الكهرباء تصبغ رأس البيشة بالسواد


جريدة المستقبل العراقي الصادرة ببغداد في 16/9/2012


كاظم فنجان الحمامي

صار الظلام الدامس هو العلامة الفارقة لإطلالتنا البحرية الصغيرة في رأس البيشة, وأضحى اللون الأسود هو اللون الذي يغلف السواحل العراقية برداء الحزن والحداد, في الوقت الذي تبذل فيه البلدان الخليجية أقصى اهتماماتها بسواحلها وواجهاتها البحرية, وفي الوقت الذي نورت فيه الكويت شواطئها بالمصابيح الزئبقية المشرقة, وأضاءت فيه إيران سواحلها النهرية الممتدة من الجانب الإيراني لرأس البيشة في شط العرب وحتى نهر الحدود الفاصل بينها وبين العراق (نهر خيين) بمجاميع من الأنوار المتلألئة بالألوان الزاهية. .
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
تتدفق السفن التجارية القادمة من جهة البحر على موانئنا الموزعة على طول ضفاف شط العرب, لكنها ما أن تقترب ليلا من ساحل رأس البيشة, الذي يمثل نقطة التقاء الأرض العراقية بمياه الخليج العربي, حتى تشعر بصدمة كبيرة أمام منظر السواد, الذي ظل يخيم على هذه البقعة الساحلية منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا, ولم تلتق خطوط الكهرباء الوطنية مع خطوط التماس الساحلية عند نقاط الحس الحضاري الذي ينبغي أن يشكل المسار الصحيح لإدراك احتياجاتنا البحرية الحالية والمستقبلية. .
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
ربما يقول المعنيون بالشأن الكهربائي إنهم على استعداد تام لمد أسلاك الضغط العالي نحو رأس البيشة, وإيصالها إلى آخر نقطة ساحلية لو كانت تلك النقاط الساحلية مأهولة بالسكان, وربما يقولون إنهم لا يتعاملون مع المناطق الجرداء التي لا يرتادها الناس, فنقول لهم إن الكويت نورت سواحلها بأجمل أعمدة الإنارة لمسافات زادت على (500) كيلومتر, ونورت إيران سواحلها التي زادت على (3200) كيلومتر, وسلطت الأنوار الكاشفة على مقترباتها البحرية, فازدانت بالضياء, وقهرت الظلام الدامس, بينما تتحجج مؤسساتنا المعنية بالحجج الواهية عندما يراد منها إنارة قوس ساحلي بطول ملعب كرة القدم. .
أن من يشاهد رأس البيشة الآن يشعر بخيبة كبيرة وهو يرى الظلام يغلف جبهة شط العرب من جهة البحر, حيث يتعذر على السفن الوافدة أن تعثر على بصيص من نور يدلها على مقتربات العراق المائية, سوى بضعة مصابيح أضاءتها آمرية خفر السواحل لمركزها الحدودي المقام هناك فوق رأس البيشة, والذي يستمد طاقته الكهربائية من مولدات خاصة تعمل بزيت الغاز لتأمين الاحتياجات الطارئة لموقعها الحدودي. .
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
من المفارقات العجيبة إن تنوير منطقة رأس البيشة لن يكلف وزارة الكهرباء سوى بضعة أعمدة, و(500) متراً من الأسلاك, وعشرة مصابيح, لا تزيد تكاليفها على قيمة تأجير سيارة أجرة لشهر واحد, بهذه التكاليف البسيطة يمكن أن ننور سواحلنا ونضيء هذه الواجهة البحرية المعتمة. .
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
ينقسم رأس البيشة إلى قسمين منفصلين, ليتوزع على الضفتين العراقية والإيرانية في مدخل شط العرب, فيتشكل عندنا رأس البيشة العراقي, ورأس البيشة الإيراني, ولا فرق بينهما من النواحي الملاحية والجيولوجية والمناخية, فالمسافة بين الرأسين أٌقل من كيلومتر واحد, وتمثل الحدود العليا لمنطقة المصب شمالي الخليج العربي, بيد أن الملفت للنظر إن رأس البيشة الإيراني يتلألأ ليلا بالأنوار الساطعة والمصابيح الموجهة صوب البحر, ليضفي المزيد من اللمسات الحضارية على الساحل كله, بينما يقبع رأس البيشة العراقي بحلته السوداء في كهوف الإهمال, ويغرق في حلكة الظلام الدامس, ليعلن عن الحداد المفروض عليه منذ عقد من الزمان بانتظار الفرج, عسى أن يرى النور, ويتحرر في يوم من الأيام من هذه العتمة الأبدية, التي سودت شرفاته البحرية, وطوقتها بقيود النسيان. . .