لمناسبة الذكرى ال27 لرحيله :
الدكتور خالد الهاشمي.. سيرته ورؤيته في تجديد أسس التربية وفلسفتها في العراق
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل
منذ أن كٌنت أعمل في تأليف كتابي عن : " تطور التعليم الوطني في العراق" ، خلال الثمانينات من القرن الماضي، وأنا أتابع وأكتب عن نشاطات نخبة من الأساتذة الأعلام ، والرموز الذين تركوا بصمة واضحة في جدار الحركة التعليمية والتربوية في العراق .
ويقينا انني كنت على صلة بدراساتهم ،وبحوثهم ،ومؤلفاتهم، ولئن وقفتٌ كثيرا عند بعضهم ، فليس معنى هذا أنني لم أكن اهتم بالآخرين ، خاصة وان عددا منهم درسني عندما كنت طالبا في قسم التاريخ بكلية التربية –جامعة بغداد اوائل الستينات من القرن الماضي . وحينما كتبتٌ دراستي عن "الثقافة والسياسة في العراق :دار المعلمين العالية ودورها التربوي والثقافي والسياسي 1923-1958 "، وألحقتها بدراستي عن مجلة كلية التربية العتيدة : " الأستاذ " كان اسم الاستاذ الدكتور خالد الهاشمي يتردد أمامي، فقد كان عميد الكلية عندما التحقت بها . وللأسف الشديد لم أعثر -في حينه - على ما يغنيني من سيرته الذاتية والعلمية ولم اجد شيئا عنه، ولم اجد صورة له على الشبكة العالمية للمعلومات(الانترنت ) ، مع انه كان في حياته مالئ الدنيا وشاغل الناس. وانتظرت واذا بي أتعرف من خلال صفحتي على النت على ابنته السيدة سيرين ، وطلبت منها أن ترسل لي صورته وبعض ما لديها من وثائق ومعلومات فلبت الطلب مشكورة .
تعود معرفتي الاولى بالأستاذ الدكتور خالد محمود الهاشمي من متابعتي لدراساته ، ومقالاته ، وافتتاحياته التي كان ينشرها في " مجلة الاستاذ" . كما كانت مكتبتي تضم عددا من مؤلفاته ومنها كتابه : "تجديد مناهج اعداد المعلمين في العراق " ، وكتابه "تاريخ الشرق الأدنى الحديث " وكتاب " التاريخ الحديث لطلبة المدارس المتوسطة" ألفه بالتعاون مع الأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري ، والأستاذ الدكتور ناجي معروف ، والأستاذ الدكتور مصطفى جواد، وكتاب: " التاريخ المختصر للشرق الأوسط " ألفه بالاشتراك وكتاب: " المرشد الجغرافي " للأطفال العرب ألفه مع عدد من الأساتذة اللبنانيين .
وحين حاولت العودة إلى " موسوعة أعلام العراق في القرن ألعشرين" للأستاذ حميد المطبعي لاقف على تواريخ ولادته ودراسته لم أجد –للأسف الشديد - شيئا عنه .
المهم وجدت من خلال متابعتي لما ضمته مكتبتي وأرشيفي وما زودتني به ابنته أن الأستاذ الدكتور خالد الهاشمي ولد في بغداد سنة 1908، وانه أكمل دراساته الابتدائية والمتوسطة والثانوية فيها ، وحصل على بعثة من وزارة المعارف (التربية ) العراقية للدراسة في الجامعة الأميركية في بيروت سنة 1924 بعد تفوقه على أقرانه في الدراسة الثانوية ، وهو بعمر مبكر . وقد نال شهادة البكالوريوس في التربية من الجامعة الأميركية في بيروت سنة 1928 .كما حصل على شهادة الماجستير من كلية المعلمين –جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأميركية سنة 1939 وذلك ضمن بعثة علمية حصل عليها من وزارة المعارف (التربية ) العراقية .أما شهادة الدكتوراه في فلسفة التربية ، فقد حصل عليها من جامعة أوهايو الحكومية 1941.
بين سنتي 1928 و1938 عمل الدكتور خالد الهاشمي مدرسا في عدد من المدارس المتوسطة والثانوية ، وفي دار المعلمين الابتدائية . ومما يلحظ انه نقل في سنة 1934 من دار المعلمين الابتدائية في بغداد إلى مدير مدرسة البصرة الثانوية بسبب نشره مقالة فُسرت في حينه بأنها تمس النفوذ البريطاني في العراق وبعدها بسنة واحدة أٌعيد مدرسا في دار المعلمين الابتدائية . ثم سرعان ما عين
مديرا للمعارف(التربية ) في الكوت والعمارة ، ومديرا لدار المعلمين الابتدائية ودار المعلمين الريفية في بغداد . وقد نال من جراء عمله ، مدرسا في التعليم الثانوي ، خبرة واسعة بالتعليم وخاصة الريفي منه.
يقول الدكتور خالد الهاشمي في مذكراته عن هذه الفترة : "قدمتٌ إلى اللواءين(يقصد الكوت والعمارة ) أقصى الخدمات الممكنة في ظروف صعبة، وإمكانات مالية شحيحة ، وعلى الرغم من ذلك فتحتٌ عددا من المدارس الريفية فيها لأول مرة في تاريخ هذين اللواءين وذلك بمساعدة ومؤازرة متصرف لواء العمارة مصطفى العمري يومها ومتصرف الكوت خيري الهنداوي ووجهت التعليم توجيها نافعا عن طريق التفتيش والإرشاد ، وعقد المؤتمرات للمعلمين .كما نشٌطت حركة مكافحة(محو ) الأمية لدى البالغين، وطبعتٌ كراسا خاصا بذلك وقد مكثتٌ في هذه الوظيفة قرابة السنة والنصف " .
نقل مدرسا في دار المعلمين الابتدائية ببغداد ، ثم أرسل في بعثة علمية لوزارة المعارف (التربية ) إلى الولايات المتحدة الأميركية للتخصص في التربية وقبل ذلك بقي فترة كعادة طلبة البعثات العراقيين في بيروت للحصول على البكالوريوس –كما سبق أن قدمنا - وبعدها دخل جامعة أوهايو الحكومية الرسمية ، وحصل على شهادة الدكتوراه في التربية وفلسفتها عن اطروحته الموسومة : "تجديد مناهج اعداد المعلمين في العراق مع نظرة خاصة إلى الثقافة العربية –الإسلامية " وقد عٌربت من قبل تلميذه وزميله الدكتور عبد العزيز البسام مدرس علم النفس بدار المعلمين العالية –بغداد ونشرتها دار العلم للملايين في بيروت سنة 1946 . وكان الأستاذ المشرف على الأطروحة هو " الدكتور بويد بوده "
Boyed H. Bode
والدكتور بوده هو استاذ فلسفة التربية بجامعة اوهايو الرسمية ، وٌيعد من كبار الثقاة في التربية والتعليم بالولايات المتحدة الاميركية على حد قول الدكتور الهاشمي نفسه .
يقول الزميل المؤرخ الأستاذ الدكتور محمد حسين الزبيدي ، وهو يتابع مسيرة الأستاذ الدكتور خالد الهاشمي العلمية والوظيفية في مقال له أن الدكتور الهاشمي عاد في شهر نيسان سنة 1942 وبعد نيله شهادة الدكتوراه إلى عاد العراق والحرب العالمية الثانية قائمة عن طريق أميركا الجنوبية فأفريقيا الغربية ثم القاهرة فلبنان وسوريا فالعراق برا .
وقد عين في دار المعلمين العالية مدرسا وأستاذا مساعدا للتربية وفلسفتها . وبعد قضاءه في التدريس سنتين أي في سنة 1944 عين مديرا للتعليم الثانوي في ديوان وزارة المعارف .وقد أمضى في هذه الوظيفة سنة كاملة . وفي سنة 1945 عين وكيلا لعمادة دار المعلمين العالية بدلا من الأستاذ الدكتور متي عقراوي الذي عين في اليونسكو في 24 أيلول 1945 . وبعد سنة ثبت الدكتور الهاشمي عميدا بالأصالة في 11 حزيران سنة 1946 ، ولكن لم يطل به المقام في عمادة الدار اذ نقل مديرا ثقافيا في السفارة العراقية في القاهرة نهاية سنة 1948 وبعد ستة شهور نقل بالوظيفة نفسها إلى السفارة العراقية في لندن ، ولما كان فيصل الثاني ملك العراق الأسبق 1953-1958 ، يدرس هناك في انكلترة فقد اختير الهاشمي مرشدا له ومكث في هذه المهمة قرابة أربع سنوات.كتب الأستاذ الدكتور خالد الهاشمي في مدوناته عن هذه المهمة يقول : " انه أثناء وجوده كملحق ثقافي في مصر استلم طلبا من الأمير عبد الإله لتدريس الملك فيصل الثاني أثناء وجود الأخير في بريطانيا لإكمال دراسته الثانوية فيها وانتقل اثر ذلك إلى بريطانيا بنفس وظيفته وعند مقابلته بعدئذ في العراق ، طلب منه أن يهتم بالجوانب الدينية والوطنية للملك فيصل وأن لا يألو جهدا في تنميتهما لدى الملك الشاب الذي لم يكن قد توج ملكا بعد
وكان مسؤولا عن تدريسه دروس الدين ، واللغة العربية، والجغرافية ، والتاريخ " وقد كتب يصف الملك فيصل الثاني : " بأنه كان أنسانا حساسا ، ورقيقا ، يحب الفقراء ويعطف عليهم ، وقد تجسد ذلك من خلال بعض قطع الإنشاء التي كان يكتبها ، وكان ذكيا ، وغاية في الأدب الجم والتواضع " وقد بقى في لندن لإنهاء تلك المهمة لمده أربع سنوات .هذا وقد عاد إلى العراق فأختير عميدا لدار المعلمين العالية ثانية سنة 1953 . وفي الرابع من أيلول سنة 1966 عين رئيسا لجامعة بغداد ، وقد عمل بكل جد وإخلاص وهمة للنهوض بواقع الجامعة وتطويرها .
كان الاستاذ الدكتور خالد الهاشمي عندما نٌشرت اطروحته في كتاب سنة 1946 ،عميدا لدار المعلمين العالية ببغداد هذه الدار التي تأسست سنة 1923 ، وكانت صرحا علميا وتربويا شامخا في سماء التربية والتعليم في العراق انذاك .كتب احد خريجي الدار يقول : " دخلتٌ دار المعلمين العالية في الشهر العاشر سنة 1956 وتخرجتُ فيها وأسمها كلية التربية في الشهر التاسع من سنة 1960 في الدورة الثانية من خريجي جامعة بغداد, عند قبولنا في الفروع العلمية والإنسانية ... كان عددنا 300 طالب وطالبة , وعند تخرجنا عام 1960 كان الكتاب التذكاري الذي جمع أسماء الخريجين والخريجات قد ضم 291 خريجا فقط..دخلت وعميد الدار .
الأستاذ الدكتور خالد الهاشمي وتخرجت فيها وعميدنا هو الدكتور محمد ناصر..." .

أما الاستاذ الدكتور احمد عبد الله الحسو المؤرخ العراقي فيقول: " أن الدكتور خالد الهاشمي غرس في عقله أهمية المنهج التربوي في حياة الأمم والشعوب" .
كان توجه الدكتور الهاشمي منذ المراحل المبكرة لشبابه وطنيا عراقيا ،عروبيا، إنسانيا . عمل مع آخرين على تأسيس جمعية الجوال ثم جمعية الرواد وكان الهدف من وراء هذا النشاط هو تنمية الروح الوطنية ، وتعميم التدريب العسكري ، ولو لفترات قصيرة بين المدرسين والطلبة على حد سواء لغرض رفع المعنويات الفردية وتقوية القدرات الانضباطية .
لقد كان من الأعضاء المؤسسين لجمعية الجوال التي تأسست سنة 1934. وكان للجمعية مجلة بأسم " مجلة الفتوة " صدر عددها الأول في شباط سنة 1936 .ومن الأمور الطريفة أن أعضاء الجمعية اشتروا مطبعة الملا عبود الكرخي بمبلغ 600 دينار وبالتقسيط وسجلت المطبعة التي سميت بمطبعة الجزيرة بأسم الدكتور الهاشمي الذي أسهم في تحرير مجلة الفتوة مع عدد من زملائه أمثال الدكتور جابر عمر ، والدكتور إبراهيم شوكت ، والدكتور محمد ناصر ، والدكتور ناجي معروف ، والدكتور فاضل الجمالي . ومما كتبه الدكتور خالد الهاشمي في العدد الأول من المجلة مقال بعنوان : "نحو المجد " ومقال في عدد آخر بعنوان : " القوة هدف ومطمح الأمم الحية " .
ومن خلال متابعة مجريات الاحداث السياسية التي وقعت في العراق فأن الاستاذ الدكتور خالد الهاشمي كان واحدا من عدد من الاساتذة الجامعيين الذين قدموا - في نهاية سنة 1956 وأثناء العدوان الثلاثي البريطاني –الفرنسي –الإسرائيلي على مصر - مذكرة إلى الملك فيصل الثاني 1953-1958 يطالبون فيها بإقرار النظام الديمقراطي عمليا ، وإقالة الوزارة القائمة آنذاك ، ودعم مصر في ردها على العدوان . وكان أن قررت وزارة المعارف(التربية ) فصل الأستاذ عبد الرحمن البزاز عميد كلية الحقوق ، والدكتور جابر عمر الأستاذ فيها ، والدكتور فيصل الوائلي، والدكتور عبد القادر احمد اليوسف ، وجلهم من أساتذة دار المعلمين العالية إضافة لأساتذة آخرين من كليات أخرى ، فيما تم تنحية الدكتور خالد الهاشمي عن عمادة دار المعلمين العالية وبقي أستاذا في الدار .
كتب الأستاذ نزار محمد المختار، وهو تربوي موصلي معروف وإنسان فاضل ، له سمعة طيبة علي صعيد النشاط التعليمي والتربوي والإداري ليس في ألموصل وحسب بل وفي العراق كله .. وكثيراً ما يلجأ إليه طلبة الدراسات العليا والباحثين في حقل التربية والتعليم ، فيقدم لهم الكثير من المعلومات والحقائق عن هذا الحقل الحيوي، جانبا من ذكرياته في دار المعلمين العالية وقدم لي بعض الوثائق وامتدح عميد الدار الدكتور خالد الهاشمي ، وطريقة متابعته لشؤون الطلبة حتى المقبولين الجدد فيها ، وقال انه قدم طلبه الى دار المعلمين العالية في بغداد وعاد إلى مدينته الموصل ، وبعد فترة قصيرة وصله كتاب من الأستاذ الدكتور خالد الهاشمي عميد دار المعلمين العالية برقم ( 1843 ( وبتاريخ 15 تشرين الأول 1946 جاء فيه : (( يسرني أن أخبركم أنكم قبلتم في الصف الأول من دار المعلمين العالية وبطيه ورقة الكفالة مع التعليمات اللازمة نرجو إكمالها بأسرع وقت )).. ومما أكده الكتاب أن على الطالب المقبول تسليم الكفالة ،و تأمينات المختبرات ، وبدل عضوية اتحاد الطلبة إلى محاسب الدار مع إكمال النواقص في معاملة القبول وأبرزها الشهادة المدرسية ، ودفتر النفوس ، وشهادة التطعيم ضد الجدري ، وشهادة الجنسية العراقية ، وشهادة عدم المحكومية .. وكانت الكفالة تبلغ خمسون ديناراً لكل سنة أي مائتا دينار لأربع سنوات ، وتقتضي من الكفيل أن يكون عضوا في غرفة التجارة .
كان الدكتور خالد الهاشمي العميد الخامس للدار بعد الأستاذ ساطع الحصري ، والأستاذ طالب مشتاق، والدكتور ناجي الأصيل ، والأستاذ كمال إبراهيم ، فالأستاذ الدكتور خالد الهاشمي ، وبعده جاء الدكتور عبد الحميد كاظم . ترأس الأستاذ الدكتور خالد الهاشمي جامعة بغداد 1965-1966 أي في عهد الرئيس الراحل عبد الرحمن محمد عارف ، وعندما طٌبق في الجامعة " نظام الدوائر العلمية" كان رئيسا " لدائرة التربية وعلم النفس" فيها فضلا عن كونه استاذ لفلسفة التربية في كلية التربية ورئيسا لتحرير مجلتها العتيدة " الأستاذ " .ومما يقتضي ذكره انه كتب افتتاحية الجزء 13 من مجلة الأستاذ 1965-1966 بعنوان : " رسالة كلية التربية ودورها في الحياة الجامعية " قال فيها إن كلية التربية (دار المعلمين العالية سابقا ) تعد من أقدم كليات جامعة بغداد وجودا ، وتكوينا ، وأرسخها قدما في التقاليد الاكاديمية والمستويات العلمية سواء كان ذلك لمؤهلات اساتذتها أم لارتفاع نسب دوام طلبتها وانتظامه أم لجدية الامتحانات فيها . وقد ظلت منذ نشأتها الاولى سنة 1923 تحاول الجمع بين اعداد المعلم الكف ٌ المزود بثقافة علمية وعملية عالية وبين اعداد المدرس الكف ذي المهارة الفنية الراقية بتوفيق ملحوظ " .وأكد في كلمته أهمية القيام بالبحوث العلمية التي تكون غرضا مهما من أغراض التعليم الجامعي . وانطلق في دعوته هذه من توصيات حلقة دائرة التربية في الجامعة الأميركية في بيروت ، والموسومة : " نحو فلسفة تربوية متجددة لعالم عربي يتجدد " .ومما أكدته التوصيات " أن رسالة الجامعة تتجلى في البحث عن الحقيقة في مستواها الكلي المتسق ،وان التعليم يأتي كنتيجة لذلك وكمحصول عنه ،وان مهمتها الرئيسة لاتقف عند الأغراض العملية والمهنية ، بل تتطلع إلى تعزيز الموضوعات والدراسات الانسانية حتى في المعاهد والكليات المهنية " . وتلك –بحق –دعوة متجددة .
كان الأستاذ الدكتور خالد الهاشمي –سواء في خطبه في حفلات تخرج دار المعلمين العالية أو في المؤسسات التربوية الأخرى ومنها جامعة بغداد أو في دراساته وبحوثه ومقالاته يؤكد على " الدور الذي يضطلع به المعلم في بناء المجتمع الجديد الذي تصبو إليه نفوس المصلحين كافة وفي توجيه الجيل الصاعد الوجهة الصالحة في الحياة " . ومما كان يؤمن به "أن المدرسة كمؤسسة اجتماعية لاتضاهيها أية مؤسسة اجتماعية أخرى بما فيها الإذاعة والصحافة وخاصة في مجتمع ناشئ لم تستكمل فيه هذه المؤسسات شروط القوة والكمال بعد " ..كان يدعو المسؤولين عن السياسة التعليمية في العراق الى يحرصوا على ان يجتذب التعليم في العراق أفضل وأقوى العناصر المؤهلة ، وان توفر لمن يمتهن هذه المهنة أرفع المستويات العلمية والمهنية والإمكانيات الاقتصادية الملائمة التي تضمن تنشئة القادة المستنيرين المخلصين الذين تحتاج إليهم البلاد .
كان الدكتور خالد الهاشمي من أبرز التربويين العراقيين المؤمنين بفكرة التقدم . وكان يرى أن من أسباب تدهور الأمم " استعباد العقل واضطهاد الفكر الحر " . وان " التاريخ يدلنا على ان الثقافة العربية –الاسلامية وهي تجتاز القرن العشرين تجتاز حالة من الاضطراب بسبب التفاوت والاختلاف بينها وبين الثقافة الغربية ، الأمر الذي يجعل بعض عناصرها غير منسجم مع البعض الآخر ، فتتفكك وحدتها ، وتتأثر شخصيتها ، ويختل توازنها ، وتضطرب سيطرة الانسان على نفسه ومحيطه لتكون نتيجة ذلك تقلقلا ، واضطرابا اجتماعيا ، وتبلبلا في الأفكار والآراء ، وفوضى في القيم والمقاييس الخلقية .
أكد الدكتور خالد الهاشمي من خلال دراساته المستمرة على أن من أهم المشاكل التي يتعين على التربية معالجتها هي : التوحيد الشامل في سلوك الافراد وفلسفتهم الاجتماعية ونظرتهم الى الكون والوجود التي تخلق منهم إفرادا مستقلي التفكير متزنين في شخصياتهم منسجمين في أحكامهم وسلوكياتهم باعتمادهم على مبدأ أو مثال أعلى يسترشدون به ، ويزنون سلوكهم بحسب مقاييسه فلا يأتون بالأعمال المتضاربة ولا يجمعون في أنفسهم المتناقضات . وأضاف الى ذلك قوله ان عملية التربية والتعليم متصلة بالنظام الاجتماعي أو الحضارة الراهنة ومتأثرة بها وأن من وظائفها الاساسية مساعدة أبناء الامة على تكوين اتجاهات ونزعات فكرية وعاطفية صحيحة نحو الكون والمجتمع .
وحول وظيفة المدرسة كان الاستاذ الدكتور خالد الهاشمي كثيرا ما يذهب في اراءه الى ان من واجبات المدرسة المهمة التعرف الى العناصر المرغوب فيها في المجتمع ، وتوجيه الناشئة توجيها صحيحا لفهمها وتقديرها وتحقيقها لتستطيع بذلك خلق مواطنين صالحين .وكما هو معروف فأن المؤسسات الاجتماعية الأخرى ،على أهميتها ، لاتضاهي المدارس في عمق تأثيرها ومدى نجاحها في وجوب المام المعلمين والمربين في العراق ، وفي العالم العربي عامة الالمام العميق بكافة العناصر والمقومات التي تكٌون حضارة أو ثقافة امتنا العربية والإسلامية وتحليلها تحليلا يساعد على اكتشاف مواطن القوة والضعف فيها ليستطيعوا بذلك ارشاد الجيل الجديد الى الكنوز والقيم الغالية الموجودة في تراثنا وحضارتنا والى معالجة مواطن الضعف فيها واستدراكها ،وبذلك ،وحده ، تمكن أبناءنا من فهمها وتقديرها والاعتزاز بها والدفاع عنها والتضحية في سبيلها والتعبئة التامة للعناصر والعوامل النافعة الحية فيها .
وفيما يتعلق بمصطلحي " الثقافة" و" الحضارة" ،فأن الاستاذ الدكتور خالد الهاشمي كان يميل الى استخدام مصطلح " الثقافة " بمعناها الانثروبولوجي الذي يشمل ثلاثة أمور هي :
اولا : حضارة الامة المادية التي تتضمن كافة وسائل الانتاج والتوزيع فيها وبكلمة اخرى ،نظامها الاقتصادي .
ثانيا : المؤسسات الاجتماعية كالعائلة والحكومة ثم الصناعة والتجارة والمطبوعات ، والإذاعة، ووسائط النقل ، ثم المعابد والمدارس والأندية والجمعيات ثم العادات والتقاليد واللغة القومية والتعداد والمقاييس والفنون المختلفة .
ثالثا : نفسية القوم وما تتضمنه من معرفة الدوافع والحالات والأوضاع النفسية وأثرها في تكوين الافكار والآراء .اذ بمعرفة هذه الدوافع وما يٌحب الافراد ويكرهون بصورة عامة يمكن التنبؤ بوجهة سلوكهم .
لقد بذل الاستاذ الدكتور خالد الهاشمي ، جهودا حثيثة من اجل الاستفادة من منجزات الغرب في ميدان التربية والتعليم ، وخاصة على صعيد أحدث النظريات التربوية والتعليمية وتطبيقها على المناهج المدرسية العراقية مع الاخذ بنظر الاعتبار القيم الثقافية العربية والإسلامية الاصيلة .ومن هنا فقد كرس اطروحته لوضع مشروع جديد لتحسين اداء دور المعلمين وحسن اختيار من يصلح لهذه المهنة المقدسة وعلى اساس من النظرة الاجتماعية الثقافية ووفقا للآراء التقدمية في فلسفة التربية وعلم النفس صاغ مجموعة من الاهداف ووضعها امام من يتولى اعداد المعلمين في العراق وأبرزها :
1.يجب ان يساعد برنامج اعداد المعلمين في العراق جميع من سيمتهنون التعليم على زيادة بصيرتهم بالحضارة العربية والإسلامية عامة وبفرعها العراقي خاصة .
2.يجب ان يكون البرنامج ممثلا للحياة الديمقراطية وهذا يستدعي الاهتمام بنمو كل طالب وطالبة وان يبعث فيهم القدرة على التفكير المبدع وان يعودهم على التعاون فيما بينهم وان يوجد بينهم شعور اجتماعي من خلال تعويدهم على التعلق بالقدوة والمثال الاجتماعي وتقديرهم له .
3.يجب ان تكون كل ناحية من نواحي البرنامج ذات صلة وثيقة بالمثال الاجتماعي للديمقراطية .
4.يجب ان يعين هذا البرنامج كل طالب على ان يصوغ له فلسفة اجتماعية خاصة به ضمن النظام الاجتماعي المرغوب فيه ،معتمدا على ذكائه وتفكيره في اختيار القيم والأحكام الاخلاقية متحملا تبعة ما تأتي به هذه الأحكام من نتائج .
5.يجب ان ألا يقتصر البرنامج على مجرد تزويد الطلبة بالمهارة المهنية والكفاية في التدريس ، بل يجب ان يؤدي إلى تنظيم بعيد الغور لحياة كل منهم بما في ذلك تزويدهم بالعادات والاتجاهات وطرائق التفكير التي تعينهم على اعادة النظر في اعتقاداتهم السالفة ووزنها بمعيار المثال الاجتماعي الديمقراطي ..وهذا يعني تنمية روح البحث والتطلع والشك وفقا للأمانة العلمية ،وتناول الاراء بتمحيص موضوعي دقيق .
6. يجب ان يضم برنامج اعاد المعلم على مواد للثقافة العامة الواسعة وبما يساعده على تنمية حياته من جهاتها الاخلاقية والاجتماعية والفكرية .
7. يجب ان يرمي نظام اعداد المعلم في العراق على ان يكونوا على اتصال دائم ببيئاتهم اكيلا يكون التعليم منفصلا عن الواقع والحياة .
كان الأستاذ الدكتور خالد الهاشمي - وهو يغذ السير في طريق ترسيخ اسس فلسفة التربية وتطوير إعداد المعلم - يرى أن التربية في العراق لاتزال تستظل بظل تقاليد المثل التقليدي في حين ان الحياة تتطور وتتغير . ومن يؤمن بالديمقراطية لايمكن أن يعطي لنفسه الحق في اكتساب المشايعين لها عن طريق التلقين والإكراه ،بل ان واجبه فيما يخص التربية يقتضيه ان يهيئ لهم ان يتزودوا بالتجارب والخبرات التي تفتح لهم سبيل المعرفة المباشرة بالديمقراطية والإحساس بها وتقديرها .كما أن عليه ان يتناول الثقافة بالدرس والتمحيص لتضع اسسها وتستعرض مقوماتها استعراضا قائما على التمييز بينها والإدراك لصفاتها ،ليتم من وراء ذلك كله ان يكون المتعلمون على يقين من ان عليهم واجب الاختيار لما يتطلبه مجتمعهم من قيم ومعايير ،وان ما في ذلك المجتمع من تقاليد في حاجة كبيرة الى ان يجددوا تفسيرها وتنظيمها .يفعل المؤمن بالديمقراطية ذلك وهو على يقين من انه إذا تم للديمقراطية أن تكون مفهومة ، غنمت وفازت بفضل مزاياها من دون حاجة إلى التلقين والإكراه .
لقد كتب الاستاذ الدكتور خالد الهاشمي هذا الكلام في سنة 1945-1946 ، ونحن اليوم - وبعد أكثر من 70 سنة - بحاجة إليه لكي نعيد تنظيم بلدنا ، وإعادة برمجة النظام التعليمي ، ووضعه على أسس جديدة تتلاءم والمتغيرات التي يشهدنا عالمنا ، فكم كان الأستاذ الدكتور الهاشمي عالما متنورا ، ومثقفا تقدميا يؤمن بأن الديمقراطية هي الحل .لقد مضت السنون ال70 ونحن في العراق، نتخبط بين أنظمة تعليمية وأنظمة تعليمية اخرى لم تستطع ان تبني لنا المواطن الذي نريد . كما انها لم ترسخ فكرة المواطنة فضاع الجهد ، وأنفقت الأموال، وخسرنا الكثير . وآن لنا اليوم أن نرجع إلى دمقرطة التعليم والمجتمع والمؤسسات .لقد استأثر الحكام بالسلطة ، واستبدوا ، وبرروا ذلك وأثاروا الحزازات وأوجدوا العداوات بين الطوائف والأديان والقوميات وكما قال الاستاذ الدكتور خالد الهاشمي –رحمه الله – فأنهم جعلوا من التعليم وسيلة لحمل اهل العراق على التوجه بولائهم إلى شخص معين، أو أحزاب معينة وفي سبيل ذلك قضوا أو كادوا على حرية التعبير ،فقٌيُدت الصحافة ،وتوعدت كل بوادر الصراحة والشجاعة الادبية ،وولدت الخور في النفوس ونزعت منها الثقة والاطمئنان .أي استقراء راق هذا الذي فعله الدكتور الهاشمي ،وأي عقلية متنورة هذه التي امتلكها والتي تجعل لكتاباته القيمة الكبيرة نفسها بالرغم من مضي كل هذه السنوات الطويلة . من هنا فقد عدنا الى الدكتور الهاشمي نقرأه من جديد لتكون لكتاباته هذه الطاقة المتجددة التي نحن اليوم بأمس الحاجة اليها .
كان الأستاذ الدكتور خالد الهاشمي يؤمن بقيمة الدور التاريخي للعرب في الحضارة الإنسانية ، ويرد على من شكك في ذلك ولعل من ابرز ما ساعد العرب في نهضتهم ابان العصور الوسطى هو إيمانهم بفكرتي "التسامح" و"الحرية "..لقد اوجدوا الجو الحر الملائم للنهوض وكانوا هم السند المادي لذلك النهوض ولتلك الحضارة وساعدهم على ذلك ما تميزوا به من كرم ، وشجاعة ، وحب للخير والإحسان وقدرة على تحمل الصعاب، والقناعة، ورفض استبدال الحرية بكل ثروات العالم .
نشر الاستاذ الدكتور خالد الهاشمي فضلا عن الكتب العلمية والمدرسية والمنهجية التي أصدرها العديد من المقالات والدراسات والبحوث في المجلات الاكاديمية ومنها "مجلة الأستاذ ، ففي المجلد الخامس الصادر سنة 1956 نشر بحثا بعنوان : " سياسة التوسع في التعليم الثانوي والعالي وما تستطيع المدرسة عمله لإعداد التلاميذ للحياة " .وكان عندما كتب هذا البحث يعمل عميدا لدار المعلمين العالية ورئيسا لقسم التربية وعلم النفس .وقد تناول في بحثه هذا مشكلات تربوية وتعليمية أساسية تتصل مباشرة بسياسة التعليم وبالمبادئ والأهداف التي يجب ان تهيمن عليها وقد ركز على مسألتي التوسع في التعليم الثانوي والعالي ، وكيفية إعداد التلاميذ للحياة العملية وتلك المسألتان كانتا هاجسين رئيسيين له طوال حياته العلمية والعملية .لقد كان جل طموحه ان تكون لدينا فلسفة تربوية متجددة تؤكد على التغيير ،وان نعمل من اجل ايجاد الاداة الرئيسة في تنفيذ تلك الفلسفة ألا وهو المعلم والمدرس والأستاذ الجامعي .كان يدعو الى تكوين سياسة تعليمية وتربوية وطنية وقومية عليا واضحة ليتوجه التعليم الثانوي بحسبها ويصطبغ بصبغتها وكان يقول انه لابد ان يسبق التوسع اعداد وتوفير المستويات التعليمية المحترمة لضمان الكفاية المطلوبة ولابد من تغيير الانظمة والمناهج الحالية التي تطغى عليها النزعة الاكاديمية لتفي بحاجات ومقدرات الناشئة ، وقد آن الأوان للتركيز على المدارس المهنية التي تعد للحياة العملية مباشرة ولابد من ضمان الموارد المالية الكافية كفرض الضرائب التعليمية المحلية الجديدة في المدن وغيرها وأخيرا لابد عند إقرار مبدأ التوسع من النظر الى مراحل التعليم كافة كوحدة واحدة متصلة الاجزاء يساعد ويقوي بعضها البعض ولا يستغني جزء منها عن الجزء الآخر ، فإذا ما هدفنا في تعليمنا العالي الى ايجاد القادة المستنيرين الذين يستطيعون النهوض بالبلد وبالأمة في ميادين الاقتصاد والاجتماع والفنون كان لابد من التفكير في الوقت نفسه في اعداد وتهيئة الطبقات الشعبية المستنيرة التي تستطيع فهم القادة ، وحسن الانتفاع من قيادتهم ،وتوجيههم .
أما في المجلد التاسع من مجلة الاستاذ وبعدديه والصادر سنة 1961 فقد كتب الدكتور خالد الهاشمي بحثا بعنوان : " مفاهيم التربية الحديثة " .وكان في تلك الفترة رئيسا لقسم التربية وعلم النفس في كلية التربية –جامعة بغداد .والبحث كان بالأصل فصلا من كتاب " مبادئ التربية ونظرياتها " وهو كتاب ٌمعد لدور المعلمين والمعلمات .وفي هذا البحث يتناول الدكتور الهاشمي موضوعا مهما يتعلق ب"التربية عملية ذات وظيفة اجتماعية " وهو مفهوم جديد في حينه كما يتناول التربية كتعبير عن النمو وكأداة للتوجيه .ومما قاله ان الحاجة الى التوجيه في التربية تنشأ عندما لاتتفق او لاتنسجم الدوافع الطبيعية الاصلية مع متطلبات المجتمع وأغراضه الاجتماعية ..اما التربية كنمو ، فقد ذكر الدكتور الهاشمي بأن التربية كضرورة لابد منها لتجديد الافكار والآراء وبالتالي تطوير الميراث الاجتماعي ويصدق ذلك على المجتمع الديمقراطي الذي يتخذ الحرية وسيلة لتطوير الفرد والمجتمع والتعاون الذي يهدف الى تحقيق السعادة والرفاه لأكبر عدد ممكن من المواطنين وثمة معيارين اساسيين لهذا الاسلوب من الحياة والتطور والتجديد فالتجديد يتضمن التغيير والتبدل وليس الثبات والجمود في الحياة والتغيير والتبدل يفترضان بدورهما التنويع والحرية في الاختيار والتجريب واختيار العمل المناسب في كل ما يتصل بتحسين امور العيش والحياة .ولاشك في ان كلا من هذين العاملين المتغيرين :عامل الطبيعة الاصلية وعامل المحيط او المجتمع يضمنان التربية المتجددة النامية .
ذكرت" مجلة العروة " وهي المجلة التي كان يصدرها النادي العربي في بريطانيا وفي العدد 4 الصادر في شباط سنة 1986 ان الاستاذ الدكتور خالد الهاشمي كان مندوب العراق وممثله في العديد من الندوات والمؤتمرات الدولية في الدول العربية والعالم وشغل مناصب مهمة في السلك الدبلوماسي فكان الملحق الثقافي في سفارتي العراق في القاهرة ولندن وعين سفيرا للعراق في فيينا بالنمسا . وقد اطلعت على وثيقة تتضمن سيرة مختصرة للدكتور الهاشمي مطبوعة على الآلة الكاتبة وفيها إشارة إلى الندوات والمؤتمرات التي مثل فيها العراق منها انه شارك سنة 1932 في مؤتمر التربية الدولي في نيس بفرنسا .وفي سنة 1950 اختير رئيسا لوفد العراق في اجتماعات اليونسكو في باريس وفي سنة 1960 حضر المؤتمر العربي الأول للتعليم العالي الذي نظمته الجامعة الأميركية في بيروت .وبعد ذلك بسنتين مثل العراق في مؤتمر التعليم المتوسط في العالم العربي في بيروت .وفي سنة 1964 ذهب الى باريس على رأس وفد عراقي لحضور اجتماعات اليونسكو. وفي سنة 1965 حضر مؤتمر المعلمين العرب في لبنان . وبعد سنة شارك في مؤتمر نظمته اليونسكو لوزراء التربية في الدول الإسلامية في طهران بإيران .كما حضر مؤتمر الطاقة الذرية في فينا سنة 1967 .
اشتغل أواخر الستينات من القرن الماضي وحتى تقاعده سنة 1970 مديرا للتربية في " إمارة ابو ظبي" في " دولة الإمارات العربية المتحدة حاليا " . وقد عمل بأشراف الشيخ زايد حاكم ابو ظبي في حينه مع نخبة من التربويين منهم الدكتور عبد العزيز البسام في وضع أسس عصرية للتربية في ابو ظبي . ومن الوثائق التي أطلعتني عليها ابنته –مشكورة –مسودة كتبها بخط يده على ورق تحرير "دائرة التربية في حكومة ابو ظبي " تتضمن أهداف وإستراتيجية مقترحة من قبله للسياسية التعليمية هناك ومما تضمنته تلك الأهداف والإستراتيجية المقترحة قوله أن التعليم ينبغي أن يهدف في إمارة أبو ظبي إلى" تكوين جيل مؤمن بالله معتز بالإسلام متمسك بتعاليمه مخلص لوطنه وعروبته ،مشٌرب بروح الحق والخير والعدالة متكامل النماء بروحه وعقله وجسمه ووجدانه مؤهل تقنيا وعلميا بما تقتضيه متطلبات التطوير العصري مزود بروح العمل من اجل نفسه وأمته ودينه والإنسانية " ويتم ذلك بتحقيق أهداف التعليم الخاصة ومنها ان يعمق في الطالب معنى الإيمان بالله وان يكون الدين عقيدة راسخة متغلغلة في نفسه ووجدانه ..." .وقد حددت مقترحاته وظيفة المدرسة كمؤسسة اجتماعية او كبيئة خاصة بتعريف الناشئة بالحضارة العربية الإسلامية وبمقوماتها وعناصرها الأساسية المكونة لها بطريقة سهلة وواضحة تساعدها على استيعابها وتمثلها والمساعدة على تقييمها وتنقيتها من الشوائب التي لحقت بها خلال القرون المظلمة والتأكيد على الأجزاء الحية الصالحة التي تتلاءم وتطور العصر والموازنة بين مقوماتها المتعلقة سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سواهما وتنمية العادات الحسنة والمستحبة عند التلاميذ وغرس السجايا الصالحة مثل تعويدهم على الصدق في الكلام وأداء الأمانة والإخلاص في العمل واحترام الآخرين وان يدربوا على ألوان السلوك الاجتماعي الصالح كالتعاون مع الآخرين والتعامل معهم بصدق . وأكد على أن من وظائف المدرسة تعريف الطالب بأماني أمتهم وأهدافها في التطلع إلى الحياة الأفضل وتنمية المهارات الأساسية وخاصة تنمية عادة القراءة ، والتعهد برعاية نمو جسم الطالب وعقله .كما تنمي المدرسة في الطلبة عادات تقدير الواجب وتحمل المسؤولية وان توثق صلتهم بأسرهم وجيرانهم وبني وطنهم " .
بعد ذلك استقر الأستاذ الدكتور خالد الهاشمي في لندن مع زوجته السيدة ام الوليد يسرى الهاشمي وابنته نعم .وكان الدكتور الهاشمي موفقا ليس في حياته العامة وإنما في حياته الخاصة فقد وهبه الله زوجة صالحة وأم حنون كانت خير سند وعون له . وفي لندن كان له نشاط ملحوظ في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وخاصة في اسهامه ودعمه للنادي العربي في لندن ، والمركز الثقافي الإسلامي . كان عضوا في اللجنة التنفيذية للنادي العربي لسنوات عدة وأنيطت به كل النشاطات التربوية والثقافية ، وكان رئيسا للجنة إدارة مدارس النادي ومن خلال مهمته هذه نظم العديد من المحاضرات الادبية لأعضاء النادي وغيرهم من ابناء الجالية العراقية والعربية . كان هذا النادي مؤسسة اجتماعية ،ثقافية ، خيرية ومما ورد في اهدافه انه يعمل من اجل المحافظة على التراث العربي والقيم الروحية وتيسير الترابط بين افراد الجالية العربية وقد تأسس في حزيران –يونيو سنة 1980 . كما شمل الدكتور الهاشمي المركز الثقافي الإسلامي في " ريجنت بارك " ، باهتمامه . وقام بدور فاعل وبارز في نشاطات المركز المذكور ، واستمر ذلك حتى قبيل وقت قصير من اصابته بمرض مفاجئ لم يمهله طويلا وقد توفي في احدى مستشفيات لندن في 27 ايلول –سبتمبر سنة 1985 عن عمر ناهز ال76 عاما . تغمده الله برضوانه وجزاه خيرا على ما قدم لوطنه وأمته وللإنسانية.