وجود المجاهدين غير السوريّين في بلاد الشام بين المصالح والمفاسد


الحمد لله والصلاة والسلام على سيّدنا رسول الله


لا ريب أنّ وجود المجاهدين من غير السوريين في بلاد الشام له وجوه من المصلحة ووجوه من المفسدة، وتقدير المصالح والمفاسد هو الذي يمكّن الباحث من معرفة الحكم في مثل هذه المسألة مع استغناء السورييّن عمّن يسند ثورتهم بنفسه، فيُجاهد بنفسه في بلاد الشام، وإلاّ فإنّ الأصل أن يكون الجهاد بالنفس فرض عينٍ على أهل البلد الذين اعتُدي عليهم ثمّ يصير فرضًا على من يليهم من بلاد المسلمين حتى تقع الكفاية، فإن لم تقع إلاّ بجهاد كلّ المسلمين كان الجهاد فرض عينٍ على كلّ مسلمٍ.

لكنّ الواقع في سوريّة أنّ أهلها لا يحتاجون إلى غيرهم ولذلك فإنّنا نحتاج إلى النظر في جانب المصالح والمفاسد لندرك حكم وجود هؤلاء المجاهدين في بلاد الشام.

وأقدّم بذكر ثلاثة مصالح هي من أهمّ المصالح من وجهة نظري:

الأولى: أنّ وجود غير السوريّ يُشكّل دافعًا للسوريّ، فيقول: إذا كان من ليس هذا الوطن له بوطن، وليس له في الأرض عرض يدافع عن أرضي وعرضي، فأنا أولى بالدفاع عنهما، وهذا يدفع إلى الثبات في المعركة

الثانية: أنّ وجود المجاهدين من غير السوريّين يؤكّد وحدة الأمّة في نفوس أهلها، ويُشتّت النظام الذي بات ينظر للمعركة على أنّها معركة مع الأمّة وليست معركة مع شعبه فقط


الثالثة: أنّ خبرات المجاهدين العرب متنوّعة، وكلّ منهم خاض معركةً مع نظامه أو غيره من الأنظمة الظالمة، فتشكّلت لديهم خبرات تُفيد إخوانهم من السوريّين في حربهم مع نظام يستخدم كلّ خبرات العالم للقضاء على ثورتهم.


ولكن!! لنا على وجود المجاهدين غير السوريّين ملاحظات أبرزها:


أولاً: النظام يستخدم كلّ وسيلة ممكنة في تجييش جنده والمقاتلين معه من الشبيحة وأذنابهم، ويخدع السذّج من أبناء أهل السنّة الموجودين معه في صفوف الجيش، بأنّهم يُقاتلون أجانب (مرتزقة) ولا يُقاتلون أبناء وطنهم ممّا يؤدّي إلى دفعن للقتال والقتل بوحشية وظلم منقطعي النظير

ثانيًا: يستغلّ النظام هذه الإشاعات أمام الدول الأخرى، ويستدلّ على ذلك بتوثيقاتنا والفيديوهات التي ننشرها على الانترنت

ثالثًا: تُستغلّ هذه الإشاعات من قبل بعض ضعاف النفوس في البلدان التي دخل منها مقاتلون إلى بلاد الشام، فيقولون إنّهم هم من سيحرّر بلاد الشام، وأنّ أهلها لم يقدروا على تحريرها، وهذا فيه اتّهام تاريخيّ، أو سيصير يومًا تاريخيًّا لأهل الشام بضعفهم عن انتزاع حرّيّتهم بأيديهم

رابعًا: أكثر المجاهدين الذين يأتون لدعم ثورة أهل الشام هم من المتشدّدين وجملة منهجهم بين السلفيّ الجهاديّ (غير العلميّ.. للأسف!) والتكفيريّ المحض، وكلاهما ينشران فكرًا غريبًا عن الشام وأهلها، ولا يشتغلون بالجهاد وحده، فعندهم من الجهاد (تصحيح!!) عقائد الناس، ولذلك فهم يعملون في ما يعدّونه دعوة في بلادنا، وهي نشرٌ لأفكار ستسبّب لنا قلقًا كبيرًا في مستقبل البلاد.

خامسًا: بلادنا تحتاج إلى السلاح والمال، وحين يكون فيها مجاهدون من جنسيّات أخرى فإنّ الدعم الذي يُجمع في بلادهم يذهب (غالبًا) إليهم، فما يُجمع من الكويت يذهب كثيرٌ منه للمجاهدين الكويتيّين -كما سمعنا- وما يُجمع من ليبيا يذهب كثير منه للمجاهدين الليبيّين - كما أعلم-، وهذا يؤثّر قطعًا على المجاهدين السوريّين فحاجتنا إلى المال لشراء السلاح لا يُغني عنها إرسال غيرهم للجهاد نيابة عنهم وتركهم دون مال.


ونظرًا لهذه (الملاحظات) أرى أنّ المفاسد المترتّبة على وجود هؤلاء المجاهدين (رغم إخلاصهم وحسن بلائهم) أكبر من المصالح المترتّبة على وجودهم.

ولتحصيل المنافع المترتّبة على وجودهم أقترح أن يتمّ ترتيب دورات لأهل الاختصاص منهم ولمن يمكن أن يكون له نفع خاصّ للجهاد والثورة ليعلّم غيره من المجاهدين من أهل الشام ما يعلَمُه ممّا ينفعهم في معركتهم مع عدوّ الأمّة والملّة طاغية الشام، ويكون بذلك قد أدّى دوره في الجهاد في بلاد الشام، ولا ريب أنّ الجهاد بالمال باب واسع لمن أحبّ أن يُجهّز الغزاة في بلاد الشام او يخلفهم في أهلهم بخير.

والله تعالى أعلم

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين