فاس تتخلص من برج الإهانة
صاحب المبادرات المتناقضة التي تتجاوز حدود محشيات الكرش المنتفخة . صاحب إطلاق التصريحات التي هي تارة كالمدفع المرتدة طلقته . وتارة هي كبخار يخرج من الفم زلات لسان تبقي عليه عبدا لها وهي لا تحمل معنى . وهذا ما يطلق عليه ( السوبر تخلف ) لأن المتخلف هو الذي لا ينتج ما يفيد وطنه وبلده . أما السوبر متخلف فهو الذي يطور التخلف من أجل التجهيل واعتماد التقليد بدل الإبداع بإعلاء قضبان حديد صدئ , علامة للجهل والجهالة . يطلق عليه اسم مجسم برج إيفل , ويحق لي أن أطلق عليه اسم مجسم عمود الإهانة
لا يهمنا التخلف الزمني الذي يجسده تقليد عمل افتتح رسميا في 6 ماي 1889 وتميز بالدقة والضخامة رغم ضعف الأدوات التي كانت متاحة في ذلك العصر . بل الذي يهم هو أن هذه المعلمة مسجلة في لائحة الآثار التاريخية لمدينة باريس . وقد شيده المهندس غوستاف إيفل ليكون مدخلا للمعرض الدولي زيادة في تنمية الاقتصاد الباريسي والفرنسي بينما مجسم التخلف / الإهانة وضع في مدينة مصنفة أصلا تراثا إنسانيا عالميا . فجاء بدون طعم ودون ما هدف فأحرى أن يلعب دورا اقتصاديا تنمويا . بني بدون إشراك أو أخذ رأي أي مهندس ودون دراسة للجدوى كما علمت . أما إذا كان ذلك قد تم فتلك مصيبة أخرى , لأنه عمل يهين سكان مدينة فاس عامة وسكان منطقة زواغة حيث موقع عمود الإهانة مع العلم أنها منطقة لا تستحق هذه الإهانة وسكانها من بني الخير الزواغيين هم الذين اشترى منهم المولى إدريس عدوة القرويين كما اشترى من بني بغرش عدوة الأندلس . ويقول كتاب الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس . للشيخ ابن أبي زرع الفاسي ( وقيل إنه اشترى غيظة لا ترام لكثرة المياه والشجر والسباع والخنازير . اشترى موضع عدوة الأندلس من بني يغرش ثم اشترى عدوة القرويين من بني الخير الزواغيين ) ص 15
وهي إهانة للضحك على الذقون وإيهام السكان أنه نقل إليهم باريس التي لا يمكنهم السفر إليها . وهي إهانة لأن هذا العمود لا يضيف شيئا جماليا ولا سياحيا ولا اقتصاديا فقاعدة برج إيفل تبلغ 15625 مترا مربعا وتحتوي على سوق تجارية . وارتفاعه الكلي 324 مترا وفيه ثلاث أدوار وفي الدور الأول والثاني مطعمان , والبرج قبلة للعديد من العلماء والمهندسين والباحثين لإجراء تجاربهم المختلفة حول الطقس والأرصاد والبث الإذاعي والتلفزي . وعدد زواره منذ افتتاحه يقارب 300 مليون . وعمره لحد الآن 123 سنة . أما برج الإهانة فهو عمود كهرباء في أحسن الأحوال يحتوي على مصابيح كهربائية قوية لم يكتب لها التركيب . والأعمدة الكهربائية المجاورة له أطول منه بقياس طبلة قاعدته , ولا يحتوي على شيء قد يكون له مردود يبرر إنشاءه وتعميده . فما الفائدة من إقامته ؟
وقيل إن ثمن كلفته لا يتعدى 100 ألف درهم . وهذا ما يؤكد أنه لم يخضع لأية دراسة ونخشى عليه أن يكون إهدارا للمال العام . ( وهذا ما تأكد فعلا وقد تم اقتلاعه نهائيا ) وخاصة ونحن نعلم أن برج الأجراس المائل ( بيزا بإيطاليا ) أخطأت دراساته فأغلق سنة 1990 م وتطلب ترميما وإصلاحا ولم يفتح من جديد إلا سنة 2001 للتغلب على مشكل هبوط أرض قاعدته . فهل تعدم مدينة فاس مدينة التراث العالمي معلمة تستحق التقليد – إذا كان ولا بد من التقليد - وبنفس التكلفة أو أقل ؟ وهل المنطقة توفرت لها كل البنى التحتية وكل الأساسيات وخاصة إنارة أحيائها ؟ ألم يكن أجدى – ما دامت الرؤيا جادت على صاحب المبادرات بفكرة تقليد المجسمات – أن يكون المجسد لأحد المعالم الأثرية بالمدينة أو بالمغرب كالساعة البوعنانية أو قطعة فنية من الصناعة التقليدية التي تشتهر بها فاس
إن الواجب يفرض الاعتذار لسكان مدينة فاس وسكان منطقة زواغة على الخصوص والتصريح بأن المجسم ليس إلا عمود كهرباء يساهم في تحسين إنارة الشارع العام – إذا أحسن توزيع أضوائه – وأن من كان وراء إقامته . عرف كم أنه صغير وهو يحاول أن يقلد الصعود إلى الأعلى . فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم
وأخيرا . لا بد من تحية شكر وتقدير للصانع الفنان الذي أتقن التقليد وللعامل الماهر الذي أحسن التلحيم والتركيب
وحيث أنه كان الحذر واجبا من مخاطر زيادة استغلاله من طرف الأطفال عمودا للعبة التسلق . وحتى لا تقع كارثة لا قدر الله . تمت إزالته في غفلة وخلسة ليلية ولم يترك وراءه إلا لوالبه مرماة كما رميت وأهدرت ميزانية إقامته وإزالته
فاس . محمد التهامي بنيس