فعل العلاقات الدولية تأرجح السنوات الفائتة بين مصلحة أمريكية تخللتها مصالح أوروبية و إسرائيلية حاولت أن تعاكس تعاون جنوب – جنوب، إذ على مستوى الشرق الأوسط تمت إقالة حكومة إسماعيل هنية المنتخبة نتيجة ضغوط دولية، و قد استقبل رئيسها من قبل في دمشق و موسكو و طهران، فحزب الله و حركة حماس يشكلان معارضة قوية لإسرائيل مما يفسر الضغط على مشروع إيران النووي، حيث قنوات الاتصال مفتوحة بين حزب الله و حماس و إيران. إلى ذلك، أوروبا بدورها مرتبكة من ملف إيران النووي و هو ما تأتى بدءا من خلال لقاءات سولانا و لاريجاني بعد تهديد إيران بإلغاء إسرائيل من خريطة الشرق الأوسط، فمشروع إيران النووي إن اكتمل يهدد إسرائيل، و دولا محيطة بها حيث يبرز قلق سعودي. السعودية التي تلعب دورا إقليميا تلوح بخطورة المثلث الشيعي، و هذا ما يفسر اتهام الرياض لطهران بالتورط في أحداث العراق، غياب الاستقرار في العراق أحال على تخبط أمريكي بالمنطقة تبرره الدعوة لشرق أوسط جديد، و عودة القضية الفلسطينية لنقطة بدئه الصراع الإسرائيلي – العربي.

و كانت إدارة بوش قد روجت لمشروع الشرق الأوسط الجديد، و المرفوض من أغلب الدول الإقليمية إلى أن جاء بديله مؤتمر أنابولس الذي ذهب إليه الفلسطينيون عبر تنازلات مما زاد من الشرخ الفلسطيني – الفلسطيني، و أفقد محمود عباس بعضا من أوراقه كرئيس، حيث برر خالد مشعل ذلك على أنه مضيعة للوقت في حين إسرائيل فعلا تريد ربح الوقت كما هو شأن الحكومات الإسرائيلية حتى إنهاء فترتها، فإسرائيل لا تملك رغبة في السلام، و هذه هي إستراتيجيتها، و الناخب الإسرائيلي يختار رجال هذه الإستراتيجية في وقتهم، و هذا هو سبب الخروج عن اتفاق أوسلو، مما يجعل خط المقاومة في تصاعد مستمر. لذلك يمكن تبين أن دخول إسرائيل في حرب جديدة ستكون فاشلة لأن نتائج الحرب في جنوب لبنان (تقنيا) و في غزة (إعلاميا) تبرهن على ذلك، و هذا ما يجعل ترددا إسرائيليا و أمريكيا في حرب ضد إيران قائما، يوضح ذلك أن أمريكا استوعبت صعوبة القتال في أفغانستان و العراق، الشيء الذي يجعل دخولها عسكريا بالمشاة لإيران مستعصيا عسكريا. فأوباما يريد لأمريكا أن تجنح للسلم، لكن أمريكا لقيت صعوبات بالعراق و أرادت مخرجا لذلك، مع تصعيد أعمال العنف و هو ما يدعو إليه قياديو حزب البعث العراقي المنحل.

انتقال الوضع لشعوب المغرب العربي المرتبطة بالقضية الفلسطينية يجعلها في صلب الأحداث، فهجمات بالجزائر ارتكزت على هذه القضية، و تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، و أنشطته في الصحراء تهدد عمق جنوب أوروبا، و هو ما حاول ساركوزي احتواءه من خلال مشروعه المتوسطي.

فبالعودة إلى ما بعد 11 أيلول (سبتمبر) صارت العلاقات الدولية بين أمريكا، و العرب في منحى تصاعد الحرب المفتوحة لكن على ماذا؟

إنها على الإرهاب، لكن حسب المفهوم الأمريكي، في الآن ذاته حقق البرلمان الأوروبي في سجون أمريكية سرية، بينما تتخبط أمريكا في ملفها الجديد إيران، إذ هذه الأخيرة باتت تخصب اليورانيوم على المستوى الصناعي و في مرحلة متقدمة.

شراكة أمريكا، و إسرائيل ضد إيران تشكك في صدق نوايا نتنياهو بخصوص مستقبل الجولان، و الوسيط التركي منقسم على نفسه بين جناح سياسي إسلامي يمثله الحزب الحاكم و جناح عسكري علماني يولي اهتماما غير مسبوق لتجديد مكاتبه الاستخبارية بشمال العراق دون أن يوجه أكراد تركيا لمعارضته، و هو بذلك منشغل بعزل الإثنية الكردية المركبة، و هو ما تكشفه الطلعات الاستطلاعية لسلاح الجو التركي فوق سماء شمال العراق.

سياسيا دخلت العلاقات الدولية على صراعات جديدة لقطع الطريق عن المبادرات العربية. هذا، و يرفض نواب الكنيست تقسيم القدس إلى شطرين، مما يجعل الصراع مفتوحا إلى ما لا نهاية. فدول إقليمية كمصر و قطر و إيران تناور أمام لاعبين دوليين في المنطقة، في المقابل إسرائيل تستغل ثغرات هذه المناورات لتعمل على خلط الأوراق و ترتيبها حسب الأولويات. في السياق ذاته، فإن تل أبيب راقبت الشأن اللبناني عن كثب من خلال متابعة تفاصيل اعتذار سعد الحريري للرئيس اللبناني و ظهور حدث إطلاق صواريخ كان على وشك تأزيم الوضع بين قوى 14 آذار و حزب الله، مما جعل ميشال سليمان يقر تسمية الحريري لتشكيل الحكومة اللبنانية السابقة. عواصم مهمة كموسكو و باريس و برلين و لندن و بكين و طوكيو و مدريد صامتة إزاء ما يجري في الشرق الأوسط، فهل يعني هذا نهاية سياسات دولية مقابل صعود سياسات قوى أخرى جديدة؟؟

لذلك إن تفكيكا لشفرات بعض السياسات الدولية و حساباتها بطريقة موضوعية، و ربطها بمواجهة بعض الدول لأمريكا و الغرب بشكل خاص، يبرز فهم أي تحليل حقيقي يندرج في إطار دفاع قوميات عن وحدتها، و ذلك عبر طرح سؤال ماذا ترفض؟ ماذا تقاطع؟ ماذا تقاوم؟ هنا أو هناك أسلوب ما، غطرسة ما، أنظمة ما، إلا أن إيجاد أجوبة مركزة لكل هذه الأسئلة يقتضي بحثا معمقا في أهم مراحل و حقب التاريخ الحديث على أقل تقدير، إذ أن واقع المسألة الكولونيالية و ربطها بسياسة الدول الإمبريالية، و رهانها على تبعية المستعمرات لها يجعل شعوب تلك الأراضي المحتلة تراهن أكثر على الاستقلال التام، و عدم متابعة سياسة هادئة في التحرر نظرا لخصوصيات محيطها العرقي، و توجهه الديني، و استراتيجيات رموزها، فلا شك إذن أن أي إستراتيجية كيفما كانت ترتبط ارتباطا وثيقا بتطور الحقبة التي هيئتها و تبلورت فيها، لذلك فإن تأمل الأحداث الكبرى، و خلفيات وقوعها في مناطق عدة من العالم يبرر تطور الإستراتيجيات العامة لتلك الدول، إذن لنلاحظ تأثير حقبة في أخرى، حيث يتخلل ذلك حدوث نزاعات و حروب بكثافة غير محدودة، فبالنسبة لأمريكا و روسيا و فرنسا و إنكلترا و الصين تواءمت إستراتيجيتهم مع مقررات نتائج الحرب العالمية الثانية، و إذا كانت الأحداث اللاحقة قد ساهمت في تصفية الاستعمار، إلا أن تحرك بعض العواصم بنظام ما يعرف في العلوم السياسية بتغيير المواقع يفسر بقاء مناطق لا يخضع وضعها للقوانين التي تقوم عليها مواثيق الأمم المتحدة و المتعلقة بتصفية الاستعمار، موازاة مع ذلك تم إدراج سبتة و مليلية و الجزر الجعفرية ضمن خريطة الاتحاد الأوروبي، رغم أنها أراض مغربية، كورقة في الظل للحفاظ على مواقع متقدمة على التراب الإفريقي، رغم أن إيطاليا اعتذرت لليبيا، بيد أن فرنسا امتنعت عن ذلك مع الجزائر، و مدريد و الرباط دخلا في خط المواجهة على خلفية جزيرة ليلى / تورة و التي وصفتها الخارجية الأمريكية بالصخرة التافهة، بينما يوضح حدث 11 آذار (مارس) أن للمسلمين المغاربة رأيا آخر، إلى ذلك، إن غياب التوازن أو وجوده في مناطق عدة، تحكمت فيه عدة عناصر أبرزها قيام الدولة العبرية سنة 1948 م، ثم وصول جمال عبد الناصر للسلطة سنة 1954 م، إذ في هذا التاريخ سيجد الاتحاد السوفييتي موقعا بالمنطقة، بعد أن استغل الرئيس السوفييتي خرتشوف تردد الأنكلوسكسونيين في الشرق الأوسط، لقد انتهزت موسكو امتناع الغرب عن بيع أسلحة لمصر، و أثير المشكل من جديد عندما رفض البنك الدولي تمويل عملية سد أسوان حيث دفع ذلك بعبد الناصر إلى تأميم لشركة قناة السويس يوم 20 تموز (يوليو) 1956 م. موازاة مع ذلك، حصلت تطورات نوعية في منطقة الشرق الأوسط مما خلخل إعادة هيكلة التنافس الدولي... إلى ذلك، إن حرب 67 و انهيار منظمة عدم الانحياز مرورا إلى تفكيك يوغوسلافيا و ظهور تنظيم القاعدة يوضح جديد السياسة الدولية كإستراتيجية أكثر تعقيدا.

من جانب آخر، اتضحت الأولويات الاقتصادية في خطوط متقاطعة مع بعض السياسات الدولية، ليتضح أن التوجه نحو اقتصاد جيد يفترض بحثا عن أسواق جديدة، و هو في الواقع الموضوعي هدف استخباري جديد تتزعمه اليابان و الصين، إذ أنه في ظل الوضع الحالي للاقتصاد العالمي بسبب النزاعات التي تفرض حدودا نفسية بين الأسواق، و تجعل الاقتصاد أقل اتساعا و أقل انحسارا، خاصة بالنسبة للاقتصاديات النامية، مما يدفع بالمستثمرين الرئيسيين في العالم بعدم توسيع استثماراتهم. ففي أفق أمركة العولمة يظل وضع الولايات المتحدة المالي، في خضم نتائج الحرب في أفغانستان و العراق و الأزمة الاقتصادية المرتبطة بأزمة الرهن العقاري، يؤثر في اقتصاديات دول مرتبطة بسلة عملات على رأسها الدولار، مما يكرس أحادية قطبية ذات جدلية تنفرد بها أمريكا، لذلك فإن أي إمبراطورية مصدر قوتها اقتصادها يجعلها مهددة بالانهيار، و ذلك يكون بسبب صعود اقتصادات أخرى تتنافس بشراسة، إن هذه القراءة تأخذ بعين الاعتبار نمو التنين الصيني في أفق العشرين سنة القادمة، إذ أن سياسة "كلينتون" التي انطلقت من ورقة جمعت تصور مختلف المتدخلين الأمريكيين من البنتاغون و استخباراته و باقي الأجهزة و الحزب الديموقراطي كشفت ترتيب اللعبة الدبلوماسية يعمل على تقدير جديد للسياسة الدولية و الاقتصادية، مما يخلخل إعادة التنافس و هو هدف أمريكي – روسي / صيني، و يوضح ارتباط السياسي بالاقتصادي، و يجعل إدارة النزاعات مستعصية، لهذا نجد أن كوريا الشمالية تمرر التقنية النووية لإيران و واشنطن تبدي عجزا، و بسبب التهديد الذي يطال ممر مضيق هرمز و نشر الدرع الصاروخي في أوروبا جعل روسيا تقترب إلى كراكاس في وضع قد يعيد أزمة صواريخ كوبا سابقا، إلى ذلك، فالحرب الباردة لم تغادر أوروبا، و هو ما يفسر عدم الاتفاق على دستور موحد لعموم أوروبا، إذ أن الاتحاد الأوروبي قد ضم إليه دولا من المعسكر الشرقي، و هيكلة التنافس الدولي في إفريقيا على ملفات أبرز عناوينها الصحراء الغربية و أزمة دارفور هو هدف أمريكي – روسي - فرنسي، خلخل أوراقا دولية كانت مرتبة وفق إملاءات إدارة البيت الأبيض، أوروبا بدورها أبدت اهتماما في قمة غرناطة و مع تكتل أعضاء 5 + 5 عملت على توسيع مجال عملها عبر إطلاق تعاون اقتصادي بنيوي و متعدد المجالات، و بات من السياسة الجديدة أن ترفع كل دولة سقف اقتصادها، و تلك بداية لسياسة يتحكم فيها الاقتصاد يجب الانتباه إليها.

فهل تستطيع الدول الصغرى و التنظيمات السرية ممارسة سياسات الدول العظمى في لحظة تردد دولي؟ ربما لكن بصعوبة كبيرة و مخاطر أكبر، لذلك إن تصعيد إيران للمواجهة بتفتيش السفن الغربية بممر مضيق هرمز، هو تصعيد قد يمتد من الخليج إلى بحر العرب، حيث يبرز قلق مصري، و يكشف الرد الفارسي على العقوبات الدولية أن إحالة ملفها النووي إلى مجلس الأمن زاد من هذه العقوبات، و لكنه تشخيص أكثر إلحاحا من تقدير إدارة واشنطن للموقف.

و يشير إلى تذبذب في علاقة موسكو بطهران، و من جهة أخرى، فإن سعي تنظيم القاعدة في الحصول على قنابل من مواد مشعة هو التحدي الذي دفع واشنطن و باريس إلى دفع جزائر بوتفليقة إلى فتح حدودها على المراقبة و التعاون معهما بشأن ما يسمى ضرب قواعد الإرهاب، الذي يهدد أيضا إسلام أباد، إذا تم نقل التقنية النووية الجاهزة إلى طالبان البشتون و هو ما أثارته ثلاثة تقارير استخبارية متطابقة من دول مختلفة، و عليه عجل ساركوزي بمشروعه المتوسطي، كدعم متقدم لتعاون دول 5 + 5 و مبادرة إيزنشتات، ليضمن عدم تأثر دول جنوب أوروبا بالاضطرابات الاجتماعية لشمال إفريقيا، حيث اتجهت بعض الأولويات إلى منطقة الصحراء الكبرى للسيطرة على ممرات التهريب عبر الرمال، لغرض تشكيل الأحلاف العسكرية و المناورات، و تلك رغبة فرنسا في الشمال الإفريقي، وقد برز هذا المعطى بعد إلغاء نتائج جبهة الإنقاذ في الانتخابات الجزائرية، و في موضوع ذي صلة، و على مستوى الشرق الأوسط، دخلت المنطقة في ترتيبات جديدة تخص العلاقات الإقليمية، إذ أن الحديث عن نقل المحادثات الفلسطينية / الإسرائيلية غير مباشرة إلى أنقرة يفسر التقارب الإيراني – التركي على خلفية ما جرى لأسطول الحرية، لذلك إن العلاقة بين حزب الله و إيران و حماس في ظل مرحلة تركيا أردوغان قد أصبحت أكثر إرباكا لإسرائيل، إذ أن التعاون الاستخباري بين واشنطن و تل أبيب يدفع إلى اجترار الموقفين إلى نقطة الحسم من منشآت إيران النووية، لأن زيارة أفيدور ليبرمان إلى أذريبجان تمهد لخيار ضرب المكنون الرئيسي لحلقات الإنتاج في مفاعلات إيران، و ذلك لوقف عملية الإنتاج برمتها، و رغم التكهنات واسعة النطاق التي تدور حول شن عمل عسكري، فإن المخاوف تطال المنطقة، غير أن إستراتيجية البيت الأبيض التي تعتبر أن تسوية ملفات عالقة يجب أن تدخل واشنطن في عملية التقاطب، هو ما يفسر استقبال أوباما لدالاي لما، و زيارة بوتين لفنزويلا ليوضح الواقع الجديد في ترتيبات العلاقات الدولية، أن أجندة المناورات و العمليات ستكون من مبادرة الدول المعروفة اختصارا ب Bric، و هو تحالف البرازيل و روسيا و الهند و الصين ليتبن أن الوصول للمعلومة يكرس تعاونا يبرر الأهداف و يعزز مواقع التقاطب، يحاول العرب من خلاله التأثير في إستراتيجيات من خلال مبادرات لأن مجموعة من الترتيبات تتطلب رؤية جديدة قد لا تستقر على تحالفات، و التي تتغير وفق التطورات بما يخدم أهدافا مرحلية، ليتبين أن السياسة في علومها رهينة الظروف.

لذلك، إن تعثر المصالحة بين فتح و حماس في فترة سابقة، و تأجيل التوقيع على الورقة المصرية للمصالحة خدم أجندة تل أبيب، و زاد من الانقسام الفلسطيني / الفلسطيني. و ذلك بسبب تقاسم النفوذ بين القوى الإقليمية في المنطقة، التي تعمل على خلخلة المبادرة العربية للسلام. بالإضافة إلى أن إلغاء اتفاق مكة و تفاهمات أخرى أشار إلى تخبط إقليمي عربي، غير أن إسرائيل كذلك من الداخل، و بسبب هجومها على سفينة مرمرة، فالقانون الدولي يدين حكومة نتنياهو، غير أن المساءلة القانونية طالت مقاتلي الوحدة البحرية 13 و هو ما أثار حفيظة غابي أشكنازي اتجاه الحكومة، ليتبلور خلاف بين الجيش و الحكومة يدعم جانبه العسكري ليبرمان، ليتضح أن إدانة إجراءات حكومة نتنياهو فيما يتعلق بالكشف الإماراتي لعملية اغتيال المبحوح، و الهجوم على أسطول الحرية يضعها في مواجهة القانون الدولي و خلاف داخلي، و لكن ظهور مبادرات عربية يكرس جهودا مبذولة للنهوض بتجديد مفاوضات تخص الوضع الدائم بين فلسطين و إسرائيل. و في موضوع ذي صلة، راهن نتنياهو على نقل المفاوضات من غير المباشرة إلى المباشرة لتعميق الخلاف بين سلطة رام الله و حماس، غير أن باراك أوباما يثمن على نتنياهو موقف حكومته من السلام على الرغم من عدم إحراز تقدم، و ذلك بمناسبة انتخابات تجديد النصف بالكونغرس، ليضمن الحزب الديموقراطي الأصوات اليهودية، و هو هامش للمناورة في السياسة الخارجية الأمريكية، غير أن نتنياهو يريد ربح الوقت حتى إنهاء فترة ولايته الحكومية عبر المماطلة في التفاوض من دون إجراء أي تعديل حكومي لصالح حزبي "العمل" أو "كاديما" المعارض، فالحكومة الإسرائيلية لعبتها المفضلة إيجاد مواقع للمناورة من خلال القاهرة و واشنطن، فهي تعمل على نفس الخطوط المتقاطعة مع المبادرات العربية، و أمريكا لم تر مخرجا للتفاوض غير ميتشل، للتخلص من عبء المفاوضات غير المباشرة ، لتحقيق تقدم على مستوى ملفي الأمن و الحدود، لكن صائب عريقات نفى حصول هكذا تقدم ما دامت تكلفة الصراع أقل من تكلفة السلام، و هو ما تؤكده حماس و الفصائل من حولها، في المقابل، حكومة نتنياهو تنتظر من واشنطن لعب دور قديم – جديد كدأب الإدارات الأمريكية السابقة. هذا، و تسلط الأضواء على لبنان لتبرير القرار الظني ضد عناصر من حزب الله فيما يعرف بمحكمة الحريري، في محاولة جادة لقلب الطاولة على الحقيقة، إذ أشارت تحقيقات سابقة إلى تورط جناح سوريا داخل الاستخبارات اللبنانية في عملية الاغتيال تلك.

لذلك إن تقاطع سياسة البيت الأبيض و ملفات دولية عالقة يجعل أجندتها الخارجية و المتعلقة ببؤر التوتر في العالم، تتصف بأنها ذات سياسة غامضة تتخبط بين الشراكة و التباعد، فثمة تقارب على خلفية ملاقاة شركاء مخلصين في الصراع ضد ما يسمى الإرهاب العالمي، عقب أحداث 11 أيلول / سبتمبر، و بدأت الحرب على الإرهاب لتتفرع عنها ملفات جديدة:

أ‌- الحرب على أفغانستان:

إن سياسة ما يسمى مكافحة الإرهاب في أفغانستان تحت إشراف الناتو أبانت عن عجز دولي في مواجهة طالبان، ففي أخر التطورات اجتمع وزراء خارجية حلف الناتو في سلوفينيا للتباحث حول الانسحاب من أفغانستان سنة 2015، و تمخض عن هذا الاجتماع ضرورة نقل مسؤوليات الأمن و السيطرة على الحدود إلى القوات الأفغانية، مما جعل كرزاي يستجدي طالبان للحوار. هذا، و قد تأكد في اجتماع تالين بسلوفينيا عدم وجود إستراتيجية واضحة بين حلف الناتو و الولايات المتحدة حول مستقبل كابول، فبروز الدور الإقليمي لاستخبارات باكستان بسبب دعمها لطالبان المكونة من عرقية الباشتون و الطاجيك، يؤكد تورط إسلام أباد في تفجيرات بومباي، و يجعل منطقة جنوب آسيا بؤرة للتوتر بسبب الخلاف بين الهند و باكستان بخصوص كشمير.

ب‌- الحرب على العراق:

إن الخروج الأمريكي من العراق بعد حرب الثماني سنوات، التي خلفت دمارا شاملا بالشعب العراقي و شتت وحدته الوطنية على خلفية الطائفية، يبرر عدم الوصول لاتفاق يخص تشكيل الحكومة العراقية إلا بعد مرور ثمانية أشهر من تاريخ إجراء الاقتراع، مما يجعل أعمال العنف في تصاعد مستمر.

من جهة أخرى، فإن سياسة البنتاغون المتعلقة بأمريكا اللاتينية تسعى لإيجاد ثقل يوازي نفوذ الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز في المنطقة، و هي فرصة استغلها البيت الأبيض لجلب انتباه وسائل الإعلام نحو الصعوبات المتعلقة بالملف الإيراني، غير أن أوروبا تدخل على الخط من خلال كاثرين آشتون لتضم صوتها لأمريكا في ملفات عدة، و هو ما يبرر به تنظيم القاعدة هجوماته على أوروبا، فضغط الإتحاد الأوروبي على إيران بفرض عقوبات جديدة من طرف مجلس الأمن الذي طلب في وقت سابق من القذافي تعديل بعض اختصاصاته عقب الأزمة السويسرية – الليبية. سيأتي بعد فرض منع البرقع في فرنسا ليبرر الهجوم على المسلمين و العرب، غير أن برلين أكدت على لسان أحد مسؤوليها أن القوانين الأوروبية لحظر البرقع غير ملزمة لها. من جانب آخر، ترصد إدارة موسكو أن واشنطن و منذ فترة بعيدة تسعى لإضعاف النفوذ الروسي في جمهوريات القوقاز، و ينظر الغرب لهذا على أنه خطوة مهمة على سبيل تصفية احتكار روسيا صادرات النفط و الغاز إلى أوروبا، مما يؤكد تدخل أوروبا و أمريكا في نفوذ غير مجالي لهما.

و في موضوع غير ذي صلة، و على صعيد إفريقيا برزت مشكلة دارفور بين الخرطوم و واشنطن بسبب تقارير منظمات الإغاثة الدولية في دارفور إلى محكمة الجنايات الدولية التي أصدرت مذكرة اعتقال باسم الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة الإبادة الجماعية، و هي تهمة جاءت في الواقع بناء على مناهضة البشير للسامية. إلى ذلك، فإن الاستفتاء في جنوب السودان الذي أدى إلى انفصاله يؤكد تطور الأزمة حول منطقة أبيي، و يفسر طبيعة الأدوار، و حدود التأثير بما يثبت جدلية الهوية و الجغرافيا، و يبرر عدم جدوى الجامعة العربية و يعزز رغبة فرنسا في إفريقيا، و يشير إلى مركزية القضية الفلسطينية، و هي أولوية لكل العرب يقودها محور القاهرة و الدوحة.

من جهة أخرى، إن بروز الاستقطاب الفرنسي الأمريكي في ملف الصحراء الغربية كبؤرة للتوتر، و تبني روسيا للأطروحة الجزائرية داخل مجلس الأمن، و سعي الولايات المتحدة و الصين لفتح البوابة العسكرية الجزائرية باعتبارها سوقا للسلاح بامتياز، عبر طرح عدة مشاريع لإدماج منطقة الصحراء الكبرى و الساحل ضمن خطط التحكم السياسي و الهيمنة الاقتصادية و الضبط العسكري يحول دون قيام مغرب عربي موحد، و تغييره حسب اختراق الإليزيه بالإتحاد من أجل المتوسط، فدخول موريطانيا في مشروع أمريكي للشراكة مع إفريقيا خارج المشروع الأمريكي المسمى بمبادرة ازنشتات للشراكة المغربية الأمريكية مع أن مشروع الناتو لم يستثن موريطانيا، اتضح أنه ينطوي على خلفيات تتعلق بمواجهة خلايا افتراضية لتنظيم القاعدة تستهدف جنوب أوروبا، فانتقال حرب القاعدة المفتوحة على عدة جبهات و تنشيطها للمواجهة في جنوب اليمن في وقت سابق يؤكد أن استهداف السفير البريطاني في صنعاء جاء ليبرر هدف اليمن من مواجهة ناشطي الحراك الجنوبي و جماعة الحوثيين المطالبين بتحسين الأوضاع الاجتماعية نتيجة لتضخم الفساد المالي هناك. إلى ذلك، فإن توالي الأحداث العربية ذات الطابع الاجتماعي انعكست على أداء الجامعة العربية، و تراجع الدور الإقليمي للقاهرة بعد توقيع السادات على كامب ديفيد أثر في إستراتيجية الملف الفلسطيني بما فيه قيام دولة فلسطينية مستقلة، و يحيل على تخبط عربي.

في السياق ذاته، إن تقويض الغرب للمبادرات العربية من خلال ملفات أبرز عناوينها: فلسطين، الجولان السوري، مزارع شبعا، السودان، و الصحراء الغربية، في غياب مشروع عربي للوحدة يحيل على أزمة عربية و خلاف عربي / أمريكي. موازاة مع ذلك، يتضح أن علاقة الإستراتيجيات بهذه الملفات وطيدة مع وقائعه و تطوراته، فالتفكير الإستراتيجي خلال مرحلة السبعينات أثر بشكل مباشر على التطورات الأمنية بعد الثمانينات و التسعينات، لنلاحظ حدث طرد الخبراء الروس من مصر، و تعويضهم بخبراء ألمان، و نتذكر كيف أن حرب يونيو 67 أدت إلى حرب أكتوبر 73، مما يشير إلى كتلة الأحداث التي انطوت عليها حرب الخليج، و بالتالي فإن الطابع العام و المحدد لما حدث يوم 11 سبتمبر و 11 مارس و 7 يونيو، و باعتبار تنفيذ هذه الأحداث من مقاتلين ذوي جنسيات عربية. يؤكد ذلك اختراقا غير مسبوق لكل من استخبارات Mi5 و Ccd و Cia، لكن استخبارات البنتاغون Diaba بتنسيق مع الموساد أعدت ورقة مفصلة تشير إلى علم استخبارات أخرى بالعمليات و تحضيرها، مما يعني أن اللاتقاطع في الإستراتيجيات الدولية يوضح ضرورة قيام دولة فلسطينية وفق بنود المبادرة العربية للسلام، لأن الاستقطاب الدولي و ما ينطوي عليه من انقسامات و تغذيته للتوتر إعلاميا تارة و عسكريا تارة أخرى، يؤكد مفهوم اللاسلم في العالم و يشير إلى مؤديات التعنت الإسرائيلي في ما يتعلق بقيام الدولة الفلسطينية.

إلى ذلك، إن تردي الأوضاع الاقتصادية لدى الشعوب العربية نتيجة الفساد السائد في عموم الوطن العربي جراء سيطرة النخب الحاكمة على المال العام في هذه البلاد يبرر تنامي الحركات الاحتجاجية السائدة هنا و هناك، لذلك فإن صعود قوى الشارع العربي مقابل تهاو للأنظمة العربية خلخل أوراقا دولية، فدخول باريس على خط الثوار في ليبيا كحركة تصحيحية لخطأ الخارجية الفرنسية بدعم "بن علي" في بداية ثورة الياسمين، و هو ما ترتب عنه استقالة الوزيرة الفرنسية، و يشير أيضا لامتناع ألمانيا عن التصويت لفرض حضر جوي على طرابلس رغم الخلافات التاريخية بينها و بين روسيا الداعمة لموقف بكين، لذلك فإن غموض سياسة برلين عند امتناعها عن التصويت لفرض حظر جوي على ليبيا، يفسر خلخلة لقواعد الاستقطاب الدولي، الشيء الذي فرض على المجلس العسكري المصري تأكيد أوراق القاهرة، و هو ما أدى به إلى الالتزام بمعاهدة كامب ديفيد، و ذلك لعدم حفظ التغييرات، لأن مصر بعد الثورة موجهة نحو أفق سياسي جديد تفرضه هيئة شباب الثورة. إلى ذلك، فإن إسرائيل مرتبكة من الوضع في مصر و تحول أضلاع المثلث الشيعي إلى مربع بعد احتجاجات البحرين، مما يفسر دعم الرياض و المجلس الخليجي للمنامة، و انتقال الصراع السني / الشيعي إلى مرحلة متقدمة في لبنان، الملاحظ أن طهران متحفظة، و واشنطن تراقب الوضع من دون تدخل مباشر مع إبدائها الشجب أو الإشادة، و هو ما حصل بعد خطاب العاهل المغربي يوم 9 آذار / مارس.

غير أن مقاربة النظام السعودي للأوضاع الاجتماعية للسعوديين انطلاقا من الورقة التونسية و المصرية اتضح أنها تمثل الاستثناء العربي في تمثل انتظارات مواطنيها. من جهة أخرى، فإن الوضع العام في ليبيا بين الثوار و كتائب القذافي يشير إلى قراءة جديدة تتشكل في العلاقات الدولية، فالغرب كان متذبذب في حسم الصراع، و هذا التردد يؤكد وجود اختلافات دولية، و هو ما يفسر التناقض بين باريس و برلين و أنقرة كأعضاء داخل حلف الناتو، غير أن كاثرين آشتون ألحت على ضرورة رحيل القذافي، و سياسة أوروبا واضحة في دعمها لقرارات البيت الأبيض، إلى ذلك، أنقرة موقفها ملتبس، و برلين سياستها متناقضة، يؤكد ذلك أن الاستقطاب الدولي في طريقه نحو أحلاف جديدة يفرضه الحراك العربي و مصالح اقتصادية متشعبة، مما يفسر عدم احتواء الوضع العام في هذه المنطقة، إلى ذلك، إن قرار برلين و موسكو و بكين في الامتناع عن فرض حظر جوي على ليبيا رغم اتهام ألمانيا لنظام القذافي بتفجير ملهى في برلين، و ظهور خريطة سياسية جديدة في الوطن العربي يؤكد قطعا أن ارتباكا دوليا قائما و ترتيبات جديدة في العلاقات الدولية تلوح في الأفق. من جانب ذي صلة، إن تل أبيب تراقب الوضع في لبنان مع تركيزها على حزب الله و ترقبها لانتخابات جديدة في مصر يمكن أن تكون ديموقراطية حسب الالتزام الذي أبداه المجلس العسكري المصري، و الإخوان المسلمون قد يؤثرون في السياسة العامة المصرية من خلال مجلس الشعب، غير أن الوضع العربي العام يفرض على العواصم العربية اهتماما غير مسبوق بالشؤون الداخلية، فهل تشهد السنوات القادمة سياسة دولية بدون لاعبين عرب؟ و عودة العلاقات الدولية إلى مربع الكبار.

ليتبين أن المبادرات العربية، و ارتباطها العضوي بتقاطعات السياسة الدولية في ظل هشاشة الأنظمة العربية أو لافتقادها الشرعية الشعبية، لا يمكن أن تلغي أهمية الدور الإقليمي و الدولي الحيوي للدولة القطرية.

فالدوحة أمام تراجع دور القاهرة أثناء الحرب على غزة رفعت من أسهمها في مستقبل المنطقة العربية ما دام سقف مبادرات العواصم العربية في زمن ثورات شعوبها لا يتجاوز درجة الصفر. لكن الغرب ماض في إستراتيجيته التي تضمن له تغيير المواقع مع الحفاظ على أولوياته في الاستقطاب، لذلك إن بروز دور قطر كمخاطب عربي وحيد يؤكد أن باقي الأنظمة العربية قد أصبحت متجاوزة، و الملاحظ أن الثورات العربية تغير العلاقة مع العالم، لذلك إن سقوط نظام دمشق سيعمل على عزل طهران و يزيد من التضييق على حكومة كراكاس، و قد يمتد هذا الإسقاط حتى حدود بيونغ بيونغ، فمنطق العلوم السياسية أمام تسارع الأحداث المفاجئة لا يقر بعلاقات دائمة و مستقرة. لذلك صوتت روسيا بامتناعها لفرض حضر جوي على نظام القذافي في محاولة للاحتفاظ بليبيا كحليف، و هو ما يفسر توجه المجلس الانتقالي الليبي نحو باريس و واشنطن. بينما أمريكا و أوروبا الموحدتين بمقررات حلف الناتو يناوران في هذه الملفات، و هو ما يترتب عنه التناغم بين تصريحات كلينتون و آشتون. غير أن إعلان رام الله قيام دولة فلسطينية من جانب أحادي قد يعيد الصراع العربي / الإسرائيلي إلى واجهة الأحداث، و ينعش الأدوار العربية المنخرطة في خطوط الممانعة، و هذا المنحى التصاعدي افتراضا سيعمل على توسيع نفوذ حلف Bric داخل مجلس الأمن.إذ أن الخيار الفلسطيني موضوع نقاش مطروح فوق مكاتب Diaba، فاستخبارات البنتاغون تبحث في الخيارات الناجعة من بينها الفيتو ألأمريكي، بينما سقوط نظام عبد الله صالح في اليمن و بشار الأسد في سوريا يجعل إدارة البيت الأبيض مهتمة بصعود أنظمة عربية جديدة و مدى إمكانية احتوائها، غير أن برلين و روسيا ينافسان في هكذا ملفات، و بكين تدخل على الخط، فحضورها قوي في الجزائر و السودان، مما يعمق حالة اللاستقرار في المنطقة العربية، و هو ما يفسر تعقيدات الانقسام الداخلي في لبنان بسبب تداعيات الاستقطاب الدولي للطبقة السياسية هناك.

الملاحظة المهمة أن المجلس العسكري المصري فتح قنوات اتصال مع إيران، و طهران تبدي استجابة. إلى ذلك، إن الوضع العربي العام يعرف جمودا سياسيا غير مسبوق، مما يجعل إدارة الموقف من مبادرات واشنطن و الإتحاد الأوروبي، و يشير إلى أزمات عربية / عربية، لذلك فإن ربط القضية الفلسطينية بالأمن القومي العربي يفرض إعادة النظر في البعد الإستراتيجي له و أبعاده العسكرية و الاقتصادية المرتبطة به بما يخدم مقاربة جيوسياسية في مستقبل المنطقة العربية.

غير أن أفعال النظام اليمني، و تمديده للأزمة ما بين مبادرات المجلس الخليجي و عدم التوقيع عليها، مرورا إلى إمكانية إنهائها بالزحف نحو القصور الرئاسية، و انتقال الحالة السورية إلى مرحلة متقدمة، يفسر ما جاء في خطاب أوباما حول الربيع العربي و مدى إمكانية توسيع آفاقه، و رغبة واشنطن في تصدير الحالة إلى حدود طهران، فهذه القراءة لم تأخذ بعين الاعتبار نمو الاحتجاجات و وصولها إلى إسبانيا.

إلى ذلك، إن دعوة المجلس الخليجي لعمان و الرباط للانضمام إلى النادي الملكي في هذه الظرفية جاء دون رغبة الرباط الملتزمة بخيار اتحاد المغرب العربي و توسيع شراكتها مع الاتحاد الأوروبي، غير أن أوروبا المثقلة بأزمتي اليونان و البرتغال و تقويضها طلب انضمام أنقرة إليها، تشير إلى أعراض الأزمة الاقتصادية العالمية و تنامي سياسة حلف Bric و إمكانياته العسكرية و مدى نفوذه داخل مجلس الأمن مما جعل الناتو يؤكد انحيازه للثوار في ليبيا بدعم من لندن و باريس، و دفعه بموسكو إلى التخلي عن القذافي قبيل صدور مذكرة أوكامبو، و قد تأكد ذلك بعد اجتماع دول الثماني في وقت لاحق، و هذا ما سيفرض على الوضع الدولي إعادة إنتاجه حربا باردة ستكون من مبادرات حلف Bric، غير أن الولايات المتحدة و الإتحاد الأوروبي يملكان خيارات الردع، و هو ما يفسر نشر الدرع الصاروخي في أوروبا و امتدادها لبعض جمهوريات القوقاز. إلى ذلك، إن صمت بكين يؤكد قوة واشنطن على المدى البعيد، و يحيل على محاولات حثيثة لإيجاد تغييرات في الاستقطاب الدولي،و هو ما يبرر رؤية باريس للصين كمنافس غير تقليدي لها في إفريقيا، و هذا الصراع سيتم بلورته في تطور النزاع حول أبيي في وضعية تشبه تدخل فرنسا في مناطق أخرى من إفريقيا، فحكومة جنوب السودان تريد الدفع بالخرطوم إلى حرب يدعم جانبها الجنوبي الغرب المسيحي.

من جانب ذي صلة، إن دخول إفريقيا على نزاعات جديدة هو ما يفسر مناورات باريس و واشنطن بمنطقة الصحراء الكبرى و الساحل، و ذلك بناء على تقارير استخباراتية تشير إلى تورط البوليساريو في أنشطة لتنظيم القاعدة بشمال إفريقيا و الصحراء عبر ممرات التهريب، و هو ما ينعكس على ملف الصحراء الغربية، و المفاوضات حولها، و يشير إلى ضعف سياسة الإتحاد الإفريقي، لذلك إن المجلس العسكري المصري يسعى لإيجاد دور جديد للقاهرة في هذه الملفات يوازي نفوذ الدوحة. لكن الرياض تناور ضد هذه السياسات بدعم عبد الله صالح و المنامة مما يجعلها عرضة للسخط الشعبي العربي، و يقوي المعارضة حولها، و يؤكد أن إدارة الموقف العربي ستكون من مبادرات الدوحة و القاهرة.

نزار القريشي