آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
النتائج 21 إلى 23 من 23

الموضوع: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

  1. #21
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيش الرفق ويتمثل به في سائر أحواله وشؤون حياته كما قالت عائشة رضي الله عنها: (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه). متفق عليه. وقد ثبت ذلك عنه في مجالات كثيرة منها:

    1- الرفق مع الأهل: قالت عائشة رضي الله عنها: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل شيء منه قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى). رواه مسلم. وكانت زوجه عائشة إذا هويت شيئا أتبعها إياه ما لم يكن إثما وقد أذن لها صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى أهل الحبشة وهم يلعبون وأذن لها بالفرح واللعب يوم العيد.

    2- الرفق مع الخادم: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال لي أف قط ولا قال لي لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا). روه مسلم.

    3- الرفق مع الأطفال: فعن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهُا قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم ويدعو لهم). أخرجه البخاري. وعن أنس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح على رؤوسهم). رواه النسائي. وكان دائما يقبل الحسن والحسين ويلاعبهما. وحمل أمامة بنت زينب في الصلاة رفقا بها.

    4- الرفق مع السائل: قال أنس : (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء). متفق عليه .

    5- الرفق في تعليم الجاهل: عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه يقول: (بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أميّاه، ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني، لكن سكت، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فو الله ما كهرني ولا ضربني، ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير، وقراءة القرآن). رواه مسلم.

    6- الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: عن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : (بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين). رواه البخاري.

    7- الرفق مع العاصي التائب: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت، قال ما لك قال وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة تعتقها قال: لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا فقال فهل تجد إطعام ستين مسكينا قال لا فمكث النبي صلى الله عليه وسلم قال فبينما نحن على ذلك أُتي النبي صلى الله عليه بعرق فيه تمر والعرق المكتل فقال: أين السائل فقال: أنا فقال: خذه فتصدق به). متفق عليه. وكذلك رفق مع الرجل الذي قبل امرأة وجاء نادما فبين له أن الصلاة كفارة لذنبه ولم يعنف عليه وهذا ثابت في الصحيح.

    8- الرفق في الصبر على الأذى: قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: (عن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد قال ( لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال : يا محمد ، فقال : ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً). متفق عليه.

    9- الرفق في التعامل مع الكفار: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك ففهمتها فقلت: عليكم السام واللعنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلاً يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله، فقلت: يا رسول الله، أولم تسمع ما قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقد قلت عليكم). متفق عليه. وكان صلى الله عليه وسلم يخاطب الكفار ويناظرهم ويقبل هديتهم ويعود مريضهم ويجيرهم ويحسن إليهم إذا اقتضت المصلحة ذلك.

    10- الرفق بالناس في العبادات: قال جابر بن عبد الله: (أقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل فوافق معاذا يُصلي فترك ناضحه وأقبل إلى معاذ ، فقرأ بسورة البقرة أو النساء ، فانطلق الرجل وبَلَغَه أن معاذا نال منه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فَشَكَا إليه معاذا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا معاذ أفتان أنت أو فاتن ثلاث مرار فلولا صليت بـ سبح اسم ربك والشمس وضحاها والليل إذا يغشى ، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذوالحاجة). متفق عليه. وعن أنسأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأدخل الصلاة أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأخفف من شدة وجد أمه به). رواه مسلم. ومن رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأمته أنه نهاهم عن الوصال خشية المشقة بهم ورفقه بهم في ترك الأمر بالسواك عند الصلاة وترك تأخير العشاء إلى وقتها الفاضل خشية المشقة عليهم وغير ذلك مما يطول ذكره كالإبراد بالصلاة وقت الحر والجمع بين الصلوات حال العذر.

    11- الرفق مع النفس في التطوع: فعن عائشة رضي الله عنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم). متفق عليه. وكان عمله ديمة ولو قل. وقال صلى الله عليه وسلم: (خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا). متفق عليه. ونهى عبد الله بن عمرو عن المبالغة في العبادة خشية تضييع الحقوق والواجبات.

    ومع كون الرفق غالبا على تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من أحواله إلا أنه استعمل الشدة في أحوال خاصة كانت الشدة هي اللائقة بها والمناسبة لها وتتحقق فيها المصلحة أكثر من الرفق وسلوكها مقتضى العدل وكمال العقل الذي دل عليه الشرع:
    1- في إقامة الحدود: عن أبي هريرة وزيد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم
    رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها). متفق عليه. وكان لا تأخذه رأفة ورحمة في إقامة الحدود وتنفيذها.
    2- في مقام التعزير: كما في قصة هجر كعب بن مالك وصاحبيه حين تخلف الثلاثة عن غزوة تبوك فهجرهم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة خمسين يوماً حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم ولم يكن أحد يجالسهم أو يكلمهم أو يحيهم حتى أنزل الله في كتابه توبته عليهم والقصة ثابتة في الصحيحين.
    3- في تأديب الزوجة: فقد هجر نسائه شهرا وامتنع عن وطئهن واعتزل بيوتهن في مشربة له لما ألحفن عليه في النفقة كما في الصحيحين من حديث ابن عباس: (أَن النبي صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهرا فلما مضت تسع وعشرون نزل إليهن).
    4- في قتال الكفار وجهادهم: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
    5- في زجر العاصي المعاند: عن سلمة بن الأكوع قال: (أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله , فقال : كل بيمينك. قال : لا أستطيع. قال لا استطعت , ما منعه إلا الكبر. قال : فما رفعهما إلى فيه). رواه مسلم.
    6- في النهي عن البدع والمحدثات: لما رأى عمر بيده التوراة غضب وأنكر عليه بقوله: (لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا وإنكم إما أن تصدقوا بباطل وإما إن تكذبوا بحق وإنه والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني). رواه أحمد.

    ومع ذلك فلم يكن في شدته ظلم لأحد أو مجاوزة لحدود الله في حقوق الخلق وحرمتهم. فالفقه في هذا الباب أن المشروع للمسلم استعمال الرفق في سائر الأمور إلا إذا دعت الحاجة واقتضت المصلحة في استعمال الشدة فيكون ترك الرفق في هذا المقام مشروعا.

    وبهذا يتبين أن سلوك الرفق في كل شيء حتى إذا انتهكت محارم الله وضيعت الحقوق وأميتت السنة مسلك خاطئ مخالف للشرع وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم يغضب إذا انتهكت محارم الله. وكذلك سلوك الشدة في سائر الأحوال والأمور مسلك خاطئ يفضي إلى تنفير الناس وصرفهم عن الحق ووقوع العداوة والبغضاء وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتيسير وعدم التعسير وكان يرشد أصحابه بذلك إذا بعثهم إلى الأمصار.


    المصدر : خلق الرفق في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
    للأستاذ خالد بن سعود البليهد
    عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة

    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

  2. #22
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    ما أروعك يا نبي الرحمة !

    رجل من أهل البادية اسمه زاهر ... ولكل من اسمه نصيب , فهو ذو روح طيبة وأخلاق رائعة تفوح منه كرائحة الزهر الأخاذة .



    كان إذا جاء المدينة حمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من باديته خيرها لبنها , سمنها , وزبدتها .
    ويقول : ويقول يارسول الله هذه هدية زاهر إليك , فاقبلها منه تجبر خاطره , وتسعد قلبه .


    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبتسم ويأخذها منه قائلاً :
    قد قبلناها منك يازاهر .

    جزاك الله عن نبيه خيراً وأجزل لك المثوبة .
    فإذا عاد إلى أهله جهزه النبي صلى الله عليه وسلم من الطرف والمستحسنات المدينة مايقر بها عينه .
    جزاءً وفاقا .



    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
    إن زاهر باديتنا . ونحن حاضروه . وكأنه يقول للناس : تهادوا تحابوا ..........

    ومهما كانت الهدية صغيرة فإن أثرها في النفس كبير .....




    رآه الرسول عليه الصلاة والسلام في السوق مرة فجاءه من خلفه واحتضنه , وكان زاهر دميماً إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه لحسن أخلاقه ورفعة شمائله ..... وحاول زاهر أن يعرف محتضنه فالتفت قائلاً : دعني يامن أحتضنتني , فلما عرفه جعل ظهره إلى صدر النبي صلى الله عليه وسلم تيمناً وتباركاً . ويجتهد أن يظل ظهره ملتصقاً بصدر المصطفى صلى الله عليه وسلم , فجعل النبي صلى الله عليه وسلم : ( من يشتري العبد ــ من يشتريه ) .

    فيقول زاهر : إذن ــ والله ــ تجدني كاسداً , من يشتري دميماً يارسول الله ؟ .


    فيقول الرسول الكريم : ( ولكنك عند الله لست بكاسد , أنت عند الله غــــــــال . إن الله لا ينظر على صوركم وأجسادكم , إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) .


    إلى محل التقوى , والخلق الرفيع , والعمل الصالح ...... وقيمة الإنسان بمخبره ولا بمظهره .

    المصدر : قصص من السيرة النبوية العطرة
    سامي عبد الرحمن قباجة

    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

  3. #23
    مـشـرفة منتدى التطوير الذاتي والإنماء المهني الصورة الرمزية سميرة رعبوب
    تاريخ التسجيل
    13/05/2011
    المشاركات
    7,487
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ..

    العدالة والمساواة في سلوك النبي صلى الله عليه وسلم

    محمد مسعد ياقوت
    إسلام أون لاين.نت


    تحدث علماء الغرب عن أخلاق العدالة والمساواة في سلوك النبي صلى الله عليه وسلم، لاسيما وهو يمثل الحاكم الأول لدولة المسلمين؛ التي تمخض عنها أعرق حضارة في تاريخ البشرية..!
    ولنتحدث عن أخلاق العدالة والمساواة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم ..!
    فجل الأنظمة الحالية التي تحكم كوكب الأرض تتشدق بقيم العدل والمساواة بين الناس، وأنى لهذه الأنظمة أن تتطلع لهذه الأخلاق السامقة.. بعدما جعلت من العدالة والمساواة شعارات براقة جوفاء خالية من التطبيق على أرض الواقع،
    فإلى هذه الأنظمة هذا النموذج الفذ:

    أولا: محمد صلى الله عليه وسلم حاكما عادلا

    يقول برتلي سانت هيلر1:
    "كان محمد صلى الله عليه وسلم رئيسا للدولة وساهرا على حياة الشعب وحريته، وكان يعاقب الأشخاص الذين يجترحون الجنايات حسب أحوال زمانه، وأحوال تلك الجماعات الوحشية التي كان يعيش النبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيها، فكان النبي داعيا إلى ديانة الإله الواحد، وكان في دعوته هذه لطيفا ورحيما حتى مع أعدائه، وإن في شخصيته صفتين هما من أجل الصفات التي تحملها النفس البشرية، وهما العدالة والرحمة"2.
    كان الرسول صلى الله عليه وسلم كمعلم ورئيس دولة ورجل سياسي؛ بالغ الحرص على تطبيق المساواة على الجميع، خاصة أنه قد وضع نفسه على قدم المساواة مع سائر المسلمين، يقول "مولانا محمد علي":
    "وفي إقامة العدالة كان الرسول صلى الله عليه وسلم منصفا، وكان المسلمون وغير المسلمين، والأصدقاء والأعداء، كلهم سواء في نظره، وحتى قبل أن يبعث إلى الناس كانت أمانته وتجرده واستقامته معروفة لدى الخاص والعام، وكان الناس يرفعون منازعاتهم إليه حتى يحكم فيها، وفي المدينة رضي الوثنيون واليهود به حكما في منازعاتهم كلها. وعلى الرغم من حقد اليهود عميق الجذور على الإسلام فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حكم -عندما عرض عليه ذات مرة نزاع بين يهودي ومسلم- لليهودي بصرف النظر عن أن المسلم قد ينفر بذلك من الإسلام، بل ربما بصرف النظر عن أن قبيلته كلها قد تنفر بذلك من الإسلام، ولا حاجة بنا إلى تبيان أهمية خسارة كهذه بالنسبة إلى الإسلام في أيام ضعفه ومحنته تلك، فالأمر أوضح من أن يحتاج إلى بيان"3.
    "ولقد نبه صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة، إلى أن أعمالها وحدها سوف تشفع لها يوم القيامة، وقال أيضا: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"4.
    وبينما كان على فراش الاحتضار، قبيل وفاته بقليل، سأل كل من له عليه دين أن يتقاضى ذلك الدين، ولكل من أساء إليه ذات يوم أن يثأر لنفسه منه"5.
    إن صفة العدالة والمساواة التي تخلق بها نبي الإسلام ونظام الإسلام، قد دفعت الكثيرين إلى اعتناق الإسلام، فالمساواة والعدالة في الإسلام –كما يقول "جاوبا" 6– "تختلف عنها في البلشفية التي تعمل على سحق الأغنياء لصالح الفقراء، ولا هي كالمساواة عند النصارى؛ حيث يجلد الرجل الزنجي لا لشيء إلا لأنه وقع بصره على امرأة بيضاء، ويعبد الزنوج ربهم في كنائس خاصة بهم مستقلة عن كنائس البيض. أما في الإسلام فجميع المساجد مفتحة أبوابها لكل مسلم غنيا كان أم فقيرا، أسود كان أو أبيض، ملكا كان أو عبدا، وهذه الصفة تقيم صرح وحدة حقيقية راسخة بين المسلمين. ومن أجل ذلك فإن الدين الإسلامي لا يقيم مراسيم خاصة لكل داخل في الإسلام كما تفعل الأديان الأخرى، وإنما حسب المرء أن ينطق بالشهادتين حتى يغدو عضوا في أعظم أخوة عالمية يتساوى في ظلها الناس جميعا في الواقع العملي الملموس، إلى جانب الناحية النظرية المجردة، وليس في العالم كله أشمل وأصدق من هذه الأخوة الإسلامية"7.

    ثانيا: العدالة والمساواة في معاملاته اليومية
    كان النبي صلى الله عليه وسلم يمارس سلوكيات العدالة والمساواة في أدق تفصيل حياته اليومية، مع الغريب والقريب، في السفر والحضر، كمدين وكدائن، بل نراه إيجابيا عندما شارك في تأسيس هيئة خيرية تعنى بنصرة المظلوم!
    يقول "مولانا محمد علي":
    "وفي معاملات النبي صلى الله عليه وسلم مع الآخرين لم يكن يضع نفسه على مستوى أرفع من غيره البتة، كان يضع نفسه على قدم المساواة مع سائر الناس، وذات يوم، وكان قد احتل في "المدينة" مقاما أشبه بمقام الملك، وفد عليه يهودي يقتضيه دينا ما، وخاطبه في جلافة وخشونة قائلا: إن بني هاشم لا يردون أيما مال اقترضوه من شخص آخر، فثارت ثائرة عمر بن الخطاب لوقاحة اليهودي، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم عنفه، ذاهبا إلى أن الواجب كان يقتضي من عمر أن ينصح كلا من المدين والدائن: أن ينصح المدين -الرسول صلى الله عليه وسلم - برد الدين مع الشكر، وأن ينصح الدائن بالمطالبة به بطريقة أليق، ثم دفع إلى اليهودي حقه وزيادة، فتأثر هذا الأخير تأثرا عظيما بروح العدل والإنصاف عند الرسول صلى الله عليه وسلم ، ودخل في الإسلام"8.
    "وفي مناسبة أخرى، وكان مع أصحابه في أجمة من الآجام، حان وقت إعداد الطعام، فعهد إلى كل امرئ في القيام بجانب من العمل، وانصرف هو نفسه إلى جمع الوقود، فلقد كان برغم سلطانه الروحي والزمني يؤدي قسطه من العمل مثل رجل عادي، وكان يراعي في معاملة خدمه مبدأ المساواة نفسه، وقال أنس: "خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط، وما قال لشيء صنعته لم صنعته، ولا لشيء تركته لم تركته" "9.
    ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من مؤسسي حلف الفضول، الذي ما أسس إلا لنصرة المظلوم ونشر العدل بين الناس، فتحرك رسول الله في إيجابية شديدة في دعم وتأييد هذه الحلف، وقال عنه:
    " شهدت حلف المطيبين مع عمومتي -وأنا غلام- فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه"10.
    وقال: "لقد شهدت مع عمومتي في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت"11.

    ثالثا: نماذج العدالة في سنته وسيرته صلى الله عليه وسلم
    أولا: تحذيره من استعباد الناس:
    لقد رسخ الرسول صلى الله عليه وسلم قيم العدالة والمساواة في نفوس وزرائه وأتباعه، فكان يقول -محذرا من استعباد الناس-: "لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي، كلكم عباد الله وكل نسائكم إماء الله، ولكن ليقل: غلامي وجاريتي، وفتاي وفتاتي، ولا يقل العبد: ربي ولكن ليقل: سيدي"..12
    ثانيا: نهيه عن التمييز العنصري:
    فيقول: "كلكم بنو آدم، وآدم خلق من تراب، لينتهين قوم يفتخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان"13.
    ولقد عنف الرسول صلى الله عليه وسلم أبا ذر رضي الله عنه تعنيفا شديدا لما عير بلالا بأمه، فعن المعرور بن سويد قال لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة، وعلى غلامه حلة فسألته عن ذلك -أي كيف تلبس حلة ويلبس خادمك أو صبيك نفس الحلة التي تلبسها؟ -، فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : "يا أبا ذر! أعيرته بأمه؟! إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم"14.
    فكأن أبا ذر رفع شعار المساواة بعد هذا التعنيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأصبح أبو ذر يأكل ما يأكل منه خادمه، ويلبس ما يلبس منه خادمه!.
    ثالثا: العدل بين الأولاد:
    عن النعمان بن بشير أن أمه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهبة من ماله لابنها، فالتوى بها سنة، ثم بدا له، فقالت: لا أرضى حتى تشهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ما وهبت لابني! فأخذ أبي بيدي، وأنا يومئذ غلام، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن أم هذا بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها.
    فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "يا بشير ألك ولد سوى هذا؟"
    قال: نعم.
    فقال: "أكلهم وهبت له مثل هذا؟؟"
    قال: لا.
    قال: "فلا تشهدني إذا، فإني لا أشهد على جور".15

    رابعا: عدله مع غير المسلمين
    1- العدل مع فصيل يهودي:
    لقد حدث أن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدر على أهل خيبر محصولهم من الثمار والزروع لمقاسمتهم إياها مناصفة، حسب عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر، حاول اليهود رشوته ليرفق بهم، فقال لهم: والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلي، ولأنتم والله أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير، وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم!!.
    فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض!16.
    لقد كان رضي الله عنه قد تخرج في مدرسة الرسول صلى الله عليه وسلم على المنهج الرباني المتفرد القائم على العدل والمساواة.
    2- العدل مع رجل يهودي:
    أ) رد الحق إلى رجل يهودي:
    عن ابن أبي حدرد الأسلمي أنه كان ليهودي عليه أربعة دراهم فاستعدى عليه،
    فقال اليهودي -شاكيا إلى رسول الله-: يا محمد إن لي على هذا أربعة دراهم، وقد غلبني عليها!.
    فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- آمرا المسلم بالسداد: "أعطه حقه".
    قال المسلم -معللا سبب المماطلة-: والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها!.
    قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤكدا على ضرورة التنفيذ فورا: "أعطه حقه"!.
    قال المسلم: والذي نفسي بيده ما أقدر عليها! قد أخبرته أنك تبعثنا إلى خيبر فأرجو أن تغنمنا شيئا فأرجع فأقضيه.
    قال النبي- صلى الله عليه وسلم- مكررا الأمر: "أعطه حقه".
    قال الراوي: وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قال ثلاثا لم يراجع!!!.
    فخرج به (ابن أبي حدرد) إلى السوق، وعلى رأسه عصابة، وهو متزر ببرد، فنزع العمامة عن رأسه فاتزر بها، ونزع البردة فقال: اشتر مني هذه البردة.
    فباعها منه بأربعة الدراهم.
    فمرت عجوز فقالت: ما لك يا صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم– فأخبرها، فقالت: ها دونك هذا ببرد عليها، طرحته عليه".17
    ب) آيات تنزل لتبرئة رجل يهودي:
    ولقد أنزل الله نحو خمس آيات في سورة النساء، على رأسها قول الله تعالى: ]إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} [ النساء: 105]، لتبرأ رجلا يهوديا، اتهمه بعض المسلمين ظلما!.
    هذه الآيات تحكي قصة لا تعرف لها الأرض نظيرا، ولا تعرف لها البشرية شبيها، وتشهد -وحدها- بأن هذا القرآن وهذا الدين لابد أن يكون من عند الله؛ لأن البشر -مهما ارتفع تصورهم، ومهما صفت أرواحهم، ومهما استقامت طبائعهم- لا يمكن أن يرتفعوا -بأنفسهم- إلى هذا المستوى الذي تشير إليه هذه الآيات؛ إلا بوحي من الله.
    هذا المستوى الذي يرسم خطا على الأفق لم تصعد إليه البشرية -إلا في ظل هذا المنهج- ولا تملك الصعود إليه أبدا إلا في ظل هذا المنهج كذلك!.
    إنه في الوقت الذي كان اليهود في المدينة يطلقون كل سهامهم المسمومة، التي تحويها جعبتهم اللئيمة، على الإسلام والمسلمين؛ في الوقت الذي كانوا فيه ينشرون الأكاذيب؛ ويؤلبون المشركين؛ ويشجعون المنافقين، ويحاولون تفسيخ المجتمع المسلم من الداخل، في الوقت الذي يؤلبون عليه خصومه ليهاجموه من الخارج، ففي هذا الوقت الحرج، كانت هذه الآيات كلها تتنزل، على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لتنصف رجلا يهوديا، اتهم ظلما بسرقة؛ ولتدين الذين تآمروا على اتهامه، وهم بيت من الأنصار في المدينة.
    والأنصار يومئذ هم عدة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وجنده، في مقاومة هذا الكيد الناصب من حوله، ومن حول الرسالة والدين والعقيدة الجديدة!.
    أي مستوى هذا من النظافة والعدالة والتسامي! ثم أي كلام يمكن أن يرتفع ليصف هذا المستوى؟ وكل كلام، وكل تعليق، وكل تعقيب، يتهاوى دون هذه القمة السامقة؛ التي لا يبلغها البشر وحدهم، بل لا يعرفها البشر وحدهم، إلا أن يقادوا بمنهج الله إلى هذا الأفق العلوي الكريم الوضيء؟!".18
    فقد كان أهل بيت من الأنصار يقال لهم بنو أبيرق، وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام، فقدمت ضافطة من الشام فابتاع رفاعة بن زيد حملا من الدرمك فجعله في مشربة له، وفي المشربة سلاح ودرع وسيف فعدي عليه من تحت البيت، فنقبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتى رفاعة إلى قتادة بن النعمان فقال: يا ابن أخي إنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا وذهب بطعامنا وسلاحنا.
    قال قتادة بن النعمان: فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم، فلما أشارت أصابع الاتهام لبني أبيرق، قال رفاعة –صاحب المال المسروق– لقتادة: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -فذكرت ذلك له.
    قال قتادة: فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له، وأخذوا سلاحهن وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه.
    فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "سآمر في ذلك".
    فلما سمع بنو أبيرق، وخافوا الفضيحة، أتوا رجلا منهم يقال له أسير بن عروة فكلموه في ذلك، فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار.
    فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت!!
    قال قتادة: فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلمته.
    فقال: "عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت ولا بينة!".
    قال قتادة: فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك.
    فأتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: الله المستعان".19
    وفي رواية: لما رأى السارق ذلك عمد إلى الدرع فألقاها في بيت رجل يهودي (اسمه زيد بن السمين)20
    وما لبث أن اتهم الناس هذا الرجل البريء -وإن كان من غير المسلمين- بسرقة هذا الدرع.
    فلم يلبث أن نزل القرآن:
    إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما[21[

    خامسا: الكل سواء أمام القانون
    فعن عائشة رضي الله عنها: أن قريشا، أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتشفع في حد من حدود الله؟!"، ثم قام فاختطب، ثم قال: "إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها!".22

    سادسا: عدله بين فصائل الدولة
    1- عدله بين قريظة والنضير في مسألة الديات:
    وما أروع عدله! حتى بين غير المسلمين وبعضهم، فقد تحاكم إليه يهود قريظة والنضير، في مسألة تتعلق بالديات، فقد كانت بنو النضير أعز من بني قريظة، فكانت تفرض عليهم دية مضاعفة لقتلاها، فلما ظهر الإسلام في المدينة امتنعت بنو قريظة عن دفع الضعف، وطالبت بالمساواة في الدية، وتحاكمت إلى نبي الرحمة، فعدل بينهما 23، ونزلت الآية: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) [المائدة: 45].24
    فعن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ) [المائدة42]، قال: "كان بنو النضير إذا قتلوا من بني قريظة أدوا نصف الدية، وإذا قتل بنو قريظة من بني النضير أدوا إليهم الدية كاملة، فسوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهم".25
    وفي رواية: "فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من النضير قتل به، وإذا قتل رجل من النضير رجلا من قريظة، ودي بمائة وسق من تمر! فلما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- قتل رجل من النضير رجلا من قريظة، فقالوا: ادفعوه إلينا نقتله، فقالوا: بيننا وبينكم النبي صلى الله عليه وسلم فأتوه فنزلت26 " الآية، وحكم بينهم بالعدل.
    2- عدله بين الفصائل في مسألة الري وتوزيع المياه:
    فقد أتاه أهل مهزور من قريظة، يتحاكمون إليه في مشكلة تتعلق بالمياه والري، فحكم بينهم.
    فعن ثعلبة بن أبي مالك أنه سمع أن رجلا من قريش كان له سهم في بني قريظة، فخاصم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في [سيل] مهزور 27 يعني السيل الذي يقتسمون ماءه، فقضى بينهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الماء إلى الكعبين لا يحبس الأعلى على الأسفل.28
    وفي رواية: قال ثعلبة بن أبي مالك: "قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سيل مهزور، الأعلى فوق الأسفل، يسقي الأعلى إلى الكعبين، ثم يرسل إلى من هو أسفل منه".29
    ومذينب ومهزور واديان بالمدينة معروفان يستويان يسيلان بالمطر، ويتنافس أهل المدينة في سيلهما فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سيلهما أنه للأعلى فأعلى والأقرب إلى السيل، فالأقرب يمسك الأعلى جميع الماء حتى يبلغ الكعبين ثم يرسله إلى من تحته ممن يليه.30

    سابعا: مبادئ المساواة والعدالة في خطبة الوداع
    هذا، وتعد خطبة الوداع دستورا عظيما في إقامة العدالة والمساواة في ربوع العالم، ويعلق هربرت جورج ولز31 على هذه الخطبة بقوله:
    "حج محمد صلى الله عليه وسلم حجة الوداع [في ذي الحجة 10هـ/ مارس632 م] من المدينة إلى مكة، قبل وفاته بعام، وعند ذاك ألقى على شعبه موعظة عظيمة.
    إن أول فقرة فيها تجرف أمامها كل ما بين المسلمين من نهب وسلب ومن ثارات ودماء، وتجعل الفقرة الأخيرة منها الزنجي المؤمن عدلا للخليفة، إنها أسست في العالم تقاليد عظيمة للتعامل العادل الكريم".32
    إن دروس العدالة والمساواة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ودولته ونظامه جلية بينة لكل ذي بال، وهي تمثل مظهرا من مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم للبشر، بيد أن الخرص كثير ما يصيب طائفة من الحاقدين والحانقين على سيرة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فيغضون الطرف عن هذه القيم الزاهية في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
    الناس سواء كأسنان المشط:
    يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، في جملة مشهورة للقاصي والداني:
    "الناس كأسنان المشط"..33
    ويشرح المستشرق والمؤرخ بودلي هذه العبارة البليغة قائلا:
    أي "ليس هناك أي عائق لوني للمسلم، فلا يهم أكان المؤمن أبيض أو أسود أو أصفر، فالجميع يعاملون على قدم المساواة".34
    ويتعرض توماس كارلايل لهذه القيمة في إعجاب شديد فيقول:
    "في الإسلام خلة أراها من أشرف الخلال وأجلها، وهي التسوية بين الناس، وهذا يدل على أصدق النظر وأصوب الرأي، فنفس المؤمن راجحة بجميع دول الأرض، والناس في الإسلام سواء".35

    وتأسيسا على مبدأ الأخوة الإنسانية بين الأجناس والشعوب، حقق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم واقعيا عملية توحيد مختلف الأجناس في ظل المساواة والعدل الإسلاميين، يقول "برج"مؤكدا: "إنه ليس هناك من مجتمع آخر سجل له التاريخ من النجاح كما سجل للإسلام في توحيد الأجناس الإنسانية المختلفة، مع التسوية بينها في المكانة والعمل وتهيئة الفرص للنجاح في هذه الحياة".36
    فلقد ساوى الإسلام بين الناس في إيجاب العبادات وتحريم المحرمات، وكما ساوى بينهم في الفضل والثواب بحسب أعمالهم ]من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل: 97].
    وساوى بينهم في كل حق ديني ودنيوي، ولم يجعل لأحد منهم ميزة في مال أو لون أو عرق أو حسب أو نسب، إنما الميزة والتفضيل بالصلاح القلبي والتقوى: فقال الله تعالى: ] يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم [‏‏[ الحجرات: 13]
    وهذا مظهر من مظاهر رحمة النبي صلى الله عليه وسلم .. فلم تكن العدالة والمساواة في اعتبارات زعماء العرب أو في أسلوب حكمهم للعرب، قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان قبل عهده صلى الله عليه وسلم، الاسترقاق على أشده، والتمييز العنصري في ذروته، حتى أكرم الله العرب برسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
    ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا على تربية أصحابه تربية عملية، بغرس قيم العدالة والمساواة في نفوس أصحابه، فتخرج من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم رجال ملئوا الأرض عدلا ورحمة كما ملئت ظلما وجورا، من هؤلاء الرجال عمر بن الخطاب صاحب المقولة الشهيرة: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".
    ولقد ضرب المسلمون الأوائل في فتوحاتهم أروع الأمثلة في تحقيق العدل والمساواة بين الشعوب، حتى قال جوستاف لوبون -في إعجاب وتقدير-: "ما عرف التاريخ فاتحا أعدل ولا أرحم من العرب".37

    --------------------------------------------------------------------------------

    المشرف العام على موقع نبي الرحمة

    1- العلامة برتلي سانت هيلر ( 1793 ـ 1884 ) مستشرق ألماني ولد في درسدن.
    2- برتلي سانت هيلر: الشرقيون وعقائدهم، ص 39.
    3- مولانا محمد علي: حياة محمد ورسالته، ص 270 وما بعدها
    4- صحيح – رواه البخاري برقم (3216) ومسلم، برقم(3196).
    5- مولانا محمد علي: حياة محمد ورسالته، ص 270 وما بعدها
    6- ك. ل. جاوبا: هندوكي مثقف، ومحامي كبير بالمحاكم العليا، درس الإسلام، ولم يرض أن يظل على دينه الذي ورثه عن آبائه وأجداده، وأخذ يقارن بين الأديان، وانتهى الأمر به إلى اعتناق الإسلام.
    7- انظر: عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا، 3 / 83 – 84.
    8- مولانا محمد علي: حياة محمد ورسالته، 260
    9- مولانا محمد علي: حياة محمد ورسالته، 261
    10- صحيح - رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( 567 ) وابن حبان ( 2062).
    11- صحيح - السنن الكبرى للبيهقي (ج 6 / ص 367)، وصححه الألباني في تحقيق كتاب فقه السيرة، ص 67.
    12- صحيح - رواه مسلم وصححه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح، ج 3 / ص 31
    13- صحيح – صححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير،ج 18 / ص 344
    14-صحيح – رواه البخاري، برقم ( 29)
    15- صحيح- رواه البخاري (2456) ومسلم - (3056)، واللفظ لمسلم
    16- ابن القيم: زاد المعاد، ج 2، ص 11.
    17- صحيح - رواه أحمد(14942)، وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة 2108
    18- انظر: سيد قطب: في ظلال القرآن - (ج 2 / ص 231)
    19- حسن – رواه الترمذي، رقم 2962، عن قتادة بن النعمان الأنصاري، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي.
    20- وهذه الرواية التي ذكر فيها اليهودي، رواية ضعيفة، انظر: تفسير ابن كثير - (ج 2 / ص 405)، وقد رواه الطبري في تفسيره (9/183) وإسناده مسلسل بالضعفاء.
    21- حسن – رواه الترمذي، رقم 2962، عن قتادة بن النعمان الأنصاري، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي.
    22- صحيح – رواه البخاري برقم 3288، وأخرجه مسلم في الحدود باب قطع السارق الشريف وغيره رقم 1688
    23- أكرم ضياء العمري: السيرة النبوية الصحيحة 1/291
    24- علي محمد الصلابي: السيرة النبوية 1/331
    25- حسن – رواه أبو داود (3591 ) والنسائي ( 4733 )، ( 4411 )، وقال الألباني – في صحيح وضعيف سنن أبي داود -: حسن صحيح الإسناد.
    26- صحيح – رواه أبو داود (4494)، والنسائي ( 4732 - 4733 )، ( 4410 – 4411)، وأحمد (3434)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود. وقال شعيب الأرنئوط: حسن.
    27- سيل مهزور: اسم واد لبني قريظة بالحجاز
    28- صحيح – رواه ابن ماجه (2481)، وأبو داود(3638)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود
    29- صحيح – رواه ابن ماجه (2481)، وأبو داود(3638)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود
    30- ابن عبد البر: الاستذكار، ج 7 / ص 189
    31- هربرت جورج ولز (1866 – 1946) الكاتب البريطاني المعروف.. اشتهر بقصصه الذي يعتمد الخيال العلمي وله كتابات في التاريخ، مثل (معالم تاريخ الإنسانية) وأعقبه بـ(موجز تاريخ العالم). وكان آخر كتاب أصدره هو (العقل في أقصى تواتراته).
    32- هربرت جورج ولز: معالم تاريخ الإنسانية، 3 /640، 641.
    33- مسند الشهاب القضاعي عن أنس بن مالك، برقم 186، أي متساوون في الأحكام، لا يفضل شريف لشرفه على وضيع، كأسنان المشط متساوية لا فضل لسن منها على أخرى ( العزلة للخطابي ص 144).
    34- انظر: عماد الدين خليل: قالوا عن الإسلام ص 137.
    35- توماس كارلايل: الأبطال، ص 65
    36- توماس كارلايل: الأبطال، ص 65
    37- جوستاف لوبون:حضارة العرب، ص 40



    رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •