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْهُ))
    [ أحمد ـ الدارمي ]
    هذه الدابة المركوبة ربما كانت عند الله خير من راكبها، لأن الله عز وجل قال:
    ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً(44)﴾
    [ سورة الإسراء ]
    فإذا كان الراكب غافلاً والمركوب ذاكراً، فالمركوب أصبح خيراً من الراكب.
    عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    ((إن الله يوصيكم بهذه البهائم العجم مرتين أو ثلاثاً فإذا سرتم عليها فأنزلوها منازلها))
    أحياناً يبيعون سمكاً طازجاً يصطاد من البحيرة، أو من الحوض لتوه، والقائمون على بيع السمك جهلة، سمك يضطرب يُفتح بطنه، وتُنزع أحشاؤه، هذا السمك لا يجوز أن يفتح بطنه، وهو حي، إلى أن تموت حقاً، وتكون قد وجبت جنوبها، لا تعذبَ سمكةً ما تزال تشعر، وتتألم، فوق أنك اصطدتها، وأخرجتها من الماء، وتتلوى من قلة الأوكسجين تفتح بطنها، وتنزع أحشاءها، كائن فيه روح، فالإنسان ليس له حق إذا اشترى سمكاً من الماء أن يسمح لهذا الذي يعمل في بيع السمك أن يفتح بطن السمك، وينظفه قبل أن تجب جنوبها.
    عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ:
    ((ذَكَرَ طَبِيبٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَوَاءً وَذَكَرَ الضُّفْدَعَ يُجْعَلُ فِيهِ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الضُّفْدَعِ))
    [ أحمد ـ النسائي ـ الدارمي ـ أبو داود ]
    وقال نقيقها تسبيح.
    والحديث الذي ورد في ترغيب المنذري والمعروف، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    ((عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا و لا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ))
    [ البخاري ـ مسلم ـ الدارمي ]
    امرأة استوجبت دخول النار لأنها حبست هرة، فإذا أودع رئيس مخفر شخصاً بالنظارة من دون تحقيق، من دون اهتمام، ثم مات في النظارة فهو قاتل. فبالهرة وجبت لها النار، فما قولكم بما فوق الهرة، الهرة توجب النار لمن يحبسها من دون سبب وهي بريئة فكيف بإنسان مظلوم.
    والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تسليط الحيوانات بعضها على بعض بالأذى، وتهييجها بالإفساد والتحريش، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
    ((نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ))
    [ أبو داود ـ الترمذي ]
    قد يجري بين الديكة أحياناً اشتباك، وكذلك صراع بين الثيران مثلاً، فهذه اللعبة كلها حرام، إلا أن يكون ثيران تصارع ثيراناً من تلقاء ذواتها، فهذا موضوع آخر، أما أن يكون لعبًا، رياضة هوايات، مبنية على تعذيب الحيوان، أو على قتله فهذا ما لا يجوز في الإسلام.
    والنبي صلى الله عليه وسلم أوصانا بالطيور، دققوا في هذه الأحاديث، كان عليه الصلاة والسلام يحذر من أن يفجع الإنسان الطيور في أولادها، وذلك من باب الرحمة، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
    ((كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتِ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا، وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ: مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ ؟ قُلْنَا: نَحْنُ، قَالَ: إِنَّهُ لا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلا رَبُّ النَّارِ))
    [ أبو داود ـ أحمد ]
    الحمرة طائر صغيرٌ كالعصفور، تفرش: أي تقف، وتضطرب بجناحيها اضطراباً وقلقاً على أولادها.
    قد يضعون عقرباً ضمن فحم، ويشعلون الفحم، هذا تعذيب، والتعذيب بالنار محرم أشد التحريم، فلا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار.
    عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّرِيدَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
    ((مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّ فُلانًا قَتَلَنِي عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ))
    [أحمد ]
    أنت مسافر، وأصابك جوع شديد، وليس هناك طعام تأكله، فلك أن تصطاد طيراً، وتأكله، أما أن تجعل الصيد هوايةً، تقتل الطير من دون أن تأكله، وتحقيقاً لهواية الصيد فهذا بإجماع الفقهاء حرام.
    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    ((مَا مِنْ إِنْسَانٍ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إِلَّا سَأَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَقُّهَا قَالَ يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا ولا يَقْطَعُ رَأْسَهَا يَرْمِي بِهَا))
    [ أحمد ـ النسائي ]
    الآن إذا أردت أن تذبح عصفوراً، أو دابةً، أو خروفاً، أو شاةً، فما حكم الشرع فيما تفعل ؟ روى الطبراني وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً أضجع شاةً وهو يحد شفرته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
    ((أتريد أن تميتها موتتين هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها))
    والذي ذبح شاةً أمام أختها أيضاً عنفه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:
    ((تريد أن تميتها مرتين هلا حجبتها عن أختها))
    وبعد أن أُحدِثت مسالخ للقطاع الخاص استشارني أخ من إخواننا الكرام، فهو يشتري غنماً، ويذبحها، ويبيعها، قلت له: اجعل غرفةً للذبح خاصة في منأى عن بقية الغنم، لأنك إذا ذبحت الشاة أمام أختها فقد وقعت في معصية، غرفة ولو من قماش أذبح في هذه الغرفة، أما أن تذبح الشاة أمام أختها فكأنما ذبحتها مرتين.
    والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من اتخاذ الحيوان وكل ذي روح غرضاً ـ أي هدفاً للرمي ـ روى الشيخان عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ:
    ((مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا لَعَنِ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا))
    [ البخاري ـ مسلم ـ النسائي ـ أحمد ـ الدارمي ]
    سمعت عن أكلة يأكلونها في جنوب شرق آسيا، يأتون بقرد يضعونه تحت كرسي خشب مفتوح فتحة دائرية، حيث يظهر رأسه فَيُسلخ جلد رأسه، تقطع جمجمته، ويأكلون من دماغه، وهو حي، هذه أكلة رآها بعض الأصدقاء في جنوب شرق آسيا، ورآها صديق لي بأم عينه في أمريكا، فهناك جهل كبير، أفلا يخشى هذا أن يُمسخ قرداً، وهذا الذي يأكل قرداً لعله يُمسخ قرداً، الإنسان حينما يقسو قلبه إلى هذه الدرجة حتى لو قتلت عقرباً، لو قتلت أفعى يجب ألّا تعذبها.
    عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ:
    ((ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ))
    [ مسلم ـ الترمذي ـ النسائي ـ ابن ماجة ـ أبو داود ـ أحمد ـ الدرامي ]
    حتى لو قتلت حيواناً سمح الله لك أن تقتله فلا يجوز لك أن تعذبه، أما إذا عذبته فالله سبحانه وتعالى شديد الانتقام.
    لذلك أرسل صلى الله عليه وسلم بالرحمة كما ذكر الله عز وجل قال تعالى:
    ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾
    [ سورة الأنبياء ]
    فكل الأعمال الطيبة التي تفعلها أمة النبي صلى الله عليه وسلم هي بتوجيهات النبي، المؤمن يسير على منهج، وعنده قيم ومبادئ، وبُلّغ بالأوامر والنواهي، والقضية ليست عشوائية، أما الإنسان الكافر الجاهل فهو دابة شَموس، لكن المؤمن مخلوق مكرم عند الله، ومنضبط، فكل شيء يفعله وفق ما يأمر به الشرع.
    لاحظت أنهم أحياناً يذبحون في سوق الدجاج، فالدجاجة وهي لا تزال حية تضطرب توضع في ماء يغلي من أجل نتف ريشها، أليست لديهم رحمة ؟ الإنسان يجب أن يعرف ماذا يأكل، اذبح لي هذه الدجاجة، يذبحها لتوها، ويضعها في ماء يغلي حتى يسهل عليه نتف ريشها، ولا تزال حيةً تضطرب، فليتقِ الله.
    لذلك فالمؤمن المستقيم يحفظه الله عز وجل، ويحفظ أولاده، إنسان أعطى ابنه عصفوراً، ربطه بخيط، كلما طار يشده حتى خلع له رجله بعد يومين كُسِرتْ رِجْلُ الابن، وانتكست مرة واثنين وثلاثاً، دقق قبل أن تسمح لأولادك أن يلعبوا بعصفور، هذا مخلوق، الرجُلُ راع في بيته، وهو مسؤول عن رعيته.
    ورد في السنة المطهرة في مسند الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
    ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ مَلَكَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَالآخَرُ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ اضْرِبْ مَثَلَ هَذَا وَمَثَلَ أُمَّتِهِ فَقَالَ إِنَّ مَثَلَهُ وَمَثَلَ أُمَّتِهِ كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ انْتَهَوْا إِلَى رَأْسِ مَفَازَةٍ فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مِنَ الزَّادِ مَا يَقْطَعُونَ بِهِ الْمَفَازَةَ وَلا مَا يَرْجِعُونَ بِهِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُمْ رَجُلٌ فِي حُلَّةٍ حِبَرَةٍ ـ حلة حريرية فخمة ـ فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ وَرَدْتُ بِكُمْ رِيَاضًا مُعْشِبَةً وَحِيَاضًا رُوَاءً أَتَتَّبِعُونِي، فَقَالُوا: نَعَمْ قَالَ فَانْطَلَقَ بِهِمْ فَأَوْرَدَهُمْ رِيَاضًا مُعْشِبَةً وَحِيَاضًا رُوَاءً فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا وَسَمِنُوا، فَقَالَ: لَهُمْ أَلَمْ أَلْقَكُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَجَعَلْتُمْ لِي إِنْ وَرَدْتُ بِكُمْ رِيَاضًا مُعْشِبَةً وَحِيَاضًا رُوَاءً أَنْ تَتَّبِعُونِي فَقَالُوا: بَلَى قَالَ فَإِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ رِيَاضًا أَعْشَبَ مِنْ هَذِهِ وَحِيَاضًا هِيَ أَرْوَى مِنْ هَذِهِ فَاتَّبِعُونِي قَالَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ صَدَقَ وَاللَّهِ لَنَتَّبِعَنَّهُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ قَدْ رَضِينَا بِهَذَا نُقِيمُ عَلَيْهِ))
    [ أحمد ]
    القصة رمزية ذات دلالة، فالنبي عليه الصلاة والسلام جاءنا بهذا الدين القويم وجاءنا بهذا المنهج المستقيم، وجاءنا بهذه السنة المطهرة وهذه السنة تحقق مصالح الدنيا والآخرة، فلو أن الإنسان طبق هذه السنة صلحت دنياه، ورفع ذكره، ويسرت أموره، وسعد قلبه، واكتفى بالدنيا ضيع عليه الآخرة، فالنبي الكريم يقول هناك مكان أعشب من هذا، وأكثر ماءً، وهو الآخرة.
    فإذا طبق الإنسان منهج الله في الدنيا، وقطف الثمار يانعةً فعليه أن يسعى للآخرة كي تتصل نعم الدنيا بنعم الآخرة، فأحياناً يكون الإنسان في الدنيا بأحسن حال، ولكن أمامه مطب كبير، وهو الموت، وبعد الموت يفقد كل شيء، ولكن السعداء في الدنيا هم الذين تتصل عندهم نِعَمْ الآخرة بنِعَم الدنيا، فهو في الدنيا مِن أسعد الناس، وإذا جاء الموت من أسعد الناس ؟ فمن أجل أن تتصل نعم الدنيا بنعم الآخرة ينبغي أن تطبق منهج رسول الله في الدنيا وأن تطلب الآخرة من أجل أن تكون في الدارين من السعداء.))

    المصدر موسوعة النابلسي ~

    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

  11. #11
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    قد يقول قائل: إذا كانت رحمة النبي صلى الله عليه وسلم واسعة، فلماذا كان يرجم الزاني المحصن ويقطع يد السارق ويقتل القاتل؟! أليس من الرحمة أن يعفو عنهم؟!

    الحدود في الإسلام.. رحمة بالمجتمع

    نقول: إن هناك نقطة مهمة تغيب عن أذهان أصحاب الشبهات, وهي أنهم ينظرون بعين الرحمة إلى المُذنِبِ, ولا ينظرون بعين الرحمة على المجتمع الذي عانى من ذنبه, فإذا نظرت بعين المحلِّل المتجرِّد من الهوى وجدت أن كل الحدود التي فرضها رب العزة قد فُرِضَت على جرائم تؤثر سلبًا على المجتمع, وقد يعانِي منها صاحبُ الشبهة شخصيًّا, ولو عانى منها لكان رأيه مختلفًا, فلا شك أنه لو سرق أحدٌ رأس ماله, وثمرة جهده لتمنى عقابه بأقسى عقاب, ولو اعتدى أحدهم على ابنته أو زوجته أو أُمِّه لسعى إلى قتله بنفسه قبل المحاكم, وهكذا..

    فالحدود في الإسلام شُرِعَتْ رحمةً بالمجتمع, وترهيبًا لعموم الناس أن ينخرطوا في طريق الجريمة, وهذه رحمة بهم أيضًا من وجه آخر, ثم هي كَفَّارة عن الذنب الذي فعله العبد, ومن ثم يُهَوِّن عليه من حساب الآخرة وهو أَشَقُّ وأَشَدُّ..

    روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ليلة العقبة: "تَعَالَوْا بَايِعُونِي‏ عَلَى أَنْ لا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا, وَلا تَسْرِقُوا وَلا تَزْنُوا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ وَلا تَأْتُوا ‏بِبُهْتَانٍ ‏تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلا تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ, فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ؛ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ, وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ لَهُ كَفَّارَةٌ, وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ, وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ, قَالَ: ‏فَبَايَعْتُهُ ‏‏عَلَى ذَلِكَ"[1].

    فتطبيق الحدود -والتي تبدو قاسية- رحمة للمجتمع, ورحمة لأنها تمنع الناس من ارتكاب الجرائم, ورحمة كذلك لأنها تكفِّر الذنب عن فاعله..

    ثم فوق كل ما سبق, وقبل كل ما سبق, هي أوامر من رب العالمين , واجبة التطبيق, والله أعلم بما يُصلِحُ عبادَه وكونه, ورسول الله صلى الله عليه وسلم مُطبِّق لقوانين الشريعة دون إفراط ولا تفريط, ولم يكن يطبِّق هذه الحدود على طائفة من الناس دون طائفة, ولا على قبيلة دون أخرى, إنما كان يُنفذ قانونًا عامًّا يهدف لراحة وأمن الجميع, ولقد غضب غضبًا شديدًا عندما حاول بعض الصحابة[2] أن يتوسَّط لامرأة ذات نسب من قبيلة بني مخزوم كي لا تُقطَعَ يَدُها في جريمة سرقة, وأصرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على تطبيق الحد, وخطب خطبة بليغة وضَّح فيها منهجه في معالجة الجريمة, وكان مما قاله في هذه الخطبة: "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ ‏‏فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ ‏سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"[3].

    إن القانون عام, وفي باطنه رحمة واضحة جليلة لمن كان له قلب, أو ألقى السمع وهو شهيد..

    ثم إن الجانب الأروع والأجمل في المسألة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن متشوفًا إلى إقامة الحدود, ولا متمنيًا لرجم أو قتل أو قطع.. إنه كان يحاول قدر جهده أن يجد مخرجًا للمُذنِبِ..

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ"[4].

    ألا ما أروع هذا الكلام, وما أرحمه!!

    إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتصيَّد الأخطاء للمذنبين, بل إنه يتغاضى عن الأمر تمامًا إن لم تكن البينة واضحة, والدليل كافيًا..

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَعَافُّوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ, فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ"[5].

    يقول السيوطي[6]تعليقًا على هذا الحديث: "أي تجاوزوا عنها ولا ترفعوها إليَّ فإني متى علمتها أقمتها"[7].

    موقف صفوان بن أمية
    وهذا المعنى وضح في موقف صفوان بن أمية رضي الله عنه عندما رفع أمر رجل سرقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يد السارق وذلك تطبيقًا للحد, فَقَالَ ‏صَفْوَانُ:‏ ‏يَا رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمْ أُرِدْ هَذَا رِدَائِي عَلَيْهِ صَدَقَةٌ, فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏: "فَهَلاَّ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ"[8].

    إنها دعوة رحيمة صريحة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية رضي الله عنه, وإلى عموم المسلمين أن يجتهدوا في تعافي الحدود فيما بينهم, وألا يرفعوا الجرائم إليه إلا في آخر المطاف..

    وقد حدث في قصة ماعز[9] رضي الله عنه ما يؤيد ذلك؛ لأن رجلاً من الصحابة اسمه هزَّال[10] هو الذي دفع ماعز إلى الاعتراف بجريمة الزنا, فلما أصرَّ ماعز على الاعتراف بالجريمة رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ماعزًا كان محصنًا, لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدع الأمر يمر دون أن ينصح لهزّال -والأمة من بعده- قائلاً: "‏وَاللَّهِ يَا ‏هَزَّالُ لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا مِمَّا صَنَعْتَ بِهِ"[11].

    قصة ماعز
    وما دمنا قد ذكرنا أمر ماعز فما أجدرنا أن نعرَّج على قصته لنرى رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رُفع له أمر رجل زنى وهو متزوج..

    يروي بريدة بن الحصيب رضي الله عنه فيقول: جَاءَ ‏مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ ‏إِلَى النَّبِيِّ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏فَقَالَ: يَا رسول الله ‏طَهِّرْنِي,‏ فَقَالَ:‏ "‏وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ". قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ, ثُمَّ جَاءَ؛ فَقَالَ: يَا رسول الله ‏طَهِّرْنِي, ‏فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏: ‏"وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ". قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ؛ فَقَالَ: يَا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏طَهِّرْنِي؛ ‏فَقَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ الرَّابِعَةُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: "فِيمَ أُطَهِّرُكَ؟" فَقَالَ: مِنْ الزِّنَا؛ فَسَأَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"أَبِهِ جُنُونٌ؟ "فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ فَقَالَ: "أَشَرِبَ خَمْرًا؟" فَقَامَ رَجُلٌ ‏فَاسْتَنْكَهَهُ ‏‏فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ. قَالَ: فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏: "أَزَنَيْتَ؟" فَقَالَ: نَعَمْ"[12].

    إننا نرى هنا موقفًا من أعظم مواقف الرحمة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه موقف رجم لإنسان, وهو أمر شديد ولا شك..

    إن ماعزًا جاء ليعترف بالزنا ليقام عليه الحد, جاء معترفًا دون أن يُكرهه أحد, لقد جاء تائبًا مقرًّا بذنبه يريد أن يتخلص منه في الدنيا قبل حساب الآخرة, والحدود كفارة كما ذكرنا قبل ذلك..

    وقد جاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً له: طهرني, وقد شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوهلة الأولى أن الرجل قد ارتكب ذنبًا عظيمًا, فلا شك أن هذا كان باديًا على قسمات وجهه, وعلى نبرات صوته, لكنَّه مع ذلك لم يسأله عن ذنبه, ولو من باب الفضول, فإنه أراد أن يتكتم عليه لئلاَّ يقيم عليه حدًّا, وهذا من رحمته العظيمة , ولكن ماعزًا كان مُصِرًّا على الاعتراف, وصرَّح في المرة الرابعة بذنبه, ومع ذلك لم يتلقف رسول الله صلى الله عليه وسلم منه الاعتراف كما يحدث في كثير من بلاد العالم ويسجله عليه, بل راجعه أكثر من مرة ليتراجع, وذلك رحمة به, فسأل عن عقله: هل به جنون؟ فقالوا: لا, فسأل عن شربه للخمر فلعله قد أذهب عقله فاعترف بما لم يفعل, وحد الخمر أهون من حد الزنا للمحصن, ولكن ماعز لم يكن شاربًا للخمر..

    إنها محاولات حقيقية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لدرء الحد, والتجاوز عن ماعز, بل إنه -في روايات أخرى- التفت إلى قوم ماعز وسألهم: "أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا"؛ فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إِلا ‏وَفِيَّ ‏ ‏الْعَقْلِ مِنْ صَالِحِينَا فِيمَا نُرَى[13].

    وفي رواية أخرى حاول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجد له مخرجًا حتى بعد اعترافه بالزنا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: "لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ[14] أَوْ نَظَرْتَ؟ قَالَ: لا"[15].

    إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في نفسه لعل ماعزًا لم يَزْنِ حقيقةً, ولكنَّه تأول بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يشير فيها أن العين إذا نظرت نظرًا مُحرَّمًا فهو نوع من الزنا, وكذلك اليد وباقي الأعضاء, وذلك مثـل قوله: "‏إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ ‏آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ؛ فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ, وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ, وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي, وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ"[16].

    ومن هنا سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأسئلة محاولاً إخراجه من أزمة إقامة الحد عليه..

    وأُقِيمَ الحد على ماعز كما قضت الشريعة, فرُجِمَ بالحجارة..

    أو لعله مناسبًا وحقيقيًّا أن نقول: أقيم الحد على ماعز كما تمنَّى هو وأراد..

    إن الشريعة الإسلامية رحمة كلها, وليست الشريعة حدود صارمة لا قلب لها ولا عاطفة, ولكنها منظومة كاملة, وكما كان في هذه المنظومة إقامة الحدود للردع, كان فيها تربية الشعب على التقوى ومراقبة الله , حتى يصل الأمر على أن يأتي الزاني المحصن ليعترف بجريمته ويُرجَمَ مع أنه ليس عليه شهود!!

    تعليق على قصة ماعز بن مالك
    وهل وقفت قصة ماعز عند هذا الحد؟!

    في الحقيقة لقد بقيت نقطتان مهمتان أود الإشارة إليهما, ولهما علاقة وثيقة بموضوعنا..

    جريمة الزنا

    أما النقطة الأولى فهي خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة ليلاً في اليوم الذي رُجِمَ فيه ماعز..



    إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه يقرأ الشبهات التي من الممكن أن تثار حول الحدث, ولا شك أنه أدرك أن هناك في المدينة, أو في الدنيا بعد ذلك من سيشفق على ماعز, ويقترح عدم إقامة الحد ما دام قد أعلن توبته وجاء نادمًا, ولكن أنَّى لنا أن ندرك صدق التوبة من كذبها!! إن التوبة عمل قلبي بين العبد وربه, ولو لم يُقَمِ الحدُّ عند ثبوت الجريمة بدعوى توبة الفاعل لكان هذا داعيًا لكل المجرمين أن يأتوا ما شاءوا من الجريمة ثم يعلنوا -صدقًا أو كذبًا- أنهم قد تابوا..

    لقد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة نبَّه الناس فيها إلى أن الموقف المأساوي الذي تعرَّض له ماعز عندما رُجِمَ لا يجب أن يصرف الناس أو يلهيهم عن الجريمة التي تمت.. لقد اعتدى ماعز على حرمة امرأة, واعتدى على حرمة البيت الذي خرجت منه, واعتدى على حُرمَة زوجها أو أبيها أو أخيها, واعتدى على حرمة المجتمع..

    إن هذا فاحشة مبينة لو تخيلتها تحدث مع بعض ذويك ومحارمك لطالبت فورًا برجم الفاعل, ثم إن هذه الجريمة قد تنتج طفلاً بريئًا -وهذا قد حدث فعلاً في قصة ماعز- سيظل معذَّبًا طيلة عمره, مع أنه لم يرتكب شيئًا..

    إن آثار جريمة الزنا وخيمة على المجتمع بكامله.. وآهٍ لو سرت الفاحشة في مجتمع من المجتمعات, وراجِعوا إحصائيات أولاد الزنا في المجتمعات الغربية الآن, بل راجعوها في المجتمعات الإسلامية التي لا تطبق شريعة رب العالمين.. إن الأمر جد خطير, والقضية لا تحتمل تهاونًا أو تفريطًا..

    لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية هذا الحدث الكبير ليعلق أمام الجميع أن الحد قد أقيم رحمة بالمجتمع, ورحمة بالإنسانية, ولم يكن الفرض منه قسوة بإنسان, أو تشهير بمذنب..

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته: "‏أَوَ كُلَّمَا انْطَلَقْنَا غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَخَلَّفَ رَجُلٌ فِي عِيَالِنَا لَهُ ‏‏نَبِيبٌ[17] كَنَبِيبِ ‏التَّيْسِ!! عَلَيَّ أَنْ لا أُوتَى بِرَجُلٍ فَعَلَ ذَلِكَ إِلا‏ ‏نَكَّلْتُ ‏‏بِهِ"[18].

    لقد كانت كلمات في منتهى التوفيق والروعة والحكمة!!

    إنه يطلب من الناس أن يَحْكُموا عواطفهم بعقولهم..

    إنه يصور موقفًا لا تطيقه نفس بشرية..

    يعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة قاسية قد يتعرض لها أي فرد في المجتمع إذا سرت فيه الفاحشة..

    الناس يخرجون في عمل نبيل شريف, وهو الجهاد في سبيل الله, دفاعًا عن حقوق الشعب بكامله, وحرصًا على كرامة الأمة بكاملها, فإذا بأناس قد غدروا بهم, ولم يقدروا حرمتهم, فانتهزوا فرصة غيابهم, وسطوا على أعز ما يملكون وسطوا على شرفهم, واعتدوا على نسائهم..

    يا للجريمة البشعة!

    ثم هو يشير بالتصريح إلى أن هذه الجريمة قد تحدث مع أي إنسان في المجتمع حتى مع هذا الذي أخذته الشفقة على المجرم.. إنه يقول : "تَخَلَّفَ رَجُلٌ فِي عِيَالِنَا" إنهم عيالنا.. إنهم نساؤنا.. إن المصيبة تخصنا..

    نحن الذين سندفع ثمن انتشار الرذيلة لا غيرنا..

    ويشير رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا في كلمته أن الذي يفعل هذا الجرم الشنيع يفعله متشبهًا بالحيوانات, "لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ ‏التَّيْسِ", فقد تجرد في لحظة الفعل من كل مشاعر الإنسانية, فلا تأخذكم به رأفة..

    وأخيرًا فإنه يُعلن في منتهى الصرامة أن الذي سيأتي هذا الفعل الشنيع سيكون عقابه نفس العقاب دون تهاون..

    إنه ليس حق رسول الله صلى الله عليه وسلم الشخصي حتى يفرط فيه أو يتنازل عنه, إنه حق الله أولاً, وحق المجتمع والشعب ثانيًا, وسوف ينفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم كائنًا في ذلك ما هو كائن..

    كانت هذه هي النقطة الأولى التي أحببت أن أشير إليها بخصوص قصة ماعز..

    توبة ماعز

    أما النقطة الثانية فرائعة أيضًا!!

    كيف كان الوضع في المدينة المنورة بعد هذا الحدث المهم؟! وماذا كان رد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للجدال الذي دار بين الناس بعد ذلك؟!

    يقول بُريدة : فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فِرْقَتَيْنِ (أي في ماعز) قَائِلٌ يَقُولُ: لَقَدْ هَلَكَ لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ, وَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِنْ تَوْبَةِ‏ ‏مَاعِزٍ ‏‏إنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ‏فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ, ثُمَّ قَالَ: اقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ. قَالَ: فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ ‏‏أَوْ ثَلاثَةً, ‏ثُمَّ جَاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏ وَهُمْ جُلُوسٌ فَسَلَّمَ, ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ: "اسْتَغْفِرُوا ‏‏لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ‏". ‏قَالَ: فَقَالُوا: غَفَرَ اللَّهُ ‏لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ. ‏قَالَ: فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏: "‏لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ"[19].

    الله أكبر!!

    إننا لا نستطيع بحال من الأحوال أن نحيط برحمته ...

    إنه مع كراهيته الشديدة للفعل, ومع نهيه المستمر للناس أن يفعلوا مثلما فعل ماعز, ومع تحذيره من تكرار الأمر, مع كل ذلك لا يتردد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعلن أمام الناس جميعًا أن الله قد غفر لماعز خطيئته!

    لا يتردد أن يطلب من الناس أن يستغفروا له!!

    إنه لا يحق للناس أن يخوضوا في عرضه مادام الحد قد أقيم عليه, ومادام قد أعلن توبته أمام الجميع.. بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في موقف آخر يدافع عن ماعز دفاعًا كبيرًا رحمةً له ورأفةً به..

    يقول أبو هريرة: "سَمِعَ النَّبِيُّ‏ صلى الله عليه وسلم‏ ‏‏رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: انْظُرْ إِلَى هَذَا الَّذِي سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَدَعْهُ نَفْسُهُ حَتَّى رُجِمَ رَجْمَ الْكَلْبِ؛ فَسَكَتَ عَنْهُمَا, ثُمَّ سَارَ سَاعَةً حَتَّى مَرَّ بِجِيفَةِ حِمَارٍ شَائِل بِرِجْلِهِ؛ فَقَالَ: "أَيْنَ فُلانٌ وَفُلانٌ؟" فَقَالا: نَحْنُ ‏‏ذَانِ ‏يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "انْزِلا فَكُلا مِنْ جِيفَةِ هَذَا الْحِمَارِ"؛ فَقَالا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَنْ يَأْكُلُ مِنْ هَذَا؟!! قَالَ: "فَمَا نِلْتُمَا مِنْ عِرْضِ أَخِيكُمَا آنِفًا أَشَدُّ مِنْ أَكْلٍ مِنْهُ, وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ الآنَ لَفِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ‏يَنْقَمِسُ[20] ‏فِيهَا!"[21].

    ولا أفضل من ختام لهذا المقال من قول ربنا في حق الرسول : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

    ==================================================

    [1] البخاري: كتاب فضائل الصحابة, باب وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وبيعة العقبة (3679), ومسلم: كتاب الحدود, باب الحدود كفارات لأهلها (1709), والترمذي (1439), والنسائي (4161), وأحمد (22720), والدارمي (2453).

    [2] هو أسامة بن زيد رضي الله عنه.

    [3] البخاري: كتاب الأنبياء, باب "أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم" (3288), ومسلم: كتاب الحدود, باب قطع السارق الشريف وغيره (1688), وأبو داود (4373), والترمذي (1430), والنسائي (4898), وابن ماجة (2547), وأحمد (25336), والدارمي (2302), وابن حبان (4402).

    [4] الترمذي (1424), والبيهقي في سننه الكبرى (16834), والحاكم (8163), وقال: هذا حديث صحيح الإسناد.

    [5] أبو داود (4376), والنسائي (4886), والبيهقي في السنن (17389), وقال الألباني: حسن (2954) في صحيح الجامع.

    [6] عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (849-911 هـ), من مؤلفاته الدر المنثور وشرح صحيح مسلم, وكان حسن المحاضرة. نشأ في القاهرة يتيمًا, وكان الأغنياء والأمراء يزورونه ويعرضون عليه الأموال والهدايا فيردها, انظر: الأعلام للزركلي3/301.

    [7] نقل هذا القول محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب في عون المعبود في شرح سنن أبي داود 12/27.

    [8] النسائي (4884), وابن ماجة (2595), وأبو داود (4394) أحمد (15338), ومالك في الموطأ برواية محمد بن الحسن الشيباني (684).

    [9] ماعز بن مالك الأسلمي, معدود في المدنيين, وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً بإسلام قومه, وهو الذي رُجِم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم, وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: لقد تاب توبة لو تابها طائفة من أمتي لأجزأت عنهم. الاستيعاب 1/418, الإصابة الترجمة (7586), وأسد الغابة4/216.

    [10] هزَّال بن يزيد بن ذئاب الأسلمي له صحبة, ووقع ماعز على جاريته؛ فقال له هزال: انطلق فأخبر رسول الله فعسى أن ينزل فيك قرآن؛ فانطلق فأخبره فأمر به فرجم؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو سترته بثوبك لكان خيراً لك. الإصابة الترجمة (8952).

    [11] مالك في الموطأ برواية يحيى الليثي (1499), وبرواية محمد بن الحسن الشيباني (700) أبو داود (4377), أحمد (21945), وقال شعيب الأرناءوط: صحيح لغيره وهذا إسناد حسن, والحاكم (8080)وقال: هذا حديث صحيح الإسناد.

    [12] مسلم: كتاب الحدود, باب من اعترف على نفسه بالزنى (1695).

    [13] مسلم: كتاب الحدود, باب من اعترف على نفسه بالزنى (1695).

    [14] بعينك أو بيدك بمعنى "لمست".. انظر فتح الباري 12/135.

    [15] البخاري: كتاب المحاربين من أهل الكفر والرِّدَّة, باب هل يقول الإمام للمُقِرِّ: لعلك لمست أو غمزت (6324), وأبو داود (4427), أحمد (2433).

    [16] البخاري: كتاب الاستئذان, باب زنا الجوارح دون الفرج (5889), ومسلم: كتاب القدر, باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره (2657), وأبو داود (2152), وأحمد (7705)..

    [17] نبيب: صوت التيس عند الجماع.

    [18] مسلم: كتاب الحدود, باب من اعترف على نفسه بالزنا (1694), وأبو داود (4422), وأحمد (20822), والدارمي (2316), وابن حبان (4436).

    [19] مسلم: كتاب الحدود, باب من اعترف على نفسه بالزنا (1695), والدار قطني (39), والطبراني في الأوسط (4843),

    [20] ينقمس: ينغمس

    [21] أبو داود (4428), والبيهقي في شعب الإيمان (6712), وابن الجارود في المنتقى (814).

    المصدر : هنا

    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

  12. #12
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    هـديه صلى الله عليه وسـلم مع الأطفال ~

    كان من خلقه صلى الله عليه وسلم في معاملة الصبيان أنه إذا مر بالصبيان سلم عليهم وهم صغار, وكان يحمل ابنته أمامه, وكان يحمل أبنه ابنته أمامه بنت زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم, وهو يصلي بالناس, وكان ينزل من الخطبة ليحمل الحسن والحسين ويضعهما بين يديه.

    عن أنس رضي الله عنه قال:" كان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم ". رواه البخاري واللفظ له ومسلم.

    وكان صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي فيُسرع في الصلاة مخافة أن تفتتن أمه. أخرجه الشيخان.

    وكان صلى الله عليه وسلم يحمل ابنة ابنته وهو يصلي بالناس إذا قام حملها وإذا سجد وضعها ".

    وجاء الحسن والحسين وهما ابنا بنته - وهو يخطب الناس - فجعلا يمشيان ويعثران, فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما حتى ووضعهما بين يديه, ثم قال:" صدق الله ورسوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (الأنفال:28) نظرتُ إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران فلم أصبر حتى قطعتُ حديثي ورفعتهما ".

    وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين « أُعيذكُما بكلمات الله التامة ومن كل شيطان وهامَّة، ومن كل عين لامَّة» (البخاري).

    وروى الإمام مسلم في صحيحه- :" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عنده رجل اسمه الأقرع بن حابس رضي الله عنه، وكان شديداً -يعني: مجبولاً على الشدة والقسوة، فرأى الأقرع بن حابس النبي عليه الصلاة والسلام يقبل الحسن و الحسين ، فقال: تقبلون أولادكم؟ والله إن لي عشرة من الأولاد ما قبلت أحداً منهم، فغضب النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: وما أملك لك إن نزعت الرحمة من قلبك؟! ".

    وهذا جابر بن سمرة وهو طفل صغير - والحديث في صحيح مسلم - يقول:" صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة -كان يصلي مع النبي في المسجد صلاة الصبح- فخرج النبي بعد الصلاة من المسجد فقابله الصبيان، فجعل النبي عليه الصلاة والسلام يمسح خدَّ كل واحد منهم واحداً واحداً، قال: ومسح النبي صلى الله عليه وسلم على خدِّي، فشممتُ ليديه ريحاً كأنما أخرجها من جؤنة عطار ".

    وروى مسلم في صحيحه: أن عمر بن أبي سلمة - وهو ممن تربَّى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم- قال:" كنت غلاماً في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت يدي تطيش في الصحفة -الإناء الذي يوضع فيه الطعام- فقال لي: يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك ".

    وأخرج الحاكم بسند صحيح, عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً:" كفى بالمرء إثماً أن يُضَيِّعَ من يَعُول ".

    وفي كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة, حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هذَا غُلاَمًا، فَقَالَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ قَالَ: لاَ، قَالَ: فَارْجِعْهُ ". أخرجه البخاري.

    وروى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها: جاءتني مِسْكِينَةٌ تَحمِلُ ابنتين لها، فأطْعَمتُها ثَلاَثَ تمْراتٍ، فأعطت كلَّ واحدة منهما تمرةً، ورَفعت إلى فيها تمرةً لتأكُلَها، فَاسْتَطْعَمَتْها ابنَتَاها، فَشَقَّت التمرة التي كانت تريد أن تأكلَها بينهما، فأعجبني شأنُها، فذكرتُ الذي صَنَعَتْ للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: «إنَّ الله عز وجل قد أوجبَ لها بها الجنة ، وأعتقها بها من النار ».

    وأخرج الترمذي, وصححه الألباني, عن عائشة قالت: قال صلى الله عليه وسلم: «مَنِ ابْتُلِيَ بشيء من البناتِ فَصَبَرَ عليهنَّ ، كُنَّ له حِجابًا من النَّار».

    وكان لعائشة رضي الله عنها لعبٌ كانت تلعب بهنَّ؛ قَالَتْ رضي الله عنها: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَوْ خَيْبَرَ وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ, فَهَبَّتْ رِيحٌ فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ فَقَالَ: « مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ ». قَالَتْ بَنَاتِي. وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهُ جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ فَقَالَ: « مَا هَذَا الَّذِي أَرَى وَسْطَهُنَّ ». قَالَتْ: فَرَسٌ. قَالَ: « وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ ». قَالَتْ: جَنَاحَانِ. قَالَ: « فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ ؟!». قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلاً لَهَا أَجْنِحَةٌ! قَالَتْ: فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ ». رواه أبو داود وصححه الألباني.

    وكان عليه السلام يلاطف الأولاد ويمزح معهم, فعن أنس بن مالك قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْر، وقال: أحبه فَطِيمٌ, وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغيْرُ - نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ ". رواه البخاري.

    فهذا نبي الرحمة وهذه أخلاقه الكريمة وعطفه على الأولاد وحبه لهم, وهو أروع نموذج وأكمله, وأعظم مربي بأمي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.

    المصدر : هنا

    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

  13. #13
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    العدل خلق كريم وصفة عظيمة جليلة، محببة إلى النفوس، تبعث الأمل لدى المظلومين، ويحسب لها الظالمون ألف حساب، فالعدل يعيد الأمور إلى نصابها، وبه تؤدى الحقوق لأصحابها، به يسعد الناس، وتستقيم الحياة، ما وجد العدل في قوم إلا سعدوا، وما فقد عند آخرين إلا شقوا .

    العدل خلق العظماء ، وصفة الأتقياء ، ودأب الصالحين ، وطريق الفلاح للمؤمنين في الدنيا ويوم الدين ، تحلى به الأنبياء والصالحون والقادة والمربون ، وكان أعظمهم في ذلك ،وأكثرهم قدراً ونصيباً سيد العالمين ، وخاتم الرسل أجمعين ، محمد بن عبدالله عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم .

    فالعدل خلق من أخلاقه ، ضمن شمائله العظيمة ، وصفاته الجليلة ، عدل في تعامله مع ربه جل وعلا ، وعدل في تعامله مع نفسه ، وعدل في تعامله مع الآخرين ، من قريب أوبعيد ، ومن صاحب أو صديق ، ومن موافق أو مخالف ، حتى العدو المكابر، له نصيب من عدله صلى الله عليه وسلم ، وكيف لا يعدل من خوطب بقول واضح مبين، { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } (المائدة:8) ، فكان يمتثل أمر الله عز وجل في كل شأن من شؤونه ، مع أصحابه وأعدائه ، آخذاً بالعدل مع الجميع .

    يعترض عليه القوم ويخطئ في حقه أناس ، فلا يتخلى عن العدل، بل يعفو ويصفح، كما في حادثة يرويها أبو سعيد الخدري قال: بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر، الأقرع بن حابس الحنظلي، وعيينة بن بدر الفزاري ، وعلقمة بن علاثة العامري ، ثم أحد بني كلاب ، وزيد الخير الطائي، ثم أحد بني نبهان ، فغضبت قريش، فقالوا : أتعطي صناديد نجد وتدعنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم ، فجاء رجل كث اللحية مشرف الوجنتين غائر العينين ناتئ الجبين محلوق الرأس ، فقال اتق الله يا محمد ، قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فمن يطع الله إن عصيته، أيأمنني على أهل الأرض ، ولا تأمنوني ) رواه البخاري و مسلم.

    ويظهر هذا الخلق العظيم منه صلى الله عليه وسلم في أبهى صورة ، عندما يطلب ممن ظن أنه أخطأ في حقه، أن يستوفي حقه ، بالقود منه ، فعن أبي سعيد الخدري قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم شيئا ، أقبل رجل فأكب عليه ، فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرجون كان معه ، فخرج الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعال فاستقد ، قال : بل قد عفوت يا رسول الله) رواه النسائي.

    والعدل ملازم للرسول صلى الله عليه وسلم في حله وترحاله ، فهو يكره التميز على أصحابه ، بل يحب العدل والمساواة ، وتحمل المشاق والمتاعب مثلهم ، فعن عبد الله بن مسعود قال: (كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، وكان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: وكانت عقبة -دور- رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالا : نحن نمشي عنك، فقال : ما أنتما بأقوى مني ، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما) رواه أحمد في مسنده.

    ولم ينشغل صلى الله عليه وسلم بالدولة وقيادتها ، والغزوات وكثرتها ، عن ممارسة العدل في نطاق الأسرة الكريمة ، وبين زوجاته أمهات المؤمنين ، فقد (كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) رواه الترمذي وفيه ضعف ، ومعنى قوله لا تلمني فيما تملك ولا أملك، أي الحب والمودة القلبية ، كما قال أهل العلم .

    وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها ) رواه البخاري ومسلم .

    فعن أنس قال: ( أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم طعاما في قصعة ، فضربت عائشة القصعة بيدها، فألقت ما فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : طعام بطعام ، وإناء بإناء) رواه الترمذي وحسنه ، والحديث في البخاري بلفظ آخر .

    وفي قضائه بين المتخاصمين كان عادلاً صلى الله عليه وسلم ، بعيداً عن الحيف والظلم ، فعن حرام بن محيصة عن أبيه أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدته (فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الأموال حفظها بالنهار ، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل) رواه أحمد.

    وكان صلى الله عليه وسلم لا يرضى تعطيل حدود الله ، التي شرعها سبحانه لإقامة العدل بين الناس ، ولو كان الجاني من أقربائه وأحبابه ، ففي حادثة المرأة المخزومية التي سرقت لم يقبل شفاعة أسامة ، وقال مقالته المشهورة : ( أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايـم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) رواه البخاريو مسلم .

    وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالعدل في الأمور ، وعدم تغليب جانب على حساب آخر ، وإنما الموازنة وإعطاء كل ذي حق حقه ، فقال: (يا عبد الله بن عمرو بلغني أنك تصوم النهار ، وتقوم الليل فلا تفعل ، فإن لجسدك عليك حظا ، ولعينك عليك حظا ، وإن لزوجك عليك حظا) رواه مسلم .

    وبهذا الخلق العظيم ، والأدب الرفيع ، استطاع صلى الله عليه وسلم ، أن يلفت الأنظار نحوه ، ويحرك المشاعر والأحاسيس إلى مبادئه العظيمة ، ويرسم منهاجاً فريداً لخير أمة أخرجت للناس ، تحمل العدل إلى الناس أجمعين ، وتبدد به ظلمات القهر والظلم.

    المصدر : موقع إسلام ويب

    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

  14. #14
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    حاز نبينا وحبيبنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الأخلاق أعلاها وأكملها. حُمِّل أعظم رسالة وكُلف بتبليغها، فحملها وبلغها، وأوذي في سبيلها فما وهنت عزيمته. وأما الأخلاق فمن ذا الذي يقدر على وصف خُلقه، وقد كان خلقه القرآن، كما قال الله تعالى: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (القلم:4)، ومهما تكلم المتكلمون، ووصف الواصفون خُلقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلن يعطوه حقه، ولن يدركوا وصفه .

    والتواضع، وخفض الجناح، ولين الجانب، كانت أوصافا له ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، تخلَّق بها مع الكبير والصغير، والقريب والبعيد، امتثالا لأمر الله تعالى حين خاطبه بقوله سبحانه: { وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } (الحجر:88 )، قال أهل التفسير: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي: ألِن لهم جانبك، وفي ذلك كناية عن التواضع لهم والرفق بهم .

    ولقد أوصى جبريل ـ عليه السلام ـ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالتواضع، كما جاء في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( جلس جبريل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنظر إلى السماء، فإذا ملَك ينزل فقال له جبريل : هذا الملَك ما نزل منذ خُلِق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد أرسلني إليك ربك : أمَلِكا أجعلك أم عبدا رسولا؟، قال له جبريل : تواضع لربك يا محمد، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : بل عبدا رسولا ) ( أحمد ) .

    فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر الناس تواضعا، وأخفضهم جناحا، وألينهم جانبا، وسيرته وحياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مليئة بالمواقف والعبر في هذا الخلق العظيم .

    فأخبار تواضع الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرة، وسيرته العطرة مليئة بها، وما حفظ عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه تكبر على أحد، أو فاخر بنفسه أو مكانته، وقد نال أعلى المنازل، وحظي عند ربه بأكبر المقامات، فهو صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والمقام المحمود، وأُسري به إلى السموات العلى حتى بلغ سدرة المنتهى، وبلغ مقاما لم يبلغه مخلوق قبله ولا بعده، وأنعم الله عليه بالمعجزات، وأيده بالآيات ... وما حكى شيئا من ذلك على وجه الفخر أو المدح لنفسه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولا تعالى به على الناس، بل كان التواضع صفته، وخفض الجناح سمته .. فكان إذا أخبر عن منزلته تلك يقرن إخباره بها بنفي الفخر، تواضعا لله تعالى .

    عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي ـ يومئذ آدم فمن سواه ـ إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر ) ( الترمذي ) .

    ومعنى قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا فخر : أي لا أقوله تكبرا وتفاخرا وتعاظما على الناس، بل أقوله تواضعا وشكرا لله .

    ومن تواضعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كره أن يُفضل على الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ مع أنه خاتمهم وأفضلهم، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( لا ينبغي لعبد أن يقول: إنه خير من يونس بن متى ) ( البخاري ) .

    وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ متواضعا في لباسه ومركبه، فيلبس ما تيسر من اللباس، ولا يأنف من ركوب البغال والحمير، ولو شاء ـ صلى الله عليه وسلم ـ للبس الديباج والحرير، ولما ركب إلا أصيلات الخيل، كيف لا؟، وأغنياء الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يفدونه بأنفسهم وأموالهم، وقد منَّ الله عليه بالفتوح، وساق إليه أموال اليهود والمشركين، ولكن تواضعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأبى عليه أن يسير سيرة الملوك، أو يتزيا بزيي أهل الدنيا، وهو الذي اختار أن يكون عبدا رسولا.

    وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ متواضعا مع أسرته وفي داخل بيته، يعمل أعمالا يأنف منها كثير من الرجال، وسئلت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( ما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصنع في البيت؟، قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا سمع الأذان خرج ) ( البخاري ).

    وعن عروة ـ رضي الله عنه ـ قال : سأل رجل عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( هل كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعمل في بيته ؟، قالت : نعم . كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخصف نعله ، ويخيط ثوبه ، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته )( أحمد ).

    وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ متواضعا مع الناس، ومن شدة تواضعه أنه لا يُعرف من بين أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ، فلا يتميز عليهم بملبس أو مركب أو مجلس، كما هي عادة الكبراء والأغنياء، وإذا جاء الغريب ما عرفه من بينهم حتى يسأل عنه، كما روى أبو ذر وأبو هريرة ـ رضي الله عنهما ـ فقالا: ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجلس بين ظهري أصحابه، فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل .. ) ( أبو داود ).

    ومن تواضعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يكره أن يقوم الناس له كما هو شأن أهل الدنيا .

    قال أنس ـ رضي الله عنه ـ : ( ما كان شخص أحب إليهم رؤيةً من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك ) ( أحمد ) .

    ومن تواضعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يجيب دعوة من دعاه ولو كان فقيرا، ويقبل من الطعام ما كان يسيرا، ولا يشترط في ذلك، أو يغضب من دعوة يراها أقل من حقه، فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:( لو دعيت إلى ذراع أو كُرَاع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كُرَاع لقبلت ) ( البخاري ). و الكُراع من الدابة ما دون الكعب .

    وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يمل من ذوي الحاجات، بل يستمع إليهم، ويقضي حاجاتهم، فيجيب السائل، ويعلم الجاهل ، ويرشد التائه ، ويتصدق على الفقير، ولا يرد أحدا قصده في حاجة .

    وكان أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ يتبركون بالماء يغمس يده الشريفة فيه، فما يردهم، ولا ينزعج من كثرة طلبهم . قال أنس ـ رضي الله عنه ـ: ( كان إذا صلى الغداة جاءه أهل المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتى بإناء إلا غمس يده فيه ) ( البخاري ).

    وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ : ( أن امرأة كان في عقلها شيء، فقالت:يا رسول الله، إن لي إليك حاجة، فقال: يا أم فلان، انظري أيَّ السكك شئت حتى أقضيَ لك حاجتك، فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها ) ( مسلم ) .

    قَالَ النووي :( خَلا معها في بعضِ الطرق ) " أي وقَف معها في طريق مسلوك ليقضي حاجتها ويفتيها في الخلوة، ولم يكن ذلك من الخلوة بالأجنبية، فإنَّ هذا كان في ممر الناس ومشاهدتهم إياه وإياها، لكن لا يسمعون كلامها لأنَّ مسألتها مما لا يظهره " أهـ .

    وفي ذلك بيان لتواضعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بوقوفه مع المرأة الضعيفة ..

    وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا ينزع يده ممن يصافحه حتى ينزعها الذي يسلم عليه، ويزور الضعفاء والفقراء من المسلمين، ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم .

    ولما هابته الرجال فارتعدوا أمامه هَوَّن عليهم، وسكن من روعهم، وأزال ما في قلوبهم .

    روى أبو مسعود البدري ـ رضي الله عنه ـ: ( أن رجلا كلم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الفتح فأخذته الرعدة، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: هون عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ) ( الحاكم )، والقديد هو اللحم المجفف في الشمس .

    وفي المجامع الكبيرة التي قد تدفع النفس إلى نوع من الكبر والتميز على الناس، كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يزداد فيها إلا تواضعا إلى تواضعه .

    وأعظم جمع حضره في حياته، وخطب الناس فيه كان يوم عرفة، وقد توجهت إليه جموع الحجيج، ومع ذلك برز للناس على ناقته بكل تواضع وذل لله ـ عز وجل ـ .

    ومواقف النصر والفتوح تستبد بالقادة والفاتحين، وتستولي على نفوسهم، فيكون فيها فخرهم وعلوهم، ولا يقدر على التواضع فيها إلا أقل الرجال، وما حفظ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم - رغم كثرة فتوحاته وانتصاراته، أنه تعالى أو اغتر بنصر، ولا استبد به فتح، بل ازداد تواضعا إلى تواضعه .

    ويوم الفتح الأكبر حين دخل مكة منصورا مؤزرا، دخلها وقد طأطأ رأسه تواضعا لله تعالى، حتى إن رأسه ليمس رحله من شدة طأطأته .

    ومع علو منزلته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الدنيا والآخرة كان يقول: ( لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا : عبد الله ورسوله ) ( البخاري )، والإطراء هو مجاوزة الحد في المدح ..

    هكذا كان تواضع الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولا يملك من يقرأ سيرته، ويطلع على أخلاقه إلا أن يمتلئ قلبه بمحبته، فالناس مفطورون على محبة المتواضعين وبغض المتكبرين ..

    ونبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو سيد الخلق، وخاتم الرسل، وأعلى الناس مكانة في الدنيا والآخرة، وهو أيضا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشد الناس تواضعا لله تعالى، فحري أن يملك القلوب، وحري بأتباعه أن يكونوا من المتواضعين، اتباعا لهديه، واقتداء بأخلاقه، وتمسكا بسنته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..

    نفس المصدر السابق ~

    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

  15. #15
    مشرف منتـدى العلـوم التطبيـقيـة الصورة الرمزية محمود سلامه الهايشه
    تاريخ التسجيل
    09/09/2007
    العمر
    45
    المشاركات
    2,018
    معدل تقييم المستوى
    19

    Icon15f رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    1 ۝ المولد النبوي.. مولد الهدى

    شاهد على اليوتيوب:


    2 ۝ مداح النبي..المستشار محمود هنداوي

    ردا على الهجمة الشرسة على سيد الخلق الرسول الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم –أنشد السيد المستشار/ محمود هنداوي – مداحاً في الرسول الكريم – صلوات الله عليه، وذلك مساء يوم الجمعة 14 سبتمبر 2012 في النادي الاجتماعي بإستاد المنصورة الرياضي خلال المهرجان الأدبي لمنتدى كنوز تمر حنة للشعر والأدب، تصوير وإخراج/ محمود سلامة الهايشة Mahmoud Salama Elhaysha، وهذا الفيديو مقدم للمسابقة التي أعلنت عنها جمعية بلا حدود الثقافية بدمياط برئاسة الفنان/ أشرف زقزوق، ضد الهجمة الشرسة ضد الإسلام ونبي الإسلام- صلى الله عليه وسلم.
    شاهد على اليوتيوب:



    3 ۝ إلى السفهاء..للشاعر الدكتور عبدالمطلب الشرقاوي

    ألقى الشاعر الدكتور/ عبد المطلب الشرقاوي – قصيدته (إلى السفهاء)، وذلك خلال المهرجان الأدبي لمنتدى كنوز تمر حنة للشعر والأدب، مساء يوم الجمعة 14 سبتمبر 2012 في النادي الاجتماعي بإستاد المنصورة الرياضي، تصوير وإخراج/ محمود سلامة الهايشة Mahmoud Salama Elhaysha، وهذا الفيديو مقدم للمسابقة التي أعلنت عنها جمعية بلا حدود الثقافية بدمياط برئاسة الفنان/ أشرف زقزوق، ضد الهجمة الشرسة ضد الإسلام ونبي الإسلام- صلى الله عليه وسلم.
    شاهد على اليوتيوب:



  16. #16
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    جزاك الله خيرا أستاذي الكريم
    محمود سلامه الهايشه،
    على إثراء الموضوع .
    كل التقدير ~

    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

  17. #17
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    رفق النبي مع حاطب بن أبي بلتعة :
    حدثنا بن حميد قال ثنا مهران عن أبي سنان سعيد بن سنان عن عمرو بن مرة الجملي عن أبي البختري الطائي عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال(لما أردا النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي مكة أسر إلى ناس من أصحابه أنه يريد مكة فيهم حاطب بن أبي بلتعة وأفشى في الناس أنه يريد خيبر فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة أن النبي صلى الله عليه وسلم يريدكم قال فبعثني النبي صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد وليس منا رجل إلا وعنده فرس فقال ائتوا روضة خاخ فإنكم ستلقون بها امرأة ومعها كتاب فخذوه منها فانطلقنا حتى رأيناها بالمكان الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا هاتي الكتاب فقالت ما معي كتاب فوضعنا متاعها وفتشنا فلم نجده في متاعها فقال أبو مرثد لعله أن لا يكون معها فقلت ما كذب النبي صلى الله عليه وسلم ولا كذب فقلنا أخرجي الكتاب وإلا عريناك قال عمرو بن مرة فأخرجته من حجزتها وقال حبيب أخرجته من قبلها فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم فإذا الكتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة فقام عمر فقال خان الله ورسوله ائذن لي أضرب عنقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أليس قد شهد بدرا قال بلى ولكنه قد نكث وظاهر أعداءك عليك فقال النبي صلى الله عليه وسلم فلعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم ففاضت عينا عمر وقال الله ورسوله أعلم فأرسل إلى حاطب فقال ما حملك على ما صنعت فقال يا نبي الله إني كنت امرأ ملصقا في قريش وكان لي بها أهل ومال ولم يكن من أصحابك أحد إلا وله بمكة من يمنع أهله وماله فكتبت إليهم بذلك والله يا نبي الله إني لمؤمن بالله وبرسوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق حاطب بن أبي بلتعة فلا تقولوا لحاطب إلا خيرا).

    (تفسير الطبري ج28/ص59

    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

  18. #18
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




    أراد الله عزوجل أن يرحم البشرية ويكرم الإنسانية فحان وقت الخلاص ، حفظ الله تعالى البيت العتيق من كيد أبرهة الحبشي ونصر قريش التي لم يكن لها من التأله ما يستحقون به رفع أصحاب الفيل عنهم وما كانوا بأهل كتاب ، ليس منهم آنذاك إلا عابد صنم أو متدين بوثن أو متمرغ بالزندقة .. ولكن الله تعالى أراد أن يظهر الإسلام ، تأسيا للنبوة ، وتعظيما للكعبة والبيت العتيق .



    قال ابن كثير رحمه الله عندما تحدث عن حادثة الفيل : كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي ذلك العام ولد على أشهر الأقوال ، وكأن لسان حال القدرة يقول : لم ينصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيرتكم عليهم ، ولكن صيانة للبيت العتيق ، الذي سنشرفه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد صلوات الله عليه وسلم خاتم الأنبياء ..

    حفظ الله البيت العتيق بأن منع أهل الكتاب – أبرهة وجنوده – أن يدمروا البيت الحرام أو يسيطروا على أرضه المقدسة رغم تدنيس الشرك له ، والوثنيون سدنته ليبق البيت عتيقا من سلطان المتسلطين . ولا يطغى فيه طاغية ولا يهيمن على هذا الدين الذي جاء بل يكون المهيمن على جميع الأديان ، يقود البشرية للسعادة والحضارة ، كل هذا من تدبير الله عزوجل لبيته ولدينه قبل أن يعلم أحد أن نبي هذا الدين قد ولد في هذا العام !


    ولـد سيـد المرسلـين صلى الله عليه وسلم بشـعب بني هاشـم بمكـة في صبيحـة يــوم الاثنين التاسع مـن شـهر ربيـع الأول، لأول عـام مـن حادثـة الفيـل،
    روى ابــن سعــد أن أم رســول الله صلى الله عليه وسلم قالــت ‏:‏ لمــا ولـدتــه خــرج مــن فرجـى نــور أضــاءت لـه قصـور الشام‏ . وقد هيأ الله تعالى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بالإضافة لما سبق ، عراقة النسب وشرفه ، فكيف لا والله تعالى يعده لنبوة ولثقل الرسالة ، فنسبه الرفيع لا ينكر عليه الصدارة ، .. فشرف النسب له المكانة في النفوس .

    ولد صلى الله عليه وسلم يتيما وتربى فقيرا ولكن قيود الفقر ومرارة اليتم لم تكبلاه ليجلس عاجزا ينتظر مساعدة الآخرين مضى للعمل بلا كلل ولا ملل يعيل نفسه صلى الله عليه وسلم ويضع بصمة ايجابية في واقع الحياة ، ولا عجب فهو مؤسس قاعدة النجاح والعظماء " استعن بالله ولا تعجز "
    كان صلى الله عليه وسلم معروفا منذ نعومة أظفاره ، بالصادق الأمين .. والإبحار في سيرته العطرة يعجز عنها كل بليغ ..

    • حاز نبينا وحبيبنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الأخلاق أعلاها وأكملها. حُمِّل أعظم رسالة وكُلف بتبليغها، فحملها وبلغها، وأوذي في سبيلها فما وهنت عزيمته. وأما الأخلاق فمن ذا الذي يقدر على وصف خُلقه، وقد كان خلقه القرآن، كما قال الله تعالى: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (القلم:4)، ومهما تكلم المتكلمون، ووصف الواصفون خُلقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلن يعطوه حقه، ولن يدركوا وصفه . عن عطاء رضي الله عنه قال قلت لعبد الله بن عمرو أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة قال أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ، بأن يقولوا لا إله إلا الله ، ويفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا – رواه البخاري .
    عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : " كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن " .فقد بدأ نبي الرحمة منذ فجر دعوته ينشر ثقافة الرحمة بين الناس ، لم يكن خلق الرحمة في النبي صلى الله عليه وسلم سلوكا شخصيا وحسب ، فقد تخلق النبي بهذا الخلق ثم أمر به الناس وتعاهده بأقواله وأفعاله ، ولم تقف رحمته بالبشر فقط بل تعدت جميع الكائنات والحيوانات كيف لا والله تعالى يقول " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين "



    فمن مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم ، عدم دعاءه على الكفار فقد كان يرفض بشدة أن يدعو عليهم ولو دعا عليهم لا ستجاب الله له . طلب الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو على كفار مكة في معركة أحد فقالوا : يارسول الله ادع على المشركين ، قال عليه الصلاة والسلام : " إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة " ! ويقول أنس رضي الله عنه : "والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته: لم فعلت كذا وكذا، أو لشيء تركته: هلا فعلت كذا وكذا" رواه مسلم وفي رواية لأحمد: "ما قال لي فيها أف". وقد كان يدعو للرحمة في جميع شؤون الحياة فقد خلد قاعدة " من لا يَرحم لا يُرحم " وكان عليه الصلاة والسلام مثالا في التواضع واللين فقد كان يرقّع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، ويأكل مع العبد، ويجلس على الأرض، ولا يمنعه الحياء أن يحمل حاجته من السوق إلى أهله، ويصافح الغني والفقير، ولا ينزع يده من يد أحد حتى ينزعها هو، ويسلم على من استقبله من غني وفقير وكبير وصغير، ولا يحقر ما دعي إليه ولو إلى حشف التمر، وإذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحدًا أكرم عليه منه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق متقاربين. يتفاضلون عنده بالتقوى. وقد بلغ من العدل ما بلغ وكان حريصا على إقامة شرع الله جل وعلا ولو على أقرب الناس إليه وأحبهم ..



    فالرسول صلى الله عليه وسلم خير الخلق في طفولته وأطهر المطهرين في شبابه وأنجب البرية في كهولته وأزهد الناس في حياته وأعدل القضاة في قضائه وأشجع قائد في دفاعه عن الحق وخير قدوة للمصلحين وخير أسوة للمربين فاختصه تعالى بكل خلق نبيل وحرسه بعنايته وحفظه وعصمه من الخطأ ومن الناس " والله يعصمك من الناس " فهو مثل كامل للإنسانية ,,





    يظن كثير من الناس أن العدوان الغربي على الاسلام وتشويه صورته وصورة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أمر جديد حدث بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 م وقيام الحرب الصليبية المقنّعة الجديدة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الإسلام والمسلمين تحت قناع " الحرب على الإرهاب وإزالة أسلحة الدمار الشامل " والحق أن هذا العدوان الإعلامي الشرس وتصوير الاسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام في صور بالغة البشاعة ومعاكسة تماما للحقيقة هي عقيدة موروثة تشكلت ونمت خلال القرون ، بيد أن هناك أقوال وشهادات بعض المستشرقين والمفكريين الذين أعجبوا بشخصية الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم ورغم أن البعض منهم لم يعتنق الاسلام ولكنه قال كلمة حق سطرها التاريخ على ألسنتهم وفي كتبهم وتراثهم .





    أثبتت سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه القدوة الحسنة ليست للمسلمين فحسب وإنما للانسانية جمعاء وهذا يفرض علينا الإقتداء به في تصوراتنا وسلوكياتنا وسائر شئون الحياة وأن نذود عنه وعن شريعته الغراء وأن ندافع عن رسالته ضد افتراءات الضالين وأن نبلغ دينه في شتى أنحاء المعمورة تبليغا فعليا بالفعل والسلوك والاعتقاد حتى يسود العدل والحق والخير والجمال لبني الانسان والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل .


    جمع وترتيب وإعداد
    سميرة رعبوب

    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

  19. #19
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    رفق النبي بقومه بالرغم من أذيتهم له :
    من طريق بن وهب عن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
    يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد فقال لقد لقيت من قومك وكان أشد مالقيت منه يوم العقبة إذ عرضت نفسي على بن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد ظللتني فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك و ماردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم قال فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين(وهما جبلا مكة اللذان يكتنفانها جنوبا وشمالا ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا وهذا لفظ مسلم فقد عرض عليه عذابهم واستئصالهم فاستأنى بهم وسأل لهم التأخير لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئا .

    (تفسير ابن كثير ج2/ص137-138)

    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

  20. #20
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    رفق النبي صلى الله عليه وسلم بالشاب الذي يريد أن يزني :
    حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حريز حدثنا سليم بن عامر عن أبي أمامة أن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أئذن لي بالزنى فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا مه مه فقال أدنه فدنا منه قريبا فقال اجلس فجلس فقال أتحبه لأمك قال لا والله جعلني الله فداك قال ولا الناس يحبونه لأمهاتهم قال أفتحبه لابنتك قال لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك قال ولا الناس يحبونه لبناتهم قال أفتحبه لأختك قال لا والله جعلني الله فداك قال ولا الناس يحبونه لأخواتهم قال أفتحبه لعمتك قال لا والله جعلني الله فداك قال ولا الناس يحبونه لعماتهم قال أفتحبه لخالتك قال لا والله جعلني الله فداك قال ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال فوضع يده عليه وقال اللهم أغفر ذنبه وطهر قلبه وأحصن فرجه قال فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.
    (تفسير ابن كثير ج3/ص39)

    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

+ الرد على الموضوع
صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •