تؤكد الأبحاث والدراسات الإستراتيجية وبخاصة حول منطقة أفريقيا و الشرق الأوسط و القوقاز، على أنها أوراق مؤثرة في تطورات ومستقبل السياسة الدولية. إذ أن الوضع في منطقة الشمال الأفريقي،يثير تخوف وقلق الأجهزة العسكرية في الجنوب الأوروبي، آخر هذه التخوفات تضمنها تقرير من مكتب استخبارات أسبانيا بجزر لاس بلماس رفع إلى مدريد، يحذر من خطر المجموعات المسلحة بمنطقة الصحراء الكبرى والساحل، انطلاقا من صحراء موريتانيا و خط الصحراء الكبرى الممتد من الجزائر حتى ليبيا. مما يشير إلى كتلة هذا المثلث السني، وخطوط الإمداد القادمة من ليبيا حيث يتوفر المسلحين الإسلاميين هناك على أسلحة مهمة. التقرير يعكس طبيعة التخوف الأوروبي، من عدم ضبط الوضع و هو ما تؤكده الإدارة المركزية للأمن الخارجي الفرنسي في مذكرات سرية متبادلة مع استخبارات البنتاغون " دي أي بي".لذلك إن تأثر دول جنوب أوروبا بالاضطرابات الاجتماعية لشمال أفريقيا، يعكس اهتمام واضعي الاستراتيجيات في أوروبا بمنطقة العمق الأفريقي وحكوماتها غير المستقرة، انطلاقا من الصراع بين الخرطوم وجوبا مرورا إلى مالي و الصومال فأفريقيا الوسطى و الكونجو الديمقراطية وحركة بوكو حرام . إلى ذلك ، إن ربط التطورات في شمال أفريقيا، بمنطقة الشرق الأوسط بصفتها امتدادا طبيعيا للمتوسط، يبرز فحوى الاهتمام الدولي بالملف الفلسطيني و الصراع الإسرائيلي/ العربي.حيث يتأكد أنه لا حل للنزاع في المستقبل القريب ما لم يتم إقرار دولة فلسطينية ،و إلغاء سيطرة جهاز "آمان" الإسرائيلي على المعابر،وتقسيم القدس إلى شطرين تكون الشرقية منها عاصمة لفلسطين والغربية عاصمة لإسرائيل، مع حل للنزاعات المائية ،و إقرار حق المزارع الفلسطينية في حقها من مياه فلسطين التاريخية في حدود عام 67 .إلى ذلك، إن تقدم السلطة الفلسطينية بعد المصالحة بملف الدولة إلى الأم المتحدة ،يخدم المرحلة في صالح تقدم المفاوضات بين رام الله و تل أبيب،في أفق ما بعد مارس المقبل. غير أن دائرة الأمن الداخلي الإسرائيلي التي تعمل على هندسة و إخراج الحكومات الإسرائيلية ، قد تدفع في اتجاه عودة لإيهود أولمرت أو تصدم العالم العربي بتثبيت ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" على رأس الحكومة، أو تعيد نتانياهو من جديد بلائحة "الليكود بيتنا".فاحتمال بقاء زعيم الليكود على رأس الحكومة سيزيد من تجميد أفق عملية السلام، إذ سيواجه بضغط من حكومة أوباما إن ضمن ولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة،غير أن تعمد نتانياهو على أن تتزامن الإنتخابات في إسرائيل مع الانتخابات في أمريكا، يماهي إمكانية صعود رومني الذي يهدد بتأزيم العلاقة بين واشنطن و روسيا/الصين والدخول في مجازفة خطيرة مع إيران. غير أن تداخل القوى الإقليمية في الملف الفلسطيني ستعمل على دعم أوراق المرحلة بعد نتائج الإنتخابات في واشنطن و تل أبيب، لأن أولوية الملف الفلسطيني تفرض حصول تقدم في ملف الحدود والأمن والمياه. إلى ذلك، إن حصول تناقضات في رؤية الأهداف بين رام الله و تل أبيب قد تزيد من اشتداد الصراع، ليتضح أن المرحلة ،ستنقسم إلى مرحلتين حاسمتين، قد تتضح احداها بعد الانتخابات الفلسطينية، أو موجة ثانية للربيع العربي تشمل فلسطين، مما قد يرهق الحكومة الإسرائيلية القادمة. إن لم تدخل في مفاوضات جادة حول السلام و إقرار اعترافها بالدولة الفلسطينية.
نزار القريشي
المفضلات