الخجول
خجول بطبعه، ضعيف الثقة بنفسه، إن تحدث ظن حديثه مملولا فيقتضبه، أو معروفاً فتحمر بالخجل وجنتاه، ويبتل بالعرق جبينه. . ويحاول التخلص من موضوعه فلا يعرف، فيتلعثم لسانه، ويموت على شفتيه كلامه.
إذا أراد شراء حاجة، كان كمن يحاول فعل شيء محرَّم، فهو يخرج من شارع إلى شارع، ويمر من أمام حانوت إِلى أمام حانوت، دون أن يجرؤ على دخول واحد منها!! ولا يزال كذلك حتى تكل رجلاه، فينكفئ راجعاً إلى بيته؛ فإذا كانت الحاجة شديدة، نسي خجله لحين، ثم استجمع ما استطاع من الشجاعة، ودخل رابع حانوت يقابله. فيطلب ما يشاء في صوت المسترحم، فإذا ما أحضر إليه، لم يفكر في جودة الصنف ولا في غلاء الثمن. . بل يؤدي الثمن فوراً. . ويغادر المحل منتصرا. .!!
إذا قابل صديقاً انضمت يمناه إلى يسراه وأخذتا تتحاكَّان! فإذا كانت إحداهما مشغولة، ارتفعت الثانية إلى ذقنه. . أو إلى طربوشه. . أو إلى أذنه. . . .
والسلام! أمر ما أشقه! فهو يبدأه والصديق على مسافة طويلة، ثم يحيي بصوت خافت لا يكاد هو يسمعه.
هذا إذا كان الصديق بازائه، ولا مفر له من لقائه، أما إذا استطاع أن يهرب فهو يوفر على نفسه كل هذا العناء في خفة يحسده عليها اللص!
إذا دعوته إليك، اعتذر وبالغ في الاعتذار، فإذا ألححت في الدعوة، دفعه خجله إلى الإجابة، وكم تكون تضحيته عظيمة في هذه الحالة! فهو يتحمل ساعة ما أشقها على نفسه! كلها عمل وإجهاد فكر. . . لا يكاد يدخل الحجرة حتى يصطدم بأول كرسي يقابله، فإذا ما حاول إعادته إلى وضعه الأول اصطدمت يده بالمنضدة. . . .
إذا قدمت إليه القهوة اعتذر عن شربها. . ولكنه يتناول الفنجان عندما يقدمه إليه صديق، ولا يكاد يمسكه حتى تقوم في الفنجان عاصفة تدفع بالقهوة يمينا وشمالا، ولا مفر لها من هذا الاضطراب، ما دام هو بعينه حال يده. .!!
إذا طلب إليه صديق أن يقرضه مبلغا من المال، امتدت يده إلى جيبه فأخرج المطلوب دون وعي ولا تفكير!!
وقد يحتاج هذا المال بعد أيام، وتضطره الحاجة إلى الذهاب إلى صديقه، فإذا ما بلغ البيت نسي سبب المجيء، وكاد يعود أدراجه. . . ولكن الحاجة تلح عليه. . فتدفعه إلى داخل المنزل. . فإذا ما قابل الصديق نسي كل شيء. . .!!
وهو شاب مثقف، له غرام بالأدب الحديث، وله آراء سديدة فيه، ولكنه عندما يعارَض، ينسى آراءه ويعتقد أنها خاطئة، وإن كان لا يعرف وجه الخطأ فيها. . .!!
قدِّر لي أن أسمع حديث حبه وغرامه. .، وقد كان هذا منه غريبا، ولكن أغرب منه غرامه، فقد رأى حبيبته مارة أمام بيته في خفة الغزال، وجمال الزهرة، فأعجب بها، ووقع في شراك حبها. .، وكان يظفر منها كل يوم بنظرة في هذا المكان وفي هذا الوقت. . أما اسمها ومنزلها وأسرتها فذلك أبعد شيء يفكر فيه. . .
أليس الخجل كالتردد (مرضا من الأمراض يصيب المرء في حياته العملية فيغل يده ويشل عقله) ويجعل الحياة في نظره عبثا لا يحتمل، ولغزا لا يحل؟
سليمان محمود جاد – مجلة الرسالة – العدد السادس بتاريخ 1/4/1933